اللهم

قلت المدون  تم بحمد الله ثم قلت :سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  اللهم تقبل واستجب

Translate

السبت، 18 فبراير 2023

ج7.[ما جاء عن فاطمة رضي الله عنها في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم]

ج7.                 #5#

 [ما جاء عن فاطمة رضي الله عنها في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم]

وثبت عن حماد بن زيد, عن ثابت, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: لما ثقل النبي صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب, فقالت فاطمة عليها السلام: واكرب أباه, فقال لها: «ليس على أبيك كرب بعد اليوم» فلما مات قالت: يا أبتاه أجاب رباً دعاه, يا أبتاه من جنة الفردوس مأواه, يا أبتاه إلى جبريل ننعاه, فلما دفن قالت فاطمة عليها السلام: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب؟!

خرجه البخاري في "صحيحه" لحماد، ورواه ابن ماجه في "سننه" من طريق حماد, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه قالت لي فاطمة عليها السلام: يا أنس, كيف سخت أنفسكم أن تحثوا التراب على رسول الله صلى الله عليه وسلم؟!

وخرج أبو حفص عمر بن شاهين من حديث جعفر بن محمد, عن أبيه, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما رمس رسول الله صلى الله عليه وسلم, وفي رواية: لما رش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة عليها السلام فأخذت قبضة من تراب القبر فوضعته على عينها وبكت وأنشأت تقول:

ماذا على من شم تربة أحمد ... أن لا يشم مدى الزمان غواليا


#6#

صبت علي مصائب لو أنها ... صبت على الأيام عدن لياليا.

وقال أبو بكر محمد بن الحُسَيْن الآجري في كتاب "الشريعة": بلغني أنه لما دفن النبي صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة عليها السلام فوقفت على قبره الشريف وأنشأت تقول:

أمسى بخدي للدموع رسوم ... أسفاً عليك وفي الفؤاد كلوم

والصبر يحسن في المواطن كلها ... إلا عليك فإنه معدوم

لا عيب في حزني عليك لو أنه ... كان البكاء لمقلتي يدوم.

وقال الزبير بن بكار : وحدثني عمي مصعب, عن محمد بن الضحاك قال: لما توفي النبي صلى الله عليه وسلم ورجع المهاجرون والأنصار إلى رحالهم رجع فيمن رجع فاطمة عليها السلام إلى بيتها فقعدت فيه, فلما كان بعد أيام قالت: إنا لله وإنا إليه راجعون, انقطع عنا أخبار السماء, ثم أنشأت تقول:

اغبر آفاق السماء وكورت ... شمس النهار وأظلم العصران


#7#

فالأرض من بعد النبي حزينة ... تبكي عليه كثيرة الرجفان

فليبكه شرق البلاد وغربها ... وليبكه مصر [و] كل يمان

وليبكه الطود المعظم جوه ... وليبكه بيت مع الأركان

نفسي فداؤك ما لرأسك مائلا ... قد وسدوك وسادة الوسنان

يا خاتم الرسل المبارك صنوه ... صلى عليك منزل الفرقان

ويُروَى أنها تمثلت بشعر فاطمة بنت الأحجم:

قد كنت لي جبلاً ألوذ بظله ... فتركتني أمشي بأحرد ضاحي

قد كنت ذات حمية ما عشت لي ... أمشي البراز وكنت أنت جناحي

فاليوم أخضع للذليل وأتقي ... منه وأدفع ظالمي بالراح

وإذا دعت قمرية شجناً لها ... ليلاً على فنن دعوت صباحي


#8#

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عُمر، عن سفيان بن عيينة، عن عَمرو بن دينار، عن أبي جعفر قال: ما رأيت فاطمة عليها السلام ضاحكة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أنه قد تموري في طرف فيها.

وقال يعقوب بن سفيان في "تاريخه": حدثنا أبو بكر الحميدي، حدثنا سفيان، عن عَمرو بن دينار، عن أبي جعفر محمد بن علي قال: ما رأيت فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم ضاحكة بعد النبي صلى الله عليه وسلم ولقد امتروا يوماً في طرف نابها.

قال أبو جعفر: ومكثت بعده ستة أشهر.

وخرجه أبو نعيم في كتابه "الحلية" من حديث عَبْدِ الْجَبَّارِ بْنُ الْعَلَاءِ، حدثنا سُفْيَانُ، عَنْ عَمْرٍو، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ قَالَ: مَا رَأَيْتُ فَاطِمَةَ عليها السلام ضَاحِكَةً بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا يَوْمًا افْترَّتْ بِطَرْفِ نَابِهَا، قَالَ: وَمَكَثَتْ بَعْدَهُ سِتَّةَ أَشْهُرٍ.

وروي أنه لم يهن لأهل المدينة عيش في حياة فاطمة عليها السلام لأنهم كانوا كلما رأوها كئبة حزينة تجدد حزنهم وكدر عليهم عيشهم إلى أن توفيت رضوان الله عليها, وقيل: كانت دموعها على الدوام تجري, وربما كلمت ولا تدري, وما أحقها بما قاله أبو الحسن علي بن حسن بن علي بن ميمون النهري الشاعر الشمسي:


#9#

دع مقلتي تبكي عليك بأدمع ... إن البكاء شفاء قلب الموجع.

ودع الدموع تكد جفني في الهوى ... من غاب عنه حبيبه لم يهجع.

ولقد بكيت عليك حتى رق لي ... من كان فيك يلومني وبكى معي


#10#

&[شدة حزن الصحابة على فراق النبي صلى الله عليه وسلم]&

وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق بن السني الدينوري في كتاب "الطب": حدثنا أحمد بن محمد بن زهير, حدثنا عبيد الله بن سعد, حدثنا عمي, (حدثنا) سيف بن عمر, عن مبشر بن الفضل, عن سالم بن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, عن أبيه قال: كان سبب موت أبي بكر موت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما زال جسمه يحري حتى مات.

وحدث به أبو نعيم في "الطب" عن ابن السني إجازة.

ورواه ابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء" فقال: حدثنا عبيد الله بن سعد القرشي .... فذكره.

حري الشيء يحري حرياً إذا نقص. قاله الزَّبيدي في "مختصر العين".

ومنه قول الراجز: والشيء بعد تمامه يحري.

وقال ابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء" أيضاً: حدثنا عبيد الله بن سعد, حدثنا عمي, (حدثنا) سيف بن عمر, عن عمرو بن محمد


#11#

السعدي, عن العاص بن تمام قال: كان سبب موت أبي بكر رضي الله عنه الكمد على النبي صلى الله عليه وسلم على قوته على أمر الله عز وجل.

وقال إسماعيل بن محمد الصفار: حدثنا إدريس بن يزيد الرملي اللخمي, حدثنا أحمد بن عبد العزيز الواسطي, حدثنا عبد الرزاق, عن معمر, عن الزهري, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: وقف علي بن أبي طالب رضي الله عنه بقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: بأبي وأمي أنت يا رسول الله, والله إن الجزع لقبيح إلا عليك, وإن الصبر لجميل إلا عنك, وإن المصاب بك لجلل, وإنه قبلك وبعدك لجلل وأنشأ يقول:

ما غاص دمع عند نازلة ... إلا جعلتك للبكا سببا

فإذا ذكرتك سامحتك به ... مني الجفون وفاض فانسكبا

إني أجل ثرى حللت به ... عن أن أرى بسواه مكتئباً

ويقال: وقف أعرابي على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا خير الخلق ومحرز فضيلة السبق, إن الألسنة فيك لعيية وإن الأعين فيك لبكية، فلا يبلغك الوصف ولا يدانيك القول, فسواء فيك الناطق والصامت, ولكن اختصر بك الأمر على العجز عن بلوغ حقك, والقيام بوصفك عن أداء شكرك يا من ختمت الدنيا به, وفتحت الآخرة له, ثم أنشأ يقول:

هلا وضعتم رسول الله في سفط ... من الألوة مغشى فوقه الذهبا


#12#

بل أكرم الناس طراً كلهم حسبا ... وأطهر الخلق أما برة وأبا

علق أبو عبد الله طاهر بن محمد بن أحمد بن نصر بن الحُسَيْن الحذاذي البخاري في كتابه "عيون المجالس", وكانت وفاته سنة ست وأربعمائة.

وذكر هذه القصة غيره, فقال: وروي أن أعرابياً شهد دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:

هلا دفنتم رسول الله في سفط ... من الألوة أحوى ملبساً ذهبا

أو في سحيق من المسك الذكي ولم ... ترضوا لجنب رسول الله متربا

خير البرية أتقاها وأكرمها ... عند الإله إذا ما ينسبون أبا

فقال له أبو بكر رضي الله عنه: إني لأجو أن يغفر لك الله بما قلت إلا أن هذه سنتنا.

وقال أبو بكر ابن أبي الدنيا في كتاب "الخائفين" من تأليفه: حدثنا محمد بن علي بن الحَسن بن شقيق, أخبرنا خاقان بن عبد الله, عن عبد الله بن المبارك: أن امرأة قالت لعائشة: اكشفي لي عن قبر النبي صلى الله عليه وسلم فكشفت لها عنه فبكت حتى ماتت رحمها الله تعالى.


#13#

وقال أبو بكر أحمد بن محمد بن الفضل الأهوازي في كتابه "المنود من وفود القبائل": حدثني محمد بن الحسن النيسابوري, حدثني أحمد بن بيان الخفاف, حدثنا عبد الله بن أحمد البلوي أبو محمد – بمصر في محرس النحل – حدثنا عمارة بن زيد, حدثني صالح بن سماعة الطائي يرفع الخبر إلى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قدمت أم رعلة القشيرية مع زوجها أبي رعلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانت ذات لسان, فقالت: يا رسول الله, نحن معتقدات الخدور, ومحل آزار البعول, ومربيات الأولاد, وممهدات المهاد, لا حظ لنا في الجهاد إلا في الجيش الأعظم – يعني: المقابر – من بعد الكبر والهرم, فدلنا على ما يقربنا من ربنا صلى الله عليك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عليكن بذكر الله في آناء الليل وآناء النهار, وبخفض الصوت وغص الطرف, وشدة التوقير لبعولتكن, فإنكن إذا فعلتن ذلك كنتن في موازين حسنات الرجال».

قال ابن عباس: فقالت أم رعلة: يا رسول الله, أنا كلفة بما ينفعني – يعني عجوله في الكلام – فتجوز لي وإن غلظت, صلى الله عليك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هات ما أنت قائلة» قالت: يا رسول الله, أنا مقينة – تقول: ماشطة – أزين النساء لأزواجهن, فهل هو من حوب فأميط عنه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل هو خير, فزينيهن ما استطعت, ونفقيهن إن كسدن».


#14#

قال ابن عباس: فغابت أم رعلة وغبرت حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قدمت المدينة في ردة مسيلمة, وأبو بكر رضي الله عنه المستخلف, فوقفت على مجلس أبي بكر رضي الله عنه فقامت والناس مجتمعون, فقالت: السلام عليك يا رسول الله, فضج المسلمون بالبكاء, وقالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت: فمن المستخلف بعده؟ قالوا: أبو بكر الصديق رضي الله عنه فقالت: صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الغار؟ قالوا: نعم, قالت: فهل بقي من ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم أحد توجد منه رائحة النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقيل لها: نعم, سيري إلى منزل فاطمة – وكانت إحدى من قينتها وزينتها ليلة بني بها على علي بن أبي طالب رضي الله عنه فوقفت بباب منزل فاطمة فصوتت فخرج عليها حسن وحُسَيْن فقالت: أين أمكما نفسي فداؤكما؟ فقالا: قبض جدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولحقته أمنا, فحملت حسناً وحُسَيْنا على عاتقيها فجالت بهما المدينة تبكي على رسول الله صلى الله عليه وسلم وفاطمة رضي الله عنها وهي تقول:

حسرت يا أسفا عن قوس ميتته ... لقد رماني الردى عن قوس غدار

لم يخط لما رمى قلبي بأسهمه ... فجرها كأشابيب من النار

يا أيها المصطفي عند الحريض لقد ... أوهنت في كبدي صدعاً بأضرار

لو كنت شاهدة والموت يحضره ... لمت قبل رسول الخالق الباري


#15#

يا دار فاطمة المعمور ساحته ... هيجت لي حزناً حييت من دار

فأقامت بالمدينة مأتماً ولم يبق دار بالمدينة إلا وأهلها باكون على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: فلقد بلغنا بعد خروجها أنها لم تقطع البكاء على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى فارقت الدنيا ولحقت بالله عز وجل.

هذا حديث إسناده واه جداً, مع أنه معضل, وقد اختلف فيه: فرواه أبو العباس جعفر بن محمد بن المعتز المستغفري وجادة, فقال: وجدت في كتاب أحمد بن عبد العزيز المكي بخطه يذكر: أن أبا عبد الله محمد بن علي بن الحُسَيْن البلخي حدثه في حجرته في خان البزار بن بنسف, حدثني محمد بن عمرو بن موسى بمكة في داره, أملاه علي, حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد البلوي المدني بالمدينة, حدثنا عمارة بن زيد المدني, حدثني إبراهيم بن سعد, حدثني محمد بن إسحاق, حدثني يحيى بن عبد الله بن الحارث ابن نوفل بن الحارث بن عبد المطلب, عن أبيه, عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: قدمت القشيرية مع زوجها أبي رعلة على رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانت امرأة بدوية ذات لسان ... وساق الحديث بنحو الأول.

وجاء من طريق أخرى إلى ابن عباس رضي الله عنهما حدث به أبو محمد جعفر بن محمد بن أحمد بن يحيى بن عاصم بن مهران الفقيه, عن أبي القاسم جعفر بن محمد بن إبراهيم السرنديبي في مسجد الجامع, حدثنا أبو بكر


#16#

عمر بن سعيد بن أحمد بن سنان, حدثنا المصفى, حدثنا الوليد بن مسلم, حدثنا الأوزاعي, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وفدت إلى النبي صلى الله عليه وسلم امرأة يقال لها أم رعلة القشيرية, وكانت امرأة ذات لسان وفصاحة ... وذكر الحديث.

قال أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني: هذا الإسناد لا يحتمل مثل هذا الحديث, والحمل فيه فيما أرى على السرنديبي هذا فإنه غير مشهور, ولا مذكور في شيء من كتب أصبهان, وباقي الإسناد مشهورون.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر, عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي, عن أبيه قال: لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم أذن بلال ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقبر, فكان إذا قال: "أشهد أن محمداًً رسول الله" انتحب الناس في المسجد, قال: فلما دفن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له أبو بكر رضي الله عنه: أذن, فقال له: إن كنت إنما أعتقتني لأن أكون معك فسبيل ذلك إليك, وإن كنت أعتقتني لله فخلني ومن أعتقتني له, فقال: ما أعتقتك إلا لله, قال: فإني لا أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فذاك إليك, قال: فأقام حتى خرجت بعوث الشام فسار معهم حتى انتهى إليها.


#17#

وقال أحمد بن عمير بن جوصا: حدثنا عمرو بن عثمان, حدثنا بقية بن الوليد, عن محمد بن زياد, عن السلف أنهم قالوا: لما أسلم بلال مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع برسول الله صلى الله عليه وسلم, وبمخرجه, أقبل إليه فأسلم قال: فأخذه مواليه فأوتدوا له أربعة أوتاد, فربطوا بها يديه ورجليه, ثم جعلوا يدخلون في فيه خرؤ كلب ويقولون: لم تتبع الصابئ؟ ثم قالوا: هذا مكانك أو تخرج مما دخلت فيه، قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا بكر رضي الله عنه وقال: «اذهب إليهم, لعل الله يهيئ لك شراءه» قال: فأتاهم أبو بكر رضي الله عنه فقال: هل لكم أن تبيعوه؟ قالوا: نعم, قال: بكم؟ قالوا: بكذا وكذا دينار, قال أبو بكر رضي الله عنه: قد أخذته, قال: فدفع إليهم ثمنه, ثم جعل يأتي وتداً وتداً فيحله, ثم يقول: اللهم هذا لك حتى فرغ منها, ثم قال أبو بكر: والله لو سألتموني في مثل ثمنه كذا وكذا مرة لأخذته منكم, قال: يقولون هم: والله لو لم تعطنا به إلا دون ما أعطيتنا بكذا وكذا لبعناكه, قال: فلما توفي النبي صلى الله عليه وسلم أراده أبو بكر رضي الله عنه على أن يؤذن له فأبى, ثم أراده فأبى, فلما أكثر عليه قال له بلال: يا أبا بكر, إن كنت إنما اشتريتني عبداً فاصنع بي ما بدا لك, وإن كنت إنما اشتريتني لله فدعني – أو قال: خلني – فقال له أبو بكر رضي الله عنه: بل اشتريتك لله, فاذهب حيث شئت.

وقال أبو عروبة الحُسَيْن بن محمد بن مودود الحراني في كتابه "الطبقات": حدثنا المسيب بن واضح, حدثنا ابن المبارك, عن معمر, عن عطاء الخراساني, عن سعيد بن المسيب قال: لما كانت خلافة أبي بكر رضي الله عنه تجهز بلال إلى الشام فقال له أبو بكر رضي الله عنه: ما كنت


#18#

أراك يا بلال تدعنا على هذه الحالة, لو أقمت معنا فأعنتنا, قال بلال: إن كنت إنما أعتقتني لله عز وجل فدعني أذهب إلى الله تعالى, وإن كنت إنما أعتقتني لنفسك فاحبسني عندك, فأذن له أبو بكر رضي الله عنه فخرج إلى الشام فمات بها في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

قال لنا أبو موسي: مات سنة إحدى وعشرين.

وقال ابن سعد: أخبرنا روح بن عبادة وعفان بن مسلم وسليمان بن حرب, قالوا: حدثنا حماد بن سلمة, عن علي بن زيد, عن سعيد بن المسيب: أن أبا بكر رضي الله عنه لما قعد على المنبر يوم الجمعة قال له بلال: يا أبا بكر, قال: لبيك, قال: أعتقتني لله أو لنفسك؟ [قال: لله] قال: فأذن لي حتى أغزو في سبيل الله تعالى, فأذن له, فذهب إلى الشام, فمات ثم.

وما أشبه هذه القصة غماً وحزناً بقصة أويس القرني حساً ومعنى.

قال أحمد بن أبي الحواري: سمعت أبا سليمان يقول: حج أويس ودخل المدينة فلما وقف على باب المسجد قيل له: هذا قبر النبي صلى الله عليه وسلم. قال: فغشي عليه, فلما أفاق قال: أخرجوني فليس بلادي بلداً محمد صلى الله عليه وسلم فيه مدفون.

صرح أويس بما كتمه سيد المؤذنين, وأظهر ما أخفاه في فؤاده الحزين, وبلال عرض بالجهاد, والخروج إلى البلاد, وذلك حين صارت أفئدة المؤمنين حزينة لفقد المصطفي صلى الله عليه وسلم حياً بالمدينة, فخرج


#19#

هارباً عنها بلال قائلاً عنه لسان الحال:

ولما نأى الأحباب عني وأعرضوا ... ولم أرج بعد البين من نحوهم قربا

خرجت بنفسي هارباً عن ديارهم ... لئلا ترى العينان ما يؤلم القلبا

وبلغنا أن بلالاً رضي الله عنه لم يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم, فلما قدم عمر رضي الله عنه الشام لقي بلالاً فأمره فأذن.

قال الحافظ أبو محمد علي بن أحمد بن حزم: لم يؤذن بلال لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا مرة واحدة بالشام للظهر أو للعصر فقط, ولم يستتم الأذان فيها أيضاً.

ذكره في كتابه "المحلى".

وقال البخاري في "تاريخه الأوسط": حدثنا يحيى بن بشر, حدثنا قراد, أخبرنا هشام بن سعد, عن زيد بن أسلم, عن أبيه قال: قدمنا الشام مع عمر رضي الله عنه فأذن بلال فذكر الناس النبي صلى الله عليه وسلم, فلم أر يوماً أكثر باكياً منه.

كان ديوان بلال في خثعم.

وخرج أبو بكر محمد بن إبراهيم بن مهدي في "فتوح الشام" من طريق عطاء بن عجلان, عن أبي نضرة, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قصة ذكر فيها قدوم عمر إلى الشام, وفتحه بيت المقدس, وفيها قال: فقال عمر:


#20#

يا بلال, ألا تؤذن لنا؟ فقال: يا أمير المؤمنين, ما أردت أن أؤذن لأحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكني سأطيعك إذ أمرتني في هذه الصلاة وحدها, فلما أذن بلال سمعت الصحابة أذانه بكوا بكاءً شديداً وكان أطول الناس بكاءً يؤمئذٍ: عقبة بن عامر, ومعاذ بن جبل, فقال لهما عمر: حسبكما رحمكما الله.

وجاء أن بلالاً رضي الله عنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه يقول له: ما هذه الجفوة, أما آن لك أن تزورني؟ فانتبه وركب راحلته حتى أتى المدينة فذكر أنه أذن بها فارتجت المدينة, فما رئي يوم أكثر باكياً بالمدينة من ذلك اليوم.

وفي كتاب "الرسالة في الصلاة" عن الإمام أحمد بن حنبل رواية مهنا بن يحيى الشامي عنه قال: لأن الحديث جاء عن بلال رضي الله عنه أنه لم يؤذن لأحد بعد النبي صلى الله عليه وسلم إلا يوماً واحداً إذ أتى مرجعه من الشام, ولم يكن للناس عهد بأذانه حيناً فطلب إليه أبو بكر رضي الله عنه وأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم فأذن, فلما سمع أهل المدينة صوت بلال وذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعد طول عهدهم بأذان بلال وصوته جدد ذلك في قلوبهم أمر النبي صلى الله عليه وسلم وشوقهم أذانه إليه حتى قال بعضهم: بعث النبي صلى الله عليه وسلم؛ شوقاً منهم إلى رؤيته, فلما هيجهم بلال عليه بأذانه وصوته فرقوا عند ذلك وبكوا واشتد بكاؤهم عليه صلى الله عليه وسلم حتى خرج العواتق من خدورهن شوقاً


#21#

إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين سمعن صوت بلال وأذانه وذكر النبي صلى الله عليه وسلم, ولما قال بلال: "أشهد أن محمداً رسول الله" امتنع من الأذان فلم يقدر عليه، وقال بعضهم: سقط مغشياً عليه حباً للنبي صلى الله عليه وسلم, وشوقاً إليه, فرحم الله بلالاً والمهاجرين والأنصار ورضي عنهم, وجعلنا وإياكم من التابعين لهم بإحسان.

كنية بلال: أبو عبد الله, وقيل: أبو عمرو, وقيل: أبو عبد الكريم، ومات بدمشق, قاله الجمهور, وذكر عثمان بن خرزاذ, عن شيخ له أنه مات بحلب, وهو قول ضعيف.

وكانت وفاته سنة عشرين زمن عمر رضي الله عنه. هذا قول محمد بن إبراهيم التيمي, وابن إسحاق, وأبي عمر الضرير والجمهور.

وتقدم قول أبي عروبة الحراني، عن أبي موسى – وهو محمد بن المثنى العنزي -: أن بلالاً رضي الله عنه مات سنة إحدى وعشرين.

وقال يحيى بن بكير: توفي ابن بضع وستين سنة – رحمه الله ورضي عنه.

وكان من مولدي السراة فيما بين اليمن والطائف.

وكان رجلاً آدم شديد الأدمة نحيفاً طوالاً أحنى, له شعر كثير, خفيف العارضين, شمط كثير لا يغيره. قاله مكحول.

وقال أبو عروبة الحُسَيْن بن أبي معشر الحراني في كتابه "الطبقات": حدثنا مؤمل بن هشام, حدثنا إسماعيل, عن الجريري, عن أبي الورد،


#22#

عن عمرو ابن مرداس قال: أتيت الشام أتية فإذا أنا برجل حبشي غليط الشفتين أو قال: ضخم الشفتين والأنف, وإذا بين يديه سلاح فيه ألوية وهو يقول: يا أيها الناس, خذوا من هذا السلاح, فاستصلحوه وجاهدوا في سبيل الله عز وجل, قلت: من هذا؟ قالوا: بلال.

وقال الإمام أحمد في "العلل": حدثنا أبو بكر بن عياش, حدثنا حبيب بن أبي ثابت: أن أبا بكر أعتق بلالاً رضي الله عنهما فلما قبض النبي صلى الله عليه وسلم كره المقام, فقال أبو بكر: اذهب حيث شئت, فخرج إلى الشام, فمات بالشام.

وتقدم عن سعيد بن المسيب نحوه.

وذكر أبو حسان الحسن بن عثمان في ذكر سنة عشرين من الهجرة, قال: وفيها مات بلال بن رباح مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن تسع وستين سنة, ويقال: إنه كان ترب أبي بكر رضي الله عنهما ودفن عند باب الصغير, ويكنى أبا عبد الله.

وكلام أبي حسان هذا حدث به الواقدي, عن موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي, عن أبيه قال: توفي بلال بدمشق سنة عشرين, ودفن عند الباب الصغير في مقبرة دمشق وهو ابن بضع وستين سنة, وذلك في خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقال: سمعت شعيب بن طلحة – من ولد أبي بكر: كان بلال ترب أبي بكر رضي الله عنهما.


#23#

وقال أبو عبد الملك أحمد بن إبراهيم القرشي في كتابه "الطبقات": بلال ابن رباح يكنى أبا عبد الله, مات بالشام بدمشق, ودفن في مقبرة باب كيسان, مات سنة عشرين وهو ابن بضع وستين سنة لا يغير – يعني شيبه.

وقال: قال أبو أيوب – يعني سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي -: سمعت الوليد يقول: دفن بلال بباب كيسان.

وروي أنه مات بداريا ودفن بها.

وجاء عن يزيد بن هارون, حدثنا حسام بن مصك, حدثنا قتادة, عن القاسم بن ربيعة, عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «نعم المرء بلال, وهو سيد المؤذنين».

ولما ترك بلال الأذان أتى أبو بكر رضي الله عنه لسعد القرظ بن عائذ, ويقال: ابن عبد الرحمن مولى عمار بن ياسر.

قال البخاري في "تاريخه الأوسط": يظن بعض الأنصار أن سعداً هذا من الأنصار, وليس هو من الأنصار, وهو مولى لقريش. انتهى.


#24#

فأتى به أبو بكر رضي الله عنه من قباء مؤذناً بمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتوارث بنوه عنه الأذان إلى أيام مالك بن أنس وبعده.

وقيل: إنما من قباء عمر رضي الله عنه وكان النبي صلى الله عليه وسلم جعله مؤذناً بقباء.

ذكره أبو عمر ابن عبد البر.

وخرج الحاكم في "المستدرك" من طريق بقية: حدثنا الزبيدي, عن الزهري, عن حفص بن عمر بن سعد القرظ: أن أباه وعمومته أخبروه أن سعد القرظ كان مؤذناً لأهل قباء, فانتقله عمر بن الخطاب, فجعله مؤذناً.

وقال حماد بن إسحاق: حدثنا الزبير بن أبي بكر, حدثني ذؤيب بن عمامة, عن عبد الرحمن بن سعد, عن عمر وعامر ابني حفص, ومحمد بن عمار, عن آبائهم, عن أجدادهم, عن سعد القرظ رضي الله عنه قال: خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم فرأيت الزنج يتراطنون حين رأوه ليس معه أحد, ولم يدر به الناس, قال: فارتقيت على نخلة, فأذنت, قال: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا يا سعد, من أمرك بهذا؟» قال: قلت: يا رسول الله, بأبي أنت وأمي, إني رأيت الزنج يتراطنون ولم يكن معك أحد فخفتهم عليك, فأردت أن يعلم أنك قد جئت حتى يجتمع الناس, فقال: «أصبت, إذا لم يكن معي بلال فأذن».


#25#

قال: وكان النجاشي قد أهدى له صلى الله عليه وسلم عنزتين فأعطى بلالاً واحدة, فكان يمشي بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي, قال: فجاء بلال إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن أفضل أعمالكم الجهاد في سبيل الله» وقد أردت الجهاد, فقال له أبو بكر: أسألك بحقي إلا ما صبرت, إنما هو اليوم أو غداً حتى أموت, فأقام بلال معه يمشي بالعنزة بين يديه حتى توفي أبو بكر رضي الله عنه, فجاء إلى عمر رضي الله عنه فقال له كما قال لأبي بكر, فسأله عمر بما سأله أبو بكر رضي الله عنهما فأبى, قال: فمن يؤذن؟ قال: سعد القرظ؛ فإنه قد كان أذن بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأعطاه العنزة, فمشى بها بين يدي عمر رضي الله عنه حتى قتل, ثم بين يدي عثمان رضي الله عنه, ثم لم يزل يمشي بين يدي الأمراء ... هلم جرا, قال: حتى قدم علينا أمير المؤمنين المهدي, فغدونا بها, قال: وإذا الحراب قد طلع بها من كل وجه, فقلنا: إن عنزة النبي صلى الله عليه وسلم لا يمشى معها بحربة, فرد الحراب, ومشينا بها بين يديه حتى غرزناها في القبلة, قال: وأتي بدابة ليركبها, فقلت له: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى المصلى ماشياً ذاهباً وراجعاً.

تابعه فيما رواه حماد أيضاً أبو ثابت محمد بن عبد الله المدني, عن عبد الرحمن بن سعد بنحوه مختصراً, إلا أنه قال: عن عبد الله بن محمد بن عمار مكان محمد بن عمار, فزاد عبد الله.

وفيه أن النجاشي بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عنزات, وسيأتي – إن شاء الله تعالى – فيما بعد.


#26#

وحدث به ابن سعد في "الطبقات" عن إسماعيل (بن عبد الله) بن عبد الله ابن أبي أويس المدني قال: حدثني عبد الرحمن بن سعد بن عمار بن سعد (المؤذن, حدثني عبد الله بن محمد بن عمار بن سعد, وعمار بن حفص بن عمر بن سعد), وعمر بن حفص بن عمر بن سعد, عن آبائهم, عن أجدادهم أنهم أخبروهم أن النجاشي الحبشي بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بثلاث عنزات .. وذكر الحديث بطوله.

وسعد سمي سعد القرظ للزومه التجارة فيه.

قال البخاري في "تاريخه الأوسط": حدثني إسماعيل بن أبي أويس قال: سألت بعض ولد سعد: لما سمي القرظ؟

قال: لأنه كان يتجر, فكلما اتجر في شيء نقص حتى اتجر في القرظ, فربح, فلزم التجارة فيه.

وبعد أن توفي النبي صلى الله عليه وسلم تكلم أبو بكر وعمر رضي الله عنهما في أمر جيش أسامة بن [زيد كما تقدم من طريق هلال بن زيد بن حسن بن أسامة بن زيد بن حارثة, عن آبائه.

وروى هشام بن عروة, عن أبيه قال: جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول – (في مرضه -: «أنفذوا جيش أسامة»), فسار حتى بلغ الجرف, فأرسلت إليه امرأته فاطمة بنت قيس تقول]: لا تعجل؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثقيل,


#27#

فلم يبرح حتى قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما قبض رجع إلى أبي بكر رضي الله عنه فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثني وأنا على غير حالكم هذه, وأنا أتخوف أن تكفر العرب, وإن كفرت كانوا أول من يقاتل, وإن لم تكفر مضيت, فإن معي سروات الناس وخيارهم.

قال: فخطب أبو بكر رضي الله عنه الناس, ثم قال: والله لأن يخطفني الطير أحب إلي من أن أبدأ بشيء قبل أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال فبعثه أبو بكر واستأذن لعمر أن يتركه عنده, وأمر أن يحرز في القوم – أي: يقطع الأيدي والأرجل والأوساط في القتال.

قال: فمضى حتى أغار, ثم رجعوا وقد غنموا وسلموا, فكان عمر رضي الله عنه يقول: ما كنت لأحيي أحداً بالإمارة غير أسامة؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبض وهو أمير, قال: فسار فلما دنوا من الشام أصابتهم ضبابة شديدة فسار بهم حتى أغاروا وأصابوا حاجتهم, قال: فقدم بنعي رسول الله صلى الله عليه وسلم على هرقل وإغارة أسامة في ناحية أرضه خبراً واحداً, فقالت الروم: ما بال هؤلاء يموت صاحبهم وأغاروا على أرضنا؟.

وحدث عبد الله بن لهيعة, عن أبي الأسود, عن عروة قال: فلما فرغوا من البيعة واطمأن الناس قال أبو بكر لأسامة بن زيد رضي الله عنهم: انهض وامض لوجهك, فكلمه رجال من المهاجرين والأنصار, وقالوا: أمسك


#28#

أسامة وبعثه, فإنا نخشى أن تميل علينا العرب إذا سمعوا بوفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا أحبس جيشاً بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم! لقد اجترأت على أمر عظيم, والذي نفسي بيده, لأن تميل علي العرب أحب إلي من أن أحبس جيشاً بعثهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, امض يا أسامة في جيشك للوجه الذي أمرت به, ثم اغز حيث أمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم من ناحية فلسطين, وعلى أهل مؤتة, فإن الله تعالى سيكفي ما تركت, ولكن إن رأيت أن تأذن لعمر, فأستشيره وأستعين به فافعل, ففعل أسامة, ورجع عامة العرب عن دينهم, وعامة أهل المشرق, وغطفان, وأسد, وعامة أشجع, وتمسكت طيئ بالإسلام.

وقال الزهري: سار أسامة في ربيع الأول حتى بلغ أرض الشام, وانصرف, فكان مسيره ذاهباً وقافلاً أربعين يوماً.

وقيل: كان أسامة حينئذ ابن عشرين سنة.


#29#

&[الاختلاف في سنه وتأريخ وفاته صلى الله عليه وسلم]&

وتوفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. هذا هو الصحيح.

وثبت عن عائشة وأنس رضي الله عنهما وهو قول ابن عباس في المشهور عنه, وقول جرير بن عبد الله ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهم.


#30#

ولذلك جاء عن عمران أبي نصر الضبعي – إن كان محفوظاً – فروى حجاج بن منهال, وعفان بن مسلم, عن حماد بن سلمة, عن أبي جمرة نصر بن عمران الضبعي, عن أبيه عمران الضبعي أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثلاث وستين.

هكذا حدث به حماد بن سلمة, فوهم فيه, والصواب عن أبي جمرة, عن ابن عباس, قاله أبو عبد الله محمد بن منده.

وبهذا القول في سن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي قال سعيد بن المسيب, والحسن البصري, فيما رواه عنه أشعث الحمراني, وقال كذلك, والقاسم بن محمد, والشعبي, وأبو جعفر محمد بن علي بن الحُسَيْن, وأبوه علي بن الحُسَيْن, وأبو إسحاق السبيعي, ومحمد بن إسحاق وغيره.

وثبته محمد بن سعد, فقال: وهو الثبت إن شاء الله تعالى.

وصححه البخاري, وأبو عمر ابن عبد البر, والجمهور.

وقيل: توفي على رأس ستين سنة من عمره, صح ذلك عن أنس رضي الله عنه في حديث صفة النبي صلى الله عليه وسلم, فقال فيه: وتوفاه الله عز وجل على رأس ستين سنة.. الحديث.


#31#

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا عبد الصمد بن عبد الوارث, حدثنا أبي, حدثنا نافع أبو غالب الباهلي, شهد أنس بن مالك رضي الله عنه قال: فقال العلاء بن زياد العدوي: يا أبا حمزة, بسن أي الرجال كان نبي الله صلى الله عليه وسلم إذ بعث؟ قال: ابن أربعين سنة, قال: ثم كان ماذا؟ قال: ثم كان بمكة عشر سنين, وبالمدينة عشراً (كذا), فتمت له (ستون) سنة, ثم قبضه الله عز وجل إليه, قال: بسن أي الرجال هو إذ عقل؟ قال: كأشب الرجال وأحسنه وأجمله وألحمه .... وذكر الحديث, وقد قدمنا أوله.

وجاءت رواية عن أنس بخلاف ذلك في "صحيح مسلم" من حديث عثمان بن زائدة, عن الزبير بن عدي, عن أنس رضي الله عنه قال: قبض النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين, وقبض أبو بكر رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين, وقبض عمر رضي الله عنه وهو ابن ثلاث وستين.

وبذلك قال عروة بن الزبير ومالك بن أنس.

وقال هشام بن حسان, عن الحسن قال: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستين سنة.


#32#

وقيل: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمره خمس وستون سنة.

قال أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا إسماعيل – هو ابن علية – عن خالد الحذاء, حدثني عمار-مولى بني هاشم, سمعت ابن عباس رضي الله عنهما – يقول: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين.

تابعه أبو خيثمة زهير بن حرب وأبو بكر ابن أبي شيبة, عن ابن علية.

وهو عند أبي بكر ابن أبي شيبة, عن وكيع, عن سفيان, عن خالد.

ورواه بشر بن المفضل, عن خالد الحذاء به.

تابعه يونس بن عبيد, عن عمار وهو ابن أبي عمار.

قال البخاري في "تاريخه الصغير": ولا يتابع عليه, وكان شعبة يتكلم في عمار.

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا عفان.


#33#

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا خالد بن خداش قالا واللفظ لعفان: حدثنا يزيد بن زريع, حدثنا يونس, عن عمار – مولى بني هاشم – سألت ابن عباس رضي الله عنهما كم أتى لرسول الله صلى الله (عليه وسلم يوم مات؟ قال: ما كنت أرى مثلك من قومه يخفى عليك ذاك, قال: قلت: إني قد سألت فاختلف) علي, فأحببت أن أعلم قولك فيه. قال: أتحسب؟ قلت: نعم, قال: أمسك أربعين بعث لها, وخمس عشرة أقام بمكة يأمن ويخاف, وعشراً مهاجره بالمدينة.

وحدث به يعقوب بن سفيان في "التاريخ" عن هدبة بن خالد, حدثنا وهيب بن خالد, عن يونس بن عبيد .... فذكره.

تابعه معلى بن أسد, عن وهيب.

وقد وردت متابعة لعمار وهي ما رواه أحمد في "مسنده" عن هشيم, والطبراني في "معجمه الكبير" من حديث هشيم, عن علي بن زيد, عن يوسف بن مهران, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين.

وحدث به ابن سعد, عن سعيد بن سليمان, عن هشيم, ويعقوب


#34#

ابن سفيان في "التاريخ" عن زياد بن أيوب, عن هشيم, وابن أبي خيثمة في "تاريخه" عن أحمد بن حنبل, عن هشيم.

ورواه أبو علي حنبل بن إسحاق في "تاريخه" فقال: حدثني أبو عبد الله – يعني: أحمد بن حنبل – حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, حدثنا خالد الحذاء, حدثنا عمار – مولى بني هاشم – سمعت ابن عباس رضي الله عنهما قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين.

وقال الطبراني في "المعجم الكبير": حدثنا إسحاق, عن عبد الرزاق, عن ابن جريج, عن أبي الحويرث, عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم مات وهو ابن خمس وستين, وأبو بكر رضي الله عنه وهو بمنزلته, وعمر بن الخطاب ابن ست وخمسين, وعثمان ابن إحدى وثمانين.

وحدث محمد بن عمر – هو الواقدي -, عن ابن أبي سبرة, عن عثمان بن عبد الله بن رافع, عن عكرمة (قال): قال ابن عباس: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن أربعين, وأقام بمكة خمس عشرة سنة, وهاجر عشراً, وقبض وهو ابن خمس وستين.

ويروى عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن خمس وستين.

وقال أحمد بن حنبل: حدثنا معاذ بن هشام, حدثني أبي, عن قتادة,


#35#

عن الحُسَيْن, عن دغفل بن حنظلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين.

تابعه إسحاق بن راهويه وبندار ومحمد بن أبان البلخي, عن معاذ.

وحدث به أبو زرعة الدمشقي في "تاريخه" عن عبيد الله بن عمر – هو القواريري -, حدثنا معاذ بن هشام.. فذكره.

وخرجه يعقوب بن سفيان في "التاريخ" فقال: حدثني أبو بشر وشباب قالا: حدثنا معاذ بن هشام.. فذكره.

وحدث به ابن أبي خيثمة في "تاريخه" عن أحمد بن حنبل ومثنى بن معاذ, قالا: حدثنا معاذ بن هشام.. فذكره.

وعلقه البخاري في "تاريخه الكبير" فقال علي: حدثنا معاذ, حدثنا أبي.. فذكره, وقال: هو السدوسي الذهلي الشيباني, وقال: ولا يتابع عليه, ولا يعرف سماع الحسن من دغفل, ولا يعرف لدغفل إدراك النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال ابن عباس وعائشة ومعاوية رضي الله عنهم: توفي النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثلاث وستين. وهو أصح.


#36#

وعلق ابن الجوزي في كتابه "التلقيح" عن أحمد بن حنبل أنه قال: أرى له صحبة – يعني: دغفل – وهذا غير المشهور عن أحمد.

وقال عبد الرحمن ابن أبي حاتم: أخبرنا حرب بن إسماعيل فيما كتب إلي قال: قلت لأحمد بن حنبل: دغفل بن حنظلة له صحبة؟ قال: ما أعرفه.

(قال الذهبي فيث كتابه "الميزان": ويقال: له صحبة. ولم يصح. وقال أحمد بن حنبل: ما أعرفه). قلت: يكفي في جهالته كون أحمد ما عرفه. انتهى.

وتأويل الذهبي هذا ليس بصحيح؛ لأن حرب بن إسماعيل لما سأل أحمد عن دغفل: له صحبة؟ فقال: ما أعرفه – يعني: ما أعرفه بصحبة – وكذا أوله عبد الرحمن ابن أبي حاتم, قال: يعني ما تعرف له صحبة أم لا.

ومما يوضح ذلك ما قال أبو بكر أحمد بن محمد الأثرم, عن أحمد بن حنبل أنه قال: قد سمعت منه – يعني: معاذ بن هشام – حديث دغفل بن حنظلة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وهو ابن خمس وستين, قلت لأبي عبد الله:


#37#

دغفل بن حنظلة له صحبة؟ فقال: لا, ومن أين له صحبة؟ هذا كان صاحب نسب.

قيل لأبي عبد الله: روي عنه غير هذا الحديث؟ فقال: نعم, حديث آخر يرويه أبان العطار, فذكر حديث صوم النصارى.

قال أبو عبد الله: لا أعلمه روي عن دغفل غيرهما.

وذكر محمد بن سعد دغفل في الطبقة الأولى من أهل البصرة وقال: لم يسمع من النبي صلى الله عليه وسلم.

وذكره في الكبير في الطبقة الأولى من تابعي أهل البصرة فقال: أدرك النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه شيئاً, وفد على معاوية بن أبي سفيان وكان له علم ورواية للنسب وعلم به.

جاءت له آثار تشهد بذلك, وله قصة مع طلبة بن قيس من بني سعد مناة جرت في الجاهلية بينهما في النسب, خرجها أبو بكر محمد بن المرزبان في كتابه "المروءة".

وقد جاء حديث يفصح برؤية دغفل للنبي صلى الله عليه وسلم, لكنه لا يثبت, وقد تقدم بطوله في أوائل الهجرة.

وهو دغفل بن حنظلة بن زيد بن عبدة بن عبد الله بن ربيعة بن عمرو بن شيبان بن ذهل.

ودغفل هذا خرج مع مسلم بن عيسى بن كريز إلى قتال الأزارقة فغرق في الماء منهزماً.


#38#

ودغفل في اللغة: ولد الفيل, والدغفل أيضاً: الزمن الخصيب.

قال محمد بن سواء: حدثنا (أبو) العوام شيبان بن زهير بن شقيق بن ثور, حدثنا قتادة, عن عمران بن حطان, عن دغفل (قال): قال لي معاوية: يا دغفل من أين علمت هذا العلم؟ قال: علمنيه يا أمير المؤمنين لسان سئول وقلب عقول.

وروينا من طريق ابن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا أبو هلال, عن قتادة, عن عبد الله بن بريدة: أن معاوية دعا دغفلاً فسأله عن أنساب الناس, وسأله عن النجوم فإذا رجل عالم, فقال: يا دغفل من أين حفظت؟ قال: حفظت بقلب عقول, ولسان سئول, وإن غائلة العلم النسيان, فقال معاوية: انطلق إلى يزيد فعلمه أنساب الناس, وعلمه النجوم, وعلمه العربية.

والحديثان اللذان لا يروى عن دغفل غيرهما خرجهما الطبراني في "معجمه الكبير" فقال: حدثنا موسى بن هارون, حدثنا إسحاق بن راهويه, حدثنا معاذ بن هشام, حدثني أبي, عن قتادة, عن الحسن,


#39#

عن دغفل بن حنظلة قال: كان على النصارى صوم شهر رمضان, وكان عليهم ملك, فمرض, فقال: لئن شفاني الله لأزيدن عشراً, ثم كان عليهم ملك بعده فأكل اللحم فوجع, فقال: لئن شفاه الله تعالى ليزيدن ثمانية أيام, ثم كان بعده ملك فقال: ما ندع من هذه الأيام أن نتمها ونجعل صومنا في الربيع, ففعل, فصارت خمسين يوماً.

وبه عن دغفل بن حنظلة قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن خمس وستين سنة.

وخرج الأول البخاري أيضاً في "تاريخه الكبير" عن إسحاق – يعني: ابن راهويه – مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم مختصراً.

وخرج الثاني الترمذي في "الشمائل" عن بندار ومحمد بن أبان البلخي, عن معاذ بن هشام به.

وقال: دغفل لا نعرف له سماعاً من النبي صلى الله عليه وسلم, (وكان في زمن النبي صلى الله عله وسلم رجلاً. انتهى.

وقيل: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم) لثنتين وستين سنة ونصف, روي عن مكحول فحدث عمر بن عبد الواحد الدمشقي, عن النعمان بن المنذر الغساني, عن مكحول قال: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثنتين وستين سنة وأشهر.


#40#

وقال يعقوب بن سفيان في "التاريخ": حدثنا عبد الحميد بن بكار السلمي – من أهل بيروت – أخبرني محمد بن شعيب, أخبرني النعمان, عن مكحول, أخبره قال: ولد رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين, وأوحي إليه يوم الاثنين, وهاجر يوم الاثنين, وتوفي يوم الاثنين لثنتين وستين سنة ونصف ... وذكر بقيته, وقد قدمنا منه طرفاً.

وحدث يحيى بن حمزة, عن الأوزاعي, عن ابن عجلان, عن سعيد بن أبي سعيد, عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وهو ابن ثنتين وستين سنة وستة أشهر, وقيل: لثنتين وستين سنة.

وقال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا أبي, حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي.

وقال يعقوب بن سفيان في "التاريخ" واللفظ له: حدثنا محمد بن المثنى, حدثنا معاذ بن هشام الدستوائي, حدثنا أبي, عن قتادة: أن النبي صلى الله عليه وسلم شمط في عنفقته وصدغيه, وتوفي وهو ابن ثنتين وستين سنة ... وذكر بقيته.

وجمع بين الاختلاف في سن النبي صلى الله عليه وسلم لما توفي, فقال أبو الفرج ابن الجوزي: ومن قال: ستين أراد أعشار السنين, والإنسان قد يقول: سني أربعون, ويكون قد زاد عليها إلا أن الزيادة لم تبلغ عشراً.


#41#

وقال مغلطاي فيما أنبؤونا عنه: وجمع – يعني: بين الخلاف في سنه صلى الله عليه وسلم – بأن من قال: خمساً يعني: وستين حسب السنة التي ولد فيها والتي قبض فيها, ومن قال: ثلاثاً وهو المشهور, أسقطهما, ومن قال: ستين أسقط الكسور.

قلت: وما قدمناه عن ابن الجوزي في تأويل الستين أبين وأبلغ.

وكانت وفاته صلى الله عليه وسلم سنة إحدى عشرة من الهجرة في شهر ربيع الأول يوم الاثنين, لا خلاف بين أهل السير في الشهر, وكذلك في اليوم.

قال محمد بن يوسف الفريابي: حدثنا سفيان, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة قالت: قال لي أبو بكر: أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قلت: يوم الاثنين, قال: إني أرجو أن أموت فيه, فمات فيه.

وهو في "الصحيح" من حديث معلى بن أسد, عن وهيب, عن هشام بن عروة.

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "العلل": حدثني محمد بن حاتم, أخبرنا عامر بن صالح, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توفي يوم الاثنين.


#42#

وجاء عن عبد الله بن صالح, عن الليث بن سعد قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الاثنين لليلة خلت من ربيع الأول.

قال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا موسى – يعني: ابن إسماعيل– حدثنا أبو يحيى – صاحب الطعام – حدثني محمد بن المنكدر, عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن صوم يوم الاثنين, فقال: «أما يوم الاثنين فهو اليوم الذي ولدت فيه», ولم يبين للناس أني أموت فيه.

وممن جزم باليوم أيضاً عائشة فيما تقدم, وأنس وابن عباس وأبو سلمة بن عبد الرحمن, والزهري, وجعفر بن محمد, وعروة بن الزبير, وطاوس, ومكحول, وخلق, ولا أعلم فيه خلافاً.

وكانت الوفاة حين اشتدت الضحاء, وهو المشهور.

وجاء عن الأوزاعي: أنه قبل أن ينتصف النهار, وقيل: كان نصف النهار, وقال: حين زاغت الشمس من يوم الاثنين.

ذكره موسى بن عقبة, عن الزهري وابن لهيعة, عن أبي الأسود, عن عروة, وقال عثمان بن محمد الأخنسي, وذكره الحاكم في "الإكليل".


#43#

وقد صح عن أنس رضي الله عنه أنه قال في حديث لما كشف سجف الحجرة يوم الاثنين قال: وتوفي من آخر ذلك اليوم.

قال الحافظ أبو الفضل عبد الرحيم بن العراقي فيما أجازه لنا مكاتبة من مصر غير مرة: والجمع بينهما – أي: بين قول أنس: "وتوفي من آخر ذلك اليوم" وقول من قال: "توفي ضحى" – أن المراد أول النصف الثاني, وهو آخر وقت الضحى, وهو من آخر النهار باعتبار أنه من النصف الثاني.

ويدل عليه ما رواه ابن عبد البر بإسناده إلى عائشة رضي الله عنها قالت: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم – وإنا لله وإنا إليه راجعون – ارتفاع الضحى وانتصاف النهار يوم الاثنين.

وذكر موسى بن عقبة في "مغازية" عن ابن شهاب: توفي يوم الاثنين حين زاغت الشمس, فبهذا يجمع بين مختلف الحديث في الظاهر, والله أعلم. انتهى.

وقد قدمنا من طريق ابن (أبي) مليكة, عن عبيد بن عمير, عن عائشة رضي الله عنها قالت: فما انتصف النهار من ذلك – تعني: اليوم – حتى قبض الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم.

وحدث به الواقدي, عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي, عن أبيه, عن جده من قوله.


#44#

وقد اختلف فيما مضي من الشهر، فقيل: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم لثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول.

ذكره الزهري عن عروة بن الزبير, ورواه إبراهيم بن يزيد, عن ابن طاوس, عن أبيه.

وحدث به أبو جعفر الوراق, عن إبراهيم بن سعد, عن ابن إسحاق.

وقال أبو حسان (الحسن) بن عثمان: وهذا أثبت الأقاويل.

وجزم بذلك سعيد بن عفير ومحمد بن سعد, وأبو حاتم بن حبان, وأبو عمر بن عبد البر, وأبو الفرج بن الجوزي, وصححه أبو عمرو بن الصلاح, وأبو زكريا النووي, والذهبي في "العبر", وبه صدر المزي الخلاف.

وقيل: توفي صلى الله عليه وسلم لمستهل شهر ربيع الأول فيما روي عن عروة وسعيد بن جبير.

وقاله أبو نعيم الفضل بن دكين فيما رواه عنه يوسف هو ابن يعقوب الصفار.

ورواه إبراهيم بن المنذر الحزامي, عن ابن فليح, عن موسى بن عقبة, عن ابن شهاب.

وروي نحوه عن مقاتل بن سليمان.

ورواه أبو الشيخ ابن حيان في "تاريخه" عن الليث بن سعد.


#45#

وذكره الحافظ أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي.

وجزم به ابن زبر في "الوفيات".

وقيل: لليلة خلت من ربيع الأول.

رواه يحيى بن بكير, وعبد الله بن صالح, عن الليث بن سعد, وتقدم.

وقيل: توفي صلى الله عليه وسلم لليلتين خلتا منه.

رواه المعتمر بن سليمان التيمي, عن أبيه.

وروي عن محمد بن قيس مولى يعقوب القبطي رواه عنه أبو معشر, حدث به أحمد بن حنبل عن حُسَيْن بن محمد عن أبي معشر.

ورواه الواقدي عن أبي معشر.

وبه قال القاضي أحمد بن كامل بن شجرة.

وذكر ابن جرير عن الكلبي ولوط أبي مخنف: أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي في الثاني من ربيع الأول.

وقيل: لثمان خلون من ربيع الأول, قاله أبو محمد بن حزم ورجحه, وجزم به غيره.

وقيل: لعشر خلون منه.

رواه سيف بن عمر الأسيدي, عن محمد بن عبد الله, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين لعشر خلون من ربيع الأول.


#46#

قال الحافظ أبو الفضل بن العراقي فيما أخبرنا به مكاتبة من مصر غير مرة: والقول الأول – يعني: الذي قدمناه – أنه توفي صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة خلت من ربيع الأول, وإن كان قول الجمهور فقد استشكله السهيلي من حيث التاريخ.

قلت: واستشكله أيضاً الحافظ أبو الربيع سليمان بن موسى بن سالم بن حسان الحميري الكلاعي, وأبو اليمن ابن عساكر وغيرهم.

قال ابن العراقي: وذلك لأن الوقفة كانت في حجة الوداع يوم الجمعة بالاتفاق لحديث عمر رضي الله عنه المتفق عليه, وإذا كان كذلك فلا يمكن أن يكون ثاني عشر ربيع الأول من سنة إحدى عشرة يوم الاثنين لا على تقدير


#47#

كمال (الشهور الثلاثة, ولا على تقدير) نقصانها, ولا على تقدير كمال بعضها ونقص بعضها؛ لأن ذا الحجة أوله الخميس, فإن نقص هو والمحرم وصفر كان ثاني عشر ربيع الأول يوم الخميس, وإن كمل الثلاث كان ثاني عشر يوم الأحد, وإن نقص بعضها وكمل بعضها كان ثاني عشر إما الجمعة أو السبت, هذا التفصيل لا محيص عنه.

وقد رأيت بعض أهل العلم يجيب عن هذا الإشكال بأنه: تفرض الشهور الثلاثة كوامل, ويكون قولهم: "لاثنتي عشرة ليلة خلت منه" أي: بأيامها كاملة, فتكون وفاته صلى الله عليه وسلم بعد استكمال ذلك والدخول في الثالث عشر.

وفيه نظر من حيث إن الذي يظهر من كلام (أهل) السير نقصان الثلاثة أو اثنين منها؛ بدليل ما رواه البيهقي في "دلائل النبوة" بإسناد صحيح إلى سليمان التيمي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض لاثنتين وعشرين ليلة من صفر, وكان أول يوم مرض فيه يوم السبت, وكانت وفاته اليوم العاشر يوم الاثنين لليلتين خلتا من شهر ربيع الأول.

فهذا يدل على أن أول صفر يوم السبت, فلزم نقصان ذي الحجة والمحرم.

وقوله: وكانت وفاته اليوم العاشر – أي: من مرضه – يدل على نقص صفر أيضاً.


#48#

ويدل على ذلك أيضاً ما رواه الواقدي, عن أبي معشر, عن محمد بن قيس: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء, لإحدى عشرة بقيت من صفر, إلى أن قال: اشتكى بثلاثة عشر يوماً, وتوفي يوم الاثنين لليلتين خلتا من ربيع الأول.

فهذا يدل على نقصان الشهور أيضاً, إلا أنه جعل مدة مرضه صلى الله عليه وسلم أكثر مما في حديث التيمي.

ويجمع بينهما بأن المراد بهذا ابتداؤه, وبالأول اشتداده, والواقدي وإن ضعف في الحديث, فهو من أئمة أهل السير, وأبو معشر نجيح مختلف فيه.

ويرجح ذلك وروده عن بعض الصحابة, وذلك فيما رواه الخطيب في "الرواة عن مالك" من رواية سعيد بن سلم بن قتيبة الباهلي, حدثنا مالك بن أنس, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم مرض ثمانية, فتوفي لليلتين خلتا من ربيع الأول ... الحديث.

فاتضح أن قول سليمان التيمي ومن وافقه راجح من حيث التاريخ, وكذلك قول ابن شهاب: مستهل شهر ربيع الأول, فيكون أحد الشهور الثلاثة ناقصاً, والله أعلم.


#49#

قلت: وقد أجاب بعضهم بجواب أبين مما ذكره شيخنا أبو الفضل بن العراقي وهو أنه يؤرخ بالليالي دون الأيام, ولكن لا يؤرخ إلا بليلة مضى يومها, فيكون اليوم تبعاً لليلة, وكل ليلة لم يمض يومها لم يعتد بها وكذلك إذا ذكروا الليالي في عدد فإنهم يريدون بها الليالي مع أيامها, فإذا قالوا: عشر ليال فمرادهم بأيامها, فحينئذ يوم الاثنين الذي توفي فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ثالث عشر الشهر, لكن لما لم يكن يومه قد مضى لم يؤرخ بليلته, وإنما أرخوا بليلة الأحد ويومها وهو الثاني عشر, فيتصور حينئذ قول ابن إسحاق وغيره: توفي النبي صلى الله عليه وسلم لاثنتي عشرة ليلة مضت من شهر ربيع الأول, والله أعلم.

وأشار الذهبي في "تاريخ الإسلام" إلى احتمال وهو: إن كان يوم عرفة بمكة يوم الجمعة, وبالمدينة يوم الخميس مثلاً أو يوم السبت فيبنى على حساب ذلك.

قلت: لا يتوجه على تقدير أنه كان يوم عرفة بالمدينة يوم الخميس, بل على أنه كان يوم السبت مع فرض الأشهر الثلاثة كوامل فيكون مستهل شهر ربيع الأول يوم الخميس, فثاني عشرة يوم الاثنين, والله أعلم.

وكانت وفاة النبي صلى الله عليه وسلم في شهر أيلول, روي ذلك عن الحسن البصري.

ودفن صلى الله عليه وسلم ليلة الأربعاء. وروي عن عائشة رضي الله عنها وهو قول سهل بن سعد الساعدي وغيره, قال أبو محمد بن حزم في "التاريخ": ودفن عليه الصلاة والسلام نصف ليلة الأربعاء.


#50#

وقال عكرمة: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين, فحبس بقية يومه وليلته, ومن الغد حتى دفن من الليل – يعني: ليلة الأربعاء.

وقيل: دفن يوم الثلاثاء.

روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأبي سلمة بن عبد الرحمن والأوزاعي وابن جريج.

وقيل: ليلة الثلاثاء, روي عن عائشة رضي الله عنها في أحد قوليها.

وقيل: يوم الأربعاء.

وروي عن مكحول وغيره.

وقيل: دفن من ساعته يوم الاثنين عند الزوال, وليس هذا بشيء, والأول أثبت الأقوال.


#51#

&[الاختلاف في مدة علته صلى الله عليه وسلم]&

واختلف في مدة علته صلى الله عليه وسلم، قيل: كانت مدة علته صلى الله عليه وسلم اثني عشر يوماً, وهو غريب.

وقيل: ثلاثة عشر يوماً, وهو المشهور.

ورواه الواقدي عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب, عن أبيه, عن جده, قال: اشتكى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر سنة إحدى عشرة, وتوفي يوم الاثنين لاثنتي عشرة مضت من ربيع الأول.

وقيل: أربعة عشر يوماً.

وذكر القاضي أحمد بن كامل بن شجرة فيما رواه عنه الحاكم أن علته صلى الله عليه وسلم كانت عشرة أيام أولها يوم السبت, وتوفي (في) العاشر لليلتين خلتا من ربيع الأول لتمام عشر سنين من مقدمه المدينة.

وفي هذا أن ابتداء علته صلى الله عليه وسلم كان يوم السبت.

وقيل: كان ابتداء علته صلى الله عليه وسلم يوم الأربعاء لإحدى عشرة ليلة بقيت من صفر.


#52#

وقيل: يوم الأربعاء لليلة بقيت من صفر وهو غلط, والله أعلم؛ لأن على هذا يكون مستهل صفر يوم الأربعاء, ولا يتصور؛ لأن مستهل ذي الحجة كان يوم الخميس, وقد ذكرنا الخلاف قبل في ابتداء وجعه صلى الله عليه وسلم في أي بيوت أزواجه كان.


#53#

&[أزواجه صلى الله عليه وسلم المتوفى عنهن]&

ولا خلاف أن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم اللائي توفي عنهن تسع نسوة.

قال أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا عثمان بن زفر, حدثنا سيف بن عمر, عن عبد الله بن محمد, عن هند بن هند بن أبي هالة, عن أبيه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل أبى لي أن أتزوج أو أزوج إلا أهل الجنة».

وقال عبد الله بن الإمام أحمد في "العلل": حدثني زياد بن أيوب, حدثنا علي بن محمد, حدثنا أبو الحُسَيْن العكلي, قال هارون بن [أبي] إبراهيم أخبرني, قال: سألت محمد بن سيرين عن كم قبض النبي صلى الله عليه وسلم قال: عن تسع, عن عائشة, وأم سلمة, وميمونة, وسودة, وأم حبيبة, وزينب, وحفصة, وممن سبى فاستنكح: صفية, وجويرية.

وجاء عن ابن سيرين, عن أبي هريرة: قال أبو علي محمد بن


#54#

محمد بن الأشعث الكوفي: حدثنا محمد بن عمرو بن يونس, حدثنا أسباط بن محمد القرشي, عن أبي بكر الهذلي, عن محمد بن سيرين, عن أبي هريرة قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن تسع نسوة: أم سلمة, وعائشة, وأم حبيبة بنت أبي سفيان, وزينب, وحفصة, وصفية ابنة حيي, وجويرية بنت الحارث, وميمونة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم, وسودة بنت زمعة.

والتسع المذكورات رضي الله عنهن منهن خمس قرشيات وأربع من نساء القبائل.


#55#

فأما القرشيات فهن:

$1 - [أم المؤمنين سودة بنت زمعة]:$

أم الأسود سودة بنت زمعة بن قيس بن عبد شمس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حسل – ويقال: ابن حسيل – بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر القرشية العامرية.

وأمها الشموس بنت قيس بن عمرو بن زيد بن لبيد بن خداش بن عامر بن غنم بن عدي بن النجار, والشموس بنت أخي سلمى بنت عمرو بن زيد أم عبد المطلب بن هاشم, وتقدم ذكرها.

كانت سودة تحت ابن عمها السكران بن عمرو بن عبد شمس أخي سهل وسهيل وسليط وحاطب بني عمرو, وكل منهم أسلم وله صحبة.

هاجر بسودة زوجها السكران إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية, ثم رجع بها إلى مكة فمات بها, وقيل: مات بالحبشة, فلما حلت خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها وقدان بن قيس فيما قاله عبد الله بن محمد بن عقيل, فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شهر رمضان سنة عشر من النبوة قبل الهجرة بعد موت خديجة رضي الله عنها بأيام.

وقيل: بعد موت خديجة بسنة, وقيل: قبل عائشة فيما روي عن قتادة, وقاله أبو عبيدة معمر بن المثنى, وهو المشهور عند الجمهور. ورواه عقيل عن الزهري.


#56#

وجاء عن يونس عن الزهري أنه صلى الله عليه وسلم تزوج سودة بعد عائشة, وسيأتي – إن شاء الله تعالى – في ترجمة عائشة رضي الله عنها فيما رواه عنها يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب ما يدل على ذلك.

وقد انفردت سودة بصحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم أربع سنين لا يشاركها فيه امرأة ولا سرية, ثم بنى بعائشة رضي الله عنها بعد. قاله الذهبي في "تاريخ الإسلام".

$[صداق سودة أم المؤمنين رضي الله عنها]:$

وكان صداقها أربعمائة درهم.

قال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا إسماعيل, حدثنا سلمة بن علقمة, عن محمد بن سيرين قال: نبئت عن أبي العجفاء السلمي, سمعت عمر رضي الله عنه يقول: ألا لا تغلوا صدق النساء, قال: لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم, ما أصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من نسائه ولا أصدقت امرأة من بناته أكثر من ثنتي عشرة أوقية.

وخرج أبو داود في "سننه" فقال: حدثنا محمد بن عبيد, حدثنا حماد بن زيد, عن أيوب, عن محمد, عن أبي العجفاء السلمي


#57#

قال: [خطبنا فقال: ألا تغالوا بصدق النساء, فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا أو تقوى عند الله] كان أولاكم بها النبي صلى الله عليه وسلم .... وذكر الحديث.

ورواه أبو أمية الطرسوسي فقال: حدثنا جعفر بن عون, حدثنا إسماعيل بن مسلم, عن ابن سيرين, عن أبي العجفاء السلمي قال: قال عمر ... فذكره بنحوه.

وقال أبو القاسم الطبراني: حدثنا أبو الزنباع, روح بن الفرج ويحيى بن أيوب, قالا: حدثنا يوسف بن عدي, حدثنا القاسم بن مالك, عن أشعث بن سوار, عن الشعبي, عن شريح قال: قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا تغالوا بمهور النساء فإنها لو كانت مكرمة في الدنيا والآخرة كان أحقكم بها وأولاكم بها محمد صلى الله عليه وسلم وأهل بيته, ما تزوج امرأة من نسائه, ولا زوج شيئاً من بناته بأكثر من اثنتي عشرة أوقية.

غريب من حديث الشعبي عن شريح, والمشهور من حديث [ابن] سيرين, عن أبي العجفاء, عن عمر. تفرد به القاسم بن مالك المزني,


#58#

عن أشعث, قاله أبو نعيم في "الحلية" بعد أن حدث بالحديث عن سليمان بن أحمد, هو الطبراني.

والحديث عند الشعبي أيضاً عن مسروق, عن عمر.

قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا أبي, حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد, حدثنا أبي, [عن ابن إسحاق, حدثني محمد بن عبد الرحمن بن عبد الله بن سعيد, عن المجالد بن سعيد, عن الشعبي], عن مسروق قال: ركب عمر بن الخطاب رضي الله عنه منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم [يخطب الناس فقال: يا أيها الناس, ما إكثاركم في صدقات النساء؟ فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم] وأصحابه وإنما الصدقات فيما بينهم أربعمائة درهم فما فوق ذلك, ولو كان الإكثار في ذلك تقوى من الله أو مكرمة لم تسبقوهم إليها, فلا أعرفن ما زاد رجل في صداق امرأة على أربعمائة درهم.

قال: ثم نزل فاعترضته امرأة من قريش فقالت: يا أمير المؤمنين, أنهيت الناس أن يزيدوا في صدقاتهن على أربعمائة درهم؟ قال: نعم, قالت: أما سمعت ما أنزل الله تبارك وتعالى في القرآن؟ قال وأي ذلك؟ قالت: أما: سمعت الله عز وجل يقول: {وءاتيتم إحداهن قنطاراً فلا تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً وإثماً مبيناً} فقال: اللهم غفراً, كل الناس أفقه من عمر.


#59#

ثم رجع فركب المنبر فقال: أيها الناس, إني كنت نهيتكم أن تزيدوا النساء في صدقاتهن على أربعمائة درهم, فمن شاء أن يعطي من ماله ما أحب وطابت به نفسه فليفعل.

وذكر أبو بكر ابن العربي تعليقاً في كتابه "أحكام القرآن" [مختصراً بنحوه, ثم قال: وهذا لم يقله عمر رضي الله عنه على طريق التحريم, وإنما أراد به الندب إلى التعليم]. انتهى.

وقال الشافعي: أخبرنا عبد العزيز بن محمد, عن يزيد بن عبد الله ابن الهاد, عن محمد بن إبراهيم بن الحارث, عن أبي سلمة: سئلت عائشة رضي الله عنها: كم كان صداق النبي صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان صداقه لأزواجه اثنتي عشرة أوقية ونشًّا, قالت: أتدري ما النش؟ قلت: لا, قالت: نصف أوقية.

حدث بنحوه أحمد في "مسنده" عن الشافعي.

وخرجه مسلم ومحمد بن أبي عمر المكي فرقهما, عن عبد العزيز.

تابعهم عبد الله بن محمد النفيلي, عن عبد العزيز, خرجه أبو داود عن النفيلي. وسيأتي إن شاء الله تعالى في ترجمة الجونية من قول النبي صلى الله عليه وسلم.


#60#

والأوقية بالضم مشددة وقد تخفف, اسم لأربعين درهماً.

والنش: نصف الأوقية, فتكون الاثنتا عشرة أوقية والنش: خمسمائة درهم, والله أعلم.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط": من حديث صالح بن موسى الطلحي, عن منصور بن المعتمر, عن إبراهيم بن الأسود بن يزيد, عن عائشة رضي الله عنها قالت: جرت السنة من رسول الله صلى الله عليه وسلم في صداق النساء اثنتا عشرة أوقية, والأوقية أربعون درهماً, فذلك ثمانون وأربعمائة درهم .... الحديث.

تفرد به صالح عن منصور.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد في كتاب "العلل": وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثنا إبراهيم بن خالد, حدثني رباح, عن معمر, عن الزهري قال: كان يقول: كان صداق كل امرأة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم عشر أواق ذهب.

$[إمساك النبي صلى الله عليه وسلم سودة وعدم طلاقها]:$

وكان دخول النبي صلى الله عليه وسلم بسودة بمكة على الصحيح, وهاجر بها إلى المدينة, فلما كبرت هم بطلاقها وذلك في السنة الثامنة من الهجرة, فوهبت يومها لعائشة وقالت: لا حاجة لي في الرجال, وإنما أريد أن أحسب في زوجاتك, فأمسكها.


#61#

روى موسى بن زيد بن ثابت, عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: إن سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم كانت أكبر نساء النبي صلى الله عليه وسلم, فتخوفت أن يطلقها, وضنت به وعرفت من حبه عائشة فقالت: يا رسول الله, أرأيت يومي الذي هو لي, فإني أهبه لعائشة طيبة به نفسي, فقبل ذلك منها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو داود: حدثنا أحمد بن يونس, حدثنا عبد الرحمن بن أبي الزناد, عن هشام بن عروة, عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها: يا ابن أختي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفضل بعضنا على بعض في القسم من مكثه عندنا, وكان قل يوم إلا وهو يطوف علينا جميعاً, فيدنو من كل امرأة من غير مسيس حتى يبلغ الذي هو يومها فيبيت عندها, ولقد قالت سودة بنت زمعة حين أسنت, وفرقت أن يفارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم يا رسول الله يومي لعائشة. فقبل ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالت: تقول في ذلك أنزل الله عز وجل وفي أشباهها أراه قال: {إن امرأة خافت من بعلها نشوزاً} الآية.


#62#

ورواه ابن أبي مريم, عن [ابن] أبي الزناد, وقال في الحديث «فيقبل ويلمس ما دون الوقاع».

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وطلق سودة بنت زمعة, فقعدت له قبل صلاة الصبح, فلما مر قالت له: إنه ليس لي في الرجال أرب, ولكني أحب أن أبعث في أزواجك فراجعني واجعل يومي لمن أحببت من نسائك. فراجعها وجعل يومها لعائشة رضي الله عنها. انتهى.

وقال أحمد بن عبد الجبار العطاردي: حدثنا يونس – يعني ابن بكير – عن النعمان بن ثابت, عن الهيثم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لسودة ابنة زمعة: «اعتدي» فتعرضت له في طريقه فقالت: نشدتك الله إلا راجعتني, فلك يومي اجعله لأي نسائك شئت, فإنما أريد أن أحشر من أزواجك يوم القيامة, فراجعها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وروينا من حديث موسى بن إسماعيل قال: حدثنا حماد بن سلمة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما من الناس أحد أحب إلي أن أكون في مسلاخه من سودة بنت زمعة إلا أن بها حدة.


#63#

وروى الأعمش, عن إبراهيم قال: قالت سودة: يا رسول الله, صليت البارحة خلفك فركعت بي حتى أمسكت بأنفي مخافة أن يقطر الدم, قال: فضحك صلى الله عليه وسلم, وكانت تضحكه الأحيان.

$[وفاتها رضي الله عنها]:$

ماتت سودة رضي الله عنها آخر خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه سنة عشرين.

قال البخاري في "تاريخه الأوسط": حدثنا يحيى بن سليمان, حدثنا ابن وهب, عن عمرو, عن سعيد بن أبي هلال قال: توفيت سودة زوج النبي صلى الله عليه وسلم في زمن عمر رضي الله عنه.

وقال أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة, عن مصعب: في آخر زمان عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقيل: ماتت في شوال سنة أربع وخمسين, وهو المشهور.

ورجحه الواقدي, وقال: إنه الثبت.

وقال البخاري في "صحيحه": حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا أبو عوانة, عن فراس, عن الشعبي, عن مسروق, عن عائشة رضي الله عنها: أن بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قلن للنبي صلى الله عليه وسلم: أينا أسرع بك لحوقاً؟ قال:


#64#

«أطولكن يداً» فأخذوا قصبة يذرعونها, فكانت سودة أطولهن يداً, فعلمنا بعد أنما كانت طول يدها الصدقة, وكانت أسرعهن لحوقا به, وكانت تحب الصدقة.

وخرجه أبو عوانة يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم الإسفراييني في "صحيحه" المخرج على "صحيح مسلم" عن أبي زرعة الرازي, عن موسى بن إسماعيل, وعن عثمان بن شداد, عن سهل بن بكار, وعن أبي داود سليمان بن سيف الحراني الحافظ, عن يحيى بن حماد قالوا: حدثنا أبو عوانة .. فذكره.

وخرجه النسائي في "سننه" عن أبي داود الحراني به.

وخرجه الإمام أحمد في "مسنده" عن عفان, عن أبي عوانة هكذا.

وفي هذا نظر, فإن المشهور أن أسرعهن لحوقاً به صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش, فإنها ماتت في أول خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه على المشهور.


#65#

وقال مسلم في "صحيحه": حدثنا محمود بن غيلان أبو أحمد حدثنا الفضل بن موسى السيناني, أخبرنا طلحة بن يحيى بن طلحة, عن عائشة بنت طلحة, عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسرعكن لحاقاً بي أطولكن يداً» قالت: فكانت أطولنا يداً زينب؛ لأنها كانت تعمل بيديها وتصدق.

وقال محمد بن عبيد: حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن عامر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لنسائه: «أطولكن يداً أسرعكن موتاً بعدي» فكن يتذارعن, فكانت سودة أطولهن يداً, فلما توفي [رسول الله] صلى الله عليه وسلم, كانت زينب أسرعهن موتاً بعده, فقلن: كيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم ذكرن, فقلن: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت أطولنا يداً في الخير.

هذا من مراسيل الشعبي, فهذا هو الصحيح, لكن سودة أطولهن يداً


#66#

في الخلق.

وجاء أنها كانت امرأة ضخمة طويلة ولهذا قال عمر رضي الله عنه: ألا قد عرفناك يا سودة, والله ما تخفين علينا.

وأما أطولهن يداً في الصدقة وأولهن لحوقاً به صلى الله عليه وسلم فزينب, فبهذا يجمع بين الحديثين, وإن بعض الرواة اشتبه عليه طول يد هذه من طول يد هذه.

ذكر معنى هذا الحافظ أبو الحجاج المزي رحمه الله.

لكن ذكر الحافظ أبو عبد الله محمد بن منده في كتابه "معرفة الصحابة" في ترجمة زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين, من طريق يونس بن بكير قال: حدثنا زكريا بن أبي زائدة, عن عامر الشعبي قال: قلن النسوة: يا رسول الله, أينا أسرع بك لحوقاً؟ قال: «أطولكن يداً», فأخذن يتذارعن أيتهن أطول يداً, فلما توفيت زينب علمن أنها كانت أطولهن يداً في الخير والصدقة.

وإدخال ابن منده هذا الحديث في ترجمة أم المساكين يدل على أن المراد عنده بزينب المذكورة في الحديث أم المساكين, والله أعلم.


#67#

$2-[أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها]:$

وأم عبد الله عائشة بنت أبي بكر الصديق عبد الله بن أبي قحافة عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي القرشية التيمية رضي الله عنها.

وأمها أم رومان – بضم الراء وفتحها – وهي بنت عامر بن عويمر بن عبد شمس بن عتاب بن أذينة بن سبيع بن دهمان بن الحارث بن غنم بن مالك بن كنانة, وقيل في نسبها غير ذلك, فيه خلاف كثير.

قال أبو بكر ابن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد, عن علي بن زيد, عن القاسم بن محمد أن أم رومان زوج أبي بكر أم عائشة لما دليت في قبرها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من سره أن ينظر إلى امرأة من الحور العين فلينظر إلى أم رومان».

كانت عائشة رضي الله عنها مسماة لجبير بن مطعم, فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال أبو بكر: يا رسول الله, دعني حتى أسلها من جبير سلاً رقيقاً.

وقال الحاكم أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ: أخبرنا أبو العباس محمد بن يعقوب, حدثنا أحمد بن عبد الجبار, حدثنا عبد الله بن إدريس الأودي, عن محمد بن عمرو, عن يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب قال: قالت عائشة رضي الله عنها: لما ماتت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها جاءت


#68#

خولة بنت حكيم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: يا رسول الله, ألا تزوج؟ قال: «ومن؟».

قالت: إن شئت بكراً, وإن شئت ثيباً, فقال: «ومن البكر ومن الثيب؟».

فقالت: أما البكر فابنة أحب خلق الله إليك عائشة, وأما الثيب فسودة بنت زمعة, قد آمنت بك واتبعتك. قال صلى الله عليه وسلم: «فاذكريها علي».

قالت: فأتيت أم رومان فقلت: يا أم رومان ماذا أدخل الله عليكم من الخير والبركة؟ قالت: وذاك ماذا؟ قالت: قلت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر عائشة. قالت: انتظري, فإن أبا بكر آت. قالت: فجاء أبو بكر فذكرت ذلك له فقال: أوتصلح له وهي ابنة أخيه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أنا أخوه وهو أخي وابنته تصلح لي».

قالت: وقام أبو بكر فقالت لي أم رومان: إن المطعم بن عدي قد كان ذكرها على ابنه, ووالله, ما أخلف وعداً قط – تعني أبا بكر – قالت: فأتى أبو بكر المطعم فقال: ما تقول في أمر هذه الجارية؟ قالت: فأقبل على امرأته فقال لها: ما تقولين يا هذه؟ قالت: فأقبلت على أبي بكر رضي الله عنه فقال: لعلنا إن أنكحنا هذا الفتى إليك تصيبه وتدخله في دينك الذي أنت عليه. قال: فأقبل عليه أبو بكر رضي الله عنه فقال: ماذا تقول؟ فقال: إنها تقول ما تسمع.

قالت: فقام أبو بكر رضي الله عنه وليس في نفسه من الموعد شيء, قالت: فقال لها أبو بكر رضي الله عنه: قولي لرسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت.

قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فملكها.

قالت خولة: ثم انطلقت إلى سودة بنت زمعة, وأبوها شيخ كبير, قد جلس عن المواسم, قالت: فحييته بتحية أهل الجاهلية, وقلت: أنعم


#69#

صباحاً. قال: من أنت؟ قالت: قلت: خولة بنت حكيم, قالت: فرحب بي وقال ما شاء الله أن يقول, قالت: قلت: محمد صلى الله عليه وسلم [بن عبد الله] بن عبد المطلب يذكر سودة بنت زمعة, قال: كفؤ كريم, ماذا تقول صاحبتكم؟ قالت: قلت: تحب ذاك. قال: قولي له فليأت, قالت: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فملكها.

قالت: وقدم عبد بن زمعة, فجعل يحثي على رأسه التراب, وقال بعد أن أسلم: لعمرك إني لسفيه يوم أحثي على رأسي التراب أن تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم سودة بنت زمعة.

حديث حسن الإسناد.

وقد خرجه الإمام أحمد في "مسنده" فقال: حدثنا محمد بن بشر, حدثنا محمد بن عمرو, حدثنا أبو سلمة ويحيى, قالا: لما هلكت خديجة جاءت خولة بنت حكيم امرأة عثمان بن مظعون قالت: يا رسول الله, ألا تزوج؟ قال: «من؟» قالت: إن شئت بكراً, وإن شئت ثيباً .... وذكر الحديث بنحوه أطول سياقاً من هذا.

عرضها الملك على رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل نكاحها في سرقة من حرير وقال: هذه زوجتك.

صح عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رأيتك في المنام يجئ بك الملك في سرقة من حرير,


#70#

فقال لي: هذه امرأتك, فكشفت عن وجهك الثوب فإذا أنت هي, فقلت إن يك هذا من عند الله يمضه».

له طرق إلى هشام.

وقال عبد بن حميد: أخبرنا عبد الرزاق, عن عبد الله بن عمرو بن علقمة, عن ابن أبي حُسَيْن, عن ابن أبي مليكة, عن عائشة رضي الله عنها أن جبريل عليه السلام جاء بصورتها في خرقة حرير خضراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: هذه زوجتك في الدنيا والآخرة.

حدث به الترمذي عن عبد, وقال: هذا حديث حسن غريب.

وأعله برواية عبد الرحمن بن مهدي, عن عبد الله بن عمرو مرسلاً, لم يذكر عائشة.

وقال بكر بن سهل الدمياطي: حدثنا عبد الغني بن سعيد – يعني الثقفي – حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني, عن ابن جريج, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: لما توفيت خديجة رضي الله عنها بمكة نزل جبريل عليه السلام بصورة عائشة رضي الله عنها في سرقة حرير خضراء فقال: يا محمد هذه عائشة زوجتك في الدنيا وزوجتك في الآخرة عوضاً من خديجة بنت خويلد.

$[تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها]:$

كان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة في شوال: صح من حديث عبد الله بن عروة, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم في


#71#

شوال, وبنى بي في شوال, فأي نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم كان أحظى عنده مني؟ قال: وكانت تستحب أن يدخل نساؤها في شوال.

كان تزويجها بمكة قبل الهجرة بسنتين, وقيل: سنة عشر من النبوة قبل الهجرة بثلاث سنين وهي يومئذ ابنة ست سنين, وقيل سبع, والأول أصح.

وأصدقها أربعمائة درهم, وقيل: اثنتي عشرة أوقية ونشا.

وحدث أبو الفضل عباس بن محمد الدوري, عن يحيى بن معين في "تاريخه" حدثنا وكيع, عن فضيل بن مرزوق, عن عطية, عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيت قيمته خمسون درهماً.

قال يحيى بن معين: تعني متاع بيت.

قلت ليحيى: إن قوماً يقولون: على بت قيمته خمسون درهماً.

فقال يحيى: لا والله الذي لا إلا هو إلا على بيت.

فقلت ليحيى: انظر في كتابك.

فقال: لا والله الذي لا إله إلا هو لا أنظر في كتابي, وما هو إلا على بيت. تعني متاع بيت.

البت: الكساء, وقيل: الكساء الغليظ, وقيل: النطع.


#72#

وبنى النبي صلى الله عليه وسلم بعائشة رضي الله عنها وهي بنت تسع سنين بالمدينة في شوال على رأس ثمانية أشهر من مهاجره على الصحيح.

وقيل: [على] رأس سبعة أشهر.

وقيل: على رأس ثمانية عشر شهراً.

صح عن عبد الرزاق, عن معمر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها وهي بنت سبع سنين, وزفت إليه وهي بنت تسع سنين, ولعبها معها, ومات عنها وهي بنت ثماني عشرة سنة.

وحدث يونس بن بكير, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت أمي تعالجني تريد أن تسمنني بعض السمن؛ لتدخلني على رسول الله صلى الله عليه وسلم فما استقام لها حتى أكلت التمر بالقثاء, فسمنت عليه أحسن ما يكون من السمن.

خرجه ابن ماجه عن محمد بن عبد الله بن نمير, عن يونس بنحوه.

وخرجه أبو داود والنسائي من حديث إبراهيم بن سعد, عن ابن إسحاق, عن هشام به.

وعن أبي بكر بن أبي شيبة قال: وجدت في كتابي عن أبي أسامة, عن هشام, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم


#73#

لست سنين, قالت: فقدمنا المدينة, فوعكت شهراً فوفى شعري جميمة, فأتتني أم رومان وأنا على أرجوحة ومعي صواحبي فصرخت بي, فأتيتها وما أدري ما تريد بي, فأخذت بيدي, فأوقفتني على الباب, فقلت: هه هه حتى ذهب نفسي, فأدخلتني بيتاً فإذا نسوة من الأنصار, فقلت: على الخير والبركة وعلى خير طائر, فأسلمتني إليهن, فغسلن رأسي وأصلحن, فلم يريني إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم ضحى, فأسلمنني إليه.

وللحديث طرق إلى عائشة رضي الله عنها.

وحدث الزبير بن بكار, عن محمد بن حسن المخزومي, عن [ابن] أبي الزناد, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم خلفنا وخلف بناته ... وذكر الحديث بطوله.


#74#

وفيه قالت: ثم إنا قدمنا المدينة, فنزلت مع آل أبي بكر, ونزل آل النبي صلى الله عليه وسلم معه, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبني مسجده وأبياتاً حول المسجد، فأنزل فيها أهله, فمكثنا أياماً, ثم قال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله، ما يمنعك أن تبني بأهلك؟ قال: «الصداق» فأعطاه أبو بكر رضي الله عنه اثنتي عشرة أوقية ونشاً, فبعث بها إلينا, وبنى بي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي هذا الذي أنا فيه, وهو الذي توفي فيه ودفن فيه صلى الله عليه وسلم .... وذكر بقيته.

وقد تقدم مطولاً في الهجرة.

$[من فضائل عائشة]:$

ولم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم بكراً غيرها.

وكانت رضي الله عنها كثيرة الصدقة والمعروف والإحسان, صائمة الدهر فيما قاله القاسم وسعد بن إبراهيم.

قال [ابن] الزبير: ما رأيت أجود من عائشة وأسخى, كانت تجمع الشيء إلى الشيء, حتى إذا اجتمع عندها وضعته مواضعه, وأما أسماء رضي الله عنها فكانت لا تمسك شيئاً لغد.

وقال عروة بن الزبير: لقد رأيت عائشة رضي الله عنها تقسم سبعين ألفاً وهي ترقع درعها.

وجاء عن الزهري, عن قبيصة بن ذؤيب بن حلحلة قال: كانت عائشة رضي الله عنها أعلم الناس يسألها الأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#75#

وقال زياد بن الربيع أبو خداش اليحمدي البصري: حدثنا خالد بن سلمة, حدثنا أبو بردة بن أبي موسى, عن أبيه قال: ما كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشكون في شيء إلا سألوا عنه عائشة رضي الله عنها فيجدون عندها من ذلك علماً.

وقال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي, أخبرني أبي, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال: ما رأيت أحداً أعلم بسنن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أفقه في رأي إن احتيج إلى رأيه, ولا أعلم بآية فيم نزلت ولا فريضة, من عائشة رضي الله عنها.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في "كتاب العلل": وجدت في كتاب أبي: حدثنا إبراهيم بن خالد, حدثني رباح, حدثني معمر, عن الزهري: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو جمع علم نساء هذه الأمة فيهن أزواج النبي صلى الله عليه وسلم كان علم عائشة أكثر من علمهن».

ورواه بشر بن موسى, حدثنا الحميدي, حدثنا سفيان, عن الزهري, قال: لو جمع علم الناس كلهم, ثم علم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لكانت عائشة رضي الله عنها أوسعهم علماً.


#76#

وخرجه الحاكم في "مستدركه".

ووقفه على الزهري أشبه بالصواب, والله أعلم.

وكلا الإسنادين قوي, لكن ترجمة الحميدي عن سفيان عن الزهري متينة صحة وحفظاً.

ورواه عبد الله بن محمد بن سلم, عن عبد الجبار بن العلاء بن عبد الجبار العطار, حدثنا سفيان عن الزهري .... فذكر نحوه.

وقال أحمد بن حنبل: حدثني أبو معاوية, عن الأعمش, عن مسلم, عن مسروق أنه قيل له: هل كانت عائشة رضي الله عنها تحسن الفرائض؟ قال: إي والذي نفسي بيده لقد رأيت مشيخة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض.

تابعه ابن سعد وأحمد بن يونس وخلف بن الوليد, عن أبي معاوية.

وحدث به يعقوب بن سفيان في "تاريخه" عن عمرو بن حفص, عن أبيه, عن الأعمش.

ورواه القاضي يوسف بن يعقوب, عن عمرو بن مرزوق, حدثنا شعبة, عن الأعمش, عن أبي الضحى, عن مسروق, وقال: ذكرت


#77#

عائشة رضي الله عنها عنده فقال رجل: إن كانت لفقيهة؟

قال: فكأن مسروقاً غضب وقال: لقد رأيت الأشياخ من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يسألونها عن الفرائض.

وقال ابن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا زياد بن الربيع, حدثنا خالد بن سلمة المخزومي, عن أبي بردة, عن أبيه قال: ما أشكل على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث قط فسألنا عائشة رضي الله عنها إلا وجدنا عندها منه علماً.

وقال أبو سعيد محمد بن شاذان: حدثنا إسحاق بن إبراهيم, أخبرنا عيسى بن يونس, عن هشام بن عروة, عن أبيه قال: ما رأيت أحداً أعلم بالحلال والحرام والعلم والشعر والطب من عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها.

خرجه وحديث أبي معاوية السابق الحاكم في "مستدركه".

وقال الواقدي: حدثنا ابن أبي الزناد, عن هشام بن عروة, عن أبيه قال: ربما روت عائشة رضي الله عنها القصيدة ستين بيتاً وأكثر.

وقال أبو بكر بن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا أحمد بن يونس, حدثنا المعافى بن عمران, حدثنا المغيرة بن زياد, عن عطاء قال: كانت عائشة أفقه الناس وأعلم الناس وأحسن الناس رأياً في العامة.

وخرجه الحاكم في "المستدرك".


#78#

وقال الواقدي: حدثنا عبد الله بن عمر بن حفص العمري, عن عبد الرحمن بن القاسم, عن أبيه قال: كانت عائشة رضي الله عنها قد استقلت بالفتوى في خلافة أبي بكر وعمر وعثمان هلم جرا إلى أن ماتت, وكنت ملازماً لها مع برها بي. وذكر بقيته.

وقال الليث بن سعد: إن علياً ذكر عائشة رضي الله عنها قال: لو كانت امرأة خليفة لكانت عائشة خليفة.

خرجه اللالكائي في "شرح السنة" لليث.

ورويناه من طريق أحمد بن محمد بن بشير بن عيسى, حدثنا جدي بشير بن عيسى, حدثنا تميم بن البهلول, حدثنا محمد بن حميد, حدثنا جرير, عن مغيرة, عن أم موسى قالت: قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لو كانت المرأة خليفة, أو تصلح أن تكون خليفة لكان يصلح أن تكون عائشة بنت أبي بكر رضي الله عنهما خليفة.

وخرج أبو نعيم في كتابه "الحلية" من حديث الوليد بن محمد الموقري, عن الزهري, عن أنس رضي الله عنه قال: أول حب كان في الإسلام حب النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها.

وخرجه الخطيب في "تاريخه" فقال: أخبرنا علي بن أحمد بن عمر


#79#

المقرئ, أخبرنا أحمد بن جعفر بن سلم, حدثنا أحمد بن إسحاق الملحمي, حدثنا محمد بن عمرو بن خالد المصري, وأخبرنا أبو نعيم الحافظ, حدثنا سليمان بن أحمد الطبراني, حدثنا محمد بن عمرو بن خالد الحراني أبو علاثة, حدثنا أبي, حدثنا محمد بن الزبير – مؤذن حران – حدثنا الزهري قال: أول حب كان في الإسلام حب النبي صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها.

واللفظ لحديث الملحمي.

وحدث به أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي في كتابه "اعتلال القلوب" فقال: حدثنا علي بن داود القنطري, حدثنا عمرو بن خالد الحراني, حدثنا محمد بن الزبير – إمام مسجد حران – عن الزهري قال: أول حب كان في الإسلام حب رسول الله صلى الله عليه وسلم عائشة رضي الله عنها.

وقال أيضاً: حدثنا محمد بن جابر الضرير, حدثنا أبو عمر الحوضي, حدثنا مبارك بن فضالة, عن علي بن زيد, عن عمته أم محمد, عن عائشة رضي الله عنها أن فاطمة عليها السلام ذكرت عائشة رضي الله عنها عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال لها: «يا بنية, إنها حبيبة أبيك».


#80#

وخرج النسائي من حديث يزيد [بن المقدام] بن شريح بن هانئ, عن أبيه, عن أبيه شريح, عن عائشة رضي الله عنها أنه سأل عائشة رضي الله عنها: هل تأكل المرأة مع زوجها وهي طامث؟ قال: نعم، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعوني فآكل معه وأنا عارك, وكان يأخذ العرق فيقسم علي فيه فأغترف منه, ثم أضعه فيأخذ فيغترف منه, ويضع فمه حيث وضعت فمي من العرق، ويدعو الشراب فيقسم علي فيه قبل أن يشرب منه، فآخذه فأشرب منه، ثم أضعه فيأخذه فيشرب منه، ويضع فمه حيث وضعت فمي من القدح.

ورواه أيضاً عن الأعمش, عن المقدام بن شريح, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يضع فاه على الموضع الذي أشرب منه ويشرب من فضل سؤري وأنا حائض.

ورواه أيضاً عن مسعر, عن المقدام بنحوه, ولفظه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يناولني الإناء فأشرب منه وأنا حائض, ثم أعطيه, فيتحرى موضع في فيضعه على فيه.


#81#

وخرجه أبو داود لمسعر.

وهو في "صحيح مسلم" من حديث وكيع, عن مسعر وسفيان, كلاهما عن المقدام بنحوه.

وخرجه ابن ماجه من حديث شعبة عن المقدام.

وخرج ابن سعد في "الطبقات الكبرى" من حديث عبد الملك بن عمير, عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: أعطيت خلالاً ما أعطيتها امرأة, ملكني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت سبع سنين, وأتاه الملك بصورتي في كفه, فنظر إلي, وبنى بي لتسع سنين, ورأيت جبريل ولم تره امرأة غيري, وكنت أحب نسائه إليه, وكان أبي أحب أصحابه إليه, ومرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي, فمرضته فقبض ولم يشهده غيري والملائكة.

وخرجه الحاكم أبو عبد الله في كتابه "المستدرك" من حديث أبي الخطاب زياد بن يحيى الحساني, حدثنا مالك بن سعير, حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, أخبرنا عبد الرحمن بن الضحاك: أن عبد الله بن صفوان أتى عائشة رضي الله عنها وآخر معه, فقالت عائشة لأحدهما: أسمعت حديث حفصة يا فلان؟ قال: نعم يا أم المؤمنين, فقال لها عبد الله بن صفوان: وما ذاك يا أم المؤمنين؟ قالت: خلال لي تسع لم


#82#

تكن لأحد من النساء قبلي إلا ما آتى الله عز وجل مريم بنت عمران عليها السلام والله ما أقول هذا أني أفخر على أحد من صواحباتي, فقال لها عبد الله بن صفوان: وما هن يا أم المؤمنين؟ قالت: جاء الملك بصورتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابنة سبع سنين, وأهديت إليه وأنا ابنة تسع سنين وتزوجني بكراً لم يشركه في أحد من الناس, وكان يأتيه الوحي وأنا وهو في لحاف واحد, وكنت من أحب الناس إليه, ونزل في آيات من القرآن كادت الأمة تهلك فيها, ورأيت جبريل عليه السلام ولم يره أحد من نسائه غيري, وقبض في بيتي لم يله أحد غير الملك إلا أنا.

وخرجه أبو جعفر بن جرير في "تاريخه" فقال: حدثنا عبد الحميد بن بيان السكري, أخبرنا محمد بن يزيد, عن إسماعيل – يعني ابن أبي خالد – عن عبد الرحمن بن أبي الضحاك, عن رجل من قريش, عن عبد الرحمن بن محمد أن عبد الله بن صفوان وآخر معه أتيا عائشة رضي الله عنها ... وذكر الحديث بنحوه.

وقال بكر بن سهل الدمياطي: حدثنا عبد الغني بن سعيد الثقفي البرقي, حدثنا موسى بن عبد الرحمن الصنعاني القرشي, عن ابن


#83#

جريج, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قالت عائشة رضي الله عنها: أعطيت عشر خصال لم تعطهن ذات خمار قبلي: صورت لرسول الله قبل أن أصور في رحم أمي, وتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم بكراً, لم يتزوج بكرا غيري, وكان ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي وهو بين سحري ونحري, وتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين سحري ونحري, ونزلت براءتي من السماء, وكنت أحب النساء إليه وكان أبي أحب الرجال إليه, وخير رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بين حاقنتي وذاقنتي, ودفن في بيتي.

وقال عبد الملك بن محمد: حدثنا الحكم بن مروان, حدثنا فرات بن السائب, عن ميمون بن مهران, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: إني لأفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بسبع: ابتكرني ولم يبتكر امرأة غيري, ولم ينزل عليه من القرآن منذ دخل علي إلا في بيتي, ونزل بعذري قرآن يتلا, وقال لي: أنت زوجتي في الدنيا والآخرة, وقبض بين سحري ونحري, ودفن في بيتي, وأتاه جبريل بصورتي مرتين قبل أن يملك عقدي.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث يحيى بن آدم, حدثنا قيس بن الربيع, عن مغيرة, عن الشعبي, عن عمرو بن الحارث بن المصطلق: بعث زياد إلى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بمال وفضل عائشة, فجعل الرسول يعتذر إلى أم سلمة فقالت: يعتذر إلينا زياد, فقد كان يفضلها من كان علينا أعظم تفضيلاً من زياد رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#84#

لم يرو هذا الحديث عن مغيرة إلا قيس, ولا عن قيس إلا يحيى بن آدم, تفرد به الوكيعي, قاله الطبراني.

والوكيعي هو أحمد بن عمر راوي الحديث, عن يحيى بن آدم.

وقال الحاكم في "مستدركه": وأخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبيد القرشي بالكوفة, حدثنا الحسن بن علي بن عفان العامري, حدثنا أسباط بن محمد القرشي, حدثنا مطرف, عن أبي إسحاق, عن مصعب بن سعد قال: فرض عمر رضي الله عنه لأمهات المؤمنين عشرة آلاف, وزاد عائشة ألفين وقال: إنها حبيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

مطرف هو ابن طريف الحارثي الكوفي.

وخرجه من حديث عبيد الله بن موسى, عن إسرائيل, عن أبي إسحاق, عن مصعب بن سعد عن سعد موقوفاً عليه.

ثم قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه لإرسال مطرف بن طريف إياه.

قلت: وحدث به أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي, عن أخيه أحمد بن جعفر, حدثنا أحمد بن بديل, حدثنا أسباط بن محمد, حدثنا مطرف بن عبد الله, عن أبي إسحاق ... فذكره.

وخرج من طريق يحيى بن أبي طالب: حدثنا زيد بن الحباب, أخبرنا عمر بن سعيد بن أبي حُسَيْن المكي, حدثني عبد الله بن أبي مليكة, حدثني


#85#

ذكوان أبو عمرو مولى عائشة أن درجاً قدم إلى عمر رضي الله عنه من العراق وفيه جوهر, فقال لأصحابه: تدرون ما ثمنه؟

فقالوا: لا, ولم يدورا كيف يقسمونه.

فقال: تأذنون أن أبعث به إلى عائشة لحب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياها؟

فقالوا: نعم, فبعث به إليها ففتحته فقالت: ماذا فتح على ابن الخطاب بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ اللهم لا تبقني لعطيته لقابل.

فيه إرسال, لم يصح سماع ذكوان من عمر رضي الله عنه.

وقال هناد بن السري في كتابه "الزهد": حدثنا أبو معاوية, عن حجاج, عن عطاء قال: بعث معاوية رضي الله عنه إلى عائشة رضي الله عنها بطوق من ذهب فيه جوهر قوم مائة ألف, فقسمته بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال أيضاً: حدثنا أبو معاوية, عن هشام بن عروة, عن محمد بن المنكدر, عن أم ذرة – وكانت تغشى عائشة رضي الله عنها قالت بعث إليها ابن الزبير بمال في غرارتين, فقالت: أراه ثمانين ومائة ألف, فدعت بطبق وهي يومئذ صائمة, فجعلت تقسمه بين الناس, فأمست وما عندها من ذلك درهم, فلما أمست, قالت: يا جارية, هلمي فطري, فجاءتها بخبز وزيت, فقالت لها أم ذرة: أما استطعت مما قسمت اليوم أن تشتري


#86#

لنا بدرهم لحماً نفطر عليه؟ فقالت: لا تعنفيني, لو كنت ذكرتيني لفعلت.

وقال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن تيم, عن عروة بن الزبير, قال: لقد رأيت عائشة رضي الله عنها تصدق بسبعين ألفاً, وإنها لترقع جانب درعها.

وقال الحارث بن أبي أسامة: حدثنا روح, حدثنا حاتم بن أبي صغيرة, حدثنا ابن أبي مليكة أن عائشة بنت طلحة حدثته أن عائشة رضي الله عنها قتلت جاناً فأريت في المنام: والله لقد قتلته مسلماً, فقالت: لو كان مسلماً ما دخل على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, فقيل لها: وهل دخل إلا وعليك ثيابك؟ فأصبحت فزعة, فأمرت باثنتي عشرة ألفاً فجعلتها في سبيل الله.

وروي عن علي بن الأقمر, عن مسروق أنه كان إذا حدث عن أم المؤمنين عائشة قال: حدثتني الصديقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله المبرأة من فوق سبع سماوات.

تابعه الشعبي وغيره عن مسروق. وإسناده صحيح.


#87#

وحدث به الحُسَيْن بن الحسن المروزي في كتاب "الزهد" لابن المبارك من زياداته عليه, فقال: أخبرنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش, عن مسلم, عن مسروق أنه كان إذا حدث عن عائشة رضي الله عنها قال: حدثتني المبرأة المصدقة بنت الصديق حبيبة حبيب الله صلى الله عليه وسلم. قال: فقلت له: فكانت تحسن الفرائض؟ قال: لقد رأيت أكابر أصحاب رسول الله يسألونها عن الفرائض.

وتقدم بنحوه مختصراً.

وخرج أحمد بن حنبل في "مسنده" وابن سعد في "الطبقات الكبرى" واللفظ له من حديث عبد الله بن عبيد الله بن أبي مليكة أنه حدثه ذكوان حاجب عائشة رضي الله عنها أنه جاء – يعني ابن عباس – يستأذن على عائشة, فجئت وعند رأسها ابن أخيها عبد الله بن عبد الرحمن, فقلت: هذا عبد الله بن عباس يستأذن عليك – وهي تموت – فقالت: دعني من ابن عباس فإنه لا حاجة لي به ولا بتزكيته, فقال: يا أمتاه: إن ابن عباس من صالح بنيك يسلم عليك ويودعك, قالت: فأذن له إن شئت, فأدخلته, فلما أن جلس وسلم قال: أبشري, قالت: بم؟ قال: ما بينك وبين أن تلقي محمداً صلى الله عليه وسلم والأحبة إلا أن تخرج الروح من الجسد, كنت أحب نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب إلا طيباً, وسقطت قلادتك ليلة الأبواء, فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم ليطلبها حين يصبح في المنزل, فأصبح الناس


#88#

ليس معهم ماء فأنزل الله تعالى أن تيمموا صعيداً طيباً, فكان ذلك من سببك, وما أذن الله لهذه الأمة من الرخصة, وأنزل الله براءتك من السماء من فوق سبع سماوات جاء بها الروح الأمين, فأصبح ليس مسجد من مساجد الله يذكر فيها إلا هي تتلى فيها آناء الليل والنهار, فقالت: دعني منك يا ابن عباس, فوالذي نفسي بيده لوددت أني كنت نسياً منسياً.

وخرجه أحمد في "مسنده" من حديث عبد الله بن عثمان بن خثيم, عن ابن أبي مليكة إن شاء الله بنحوه.

ورواه عثمان بن سعيد الدارمي, عن ابن أبي مليكة مختصراً.

وفي "صحيح البخاري" نحوه.

وقال الحُسَيْن بن الحسن المروزي في زياداته على "كتاب الزهد" لشيخه ابن المبارك: حدثنا أبو معاوية, حدثنا أبو حنيفة, عن حماد, عن إبراهيم, عن الأسود, عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه ليهون علي الموت أن أريتك زوجتي في الجنة.

وقال أبو بكر محمد بن الحسن بن الأزهر: حدثنا عباس الدوري, حدثنا قبيصة بن عقبة، حدثنا سفيان الثوري, عن الأعمش, عن أبي


#89#

صالح, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما أن دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة مهاجراً من مكة أشعث أغبر, أكثر عليه اليهود المسائل, والنبي صلى الله عليه وسلم يجيبهم جواباً مداركاً – بإذن الله - وكانت خديجة رضي الله عنها قد ماتت بمكة فلما أن دخل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واستوطنها, طلب التزويج, فقال لهم: «أنكحوني», فأتاه جبريل عليه السلام بخرقة من الجنة طولها ذراع في عرض شبر, فيها صورة لم ير الراءون أحسن منها, فنشرها جبريل له وقال له: يا محمد إن الله تعالى يقول لك أن تزوج هذه الصورة, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «أنا من أين لي مثل هذه الصورة يا جبريل؟» فقال له جبريل: إن الله عز وجل يقول لك؛ تزوج ابنة أبي بكر الصديق, فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى منزل أبي بكر فقرع الباب ثم قال: «يا أبا بكر, إن الله عز وجل أمرني أن أصاهرك», وكان له ثلاث بنات, فعرضهن على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله أمرني أن أتزوج هذه الجارية» عائشة رضي الله عنها فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هذا الحديث من مراسيل أبي هريرة رضي الله عنه لو ثبت, بل هو حديث موضوع مختلق من قبل محمد بن الحسن بن الأزهر بن جبير بن جعفر القطان الأصم الدعاء.

قال الخطيب أبو بكر الحافظ: رجاله كلهم ثقات غير محمد بن الحسن, ونراه مما صنعت يداه.


#90#

وقال ابن الجوزي: ما أبعد الذي وضعه عن العلم! فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله عنها وهو بمكة, ولم يكن حينئذ لأبي بكر ثلاث بنات, ما كان له غير أسماء وعائشة رضي الله عنها وإنما جاءته بعد وفاته ابنة يقال لها أم كلثوم. انتهى.

ومحمد بن الحسن الدعاء هذا هو راوي كتاب "الحيدة" منفرداً به، رواه عنه أبو عمرو عثمان بن السماك. قال الذهبي في كتاب "الميزان": ويغلب على ظني أنه هو الذي وضع كتاب "الحيدة" إني أستبعد وقوعها جداً, وإنما ذكرنا هذا الحديث الباطل لهتك حاله وللمعرفة به.

وحدث يونس بن بكير في "المغازي" عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت أمي تعالجني تريد أن تسمني بعض السمن لتدخلني على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فما استقام لها بعض ذلك حتى أكلت التمر بالقثاء فسمنت عليه كأحسن ما يكون من السمنة.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل في كتاب "العلل": حدثني أبي, حدثنا حسن بن موسى, حدثنا حماد بن سلمة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, قالت عائشة رضي الله عنها: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم متوفى خديجة قبل مخرجه إلى المدينة بثنتين أو ثلاث وأنا بنت سبع سنين أو ست سنين فلما قدمنا المدينة جاءتنا نسوة وأنا ألعب في أرجوحة, وأنا مجممة فذهبن بي, فهيأنني وصنعنني, ثم أتين بي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت تسع سنين.


#91#

قال أبو عبد الله محمد بن مخلد العطار: حدثنا عبيد الله بن النعمان, حدثنا سعيد بن سلام, حدثنا ابن أبي رواد, حدثني منصور بن عبد الرحمن, عن أمه صفية بنت شيبة, عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من نسائه فنثروا على رأسه تمر عجوة.

وحدث الكديمي, عن سهل بن حسان, وهو ابن أبي حدويه, حدثنا الوليد بن مسلم, عن الأوزاعي, عن يحيى بن أبي كثير, قال: أخبرني كلاب بن تلاد, حدثتني أسماء مقينة عائشة رضي الله عنها قالت: لما أقعدنا عائشة لنجليها برسول الله صلى الله عليه وسلم, إذ جاءنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ونحن في نسوة, فقرب إلينا لبناً وتمراً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلن واشربن» فقلن: يا رسول الله, إنا صوام, قال: «كلن واشربن ولا تجمعن جوعاً وكذباً» قالت: فأكلنا وشربنا.

وقال أبو اليمان الحكم بن نافع: أخبرنا شعيب, عن عبد الله – يعني ابن أبي حُسَيْن – حدثني شهر أن أسماء بنت زيد بن سكن إحدى نساء بني عبد الأشهل دخل عليها يوماً فقربت له طعاماً, فقال: لا أشتهيه, قالت: إني قينت عائشة رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم


#92#

جئته بجلوتها فدعوته لجلوتها, فجاء فجلس إلى جنبها, فأتي بعس لبن فشرب منه, ثم ناولها, فخفضت رأسها واستحيت, قالت أسماء رضي الله عنها: فانتهرتها وقلت لها: خذي من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: فأخذته فشربت شيئاً, ثم قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «أعطي تربك» قالت أسماء،: فقلت: يا رسول الله, بل خذه فاشرب منه, ثم ناولنيه من يدك, فأخذه فشرب منه, ثم ناولنيه, قالت: فجلست ثم وضعته على ركبتي, ثم طفقت أديره وأتبعه بشفتي لأصيب منه مشرب النبي صلى الله عليه وسلم, ثم قال لنسوة عندي: «ناوليهن», فقلن: لا نشتهي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تجمعن جوعاً وكذباً» فهل أنت منتهية أن تقولي: لا أشتهيه؟ فقلت: إي أمه لا أعود أبداً.

وقال ابن حبان في «صحيحه»: أخبرنا ابن قتيبة, أخبرنا ابن أبي السري, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن الزهري, [عن يحيى بن سعيد بن العاص]، عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم استعذر أبا بكر من عائشة رضي الله عنها ولم يظن النبي صلى الله عليه وسلم أن ينالها بالذي نالها, فرفع أبو بكر رضي الله عنه يده فلطمها وصك في صدرها, فوجد من ذلك النبي صلى الله عليه وسلم, قال: «يا أبا بكر, ما أنا بمستعذرك منها بعدها أبداً».


#93#

$[وفاتها رضي الله عنها]:$

ولدت عائشة رضي الله عنها سنة أربع من النبوة, ومات عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت ثمان عشرة سنة.

وتوفيت بالمدينة ليلة الثلاثاء بعد صلاة الوتر لسبع عشرة.

وقيل: لخمس عشرة مضت من شهر رمضان سنة ثمان وخمسين, قاله الواقدي وغيره.

[وقيل: سبع وخمسين, قاله هشام بن عروة, في خلافة معاوية رضي الله عنه].

وقيل: سنة سبع وخمسين, وعاشت ستاً وستين سنة, قاله الواقدي.

وقيل: ماتت وهي ابنة تسع وستين.

وصلى عليها أبو هريرة بعد الوتر في شهر رمضان, وكان إذ ذاك أمير المدينة من قبل مروان بن الحكم؛ لأن مروان اعتمر تلك السنة واستخلف أبا هريرة, ومروان حينئذ كان عاملاً لمعاوية, استعمله على الحجاز ليس ذلك في ولايته.

ودفنت بالبقيع ليلاً, فاجتمع الخلق, فلم ير ليلة أكثر ناساً منها؟ قاله الواقدي.

وعن أبي عتيق قال: رأيت ليلة توفيت عائشة حمل معها جريد في الخرق والزيت فيه نار في الليل, ورأيت النساء بالبقيع كأنه عيد.

وحدث محمد بن الحسن بن زبالة, عن عبد الله بن وهب, عن ابن


#94#

جريج, عن نافع وغيره من أهل العلم قالوا: والإمام يوم صلينا على عائشة رضي الله عنها أبو هريرة, وحضر ذلك عبد الله بن عمر رضي الله عنهم ودخل قبر عائشة عبد الله وعروة ابنا الزبير, والقاسم وعبد الله ابنا محمد بن أبي بكر, وعبد الله بن عبد الرحمن بن أبي بكر.

حدث به عن ابن زبالة الزبير بن بكار في كتابه "ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم".

وقال أيضاً: حدثني محمد بن حسن, عن معن بن عيسى, عن فائد, عن منقذ الحفار قال: كان من المقبرة قبران مطابقان بالحجارة ليس فيها غيرهما: قبر عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, وقبر الحسن بن علي رضي الله عنهما.

$[كنيتها رضي الله عنها]:$

ويروى أن عائشة رضي الله عنها أسقطت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سقطاً سماه عبد الله.

وقال أبو علي إسماعيل بن محمد بن إسماعيل الصفار: حدثنا عبد الله بن أيوب المخرمي أبو محمد, حدثنا داود بن المحبر, حدثنا محمد بن عروة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أسقطت من رسول الله صلى الله عليه وسلم سقطاً فسماه عبد الله, وكناني بأم


#95#

عبد الله, [وقال محمد:] فليس فينا امرأة اسمها عائشة إلا كنيت بأم عبد الله.

وقد خرج ابن سعد في "الطبقات" من حديث هشام بن عروة, عن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا نبي الله, ألا تكنيني؟ قال: «اكتني بابنك عبد الله بن الزبير» فكانت تكنى بأم عبد الله.

وخرجه الحاكم وصحح إسناده.

وخرجه أبو داود في "سننه", عن مسدد وسليمان بن حرب المعنى, قالا: حدثنا حماد, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: يا رسول الله, كل صواحبي لهن كنى, قال: «فاكتني بابنك عبد الله» قال مسدد: عبد الله بن الزبير. قال: فكانت تكنى أم عبد الله.

قال أبو داود: وهكذا قال قران بن تمام ومعمر جميعاً, عن هشام نحوه, ورواه أبو أسامة عن عباد بن حمزة, وكذلك حماد بن سلمة ومسلمة بن قعنب, عن هشام كما قال أبو أسامة.


#96#

قلت: رواية هشام عن عباد حدث بها أبو بكر بن أبي خيثمة في "التاريخ" فقال: حدثنا موسى, حدثنا وهيب بن خالد, حدثنا هشام بن عروة, عن عباد بن حمزة بن عبد الله بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله, ألا تكنيني, قال: «اكتني بابنك, عبد الله بن الزبير» قال: فكانت تكتني بأم عبد الله.

وحدث به أيضاً عن أبيه, حدثنا يحيى بن سعيد الأموي, عن هشام بن عروة, عن عباد بن حمزة, عن عائشة ... فذكره.

ورواه أيضاً عن يحيى بن عبد الحميد, حدثنا حماد بن زيد، عن هشام، عن أبيه قال: قالت عائشة رضي الله عنها.. فذكره.

وحدث به ابن ماجه في "سننه" عن أبي بكر بن أبي شيبة, عن وكيع, عن هشام بن عروة, عن مولى الزبير, عن عائشة رضي الله عنها قلت للنبي صلى الله عليه وسلم: لكل أزواجك كنية غيري, قال: «فأنت أم عبد الله».

وقال أبو سعيد الخليل بن أحمد السجزي في كتابه "الآداب": أخبرنا ابن صاعد, حدثنا محمد بن إسحاق, حدثنا داود بن رشيد, حدثنا عباد بن العوام, حدثنا عمر بن عامر عن أم كلثوم, عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم كناها بأم عبد الله.

وقال أبو سعيد أحمد بن محمد بن الأعرابي في "معجمه": حدثنا


#97#

عبد الله بن أيوب, حدثنا داود بن المحبر, حدثنا محمد بن عروة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أسقطت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سقطاً فسماه عبد الله وكناني بأم عبد الله. قال محمد: فليس فينا امرأة اسمها عائشة إلا كنيت بأم عبد الله.

وهذا حديث منكر من قبل داود بن المحبر, فلا يلتفت إليه ولا يعول عليه؛ ولهذا لم نذكره عند أولاد النبي صلى الله عليه وسلم.


#98#

$ 3 - [أم المؤمنين حفصة رضي الله عنها]:$

وحفصة بنت عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي القرشية العدوية شقيقة عبد الله رضي الله عنهم.

وأمها زينب بنت مظعون بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح, من المهاجرات, وهي أخت عثمان بن مظعون.

ولدت حفصة رضي الله عنها وقريش تبني البيت قبل البعثة بخمس سنين, وكانت عند أبي حذافة خنيس بن حذافة بن قيس السهمي البدري رضي الله عنه ولم يشهد بدراً سهمي غيره, مات عنها بعد رجوعه من بدر على رأس خمسة عشر شهراً من الهجرة.

وذكر أبو عمر بن عبد البر أن خنيساً شهد أحداً, ونالته جراحات, مات بالمدينة. قال: فعلى هذا يكون تزوجه صلى الله عليه وسلم بها بعد أحد؛ لأنهم أجمعوا على أنها تأيمت من خنيس, والقول الأول هو الصحيح.

ولما حلت عرضها أبوها عمر بن الخطاب على عثمان بن عفان رضي الله عنهما وكانت زوجته رقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قد ماتت ودفنت يوم أتى البشير بفتح الله ونصره ببدر على رسول الله صلى الله عليه وسلم كما قدمناه قبل, وكان عثمان شكا إلى عمر رضي الله عنهما انقطاع الصهر بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال عمر: ألا أزوجك ابنتي؟ فلم يجبه, وشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: «بل يزوجك الله خيراً من ابنة عمر, ويزوج ابنة عمر خيراً منك», فزوجه أم كلثوم, وتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة.


#99#

ذكره بنحوه أبو عبيدة معمر بن المثنى.

قال: وزعم بعضهم أن عثمان خطب إلى عمر فرده, فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم تلك المقالة.

وقال ابن سعد في كتاب "الطبقات الكبرى": حدثنا إسماعيل بن إبراهيم, عن يونس عن الحسن أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت بعض بناته عند عثمان فتوفيت, فلقيه عمر رضي الله عنهما فرآه حزيناً ورأى من جزعه, فقال له وعرض عليه حفصة, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم, فقال: لقيت عثمان, فرأيت من جزعه فعرضت عليه حفصة, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا أدلك على ختن خير من عثمان, وأدل عثمان على ختن هو خير له منك؟» قال: بلى يا رسول الله, فتزوج النبي صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها وزوج ابنة له عثمان رضي الله عنه.

وخرج في "الطبقات" أيضاً من حديث علي بن زيد, عن سعيد بن


#100#

المسيب قال: تأيمت حفصة من زوجها, وتأيم عثمان من رقية, قال: فمر عمر بعثمان رضي الله عنهما وهو كئيب حزين, فقال: هل لك في حفصة فقد فرطت عدتها من فلان؟ فلم يحر إليه شيئاً, قال: فذهب عمر إلى النبي صلى الله عليه وسلم, فذكر ذلك له, قال: «خيراً من ذاك, زوجني حفصة وأزوجه أم كلثوم [أختها», قال: فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة رضي الله عنها وزوج عثمان أم كلثوم رضي الله عنها] [وخرجه الحاكم. وكان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بحفصة رضي الله عنها] في شعبان على رأس ثلاثين شهراً من الهجرة قبل أحد بشهرين, وقيل: تزوجها في السنة الثانية من الهجرة.

وقال أبو بكر أحمد بن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد بن سلمة, أخبرنا أبو عمران الجوني, عن قيس بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ابنة عمر رضي الله عنهما فدخل عليها خالاها قدامة وعثمان ابنا مظعون, فبكت وقالت: والله ما طلقني رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شبع, وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فتجلببت, فقال صلى الله عليه وسلم: «قال لي جبريل عليه السلام: راجع حفصة فإنها صوامة قوامة, وإنها زوجتك في الجنة».


#101#

تابعه عفان وجماعة عن حماد وهو مرسل وإسناده جيد.

وخرجه ابن سعد في "الطبقات" وأبو نعيم في "الحلية" والحاكم في "مستدركه".

وروي عن أنس وقتادة وابن سيرين بنحوه.

ومن حديث أنس: رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" فقال: حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا الحسن بن أبي جعفر, حدثنا ثابت عن أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة تطليقة, فأتاه جبريل عليه السلام فقال: يا محمد, طلقت حفصة وهي صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة؟!

وخرجه بنحوه الطبراني في "معجمه الأوسط" وهو في "المستدرك" للحاكم.

وجاء من حديث هشيم, عن حميد, عن أنس.

ورواه قتادة عن أنس.

وخرج أبو نعيم في "الحلية" من حديث أحمد بن عبد الرحمن بن


#102#

وهب, حدثنا عمي عبد الله بن وهب, حدثني عمر بن صالح, عن موسى بن علي بن رباح, عن أبيه, عن عقبة بن عامر رضي الله عنه قال: لما طلق رسول الله صلى الله عليه وسلم حفصة بنت عمر رضي الله عنهما فبلغ ذلك عمر رضي الله عنه فوضع التراب على رأسه, وجعل يقول: ما يعبأ الله بعمر بعد هذا؟ قال: فنزل جبريل عليه السلام من الغد على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن الله عز وجل يأمرك أن تراجع حفصة رحمة لعمر رضي الله عنهما.

وخرجه الطبراني في "معجمه" فقال: حدثنا أحمد بن طاهر بن حرملة بن يحيى, حدثنا جدي حرملة, حدثنا ابن وهب, حدثني عمرو بن صالح [الحضرمي فذكره.

وحدث يونس بن بكير في "المغازي" عن سليمان الأعمش عن أبي صالح], عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: دخل عمر على أختي حفصة وهي تبكي, فقال لها: ما يبكيك؟ لعل رسول الله صلى الله عليه وسلم طلقك, إنه قد كان طلقك مرة ثم راجعك من أجلي, فوالله لئن كان طلقك أخرى لا أكلمك كلمة أبداً.

وجاء عن عمر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم طلق حفصة ثم راجعها. رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما عن عمر رضي الله عنه به.


#103#

خرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم, والحاكم في "مستدركه", وصححه.

وجاء أن النبي صلى الله عليه وسلم هم بطلاقها ولم يفعل.

قال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني مخرمة بن بكير, عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد هم بطلاق حفصة حتى ذكر بعض ذلك, فنزل جبريل عليه السلام فقال: إن حفصة صوامة قوامة وكانت امرأة صالحة.

وخرج أبو نعيم في "الحلية" من حديث المنذر بن الوليد الجارودي, حدثنا أبي, حدثنا الحسن بن أبي جعفر, عن عاصم, عن زر, عن عمار بن ياسر رضي الله عنهما قال: أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يطلق حفصة فجاء جبريل عليه السلام, فقال: لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وهي زوجتك في الجنة.

وجاء عن عبد الله بن عمر, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما أن عمر رضي الله عنه أوصى إلى حفصة رضي الله عنها.


#104#

*[وفاتها]:

توفيت حفصة رضي الله عنها في شعبان سنة خمس وأربعين بالمدينة في خلافة معاوية رضي الله عنه وهي ابنة ستين سنة.

وقيل: توفيت سنة إحدى وأربعين حين بايع الحسن [بن علي] معاوية رضي الله عنهم.

وقيل: ماتت في خلافة عثمان رضي الله عنه بالمدينة سنة سبع وعشرين.

وقيل: سنة ثمان وعشرين عام أفريقية في خلافة عثمان رضي الله عنه وقيل غير ذلك.

وروي عن الزهري, عن سالم, عن أبيه قال: توفيت حفصة رضي الله عنها فصلى عليها مروان بن الحكم وهو يومئذ عامل المدينة.

وروى المقبري عن أبيه قال: رأيت مروان بين أبي هريرة وبين أبي سعيد أمام جنازة حفصة رضي الله عنها قال: ورأيت مروان حمل بين عمودي سريرها من عند دار آل حزم إلى دار المغيرة بن شعبة, وحمله أبو هريرة من دار المغيرة إلى قبرها.

قال الواقدي: وحدثني عبيد الله بن نافع, عن أبيه قال: نزل في قبر حفصة رضي الله عنها عبد الله وعاصم ابنا عمر, وسالم وعبد الله وحمزة بنو عبد الله بن عمر رضي الله عنهم.


#105#

$4 - [أم المؤمنين أم حبيبة رضي الله عنها]:$

وأم حبيبة رملة, وقيل: هند – والأول هو المشهور, وصححه ابن عبد البر – بنت أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف بن قصي القرشية الأموية.

وأمها صفية بنت أبي العاص بن أمية عمة عثمان بن عفان بن أبي العاص, وهي أم حنظلة بن أبي سفيان الذي قتله علي بن أبي طالب رضي الله عنه يوم بدر كافراً.

وقيل في أمها غير ذلك, فقيل: آمنة بنت عبد العزى من بني عدي بن كعب, والمشهور الأول.

قال الدارقطني في "سننه": حدثنا عبد الله بن محمد بن زياد, حدثنا أحمد بن منصور, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن الزهري, عن عروة, عن أم حبيبة أنها كانت عند عبدان بن جحش, فهلك عنها وكانت ممن هاجر إلى أرض الحبشة فزوجها النجاشي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي عندهم بأرض الحبشة.

قال الرمادي: كذا قال عبد الرزاق وإنما هو عبيد الله بن جحش الذي مات على النصرانية. انتهى.

وهذا هو الذي لا يصح غيره: أن أم حبيبة كانت عند عبيد الله بن جحش بن رياب, وولدت له حبيبة فكنيت بها.


#106#

وذكر [في ترجمة أمها] موسى بن عقبة فيمن هاجر إلى أرض الحبشة: حبيبة بنت عبيد الله بن جحش, وذكر في ترجمة أمها أنها ولدت لزوجها حبيبة بأرض الحبشة.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا عبد الله بن جعفر, عن عثمان بن محمد الأخنسي أن أم حبيبة بنت أبي سفيان ولدت حبيبة ابنتها بمكة قبل أن تهاجر إلى أرض الحبشة.

قال عبد الله بن جعفر: وسمعت إسماعيل بن محمد بن سعد يقول: ولدتها بأرض الحبشة.

قال محمد بن عمر: فأخبرني أبو بكر إسماعيل بن محمد بن سعد عن أبيه قال: خرجت من مكة وهي حامل فولدتها بأرض الحبشة.

هاجر عبيد الله بأم حبيبة إلى أرض الحبشة في الهجرة الثانية, ثم ارتد عن الإسلام وتنصر, ومات بالحبشة نصرانياً, وثبتت أم حبيبة رضي الله عنها على دينها وهجرتها, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي ليخطب عليه أم حبيبة في المحرم على الأصح, وقيل: في شهر ربيع الأول سنة سبع من الهجرة, وزعم ابن حزم أنه لا خلاف فيه, وقيل: سنة ست, فزوجه إياها.

وكان الذي أنكحها وعقد عليها خالد بن سعيد بن العاص بن أمية, وصححه ابن الجوزي وغيره.


#107#

وقال البيهقي: قال محمد بن إسحاق بن يسار صاحب "المغازي": إن الذي ولي نكاحها ابن عمها خالد بن سعيد بن العاص وهو ابن ابن عم أبيها فإنها أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب بن أمية, والعاص هو ابن أمية.

وقد قيل: إن عثمان بن عفان هو الذي ولي نكاحها, وروي ذلك عن عروة وعن الزهري, وعثمان هو ابن عفان بن أبي العاص بن أمية ابن ابن عم أبيها. انتهى.

وأصدقها عنه النجاشي صداقاً مختلفاً فيه, فقيل أربعة آلاف درهم.

خرج الدارقطني في "سننه" من حديث معلى بن منصور, حدثنا ابن المبارك, أخبرنا معمر, عن الزهري, عن عروة, عن أم حبيبة رضي الله عنها أنها كانت تحت عبيد الله بن جحش فمات بأرض الحبشة, فزوجها النجاشي النبي صلى الله عليه وسلم وأمهرها عنه أربعة آلاف درهم وبعث بها إليه مع شرحبيل بن حسنة.

وحدث به أبو داود عن حجاج (بن أبي يعقوب الثقفي, حدثنا معلى بن منصور ... فذكره.

وقال أبو داود أيضاً: حدثنا محمد بن حاتم) بن بزيع, حدثنا علي بن الحسن بن شقيق, عن ابن المبارك, عن يونس, عن الزهري أن النجاشي رضي الله عنه زوج أم حبيبة بنت أبي سفيان من رسول الله صلى الله عليه وسلم على


#108#

صداق أربعة آلاف درهم وكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقبل).

وذكر أبو عبيدة أن بعضهم زعم أنه ساق عنه أربعين أوقية, وهذا من قول الزهري, فإنه قال: فتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان, وكانت قبله تحت عبيد الله جحش الأسدي, وذكر قصة كفره, ثم قال: وأتم الله لها الإسلام والهجرة حتى قدمت المدينة فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه عثمان بن عفان رضي الله عنه.

[قال الزهري: وقد زعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي فزوجها إياه وساق عنه] أربعين أوقية.

خرجه الحاكم في "مستدركه" بطوله.

وقيل: أصدقها عنه أربعمائة دينار.

خرج ابن سعد من حديث جعفر بن محمد بن علي, عن أبيه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمرو بن أمية الضمري إلى النجاشي يخطب عليه أم حبيبة بنت أبي سفيان, وكانت تحت عبيد الله بن جحش, وزوجها إياه وأصدقها أربعمائة دينار, فقال أبو جعفر محمد بن علي أحد رواته: فما نرى عبد الملك بن مروان وقت صداق النساء أربعمائة دينار إلا لذلك.


#109#

وخرج الطبراني من حديث مروان بن محمد الطاطري, حدثنا سفيان بن عيينة, عن سعيد بن بشير, عن قتادة, عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن النجاشي رضي الله عنه زوج النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وأصدق عنه من ماله مائتي دينار.

تفرد به مروان.

قال عبد الواحد بن أبي عون: لما بلغ أبا سفيان بن حرب نكاح النبي صلى الله عليه وسلم ابنته قال: ذات الفحل لا يقدع أنفه.

وذكر نحوه مصعب بن عبد الله الزبيري قال: فقيل لأبي سفيان يومئذ وهو مشرك محارب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن محمدا صلى الله عليه وسلم قد نكح ابنتك, قال: ذاك الفحل لا يقدع أنفه.

حدث به ابن أبي خيثمة عن مصعب.

وقال ابن سعد في كتاب "الطبقات الكبير": أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا عبد الله بن عمرو بن زهير, عن إسماعيل بن عمرو بن سعيد بن العاص قال: قالت أم حبيبة رضي الله عنها: رأيت في النوم كأن عبيد الله بن جحش – زوجي – بأسوأ صورة وأشوهه, ففزعت فقلت: تغيرت والله


#110#

حاله, فإذا هو يقول حين أصبح: يا أم حبيبة إني نظرت في الدين فلم أر ديناً خيراً من [دين] النصرانية, وكنت قد دنت بها, ثم دخلت في دين محمد صلى الله عليه وسلم, ثم قد رجعت إلى النصرانية, فقلت: والله ما خير لك, وأخبرته بالرؤيا التي رأيت, فلم يحفل بها, وأكب على الخمر حتى مات, فأرى في النوم كأن آتياً يقول: يا أم المؤمنين, ففزعت فأولتها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتزوجني, فما هو إلا أن انقضت عدتي فما شعرت إلا برسول النجاشي على بابي يستأذن, فإذا جارية له يقال لها أبرهة كانت تقوم على ثيابه ودهنه, فدخلت علي, فقالت: إن الملك يقول لك إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجكه, فقلت: بشرك الله بخير, قالت: يقول لك الملك, وكلي من يزوجك, فأرسلت إلى خالد بن سعيد بن العاص فوكلته وأعطت أبرهة سوارين من فضة وخدمتين, كانتا في رجليها, وخواتيم من فضة كانت في أصابع رجليها, سروراً بما بشرتها, فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه ومن هناك من المسلمين, فحضروا فخطب النجاشي رضي الله عنه فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار, أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم صلى الله عليه وسلم: أما بعد فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوجه أم حبيبة بنت أبي سفيان فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد أصدقتها أربعمائة دينار. ثم سكب الدنانير بين يدي القوم, فتكلم خالد بن سعيد فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه وأستنصره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له, وأن محمداً عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين


#111#

الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون, أما بعد, فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان, فبارك [لرسول] الله صلى الله عليه وسلم ودفع الدنانير إلى خالد بن سعيد بن العاص, فقبضها ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا فإن سنة الأنبياء إذا تزوجوا أن يؤكل طعام على التزويج, فدعا بطعام فأكلوا, ثم تفرقوا, قالت أم حبيبة: فلما وصل إلي المال أرسلت إلى أبرهة التي بشرتني فقلت لها: إني كنت أعطيتك ما أعطيتك يومئذ ولا مال بيدي فهذه خمسون مثقالاً فخذيها فاستعيني بها, فأبت فأخرجت حقاً فيه كل ما كنت أعطيتها وقالت: عزم علي الملك أن لا أرزأك شيئاً, وأنا التي أقوم على ثيابه ودهنه وقد اتبعت دين محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسلمت لله, وقد أمر الملك نساءه أن يبعثن إليك بكل ما عندهن من العطر, قالت: فلما كان من الغد جاءتني بعود وورس وعنبر وزباد كثير, فقدمت بذلك كله على النبي صلى الله عليه وسلم وكان يراه علي وعندي فلا ينكره. ثم قالت أبرهة: فحاجتي إليك أن تقرئي رسول الله صلى الله عليه وسلم مني السلام, وتعلميه أني قد اتبعت دينه قالت: ثم لطفت بي, وكانت التي جهزتني, وكانت كلما دخلت علي تقول: لا تنسي حاجتي إليك, قالت: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبرته كيف كانت الخطبة وما فعلت بي أبرهة, فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأقرأته منها السلام, فقال: «وعليها السلام ورحمة الله وبركاته».

وحدث به الزبير بن بكار, عن محمد بن حسن – هو ابن زبالة – عن عبد الله بن عمرو بن زهير بنحوه.


#112#

وقد قال النضر بن محمد بن يونس الجرشي اليمامي: حدثنا عكرمة بن عمار, حدثنا أبو زميل, حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان الناس لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه, فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: ثلاث أعطينهن قال: «نعم» قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها قال: «نعم» قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك قال: «نعم» قال: وتأمرني أن أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين. قال: «نعم».

خرجه الطبراني في "معجمه الكبير" من رواية العباس بن عبد العظيم العنبري, عن النضر هكذا.

وخرجه أيضاً في "المعجم" فقال: حدثنا علي بن سعيد الرازي, حدثنا عمرو بن خليف بن إسحاق بن مرسال الخثعمي, حدثني إسماعيل بن مرسال, عن أبي زميل الحنفي, حدثني ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يفاتحونه, فقال: يا رسول الله ثلاث أعطينهن ... وذكر الحديث, وهو في صحيحي مسلم وابن حبان من حديث النضر عن عكرمة بن عمار بنحوه.

حدث به مسلم, عن عباس بن عبد العظيم المذكور قبل, وأحمد بن جعفر المعقري, عن النضر.

تابعهما أحمد بن ثابت الرازي, عن النضر.


#113#

وهو حديث مشهور بالإشكال, معدود وهماً, وقع في صحيح مسلم, لا بل عد منكراً.

وتجاوز أبو محمد بن حزم كعادته في إطلاق لسانه فقال: وهذا حديث موضوع لا شك في وضعه, والآفة فيه من عكرمة بن عمار, يعني الراوي عن أبي زميل.

وعده ابن الجوزي وهماً من بعض الرواة من غير شك في ذلك.

ووجه الإشكال في الحديث قول أبي سفيان للنبي صلى الله عليه وسلم: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها. قال: «نعم» مع أنه لا خلاف أن أبا سفيان وابنه معاوية من مسلمة فتح مكة سنة ثمان من الهجرة, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد تزوج أم حبيبة رضي الله عنها قبل ذلك بزمان في سنة ست من الهجرة، فيما قاله معمر بن المثنى أبو عبيدة وخليفة بن خياط والجمهور.

وقيل: تزوجها في سنة سبع, قاله جماعة.


#114#

وادعى ابن حزم عدم الخلاف فيه.

والجمهور على أن زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم كان وهي بالحبشة كما تقدم, وهو الصحيح.


#115#

قال ابن عبد البر: وقد ذكر الزبير - يعني ابن بكار- في ذلك أخباراً كثيرة كلها تشهد بتزويج النجاشي رضي الله عنه إياها بأرض الحبشة.

وقد قال ابن سعد في "طبقاته الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا محمد بن عبد الله, عن الزهري قال: لما قدم أبو سفيان بن حرب المدينة جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يريد غزو مكة, فكلمه أن يزيد في هدنة الحديبية فلم يقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقام فدخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم طوته دونه, فقال: يا بنية أرغبتي بهذا الفراش عني أم بي عنه؟ فقالت: بل هو فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأنت نجس مشرك, فقال: يا بنية لقد أصابك بعدي شر.

وقد أجيب عن هذا الإشكال بأجوبة فيها اختلال, رأيت ذكر الغالب منها مع تبيينه بما نقض به وتوهينه؛ ليعلم أن الإشكال مقيم ولربما يتضح معناه لأحد, وفوق كل ذي علم عليم.

فالأول من الأجوبة: أنه يحتمل أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم تجديد عقد ابنته أم حبيبة بقوله: أزوجكها. تطييباً لقلب أبي سفيان؛ لأنه كان ربما يرى عليه غضاضة من رياسته ونسبه أن تزوج بنته بغير رضاه, أو أنه ظن أن إسلام الأب في مثل هذا يقتضي تجديد العقد, وقد خفي أوضح من هذا على أكبر مرتبة من أبي سفيان ممن كثر علمه وطالت صحبته.


#116#

ونقض هذا: بأن الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وعده بقوله نعم, ولم ينقل أحد أنه جدد عقد أم حبيبة, ولو كان لنقل فكيف يعد ولم يف.

والثاني: أن معنى قوله: أزوجكها. يحتمل أن يكون أرضى بزواجك بها, فإنه كان أولاً على رغم مني وإن كان نكاحك إياها صحيحاً, فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بـ «نعم» تأنيساً له وتطييباً لقلبه, ثم يكون أخبره بعد بصحة العقد, وأنه لا يشترط رضاك, ولا ولاية لكافر على مسلمة.

ونقض بأن لفظ الحديث لا يفهم منه هذا الاحتمال وهو بعيد عنه, فإن قول أبي سفيان: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها. لا يكون معناه أن زوجتك التي هي في عصمتك أرضى زواجك بها, ولا يطابق هذا الاحتمال أن يقال في جوابه نعم, فإن أبا سفيان سأل من النبي صلى الله عليه وسلم أمراً تكون الإجابة إليه من جهة النبي صلى الله عليه وسلم, وأما رضى أبي سفيان بزواج ابنته من النبي صلى الله عليه وسلم فأمر قائم بقلبه لا يحتاج إلى طلب, فكيف يطلبه من النبي صلى الله عليه وسلم.

والثالث: يحتمل أن أبا سفيان سأل ذلك قبل إسلامه بمدة تقدمت على تاريخ نكاح النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة وسؤاله ذلك كالمشترط, ويكون تقديره: ثلاث إن أسلمت تعطينهن: أم حبيبة أزوجك بها, ومعاوية يسلم ويكون كاتباً بين يديك, وتؤمرني إن أسلمت حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين.

ونقض من وجوه منها: قوله في الحديث: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان, ولا يقاعدونه. فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله ثلاث أعطينهن, فكيف يصح الاحتمال المذكور مع هذا السياق؟! أم كيف يقول وهو


#117#

كافر: حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين؟! أم كيف ينكر جفوة المسلمين وأنهم لا يقاعدونه وهو جاهد في قتالهم وحربهم وإطفاء نور الله؟! مع أن قصة إسلام أبي سفيان لا يعرف فيها اشتراط لهذا ولا لغيره سوى ما سئل له: «من دخل دار أبي سفيان فهو آمن», ونحوه.

والرابع: يحتمل أن تكون مسألة أبي سفيان النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه أم حبيبة وقعت في بعض خراجات أبي سفيان إلى المدينة وهو كافر حتى سمع نعي زوجها من أرض الحبشة, والمسألتان الباقيتان وقعتا بعد إسلامه, فجمع الراوي الثلاث جميعاً.

ونقض بأن أبا سفيان إنما قدم آمناً بعد الهجرة في زمن الهدنة كما تقدم عن الزهري, وقاله ابن إسحاق وغيرهما, وأم حبيبة حينئذ زوج النبي صلى الله عليه وسلم, ولو ورد هذا الاحتمال منقولاً لعد غلطاً؛ لأنه لا يمكن تزويج أبي سفيان في حال كفره أم حبيبة وهي مسلمة, إذ لا ولاية له عليها حينئذ, مع أن ظاهر الحديث يدل على أن المسائل الثلاث وقعت منه جميعاً في وقت واحد في حال إسلامه.

والخامس: يحتمل أن أبا سفيان طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يزوجه ابنته الأخرى أختاً لأم حبيبة واسمها درة وقيل: عزة, وخفي على أبي سفيان تحريم الجمع بين الأختين لحداثة عهده بالإسلام مع أنه قد خفي على ابنته أم حبيبة أم المؤمنين فقالت للنبي صلى الله عليه وسلم: انكح أختي ابنة أبي سفيان. فاشتبه على الراوي ابنة أبي سفيان بأختها أم حبيبة فسماها بها غلطاً منه, والله أعلم.

وتقض هذا الاحتمال بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في جوابه: «نعم» فلو صح الاحتمال لأخبره بعدم الجواز, كما قال لأم حبيبة حين سألته نكاح أختها: «إن ذلك لا يحل لي».


#118#

والسادس: يحتمل أن زواج أم حبيبة بالنبي صلى الله عليه وسلم كان بعد سؤال أبيها كما في الحديث؛ لأن أهل النقل لم يتفقوا على أن زواجها من النبي صلى الله عليه وسلم كان وهي بأرض الحبشة, كما قاله الجمهور, بل قيل: إن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بالمدينة بعد قدومها من الحبشة.

وينقض بأن هذا القول أنه تزوجها بالمدينة بعد قدومها من الحبشة يحتاج إلى نقل ويعز ذلك؛ لأنه ليس له راو يستند إليه, ولا سند يعتمد عليه, ولو كان لعد غلطاً لاستفاضة تزويجها بأرض الحبشة من النبي صلى الله عليه وسلم, نعم, قال أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب" لما ذكر القول بأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة بالمدينة قال: وهذا قول يروى عن قتادة, وكذلك روى الليث عن عقيل, عن ابن شهاب أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة بالمدينة. انتهى.

وهذا مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها بالمدينة لا بمكة كسودة وعائشة وميمونة, ولا بخيبر كصفية, بل تزوجها بالمدينة وصارت له زوجة وهي بأرض الحبشة وهو صلى الله عليه وسلم بالمدينة.

وما علقه أبو عمر عن قتادة والزهري, أخذه – والله أعلم – من «تاريخ أبي بكر بن أبي خيثمة» فإن ابن أبي خيثمة قال في "تاريخه": حدثنا يحيى بن يوسف, حدثنا عبيد الله بن عمرو, عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال: ثم نكح.

وحدثنا الوليد بن شجاع, حدثنا شعيب بن الليث, عن الليث, عن عقيل, عن ابن شهاب أنه قال: فتزوج بالمدينة من بني أمية.


#119#

وحدثنا أحمد بن المقدام, حدثنا زهير بن العلاء, حدثنا سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة قال: ثم تزوج بالمدينة.

وحدثنا الوليد بن شجاع, حدثني ابن وهب, أخبرني يونس, عن ابن شهاب قال: ثم تزوج صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بن حرب, وكانت قبله تحت عبيد الله بن جحش الأسدي أسد خزيمة, وقال [قتادة: أحد بني أسد بن خزيمة, وقال عقيل في حديثه]: أخو بني أسد, وزاد عقيل وقتادة في حديثهما: فمات عنها بأرض الحبشة, وكان خرج بها من مكة مهاجراً في المهاجرين, قال عقيل: ثم افتتن وتنصر, فمات وهو نصراني, وأثبت الله لأم حبيبة الإسلام والهجرة, وقال قتادة: ثم تنصر ومات نصرانياً, وأبت أم حبيبة بنت أبي سفيان أن تتنصر فأتم الله لها الإسلام والهجرة, حتى قدمت المدينة فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فزوجها إياه عثمان بن عفان رضي الله عنه.

قال: وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى النجاشي فزوجها إياه, وساق عنه أربعين أوقية.

ومن هنا حصلت الشبهة لمن قال: تزوجها بعد قدومها إلى المدينة وليس في الحديث ما يعطي ذلك إلا قوله: حتى قدمت المدينة فخطبها. ومعنى هذا أن الله تعالى أتم لأم حبيبة الإسلام والهجرة لم يصبها شيء من أمور الكفر في دار الكفار حتى انقضت هجرتها وقدمت المدينة دار الإسلام, فأتم الله لها هجرتها وإسلامها.


#120#

وقوله: فخطبها. إنما هو متعلق بما قبل ذلك من قصة زوج أم حبيبة وهو ثم تنصر ومات نصرانياً, فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها إياه عثمان بن عفان رضي الله عنه وذلك الكلام جملة معترضة بين قوله: ومات نصرانياً. وبين قوله: فخطبها. والله أعلم.

ويعضده أن قتادة لما ذكر أن عثمان رضي الله عنه زوجها ذكر الخلاف في ذلك وهو أن النجاشي زوجها فلو كان عند قتادة أن تزويج أم حبيبة كان بعد قدومها إلى المدينة لما احتاج إلى ذكر النجاشي في ذلك, ويغني عن هذا كله ما أفصح به سفيان بن عيينة, عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة بتزويجها من النبي صلى الله عليه وسلم بأرض الحبشة, وذلك فيما حدث به الزبير بن بكار, عن محمد بن حسن, عن سفيان بن عيينة, عن سعيد, عن قتادة قال: إن النجاشي رضي الله عنه زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان بأرض الحبشة, وأصدق عنه مائتي دينار, والله أعلم.

والسابع: أن الحديث صحيح كما جزم به مسلم, وإسناده ثقات, والحديث الآخر في نكاحها وهي بأرض الحبشة جاء من رواية ابن إسحاق مرسلاً, والناس مختلفون في الاحتجاج بمسند ابن إسحاق فكيف بمرسله, ومع ذلك فقد خالف المسانيد الثابتة؟!.

ونقض بأن هذا إذا تساوى النقلان يرجح الحديث بما ذكر, وأما مع بطلان أحدهما فلا, ولا يعلم نزاع بين اثنين من أهل العلم بالسير والمغازي أن نكاح أم حبيبة رضي الله عنها لم يتأخر إلى بعد الفتح ولم ينقل قط خلاف في هذا.


#121#

ولذلك ذكر ابن الجوزي أن أهل التاريخ أجمعوا على قصة تزويجها بأرض الحبشة من النبي صلى الله عليه وسلم.

وأيضاً فالعمدة في ذلك ليست على رواية ابن إسحاق وحده, بل على ما نقل متواتراً أيضاً ونقله الأئمة حتى جعلوا القصة أصلاً يعتمد عليه في أن الكافر هل يكون ولياً لمسلمة أو لا؟ فقال الشافعي فيما رواه الربيع عنه: ولا يكون الكافر ولياً لمسلمة وإن كانت بنته, قد زوج ابن سعيد بن العاص النبي صلى الله عليه وسلم أم حبيبة بنت أبي سفيان وأبو سفيان حي؛ لأنها كانت مسلمة وابن سعيد مسلم, ولا أعلم مسلماً أقرب بها منه, ولم يكن لأبي سفيان فيها ولاية؛ لأن الله تعالى قطع الولاية بين المسلمين والمشركين في المواريث والعقل وغير ذلك.

وابن سعيد الذي ذكره الشافعي هو خالد بن سعيد بن العاص بن أمية, فهذا يبين غلط من قال: إن زواج أم حبيبة بالنبي صلى الله عليه وسلم كان بالمدينة بعد إسلام أبيها, (والله أعلم.

والثامن: أن عكرمة بن عمار راوي الحديث ضعف, وقال أحمد بن حنبل: أحاديثه ضعاف), قال أبو حاتم: صدوق, وربما وهم, وربما دلس, فإذا كان حاله ما ذكر فلعله دلس هذا الحديث تدليس التسوية, فإن مسلماً رواه بالعنعنة, فقال: عن عكرمة بن عمار, عن أبي زميل, عن ابن عباس به.

وينقض هذا من وجوه:

منها: أن قول الإمام أحمد في عكرمة بن عمار جاء مطلقاً بقوله:


#122#

ضعيف الحديث, ومقيداً يحمل هذا عليه بقوله: أحاديثه عن يحيى ضعاف, ويحيى هو ابن أبي كثير, وكذلك ذكره يحيى بن معين فقال: أحاديثه عن يحيى بن [أبي] كثير ضعيفة, وقال البخاري: لم يكن له كتاب, فاضطرب حديثه عن يحيى, فهؤلاء الأئمة إنما ضعفوا رواية عكرمة عن يحيى, والحديث ليس من روايته عن يحيى، ويفهم من قولهم أن روايته عن غير يحيى قوية, ويدل على ما قاله الحافظ يعقوب بن شيبة: حدثنا غير واحد سمعوا يحيى بن معين يقول عن عكرمة: ثقة ثبت, وقال علي بن المديني: عكرمة بن عمار كان عند أصحابنا ثقة ثبتاً.

ومنها ما قيل: فلعله دلس هذا الحديث تدليس التسوية. أي: كان في سنده ضعف, فسوى عكرمة بين رجاله في الصحة بإسقاطه الضعيف من بينهم, وحاشا أن يظن في هذا العبد الصالح الذي كان فيما قاله عاصم بن علي: (مستجاب الدعوة) أن يدلس هذا التدليس الفاحش.

ومنها ما قيل: فإن مسلماً رواه بالعنعنة. وليس كذلك, فإن في روايتنا أن مسلماً قال: حدثنا [عباس بن عبد العظيم العنبري وأحمد بن جعفر المعقري, قالا: حدثنا النضر – وهو ابن محمد اليمامي – حدثنا] عكرمة, حدثنا أبو زميل, حدثني ابن عباس قال: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان ولا يقاعدونه فقال لنبي الله صلى الله عليه وسلم: يا نبي الله،


#123#

ثلاثاً أعطينهن, قال: «نعم» قال: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها, قال: «نعم» قال: ومعاوية تجعله كاتباً بين يديك, قال: «نعم» قال: وتؤمرني حتى أقاتل الكفار كما كنت أقاتل المسلمين, قال: «نعم».

قال أبو زميل: ولولا أنه طلب ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ما أعطاه ذلك؛ لأنه لم يكن يسأل شيئاً إلا قال: «نعم».

وعلي تقدير مجيئه من طريق مسلم معنعناً, فقد خرجه الطبراني في "المعجم الكبير" فقال: حدثنا محمد بن محمد الجدوعي, حدثنا العباس بن عبد العظيم, حدثنا النضر بن محمد, حدثنا عكرمة بن عمار, حدثنا أبو زميل, حدثنا ابن عباس ... فذكره كما قدمناه.

وكل هذه الأجوبة فاسدة كما تقدم وأقرب من ذلك كله إلى التوجيه وأحسنه عندي في الاحتمال أنه يحتمل: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما آلى من نسائه واعتزلهن في تلك المشربة, وكان ذلك في سنة تسع بعد إسلام أبي سفيان [ظن أبو سفيان أن ذلك طلاق كما توهمه عمر بن الخطاب رضي الله عنه فطلب أبو سفيان] رضي الله عنه من النبي صلى الله عليه وسلم رجعتها إليه بقوله: أزوجكها. أي: أرجعها إليك, فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بـ «نعم» على تقدير امتداد الإيلاء أو وقوع طلاق؛ لأن في الغالب ما يعتزل الإنسان عن زوجته غضباً


#124#

إلا وفي نفسه من فراقها [شيء], لكنه لم يقع طلاق من النبي صلى الله عليه وسلم وإنما وقع التخيير لأزواجه كما هو معروف, فبدأ بعائشة رضي الله عنها والله أعلم.

وقال ابن سعد في "طبقاته الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن عبد المجيد بن سهيل, عن عوف بن الحارث: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: دعتني أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه وسلم عند موتها فقالت: قد كان يكون بيننا ما بين الضرائر, فغفر الله لي ولك ما كان من ذلك, فقلت: يغفر الله لك ذلك كله وتجاوز, وحللك من ذلك, فقالت: سررتيني سرك الله, وأرسلت إلى أم سلمة رضي الله عنها فقالت لها مثل ذلك.

*[وفاتها]:

توفيت أم حبيبة رضي الله عنها سنة أربع وأربعين, قاله الواقدي والفسوي وأبو عبيد القاسم بن سلام وغيرهم, وذلك في أيام أخيها معاوية رضي الله عنهما.

وقال المفضل الغلابي: توفيت سنة اثنتين وأربعين.

وقيل: توفيت قبل معاوية بسنة, وهو وهم فيما ذكره الذهبي.

وتوفيت بالمدينة على الصحيح.

وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن يعني ابن زبالة, عن حسن بن علي قال: هدمت منزلي من دار علي بن أبي طالب رضي الله عنه فحفرنا من ناحية منه فأخرجنا حجراً فإذا فيه مكتوب: هذا قبر رملة بنت صخر. فأعدناه في مكانه.

وقيل: توفيت بدمشق في قدومها دمشق لزيارة أخيها, والله أعلم.


#125#

$5 - [أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها]:$

وأما سلمة واسمها هند, وقيل: رملة, سماها مصعب بن عبد الله الزبيري.

قال أبو بكر بن أبي خيثمة: وهذا خطأ, اسمها هند, ثم روى تسميتها بهند عن الزهري.

وهي بنت أبي أمية حذيفة. وقيل: سهيل.

ويقال له: زاد الراكب بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم بن يقظة بن مرة.

وهي بنت عاتكة عمة النبي صلى الله عليه وسلم في قول ضعيف.

وذكر ابن سعد في "طبقاته الكبرى" وابن أبي خيثمة في "تاريخه" واللفظ لابن سعد أن أمها عاتكة بنت عامر بن ربيعة بن مالك بن جذيمة بن علقمة جذل العطان بن فراس بن غنم بن مالك بن كنانة.

وسيأتي إن شاء الله تعالى من طريق خرجها ابن سعد وغيره أن عمار بن ياسر كان أخاها لأمها, والله أعلم, اللهم إلا أن يكون قوله: لأمها. أي التي أرضعتها, وقد وردت رواية مصرحة بذلك من طريق صححها الحاكم في "مستدركه" سيأتي ذكرها إن شاء الله تعالى.

كانت أم سلمة رضي الله عنها أول ظعينة دخلت المدينة مهاجرة, فيما رواه الحميدي عن سفيان من قوله, وذكره مصعب بن عبد الله الزبيري وغير واحد.


#126#

وقيل: بل أول مهاجرية قدمت المدينة ليلى ابنة أبي حثمة زوجة عامر بن ربيعة.

وكانت أم سلمة عند أبي سلمة عبد الله بن عبد الأسد بن هلال بن عمر بن مخزوم بن برة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم, هاجر بأم سلمة إلى أرض الحبشة الهجرتين جميعاً وولدت له هناك برة التي غير النبي صلى الله عليه وسلم اسمها فسماها زينب, وولدت له بعد ذلك سلمة وعمر ودرة.

وكان استخلفه رسول الله صلى الله عليه وسلم على المدينة حين خرج إلى غزوة العشيرة, ثم شهد معه بدراً وأحداً, ورمي يوم أحد بسهم في عضده, رماه أبو أسامة الجشمي, فمكث شهراً يداوي جرحه, ثم برئ الجرح, وبعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم في هلال المحرم على رأس خمسة وثلاثين شهراً من مهاجره, وعقد له لواء, وبعث معه مائة وخمسين رجلاً من المهاجرين والأنصار إلى قطن, وهو جبل بناحية فيدنة ماء لبني أسد بن خزيمة, وذلك حين بلغه أن طلحة وسلمة بن خويلد قد سارا في قومهما ومن أطاعهما يدعوان بني جذيمة إلى حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم, فسار أبو سلمة بمن معه فأصابوا إبلاً وشاء, ولم يلقوا كيداً, ثم رجع بمن معه إلى المدينة, وكانت غيبته تسعاً وعشرين ليلة, فانتقض جرحه فمات لثمان, وقيل: لثلاث خلت من جمادى الآخرة سنة أربع من الهجرة, فاعتدت أم سلمة وحلت لعشر بقين من شوال, وقيل غير ذلك سنة أربع, فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم لليال بقين من شوال, وبنى بها فيه وأصدقها فيما ذكر على خلاف في ذلك


#127#

فراشاً من ليف وقدحاً وصحفة.

وروى أبو داود الطيالسي عن الحكم بن عطية, عن ثابت البناني, عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم سلمة على متاع قيمته عشرة دراهم.

وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل بها قال أهل المدينة: دخلت أيم العرب على سيد الإسلام والمسلمين أول العشاء عروساً, وقامت من آخر الليل تطحن, وهي أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها.

وخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى" فقال: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا كثير بن زيد, عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: دخلت أيم العرب على سيد المسلمين أول العشاء عروساً, وقامت من آخر الليل تطحن, يعني أم سلمة رضي الله عنها.

وقال الحارث بن أبي أسامة: حدثني محمد بن سهيل, عن أبي عبيدة معمر بن المثنى قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة قبل وقعة بدر في سنة اثنتين من التاريخ أم سلمة واسمها هند .... وذكر بقيته, وهذا وهم, والله أعلم.

وذكر ابن عبد البر نحوه, إلا أنه قال: سنة اثنتين من الهجرة بعد وقعة بدر, وكلاهما لا يصح, إلا أن يراد بذلك سنة اثنتين من بعد وقعة بدر, فيكون سنة أربع من التاريخ, والله أعلم.


#128#

قال أبو عبد الله محمد بن سعد في كتاب "الطبقات الكبير": أخبرنا أحمد بن إسحاق الحضرمي, حدثنا عبد الواحد بن زياد, حدثنا عاصم الأحول, عن زياد بن أبي مريم قال: قالت أم سلمة لأبي سلمة: بلغني أنه ليس امرأة يموت زوجها وهو من أهل الجنة وهي من أهل الجنة ولم تتزوج بعده إلا جمع الله بينهما في الجنة, وكذلك إذا ماتت امرأة وبقي الرجل بعدها, فتعال أعاهدك ألا تزوج بعدي ولا أتزوج بعدك, قال: أتطيعيني؟ قالت: ما استأمرتك إلا وأنا أريد أن أطيعك, قال: فإذا مت فتزوجي, ثم قال: اللهم ارزق أم سلمة بعدي رجلاً خيراً مني لا يخزيها ولا يؤذيها, قالت: فلما مات أبو سلمة قلت: من هذا الذي هو خير من أبي سلمة, فلبثت ما لبثت, ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام على الباب, فذكر الخطبة إلى ابن أخيها وإلى ابنها وإلى وليها, فقالت أم سلمة: أرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أو أتقدم بعيالي؟ قالت: ثم جاء الغد فذكر الخطبة فقلت مثل ذلك, ثم قالت لوليها إن عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوج, فعاد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتزوجها.

وقال عبد الله بن الإمام أحمد في زياداته في كتاب "الزهد" لأبيه: حدثني عبد الرحمن بن صالح الأزدي, حدثني عجلان بن عبد الله من بني عدي, عن مالك بن دينار, عن أنس رضي الله عنه قال: لما ثقل أبو سلمة رضي الله عنه قالت أم سلمة: إلى من تكلني؟ قال: إلى الله, اللهم أبدل أم سلمة بخير من أبي سلمة, فلما انقضت عدتها خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: إني كبيرة [السن كثيرة] العيال غيور قال: «أنا أكبر منك سناً


#129#

والعيال على الله عز وجل وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم, وأما الغيرة فإني سأدعو الله عز وجل أن يذهب بها عنك» فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأرسل إليها برحى وجرة من ماء.

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وذكر عن حماد بن سلمة, عن ثابت البناني, عن ابن عمر بن [أبي] سلمة, عن أبيه, عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أصابت أحدكم مصيبة فليقل: إنا لله وإنا إليه راجعون, اللهم عندك احتبست مصيبتي فأجرني فيها وأبدلني منها خيراً» فلما احتضر أبو سلمة بن عبد الأسد قال: اللهم اخلفني في أهلي بخير مني, فلما قبض قلت: إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم عندك أحتسب مصيبتي فأجرني فيها, وكنت إذا أردت أن أقول وأبدلني بها خيراً منها قلت: ومن خير من أبي سلمة؟ قالت: فلم أزل حتى قلتها, فلما انقضت عدتها خطبها أبو بكر رضي الله عنه فردته, وخطبها عمر فردته, ثم بعث إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقالت: رحباً برسول الله صلى الله عليه وسلم) وبرسوله, أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم السلام وأخبره أني امرأة غيرى, وإني مصبية, وإنه ليس أحد من أوليائي شاهداً فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما قولك إنك غيرى, فإني سأدعو الله فيذهب غيرتك, وأما قولك: إنك


#130#

مصيبة, فإن الله سيكفيك صبيانك, وأما أولياؤك فإنه ليس أحد منهم شاهد ولا غائب إلا سيرضاني» فقالت: قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما إني لا أنقصك ما أعطيت أختك فلانة شيئاً جرتين ورحائين ووسادة من أدم حشوها ليف».

وخرجه ابن سعد في "طبقاته الكبرى" فقال: حدثنا عفان بن مسلم, حدثنا حماد بن سلمة .... فذكره بنحوه, وفي آخره قال: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيها, فإذا جاء أخذت زينب فوضعتها في حجرها لترضعها, وكان رسول الله حيياً كريماً يستحيي فيرجع, فعل ذلك مراراً, ففطن عمار بن ياسر رضي الله عنهما لما تصنع, فأقبل ذات يوم وجاء عمار وكان أخاها لأمها فدخل عليها فانتشطها من حجرها وقال: دعي هذه المقبوحة المشقوحة التي أذيت بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فدخل فجعل يقلب بصره في البيت يقول: «أين زناب, ما فعلت زناب؟» قالت: جاء عمار فذهب بها قالت: فبنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بأهله, فقال: «إن شئت أسبع لك سبعت وسبعت للنساء».

ورواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" فقال: حدثنا أبو سلمة [حدثنا حماد بن سلمة] ... فذكره بطوله, إلا أن في روايته: ففطن لها عمار بن ياسر, وكان أخاها من الرضاعة, وبهذا اللفظ خرجه الحاكم


#131#

في "مستدركه" من طريق موسى بن إسماعيل, عن حماد, ثم قال: هذا حديث صحيح الإسناد, فإن ابن عمر بن أبي سلمة الذي أسماه حماد بن سلمة في هذا الحديث سماه غيره سعيد بن عمر بن أبي سلمة ولم يخرجاه.

وحدث به النسائي فقال: أخبرنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم بن علية, حدثنا يزيد, عن حماد بن سلمة, عن ثابت البناني قال: أخبرني ابن عمر بن أبي سلمة, عن أبيه, عن أم سلمة لما انقضت عدتها بعث إليها أبو بكر رضي الله عنه فخطبها فلم تزوجه, (ثم بعث إليها عمر رضي الله عنه فخطبها فلم تزوجه), فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه يخطبها عليه فقالت: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أني امرأة غيرى, وأني امرأة مصبية, وليس أحد من أوليائي شاهداً. وذكر الحديث بنحوه مختصرا وفيه فقالت لابنها: قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه [فزوجه].

وخرجه الإمام أحمد في "مسنده" من طريق ثابت البناني, حدثني ابن عمر بن أبي سلمة, عن أم سلمة بنحوه مختصراً, فلم يذكر أباه, وفيه فقالت لابنها عمر: قم فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم, فزوجه.

وهذه اللفظة ذكرها ابن أبي خيثمة والحاكم في روايتهما.


#132#

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني مجمع بن يعقوب, عن أبي بكر بن محمد بن عمر بن أبي سلمة, عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب أم سلمة إلى ابنها عمر بن أبي سلمة فزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يومئذ غلام صغير.

وحدث يونس بن بكير, عن ابن إسحاق, حدثني عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم وعبد الرحمن بن الحارث ومن لا أتهم, عن عبد الله بن شداد بن الهاد قال: كان الذي زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة ابنها سلمة, فزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنة حمزة وهما صبيان صغيران, فلم يجتمعا حتى ماتا فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل جزيت سلمة بتزويجه إياي أمه».

وذكر ابن سعد أيضاً في "الطبقات" في ترجمة سلمة بن أبي سلمة أنه ولي تزويج أم سلمة من النبي صلى الله عليه وسلم [ابنها سلمة بن أبي سلمة دون غيره من أهل بيتها.

وذكر أيضاً أن سن عمر بن أبي سلمة] لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم تسع سنين, وتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في شوال سنة أربع فيكون له من العمر حينئذ ثلاث سنين, ومثل هذا لا يزوج.


#133#

وذكر ذلك غير ابن سعد.

وقد قيل معنى ذلك للإمام أحمد فقال: من يقول أن عمر كان صغيراً؟!

قال ابن الجوزي: ولعل أحمد قال هذا قبل أن يقف على مقدار سنه, فقد ذكر مقدار سنه جماعة من المؤرخين, ابن سعد وغيره.

وقد روى الحديث بعضهم فوهم فيه فقال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قم يا غلام فزوج أمك».

قال ابن الجوزي: وما عرفنا هذا في هذا الحديث, قال: وإن ثبت فيحتمل أن يكون قاله على وجه المداعبة للصغير إن كان له من العمر يومئذ ثلاث سنين؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها في سنة أربع ومات ولعمر تسع سنين, ورسول الله صلى الله عليه وسلم لا يفتقر نكاحه إلى ولي, قال ابن عقيل: ظاهر كلام أحمد أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يشترط في نكاحه الولي, وأن ذلك من خصائصه صلى الله عليه وسلم.

وقد قيل في توجيه ذلك ما هو أقوى وأجود من الاحتمال الذي ذكره ابن الجوزي آنفاً وهو: أن الذي زوجها من رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن عمها عمر بن الخطاب, ونسبه ونسبها يلتقيان في كعب, وتقدم حديث حماد بن سلمة وفيه فقالت: قم يا عمر فزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجها ... الحديث, فذكرت: قم يا عمر. مطلقاً, فظن بعض الرواة أنه ابنها فرواه بالمعنى, فقال: قالت لابنها عمر, وكل هذا بناء على أن ابنها عمر كان حينئذ صغيراً, وهو قول مرجوح أنكره الإمام أحمد كما تقدم وغيره.


#134#

وقال البيهقي رحمه الله: وقول من زعم أنه زوجها بالبنوة, معلل بقول من قال: بل زوجها بأنه كان من بني أعمامها ولم يكن لها ولي هو أقرب منه إليها وذلك لأن عمر بن أبي سلمة بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

وأم سلمة هي هند بنت أبي أمية بن عبد الله بن عمر [بن مخزوم فتزويجها كان بولي. انتهى.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر], حدثنا عبد الله بن جعفر, عن عثمان بن محمد الأخنسي, عن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع, عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لما خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم قلت: إن في خلالاً لا ينبغي لي أن أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني امرأة مسنة, وإني أم أيتام, وإني شديدة الغيرة قالت: فأرسل إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أما قولك إني مسنة فأنا أسن منك ولا يعاب على المرأة أن تتزوج أسن منها, وأما قولك إني أم أيتام فإن كلهم على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم, وأما قولك إني شديدة الغيرة فإني أدعو الله أن يذهب ذاك عنك» قالت: فتزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم فانتقلني فأدخلني بيت زينب بنت خزيمة أم المساكين بعد أن ماتت رضي الله عنها فإذا


#135#

جرة فاطلعت فيها فإذا فيها شيء من شعير وإذا رحى وبرمة وقدر فنظرت فإذا فيها كعب من إهالة قالت: فأخذت ذلك الشعير فطحنته, ثم عصدته في البرمة وأخذت الكعب من الإهالة فأدمته به, قالت: فكان ذلك طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم وطعام أهله ليلة عرسه.

وحدث بنحوه يونس بن بكير, عن أبي معشر المدني, عن سعيد المقبري من قوله.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث شريك, عن حميد, عن أنس رضي الله عنه قال: أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم على أم سلمة بتمر وسمن.

تفرد به شريك عن حميد, قاله الطبراني.

وجاء عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة حزنت عليها حزناً شديداً لما ذكروا لنا من جمالها قالت: فتلطفت لها حتى رأيتها, فرأيتها والله أضعاف ما وصف لي في الحسن والجمال قالت: فذكرت ذلك لحفصة – وكانتا يداً واحدة – فقالت: لا والله إن هذه إلا الغيرة ما هي كما يقولون, فتلطفت لها حفصة حتى رأتها, فقالت: قد رأيتها ولا والله ما هي كما تقولين ولا قريبة إنها لجميلة قالت: فرأيتها بعد فكانت لعمري كما قالت حفصة, ولكني كنت غيرى.

خرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى".


#136#

وخرج الحاكم في "مستدركه" من طريق إسحاق بن إبراهيم الدبري, أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن الزهري, عن هند بنت الحارث الفراسية قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لعائشة مني شعبة ما نزلها أحد» قالت: فلما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم فقيل: يا رسول الله, ما فعلت الشعبة؟ فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم, فعلم أن أم سلمة نزلت عنده صلى الله عليه وسلم.

وحدث به الواقدي عن معمر.

وحدث موسى بن عقبة, عن أمه, عن أم كلثوم بنت أبي سلمة رضي الله عنها قالت: لما تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم سلمة رضي الله عنها قال لها: «إني قد أهديت النجاشي أواقي من مسك وحلة, وإني لا أراه إلا قد مات ولا أرى الهدية إلا سترد إلي, فإذا ردت إلي فهي لك», فكان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم, مات النجاشي وردت إلى النبي صلى الله عليه وسلم هديته, وأعطى لكل امرأة من نسائه أوقية من ذلك المسك, وأعطى سائره أم سلمة, وأعطاها الحلة رضي الله عنها.

رويناه من طريق المخلص قال: حدثنا عبد الله – يعني البغوي – حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري, حدثنا مسلم بن خالد, حدثني موسى بن عقبة .... فذكره.


#137#

$[وفاتها رضي الله عنها]:$

توفيت أم سلمة رضي الله تعالى عنها في سنة تسع وخمسين في ذي القعدة في أيام معاوية رضي الله عنهما وقيل: في يوم عاشوراء سنة إحدى وستين في اليوم الذي قتل فيه الحُسَيْن رضي الله عنه. وقيل: في شوال سنة اثنتين وستين في ولاية يزيد بن معاوية.

قال ابن الجوزي: والأول أصح.

وصحح سبطه يوسف بن قزاغلي والحافظ أبو محمد الدمياطي وغيرهما القول الأخير, وحجتهم في ذلك الحديث الذي في "صحيح مسلم" من طريق جرير عن عبد العزيز بن رفيع, عن عبد الله بن القبطية أن الحارث بن عبد الله بن أبي ربيعة وعبد الله بن صفوان دخلا على أم سلمة رضي الله عنها فسألاها عن الجيش الذي يخسف به, وكان ذلك في أيام ابن الزبير .... الحديث, وفي أيام يزيد بن معاوية.

وكانت ولاية يزيد يوم الخميس لثمان بقين من رجب سنة ستين, وهو اليوم الذي مات فيه معاوية ومات يزيد في رجب سنة أربع وستين.

وذكر ابن الجوزي أن معاوية توفي يوم الخميس للنصف من رجب سنة ستين, وأن يزيد توفي لأربع عشرة ليلة خلت من ربيع الأول سنة أربع وستين.

خرج الحاكم في "مستدركه" من حديث يحيى بن عبد الحميد,


#138#

حدثنا خالد وجرير, عن عطاء بن السائب قال: كنا قعوداً مع محارب بن دثار فقال: حدثني ابن لسعيد بن زيد: أن أم سلمة رضي الله عنها أوصت أن يصلي عليها سعيد بن زيد, خشية أن يصلي عليها مروان بن الحكم.

تابعه أحمد بن حنبل عن جرير.

وقال أبو نعيم أحمد بن عبد الله: وصلى عليها سعيد بن زيد رضي الله عنهما.

قال ابن الجوزي: وهو غلط, والصحيح أبو هريرة رضي الله عنه.

وقبرت بالبقيع وهي بنت أربع وثمانين سنة.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني عبد الله بن نافع, عن أبيه قال: ماتت أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم سنة تسع وخمسين فصلى عليها أبو هريرة بالبقيع.

تابعه ابن جريج عن نافع نحوه.

وقال الواقدي في رواية ابن سعد عنه أيضاً: وحدثني عبد الله بن نافع, عن أبيه قال: أوصت أم سلمة ألا يصلي عليها والي المدينة وهو الوليد بن عتبة بن أبي سفيان, فماتت حين دخلت سنة تسع وخمسين وصلى عليها ابن أخيها عبد الله بن عبد الله بن أبي أمية.

وقال محمد بن الحسن بن زبالة, عن محمد بن جعفر بن أبي كثير,


#139#

عن يونس, عن ابن شهاب قال: كانت أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنها آخر نسائه صلى الله عليه وسلم وفاة.

هذا على قول من قال إن وفاتها كانت سنة اثنتين وستين, وإليه ذهب البيهقي وغيره: أنها آخر الزوجات موتاً، وقيل: ميمونة آخرهن موتا.

وقال أبو محمد بن حزم: آخرهن موتا صفية رضي الله عنهن.

عاشت أم سلمة رضي الله عنها تسعين سنة فيما قيل.

وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن حسن, عن إبراهيم بن علي قال: حفر لسالم البانكي مولى محمد بن علي بالبقيع فأخرجوا حجراً طويلاً, فإذا فيه مكتوب: هذا قبر أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم وهو مقابل خوخة آل نبيه, فأهيل عليه التراب, وحفر لسالم موضع آخر.

$6 - [أم المؤمنين زينب بنت جحش رضي الله عنها]:$

وأما اللاتي من نساء القبائل: فأم الحكم زينب بنت جحش بن رئاب بن يعمر بن صبرة بن مرة بن كبيرة بن غنم بن دودان بن راشد بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر الأسدية أسد مضر كما سقناه لا أسد قريش الذي هو أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر.

وأما زينب: أميمة بنت عبد المطلب عمة النبي صلى الله عليه وسلم.


#140#

وكان اسم زينب برة, فسماها النبي صلى الله عليه وسلم زينب.

وكان اسم أبيها برة فقالت: يا رسول الله بدل اسم أبي فإن البرة حقيرة فقال لها: «لو كان أبوك مؤمناً لسميته باسم رجل منا أهل البيت, ولكني قد سميته جحشاً والجحش أكبر من البرة».

ذكره الدارقطني.

وحدث أبو سعيد الخليل بن أحمد السجزي في كتابه "الآداب": عن أبي العباس السراج, حدثنا أبو كريب, حدثنا أبو أسامة, عن الوليد بن كثير, عن محمد بن عمرو بن عطاء, عن زينب بنت أم سلمة قالت: كان اسمي برة فسماني رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب, وأدخلت عليه زينب بنت جحش وكان اسمها برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب.

ورويناه من طريق عيسى بن يونس عن الوليد بن كثيرة بنحوه.

وكانت زينب عند زيد بن حارثة فطلقها, فزوجه الله إياها من السماء, ولم يعقد عليها، وذلك في سنة خمس من الهجرة لهلال ذي القعدة، وهي يومئذ بنت خمس وثلاثين سنة, وأصدقها أربعمائة درهم.

وخرج الحافظ أبو نعيم في كتابه "الحلية" من حديث الحُسَيْن بن أبي السري العسقلاني, حدثنا الحسن بن محمد بن أعين الحراني,


#141#

حدثنا حفص بن سليمان, عن الكميت بن زيد الأسدي, حدثني مذكور مولى زينب بنت جحش, عن زينب بنت جحش قالت: خطبني عدة من قريش فأرسلت أختي حمنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (أستشيره فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم): «أين هي ممن يعلمها كتاب ربها وسنة نبيها صلى الله عليه وسلم؟» قالت ومن هو يا رسول الله؟ قال: «زيد بن حارثة» فغضبت حمنة غضباً شديداً فقالت: يا رسول الله أتزوج ابنة عمتك مولاك؟ قالت: وجاءتني فغضبت أشد من غضبها, فقلت أشد من قولها, فأنزل الله عز وجل: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً} الآية, قالت: فأرسلت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني أستغفر الله وأطيع الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم, افعل يا رسول الله ما رأيت, فزوجني زيداً, فكنت أذري عليه، فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاتبني رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم عدت فأخذته بلساني فشكاني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم «أمسك عليك زوجك واتق الله» فقال: يا رسول الله, أنا أطلقها, قالت: فطلقني فلما انقضت عدتي لم أعلم إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد دخل علي بيتي وأنا مكشوفة الشعر, فعلمت أنه أمر من السماء, فقلت: يا رسول الله بلا خطبة ولا إشهاد؟! فقال: «الله المزوج وجبريل الشاهد».

وروى من حديث عيسى بن طهمان وثابت, عن أنس رضي الله عنه أنها


#142#

كانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وتقول: زوجكن أهاليكن وزوجني الله تعالى من فوق سبع سماوات.

ولفظ عيسى: إن الله عز وجل أنكحني في السماء.

وفي لفظ قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: زوجنيك الرحمن من فوق عرشه.

وقال الشعبي: قالت زينب لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إني أدل عليك بثلاث ما من أزواجك امرأة تدل بهن: جدي وجدك واحد, وإني أنكحنيك الله من السماء, وأن السفير جبريل عليه السلام.

علقه ابن العربي في كتابه "أحكام القرآن" هكذا.

ورواه الحارث بن أبي أسامة فقال: حدثنا علي بن عاصم, عن داود بن أبي هند, عن عامر قال: كانت زينب بنت جحش تقول للنبي صلى الله عليه وسلم: أنا أعظم نسائك عليك حقاً, أنا خيرهن منكحاً, وأكرمهن سفيراً, وأقربهن رحماً, ثم تقول: زوجنيك الرحمن من فوق عرشه, وكان جبريل عليه السلام هو السفير بذلك, وأنا ابنة عمتك, وليس لك من نسائك قريبة غيري.

خرجه الحاكم في "المستدرك" للحارث وهو مرسل.


#143#

وذكر بعض المفسرين والإخباريين في صفة زواج النبي صلى الله عليه وسلم بزينب رضي الله عنها أحاديث فيها ألفاظ باطلة وكلمات واهية لا يلتفت إليها, ولا يعتمد بكل حال عليها ومنها:

ما قال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وكان حين خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على زيد مولاه أبت, فأنزل الله عز وجل: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم} حتى انتهى إلى آخر الآية فقالت: يا رسول الله, أمري إليك فاصنع ما أحببت, فأنكحها زيداً فكان زيد لا يزال يشكوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم لشيء يكون بينهما, وقد كانت نفس النبي صلى الله عليه وسلم تتبعها وكان يخفي ذلك, فإذا شكاها يقول له: «اتق الله وأمسك عليك زوجك», فطلقها زيد, فلما انقضت عدتها أتاه جبريل عليه السلام بأن الله عز وجل قد زوجه إياها, فكانت تفخر بذلك على سائر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, وأنزل الله عز وجل في تتبع نفسه إياها: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} فقالت عائشة: لو كتم رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئاً من الوحي كتم هذه الآية ثم قال: {فلما قضى زيد منها وطراً زوجناكها} إلى آخر الآية.

قال الإمام أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي في كتابه "أحكام القرآن": إن أحداً لا ينبغي أن يذكر نبياً إلا بما ذكره الله به لا يزيد عليه, وإن أخبارهم مروية وأحاديثهم منقولة بزيادات تولاها أحد رجلين إما: غبي بمقدارهم, وإما: بدعي لا أرى له نصيباً في برهم


#144#

ووقارهم, فيدس به تحت المقال المطلق الدواهي, ولا يراعي الأدلة ولا النواهي.

ثم قال: فهذا محمد صلى الله عليه وسلم ما عصى قط ربه عز وجل لا حال الجاهلية ولا بعدها, تكرمة من الله وتفضيلاً وجلالاً أحله به المحل الرفيع؛ ليصلح أن يقعد معه على كرسيه للفصل بين الخلق في القضاء يوم الحق.

ثم قال: فلم يقع قط لا في ذنب صغير - حاشا لله - ولا كبير, ولا وقع في أمر يتعلق به لأجله نقص ولا تعيير, وقد مهدنا ذلك في كتب الأصول, وهذه الروايات كلها ساقطة الأسانيد, إنما الصحيح منها ما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: لو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كاتماً من الوحي شيئاً لكتم هذه الآية: {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه} يعني بالعتق فأعتقه {أمسك عليك زوجك واتق الله وتخفي في نفسك ما الله مبديه وتخشى الناس والله أحق أن تخشاه} إلى قوله: {وكان أمر الله مفعولاً} وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما تزوجها قالوا: تزوج حليلة ابنه, فأنزل الله عز وجل: {ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين} وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم تبناه وهو صغير, فلبث حتى صار رجلاً يقال له زيد بن محمد, فأنزل الله تعالى: {ادعوهم لآبائهم} الآية.


#145#

ثم قال: فأما قولهم: إن النبي صلى الله عليه وسلم رآها فوقعت في قلبه, فباطل؛ فإنه كان معها في كل وقت وموضع ولم يكن حينئذ حجاب فكيف تنشأ معه وينشأ معها ويلحظها في كل ساعة ولا تقع في قلبه إلا إذا كان لها زوج.

ثم قال: فكيف يتجدد له هوى لم يكن, حاشا لذلك القلب المطهر من تلك العلاقة الفاسدة.

ثم قال: وإنما كان الحديث أنها لما استقرت عند زيد جاءه جبريل عليه السلام فقال له: إن زينب زوجك, ولم يكن بأسرع من أن جاءه زيد يعني شاكياً منها فقال له: «اتق الله وأمسك عليك زوجك» فأبى زيد إلا الفراق, فطلقها وانقضت عدتها وخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم على يدي مولاه زيد, وأنزل الله عز وجل القرآن المذكور فيه خبرها: هذه الآيات التي نتلوها وفسرناها فقال: يا محمد {وإذ تقول للذي أنعم الله عليه وأنعمت عليه أمسك عليك زوجك واتق الله} في فراقها {وتخفي في نفسك ما الله مبديه} يعني: من نكاحك لها وهو الذي أبداه, لا سواه, وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أن الله أوحى إليه أنها زوجه لا بد من وجود هذا الخبر وظهوره؛ لأن الذي يخبر الله عز وجل أنه كائن لابد أن يكون؛ لوجوب صدقه في خبره وهذا يدلك على براءته صلى الله عليه وسلم من كل ما ذكره متسور من المفسرين, متصور على علوم الدين.


# 146#

و[قال]: روى يحيى بن سلام وغيره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دعا زيداً فقال: «ائت زينب فاذكرني لها» كما تقدم.

وقال يحيى: «فأخبرها أن الله عز وجل قد زوجنيها», فاستفتح زيد الباب فقالت: من؟ قال: زيد, قالت: وما حاجة زيد؟ فقال: أرسلني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: مرحباً برسول الله صلى الله عليه وسلم, ففتحت له, فدخل عليها وهي تبكي فقال زيد: لا يبكي الله عينك, قد كنت نعمت المرأة تبرين قسمي وتطيعين أمري وتتبعين مسرتي وقد بدلك الله خيراً مني قالت: من؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرت ساجدة.

وفي رواية كما تقدم فقالت: حتى أآمر ربي, وقامت إلى مصلاها, ونزل القرآن فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن, فكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم .... الحديث.

قال: وفي رواية أن زيداً لما جاءها برسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: وجدتها تخمر عجيناً فما استطعت أنظر إليها من عظمها في صدري قال: فوليتها ظهري ونكصت على عقبي وقلت: يا زينب, أبشري, أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم, يذكرك ... الحديث.


#147#

وخرج مسلم في "صحيحه" من حديث هاشم بن القاسم وبهز وهذا لفظه قال: حدثنا سليمان بن المغيرة, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه قال: لما انقضت عدة زينب رضي الله عنها قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزيد رضي الله عنه: «فاذكرها علي» قال: فانطلق حتى أتاها وهي تخمر عجينها قال: فلما رأيتها عظمت في صدري حتى ما أستطيع أن أنظر إليها؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرها, فوليتها ظهري ونكصت على عقبي فقلت: يا زينب, أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكرك. قالت: ما أنا بصانعة شيئاً حتى أآمر ربي. فقامت إلى مسجدها, ونزل القرآن, وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فدخل عليها بغير إذن .... وذكر الحديث.

وحدث به عبد الله بن المبارك في كتابه "الزهد" عن سليمان بن المغيرة.

تابعهم حبان بن هلال فيما رواه محمد يونس الكديمي عنه.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا عبد الله بن عمرو بن زهير, سمعت إبراهيم بن محمد بن عبد الله بن جحش يقول: قالت زينب بنت جحش: لما جاءني الرسول بتزويج رسول الله صلى الله عليه وسلم إياي جعلت لله علي صوم شهرين, فلما دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم كنت لا أقدر أصومها في حضر ولا سفر تصيبني


#148#

فيه القرعة, فلما أصابتني القرعة في المقام صمتها.

وقالت عائشة رضي الله عنها عن زينب رضي الله عنها: وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم.

ووهم الذهبي لما ذكر قول عائشة هذا في ترجمة حفصة أم المؤمنين من "تاريخ الإسلام" في مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب رضي الله عنها نزلت آية الحجاب وكانت زينب رضي الله عنها كثيرة الخير والصدقة والمعروف.

حدث عمر بن عثمان بن عبد الله الجحشي عن أبيه قال: ما تركت زينب بنت جحش رضي الله عنها ديناراً ولا درهماً, وكانت تصدق بكل ما قدرت عليه وكانت تؤوي المساكين وتركت منزلها فباعوه من الوليد بن عبد الملك حين هدم المسجد بخمسين ألف درهم.

وقال يعقوب بن إبراهيم: حدثنا أبي, عن صالح, عن ابن شهاب الزهري قال: حدثني محمد بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام: أن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت زينب بنت جحش رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم تساميني من بين أزواج النبي صلى الله عليه وسلم في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم أر امرأة قط خيراً في الدين وأتقى لله عز وجل وأصدق حديثاً وأوصل للرحم وأعظم صدقة وأشد ابتذالاً لنفسها في العمل الذي تصدق به [وتتقرب به] لله عز وجل ما عدا سورة من حدة كانت فيها [تسرع منها] الفينة.


#149#

خرجه أبو نعيم في "الحلية" ليعقوب.

وخرجه أيضاً من طريق عبد الرزاق, عن معمر, عن الزهري بنحوه.

ورواه أبو قرة موسى بن طارق الزبيدي, عن [زمعة بن صالح, عن يعقوب بن عطاء, عن الزهري.

وخرج أبو نعيم في "الحلية" من حديث علي] بن المديني, حدثنا عبد الأعلى بن عبد الأعلى, حدثنا محمد بن عمرو, حدثني يزيد بن خصيفة, عن عبد الله بن رافع مولى أم سلمة, عن أخته برة بنت رافع قالت: لما خرج العطاء بعث عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى زينب بنت جحش رضي الله عنها بعطائها, فأتيت به ونحن عندها قالت: ما هذا؟ قال: أرسل به إليك عمر, قالت: غفر الله له, والله لغيري من أخواتي كانت أقوى على قسم هذا مني, قالوا: (إن هذا لك كله, قالت): سبحان الله! فجعلت تستر بينها وبينه بجلبابها أو بثوبها وقالت: ضعوه, اطرحوا عليه ثوباً, ثم قالت: اقبض, اذهب إلى فلان ابن فلان, من أهل رحمها وأيتامها, حتى بقيت بقية تحت الثوب


#150#

قالت: فأخذنا ما تحت الثوب فوجدناه بضعة وثمانين درهماً, ثم رفعت يديها, ثم قالت: اللهم لا يدركني عطاء لعمر بعد عامي هذا أبداً. فكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم لحوقاً به.

*[وفاتها رضي الله عنها]:

ماتت زينب رضي الله عنها بالمدينة سنة عشرين وهي بنت ثلاث وخمسين ودفنت بالبقيع.

وقال أبو محمد بن حزم: في أول خلافة عمر بن الخطاب ... انتهى.

وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه فكبر أربعاً. ودخل قبرها أسامة بن زيد ومحمد بن عبد الله بن جحش وعبد الله بن أبي أحمد بن جحش ومحمد بن طلحة بن عبيد الله.

قاله أبو حسان الحسن بن عثمان.

وقال: أخبرني محمد بن يزيد الواسطي, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن عامر, عن عبد الله ابن فلان رجل سماه محمد بن يزيد قال: صليت خلف عمر بن الخطاب رضي الله عنه على جنازة زينب ابنة جحش رضي الله عنها وكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم وفاة فكبر عليها أربعاً.

وقال البخاري في "تاريخه الأوسط": حدثنا أحمد بن يونس,


#151#

حدثنا زهير, حدثنا إسماعيل, أن عامراً أخبره, أن عبد الرحمن بن أبزى أخبره أنه صلى مع عمر رضي الله عنه على زينب بنت جحش رضي الله عنها وكانت أول نساء النبي صلى الله عليه وسلم موتاً بعده.

وخرج أبو نعيم في "الحلية" من حديث إسماعيل بن أبي أويس.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا إسماعيل بن عبد الله بن أبي أويس, عن يحيى بن سعيد, عن عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية, عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي صلى الله عليه وسلم لأزواجه: «يتبعني أطولكن يداً» قالت عائشة رضي الله عنها: فكنا إذا اجتمعنا في بيت إحدانا بعد النبي صلى الله عليه وسلم نمد أيدينا في الجدار نتطاول, فلم نزل نفعل حتى توفيت زينب بنت جحش, وكانت امرأة قصيرة يرحمها الله, ولم تكن أطولنا فعرفنا حينئذ أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما أراد بطول اليد الصدقة. قالت: وكانت زينب امرأة صناع اليد, فكانت تدبغ وتخرز وتصدق به في سبيل الله.

وخرجه الحاكم في "المستدرك" من حديث إبراهيم بن الهيثم البلدي, حدثني إسماعيل بن أبي أويس المدني ... فذكره بنحوه وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه.

قلت: خرجه مسلم في "صحيحه" لكن من طريق طلحة بن


#152#

يحيي, عن عمته عائشة, عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بنحوه.

وقد قدمناه في ترجمة أم المؤمنين سودة رضي الله عنها.

وزينب بنت جحش رضي الله عنها أول امرأة ضرب على قبرها فسطاط.

حدث الواقدي, عن أبي معشر, عن محمد بن المنكدر قال: مر عمر رضي الله عنه على حفارين يحفرون قبر زينب رضي الله عنها في يوم صائف فقال: لو أني ضربت عليهم فسطاطاً. فكان أول فسطاط, ضرب على قبر.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن يزيد بن عبد الله بن الهاد, عن محمد بن إبراهيم بن الحارث التيمي قال: أوصت زينب بنت جحش رضي الله عنها أن تحمل على سرير رسول الله صلى الله عليه وسلم ويجعل عليه نعش, وقبل ذلك حمل عليه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وكانت المرأة إذا ماتت حملت عليه, حتى كان مروان بن الحكم, فمنع أن يحمل عليه إلا الرجل الشريف, وفرق سرراً في المدينة تحمل عليها الموتى. قيل: إن زينب رضي الله عنها أول امرأة جعل عليها نعش جعلته لها أسماء بنت عميس الخثعمية رضي الله عنها لما رأت أهل الحبشة يصنعونه, إذ كانت مهاجرة, لكن جاء في بعض الطرق أن أسماء إنما فعلت ذلك بفاطمة عليها السلام.


#153#

خرج أبو نعيم في كتاب "الحلية" من حديث قتيبة بن سعيد, حدثنا محمد بن موسى المخزومي, عن عون بن محمد بن علي بن أبي طالب, عن أمه أم جعفر بنت محمد بن جعفر, وعن عمارة بن المهاجر, عن أم جعفر أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: يا أسماء إني قد استقبحت ما يصنع بالنساء, إنه يطرح على المرأة الثوب فيصفها, فقالت أسماء: يا ابنة رسول الله [صلى الله عليه وسلم] ألا أريك شيئاً رأيته بالحبشة؟ فدعت بجرائد رطبة فحنتها, ثم طرحت عليها ثوباً فقالت فاطمة عليها السلام: ما أحسن هذا وأجمله! تعرف به المرأة من الرجل, فإذا مت فاغسليني أنت وعلي ولا يدخل علي أحد. فلما توفيت غسلها علي وأسماء رضي الله عنهم.

وقال الطبراني في "معجمه الأوسط": حدثنا أحمد بن محمد بن صدقة, حدثنا أبو الربيع الأعرج جار التميمي, حدثنا خلف بن راشد أبو عثمان, حدثنا داود بن أبي هند, عن الشعبي, عن أسماء بنت عميس رضي الله عنها أن ابنة رسول الله صلى الله عليهما وسلم توفيت, وكانوا يحملون الرجال والنساء على الأسرة سواء, فقلت: يا رسول الله, إني كنت بالحبشة وهم نصارى أهل الكتاب, وإنهم يجعلون للمرأة نعشاً فوقه أضلاع يكرهون أن يوصف شيء من خلقها, أفلا أجعل لابنتك نعشاً مثله؟ فقال: «اجعليه» فهي أول من جعل لها النعش في الإسلام لرقية بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#154#

لم يرو هذا الحديث عن داود بن أبي هند إلا خلف بن راشد, تفرد به أبو الربيع الأعرج, قاله الطبراني.

$7 - [أم المؤمنين جويرية رضي الله عنها]:$

وجويرية بنت الحارث بن أبي ضرار بن حبيب بن عائذ بن مالك بن جذيمة – وهو المصطلق – بن سعد بن كعب بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء الأسدية الخزاعية المصطلقية رضي الله عنها.

كان اسمها برة, فحول رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمها فسماها جويرية, كره أن يقال: خرج من عند برة. قاله كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما.

حدث به الحسن بن الصباح البزار, حدثنا سفيان, عن محمد بن عبد الرحمن – هو مولى آل طلحة – عن كريب.

تابعه شعبة ومسعر فروياه عن محمد بن عبد الرحمن.

وقال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا أبو نعيم, حدثنا المسعودي, عن محمد بن عبد الرحمن, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال:


#155#

كان اسم جويرية [بنت الحارث] برة فحول النبي صلى الله عليه وسلم اسمها, كذا قال.

سبيت جويرية رضي الله عنها في غزوة بني المصطلق يوم المريسيع.

قال الواقدي: وحدثني حزام بن هشام, عن أبيه قال: قالت جويرية بنت الحارث رضي الله عنها: رأيت قبل قدوم النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث ليال كأن القمر أقبل يسير من يثرب حتى وقع في حجري, فكرهت أن أخبر بها أحداً من الناس, حتى قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما سبينا رجوت الرؤيا فلما أعتقني وتزوجني, والله ما كلمته في قومي حتى كان المسلمون هم الذين أرسلوهم, وما شعرت إلا بجارية من بنات عمي تخبرني الخبر, فحمدت الله عز وجل.

كانت جويرية رضي الله عنها عند صفوان بن مالك بن جذيمة ذي الشفر.

وقيل: عند مسافع بن صفوان ذي الشفر بن أبي سرح بن مالك بن جذيمة الخزاعي, وهو الذي قال يوم المريسيع وهو يقاتل:

أنا ابن ذي الشفر وحدي مبذول ... رمحي ذو الطول وسيفي مسلول

قد علمت نفسي بأني مقتول ...

فقتل يومئذ, فوقعت جويرية في سهم ثابت بن قيس بن شماس, فكاتبها على تسع أواق, فجاءت إلى عائشة رضي الله عنها لتكلم لها رسول الله


#156#

صلى الله عليه وسلم ليعينها في فدائها, وكانت حلوة حسانة عتيقة فكلمته فقال لها: «ألا خير من ذلك؟! أعتقك فأتزوجك وأجعل صدقتك عتقك» فقالت: بلي. ففعل صلى الله عليه وسلم, فلما رأى ذلك المسلمون أعتقوا ما في أيديهم من سبايا بني المصطلق وقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم.

ذكر بنحوه أبو عبيدة.

وجاء عن جويرية رضي الله عنها قالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا بنت عشرين سنة.

وقال ابن سعد في كتابه "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا عبد الله بن يزيد بن قسيط, عن أبيه, عن محمد بن عبد الرحمن ابن ثوبان, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء بني المصطلق فأخرج الخمس منه, ثم قسمه بين الناس فأعطى الفرس سهمين والرجل سهماً, فوقعت جويرية بنت الحارث بن أبي ضرار في سهم ثابت بن قيس بن شماس الأنصاري وكانت تحت ابن عم لها يقال له صفوان بن مالك بن جذيمة ذو الشفر فقتل عنها, فكاتبها ثابت بن قيس على نفسها على تسع أواق وكانت امرأة حلوة لا يكاد يراها أحد إلا أخذت بنفسه, فبينا النبي صلى الله عليه وسلم [عندي] إذ


#157#

دخلت عليه جويرية تسأله في كتابتها, فوالله ما هو إلا أن رأيتها فكرهت دخولها على النبي صلى الله عليه وسلم وعرفت أنه سيرى منها مثل الذي رأيت, فقالت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا جويرية بنت الحارث سيد قومه, وقد أصابني من الأمر ما قد علمت فوقعت في سهم ثابت بن قيس, فكاتبني على تسع أواق, فأعني في فكاكي. فقال: «أو خير من ذلك؟», فقالت: ما هو؟ فقال: «أؤدي عنك كتابتك وأتزوجك» قالت: نعم يا رسول الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد فعلت» وخرج الخبر إلى الناس فقالوا: أصهار رسول الله صلى الله عليه وسلم يسترقون! فأعتقوا ما كان في أيديهم من نساء بني مصطلق فبلغ عتقهم مائة أهل بيت بتزويجه صلى الله عليه وسلم, فلا أعلم امرأة أعظم بركة على قومها منها وذلك منصرفة صلى الله عليه وسلم من غزوة المريسيع.

وخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده" وأبو داود في "سننه" وأبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه" والخرائطي في كتاب "اعتلال القلوب" من حديث ابن إسحاق, عن محمد بن جعفر بن الزبير, عن عروة بن الزبير, عن عائشة رضي الله عنها بنحوه.

وقيل: أعتق بتزويج النبي صلى الله عليه وسلم جويرية رضي الله عنها مائتا أهل بيت.

وقيل: وقعت جويرية رضي الله عنها في سهم ثابت وابن عم له فكاتباها.

وقال زكريا بن أبي زائدة عن الشعبي: كانت جويرية من ملك اليمين فأعتقها صلى الله عليه وسلم وتزوجها. رواه سفيان بن عيينة ومنصور بن


#158#

أبي الأسود, عن زكريا.

وحدث به يونس بن بكير في "المغازي" عن زكريا بن أبي زائدة, عن عامر الشعبي قال: كانت جويرية من ملك يمين رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقها واستنكحها, وجعل مهرها عتق كل مملوك من بني المصطلق.

وروى أبو نعيم الفضل بن دكين وعبد الله بن نمير ووكيع, عن زكريا, عن عامر قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم جويرية بنت الحارث رضي الله عنها واستنكحها, وجعل صداقها عتق كل مملوك من بني المصطلق, وكانت من ملك يمين النبي صلى الله عليه وسلم.

وخرج الحاكم في "المستدرك" من حديث سفيان بن عيينة, عن ابن أبي نجيح, عن مجاهد قال: قالت جويرية بنت الحارث رضي الله عنها لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أزواجك يفخرن علي, يقلن: لم يتزوجك رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما أنت ملك يمين, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألم أعظم صداقك, ألم أعتق أربعين من قومك».

وقد قيل: إن أباها جاء بافتدائها, ثم أنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك.

خرج ابن سعد في "الطبقات الكبرى" من حديث أيوب, عن أبي قلابة أن النبي صلى الله عليه وسلم سبى جويرية بنت الحارث رضي الله عنها فجاء أبوها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن ابنتي لا يسبى مثلها, فأنا أكرم من ذلك فخل سبيلها, قال:


#159#

«أرأيت إن خيرناها أليس قد أحسنا؟» قال: بلي, وأديت ما عليك قال: فأتاها أبوها فقال: إن هذا الرجل قد خيرك فلا تفضحينا. فقالت: إني قد اخترت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قد والله فضحتينا.

وقيل: إن أباها قدم على النبي صلى الله عليه وسلم بفداء ابنته فأسلم وأسلم معه ابنان له وأناس من قومه, والله أعلم.

روينا من طريق زياد بن عبد الله بن الطفيل الكوفي قال: قال ابن إسحاق: ويقال لما انصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة بني المصطلق وقعت جويرية بنت الحارث, فكان بذات الجيش دفع جويرية إلى رجل من الأنصار وديعة وأمره بالاحتفاظ بها, وقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة, وأقبل أبوها الحارث بن أبي ضرار بفداء ابنته, فلما كان بالعقيق نظر في الإبل حين جاء بها للفداء, فرغب في بعيرين منها فغيبهما في شعب من شعاب العقيق, ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد, أتيت بفداء ابنتي وهذا فداؤها فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فأين البعيران اللذان غيبتهما بالعقيق في شعب كذا وكذا؟» فقال الحارث: أشهد أن لا إله إلا الله وأنك رسول الله, فوالله ما اطلع على ذلك إلا الله, فأسلم وأسلم معه ابنان له وناس من قومه, وأرسل إلى البعيرين فجاء بهما, فدفع الإبل إلى النبي صلى الله عليه وسلم, ودفع إليه ابنته جويرية, فأسلمت رضي الله عنها, وحسن إسلامها وخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبيها, فزوجه إياها وأصدقها أربعمائة درهم.


#160#

*[وفاتها رضي الله عنها]:

توفيت جويرية رضي الله عنها في شهر ربيع الأول سنة ست وخمسين في خلافة معاوية رضي الله عنه وصلى عليها مروان بن الحكم, وهو يومئذ والي المدينة.

وقيل: سنة خمسين, وهي ابنة خمس وستين رضي الله عنها.

رواه الواقدي عن محمد بن يزيد, عن جدته, وكانت مولاة جويرية بنت الحارث رضي الله عنهم.

$8 - [أم المؤمنين صفية رضي الله عنها]:$

وصفية بنت حيي بن أخطب بن سعية بن عامر, وقيل: ابن ثعلبة بن عبيد ابن كعب بن الخزرج بن أبي حبيب بن النضر بن النحام بن ينحوم النضرية من بني إسرائيل من سبط هارون بن عمران أخي موسى عليهما السلام.

وأمها برة بنت سموأل أخت رفاعة بن سموأل القرظي الصحابي, ذكره في الصحابة أبو نعيم الأصبهاني وغيره.

واسم صفية: حبيبة كما قال الزبير بن بكار في كتابه "ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم": حدثني محمد بن حسن, عن محمد بن إسماعيل, عن ابن أبي مليكة, أن اسم صفية حبيبة, ولكنها سميت صفية؛ لأنها كانت صفية للنبي صلى الله عليه وسلم يوم خيبر.


#161#

وقال إسحاق بن إبراهيم الدبري: أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه قال: بلغ صفية أن حفصة رضي الله عنها قالت لها: بنت يهودي, فبكت, فدخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم وهي تبكي فقال: «ما شأنك؟» قالت: قالت لي حفصة: إني بنت يهودي, فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم: «إنك لبنت نبي, وإن عمك لنبي, وإنك لتحت نبي, فبم تفخر عليك؟!» ثم قال: «اتقي الله يا حفصة».

خرجه أبو نعيم في "الحلية" للدبري, وخرجه الترمذي, عن إسحاق بن منصور وعبد بن حميد, كلاهما عن عبد الرزاق بنحوه.

وقال أبو الربيع الزهراني: حدثنا جعفر بن سليمان, حدثنا ثابت قال: كان بين حفصة بنت عمر وصفية بنت حيي كلام, فقالت حفصة: أنا حفصة بنت عمر وزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقالت صفية: أنا بنت هارون وعمي موسي, قال: فعظمت ذلك حفصة وظنت أنها قالت قولاً عظيماً قال: فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على حفصة, فقالت حفصة: يا رسول الله, كان بيني وبين صفية كلام, فقلت: أنا بنت عمر وزوجي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت صفية: أنا بنت هارون وعمي موسى وزوجي محمد صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صدقت».


#162#

وجاء عن هاشم بن سعيد الكوفي, عن كنانة – وهو مولى صفية – عن صفية قالت: دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا أبكي, فقال: «يا بنت حيي ما يبكيك؟» قلت: بلغني أن حفصة وعائشة تنالان مني وتقولان نحن خير منها, نحن بنات عم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأزواجه, قال: «ألا قلت لهم كيف تكونون خيراً مني وأبي هارون وعمي موسى وزوجي محمد صلوات الله وسلامه عليهم».

خرجه الحاكم في "المستدرك" لشاذ بن فياض, عن هاشم.

تابعه عبد الصمد بن عبد الوارث, عن هاشم فيما خرجه الترمذي في "جامعه" وقال: لا نعرفه إلا من حديث هاشم, وليس إسناده بذلك.

كانت صفية رضي الله عنها عند سلام بن مشكم القرظي الشاعر, ثم فارقها, فتزوجها كنانة بن الربيع بن أبي الحقيق النضري الشاعر, فقتل عنها يوم خيبر, ولم تلد لأحد منهما شيئاً.

قال ابن سعد في "طبقاته الكبرى": أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي, حدثنا سليمان بن المغيرة, عن حميد بن هلال قال: قالت صفية بنت حيي رضي الله عنها: رأيت كأني وهذا الذي يزعم أن الله أرسله وملك


#163#

يسترنا بجناحيه, قال: فردوا عليها رؤياها, وقالوا لها في ذلك قولاً شديداً.

سبيت صفية يوم خيبر من القموص فاصطفاها رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه, فأعتقها وتزوجها, وجعل عتقها صداقها, ولم تبلغ يومئذ سبع عشرة سنة.

وفي "المستدرك" للحاكم عن آمنة بنت أبي قيس الغفارية قالت: أنا إحدى النساء اللاتي زففن صفية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمعتها تقول: ما بلغت سبع عشرة سنة أو جهدي إن بلغت سبع عشرة سنة ليلة دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وجاء عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قد كان عرض عليها أن يتخذها سرية أو يعتقها وينكحها فقالت: لا, بل أعتقني وانكحني, ففعل صلى الله عليه وسلم.

خرجه الطبراني في "معجمه الكبير" لمحمد بن عمران بن أبي ليلى [عن أبيه, عن ابن أبي ليلى] عن الحكم, عن مقسم به, وفي الحديث قصة.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا بكر بن عبد الرحمن قاضي أهل الكوفة, حدثنا عيسى بن المختار, عن محمد بن


#164#

عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخرج من خيبر, قال القوم: الآن نعلم أسرية صفية أم امرأة, فإن كانت امرأة فإنه سيحجبها, وإلا فهي سرية, فلما خرج صلى الله عليه وسلم أمر بستر فستر دونها, فعرف الناس أنها امرأة, فلما أرادت أن تركب أدنى صلى الله عليه وسلم فخذه منها لتركب عليها, فأتت ووضعت ركبتها على فخذه ثم حملها, فلما كان الليل نزل فدخل الفسطاط ودخلت معه, وجاء أبو أيوب رضي الله عنه فبات عند الفسطاط معه السيف واضعا رأسه على الفسطاط, فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع الحركة فقال: «من هذا؟» قال: أنا أبو أيوب, فقال: «ما شأنك؟» فقال: يا رسول الله جارية شابة حديثة عهد بعرس, وقد صنعت بزوجها ما صنعت, فلم آمنها, فقلت: إن تحركت كنت قريباً منك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رحمك الله يا أبا أيوب, رحمك الله يا أبا أيوب».

وقال أيضاً: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا أسامة بن زيد بن أسلم, عن هلال بن أسامة, عن عطاء بن يسار, عن أبي هريرة.

وقال: قال: وحدثنا عمر بن عثمان بن سليمان بن أبي حثمة العدوي, عن أبي غطفان بن طريف المري.


#165#

وقال: قال: وحدثنا محمد بن موسى, عن إسحاق بن عبد الله بن أبي طلحة, عن أنس بن مالك.

وقال: قال: وحدثنا عبد الله بن يحيى, عن ثبيتة بنت حنظلة, عن أمها أم سنان الأسلمية – دخل حديث بعضهم في حديث بعض – قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر وغنمه الله أموالهم سبى صفية بنت حيي وابنة عم لها من القموص, فأمر بلالاً يذهب بها إلى رحله, وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم صفي من كل غنيمة, فكانت صفية مما اصطفى يوم خيبر, وعرض عليها النبي صلى الله عليه وسلم أن يعتقها إن اختارت الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم, [وأسلمت] فأعتقها وتزوجها, وجعل [عتقها مهرها, ورأى بوجهها] أثر خضرة قريباً من عينها فقال: «ما هذا؟» قالت: يا رسول الله رأيت في المنام قمراً أقبل من يثرب حتى وقع في حجري, فذكرت ذلك لزوجي كنانة, فقال: تحبين أن تكوني تحت هذا الملك الذي يأتي من المدينة فضرب وجهي, واعتدت حيضة, ولم يخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر حتى طهرت من حيضها, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ولم يعرس بها, فلما قرب البعير لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليخرج وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجله لتضع قدمها على فخذه, فأتت ووضعت ركبتها على فخذه, وسترها رسول الله صلى الله عليه وسلم وحملها وراءه, وجعل رداءه على ظهرها ووجهها, ثم شده من تحت رجلها وتحمل بها وجعلها بمنزلة نسائه, فلما صار إلى منزل يقال له تبار على ستة أميال من خيبر, مال


#166#

يريد أن يعرس بها, فأبت عليه, فوجد النبي صلى الله عليه وسلم في نفسه من ذلك, فلما كان بالصهباء – وهي على بريد من خيبر – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم [لأم سليم]: «عليكن صاحبتكن فأمشطنها» وأراد أن يعرس بها هناك, قالت أم سليم: وليس معنا فسطاط ولا سرادقات, فأخذت كساءين أو عباءتين فسرت بينهما إلى شجرة فمشطتها وعطرتها, قالت أم سنان الأسلمية: وكنت فيمن حضر عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية, مشطناها وعطرناها, وكانت جارية تأخذ الزينة من أوضأ ما يكون من النساء, وما وجدت رائحة طيب كانت أطيب من ليلتئذ, وما شعرنا حتى قيل: رسول الله صلى الله عليه وسلم يدخل على أهله وقد نمصناها ونحن تحت دومة, وأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي [إليها, فقامت إليه], وبذلك أمرناها فخرجنا من عندهما, وأعرس بها رسول الله صلى الله عليه وسلم هناك, وبات عندها, وغدونا عليها وهي تريد أن تغتسل, فذهبنا بها حتى توارينا من العسكر, فقضت حاجتها واغتسلت, فسألتها عما رأت من رسول الله صلى الله عليه وسلم, فذكرت أنه سر بها ولم ينم تلك الليلة, لم يزل يتحدث معها وقال لها: «ما حملك على الذي صنعت حين أردت أن أنزل المنزل الأول فأدخل بك؟!» فقالت: خشيت عليك قرب يهود, فزادها ذلك عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأولم عليها هناك, وما كانت وليمته إلا الحيس, وما كانت قصاعهم [إلا] الأنطاع, فتغدى القوم يومئذ, ثم راح رسول الله صلى الله عليه وسلم, فنزل بالقصيبة وهي على ستة عشر ميلاً.


#167#

في هذا الحديث: وجعل عتقها مهرها. وكذا ثبت من حديث أنس بن مالك وغيره.

وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم أمهرها جارية.

قال علي بن الحُسَيْن السكري: حدثنا عبيد الله بن عمر القواريري, حدثتنا عليلة بنت الكميت العتكية, عن أمها أميمة, عن أمة الله بنت رزينة, عن أمها في قصة صفية أن النبي صلى الله عليه وسلم أعتقها وخطبها وتزوجها, وأمهرها رزينة.

وصح عن سليمان بن المغيرة, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه قال: صارت صفية لدحية في مقسمه, فجعلوا يمدحونها عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: ويقولون: ما رأينا في السبي مثلها, قال: فبعث إلى دحية الكلبي فأعطاه بها ما أراد, ثم دفعها إلى أمي فقال: «أصلحيها» قال: ثم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر, حتى إذا جعلها في ظهره نزل, ثم ضرب عليها القبة, فلما أصبح قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان عنده فضل زاد فليأتنا به» قال: فجعل الرجل يجئ بفضل التمر وفضل السويق, حتى جعلوا من ذلك حيساً, فجعلوا يأكلون من ذلك الحيس, ويشربون من حياض إلى جنبهم من ماء السماء قال: فقال أنس: فكانت تلك وليمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها.


#168#

قال: فانطلقنا حتى إذا رأينا جدر المدينة هشينا إليها فرفعنا مطينا ورفع رسول الله صلى الله عليه وسلم مطيته, قال: وصفية خلفه [قد] أردفها قال: فعثرت مطية رسول الله صلى الله عليه وسلم, فصرع وصرعت, قال: فليس أحد من الناس ينظر إليه [ولا إليها] حتى قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فسترها, قال: فأتيناه, فقال: «لم نضر» قال: فدخلنا المدينة فخرج جواري نسائه يتراءينها ويشمتن بصرعتها.

وخرج أبو داود من حديث وائل بن داود, عن ابنه بكر بن وائل, عن الزهري, عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أولم على صفية بسويق وتمر.

وروي عن يحيى بن أبي طالب, أخبرنا عمرو بن عون, أخبرنا عبد الحميد بن سليمان, عن أبي حازم, عن سهل بن سعد قال: أولم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدخلت عليه صفية رضي الله عنها. فقلت له: ما كانت وليمته؟ قال: التمر والسويق.

وهو في "الصحيح".


#169#

وفي "المستدرك" للحاكم عن عيسى بن طهمان سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: أطعم النبي صلى الله عليه وسلم على صفية بنت حيي خبزاً ولحماً.

قال ابن سعد في "طبقاته الكبرى": أخبرنا يزيد بن هارون وهشام أبو الوليد الطيالسي, قالا: حدثنا حماد بن سلمة, عن ثابت البناني, عن أنس بن مالك: أن صفية بنت حيي وقعت في سهم دحية الكلبي, فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم: إنه قد وقعت في سهم دحية الكلبي جارية جميلة, فاشتراها رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبعة أرؤس ودفعها إلى أم سليم حتى تهيئها وتصنعها وتعتد عندها.

وحدث به أبو داود في "سننه" عن محمد بن خلاد الباهلي, حدثنا بهز بن أسد, [حدثنا حماد فذكره.

تابعه سليمان بن المغيرة, عن ثابت نحوه.

وقال الواقدي]: حدثنا كثير بن زيد, عن الوليد بن رباح, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لما دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم بصفية بات أبو أيوب رضي الله عنه على باب النبي صلى الله عليه وسلم, فلما أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر ومع أبي أيوب السيف, فقال: يا رسول كانت جارية حديثه عهد بعرس, وكنت


#170#

قتلت أباها وأخاها وزوجها فلم آمنها عليك, فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال له خيراً.

حدث به ابن سعد, عن الواقدي في "الطبقات الكبرى".

وخرج في "الطبقات" أيضاً من حديث عطاء بن يسار قال: لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من خيبر ومعه صفية أنزلها في بيت من بيوت حارثة بن النعمان, فسمع بها نساء الأنصاري وبجمالها فجئن ينظرن إليها, وجاءت عائشة متنقبة حتى دخلت عليها فعرفتها, فلما خرجت خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أثرها, فقال: «كيف رأيتيها يا عائشة؟» قالت: رأيت يهودية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تقولي هذا يا عائشة, فإنها قد أسلمت فحسن إسلامها».

وخرج أيضاً عن الواقدي: حدثني عبد الله بن أبي نجيح, عن ثبيتة بنت حنظلة, عن أمها أم سنان الأسلمية قالت: لما نزلنا المدينة لم ندخل منازلنا حتى دخلنا مع صفية منزلها, وسمع بها نساء المهاجرين والأنصار, فدخلن عليها متنكرات, فرأيت أربعاً من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم متنقبات: زينب بنت جحش وحفصة وعائشة وجويرية, فأسمع زينب تقول لجويرية بنت الحارث: ما أرى هذه الجارية إلا ستغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت جويرية: كلا إنها من نساء قل ما يحظين عند الأزواج.

وقال الطبراني في "معجمه الأوسط": حدثنا أبو مسلم, حدثنا أبو عمر الضرير, حدثنا حماد بن سلمة, عن ثابت البناني, عن سمية,


#171#

عن عائشة رضي الله عنها قالت: وجد رسول الله صلى الله عليه وسلم على صفية في شيء, فقالت لي صفية: هل لك أن ترضي رسول الله صلى الله عليه وسلم ولك يومي؟ فلبست خماراً لي كان مصبوغاً بزعفران ونضحته بماء, ثم جئت فجلست إلى جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: «إليك عني فإنه ليس بيومك» فقلت: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء, وأخبرته الخبر فرضي عنها.

وقال أبو عمر بن عبد البر: روينا أن جارية لها أتت عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقالت: إن صفية تحب السبت وتصل اليهود, فبعث إليها عمر فسألها, فقالت: أما السبت فإني لم أحبه منذ أبدلني الله به يوم الجمعة, وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً, فأنا أصلها, قال: ثم قالت للجارية: ما حملك على ما صنعت؟ قالت: الشيطان, قالت: اذهبي فأنت حرة.

وقال أبو بكر الخرائطي في كتابه "اعتلال القلوب": حدثنا علي بن داود القنطري, حدثنا آدم بن أبي إياس, حدثنا سليمان بن المغيرة, عن ثابت البناني, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت صفية مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر وكان ذلك يومها، فأبطأت في المسير، فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي تبكي وتقول: حملتني على جمل بطئ, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح عينيها ويسكنها رضي الله عنها.


#172#

وقال عبد العزيز بن أبي عمران: حدثنا موسى بن عبيدة الربذي, عن عبد الله بن عبيدة أن نفراً اجتمعوا في حجرة صفية, فذكروا الله تعالى وتلوا القرآن وسجدوا فنادتهم صفية رضي الله عنها: هذا السجود وتلاوة القرآن, فأين البكاء؟

*[وفاتها رضي الله عنها]:

توفيت صفية رضي الله عنها بالمدينة في شهر رمضان سنة خمسين في أيام معاوية. وقيل: سنة ست وثلاثين. وقيل: في خلافة عمر رضي الله عنه سنة خمس عشرة, ودفنت بالبقيع رضي الله عنها.

خرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث إسحاق بن راهويه حدثنا إبراهيم بن الحكم بن أبان, حدثني أبي, عن عكرمة قال: ماتت بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, قال إسحاق: أظنه سماها صفية بنت حيي بالمدينة, فأتيت ابن عباس, فأخبرته, فسجد, فقلت له: أتسجد ولما تطلع الشمس؟ فقال ابن عباس: لا أم لك, أما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا رأيتم الآية فاسجدوا» وأية آية أعظم من أمهات المؤمنين يخرجن من بين أظهرنا ونحن أحياء.


#173#

$9 - [أم المؤمنين ميمونة رضي الله عنها]:$

وميمونة بنت الحارث بن حزن بن بجير بن الهزم بن رويبة بن عبد الله بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن هوازن العامرية.

وأمها هند بنت عوف بن زهير بن حماطة بن جرش, ويقال: جريش, وهو لقب, واسمه منبه بن أسلم بن زيد بن الغوث بن سعد بن عوف بن عدي بن مالك بن زيد بن سدد بن زرعة, وهو حمير الأصغر [بن سبأ] بن كعب كهف الظلم بن سهل بن زيد الجمهور.

ولميمونة [أم المؤمنين] رضي الله عنها أخوات سبع, فمن أبيها وأمها هند المذكورين أربع: أم الفضل لبابة الكبرى زوج العباس, وأم بنيه عبد الله والفضل وغيرهما رضي الله عنهم, ولبابة الصغرى أم خالد بن الوليد أثبت إسلامها ابن سعد وغيره, وذكر ابن عبد البر أن فيه نظراً, وعزة أم يزيد الأصم ذكرها في الصحابيات ابن عبد البر منفرداً بذلك, وأم حفيد هزيلة صاحبة الضباب والأقط.

وثلاث من أمها هند وهن بنات عميس بن معد بن الحارث الخثعمي, إحداهن: أسماء أم عبد الله وعون ابني جعفر بن أبي طالب, ثم أم محمد بن أبي بكر الصديق, ثم أم يحيى بن علي بن أبي طالب.


#174#

والثانية: سلمى أم أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب, ثم أم عبد الله وعبد الرحمن ابني شداد بن الهاد.

والثالثة: سلامة بنت عميس, ولم أر لها ذكراً في الصحابيات, والله أعلم.

كان اسم ميمونة برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة, رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" عن عمرو بن مرزوق, أخبرنا شعبة, عن عطاء بن أبي ميمونة, عن أبي رافع عن أبي هريرة رضي الله عنه من قوله.

ورواه أيضاً عن أبي نعيم, عن سفيان, عن منصور, عن مجاهد من قوله.

وعن عاصم بن يوسف اليربوعي, حدثنا إسرائيل, عن محمد بن عبد الرحمن يعني مولى آل طلحة سمعت كريباً أبا رشدين, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان اسم ميمونة برة فسماها رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة.

وكانت ميمونة في الجاهلية عند مسعود [بن عمرو] بن عمير الثقفي, ثم فارقها وخلفه عليها أبو رهم بن عبد العزى بن أبي قيس بن عبد ود بن نضر بن مالك بن حسل بن عامر بن لؤي فتوفي عنها وهو أخو حويطب بن عبد العزى.


#175#

وقيل: كانت عند أبي رهم بن عبد العزى. قاله الزهري.

وقيل: كانت عند فروة بن عبد العزى بن أسد بن غنم بن دودان. قاله قتادة.

وقيل: كانت عند سبرة بن أبي رهم. حكاه أبو عبيدة.

وقيل: عند حويطب بن عبد العزى أخي أبي رهم, قاله عبد الله بن محمد بن عقيل.

ثم تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهبت له نفسها فيما ذكره أبو عبد الله بن منده, قيل: لما أتاها الخاطب – وهو أبو رافع – وهي على بعيرها فقالت: البعير وما عليه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فزوجه إياها عمه العباس بن عبد المطلب, فيما خرجه الطبراني في "معجمه الأوسط" فقال: أحمد بن داود المكي, حدثنا يعقوب بن حميد بن كاسب, حدثنا سلمة بن عبد الله الأموي, عن عبد الله بن أبي لبيد, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس للنساء في عقد النكاح شيء, جعلت ميمونة أمرها إلى أم الفضل فجعلته إلى العباس رضي الله عنه فأنكحها للنبي صلى الله عليه وسلم.

لا يروى هذا الحديث عن ابن عباس رضي الله عنهما إلا بهذا الإسناد, تفرد به يعقوب بن حميد, قاله الطبراني.

وحدث به الواقدي, عن إبراهيم بن إسماعيل بن أبي حبيبة, عن


#176#

داود بن الحصين, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وقال عبد الله بن يوسف: أخبرنا ابن لهيعة, عن أبي الأسود, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث محمية بن جزء ورجلين آخرين إلى ميمونة يخطبها وهي بمكة, فردت أمرها إلى أختها أم الفضل, فردت أم الفضل إلى العباس رضي الله عنه فأنكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو الرحمن [عبد الله] بن الإمام أحمد في كتاب "العلل": سألت أبي عن حديث ميمونة بنت الحارث أنها جعلت أمرها بيد العباس فزوجها من النبي صلى الله عليه وسلم. صحيح هذا الحديث؟ قال أبي: هذا الحديث ليس له أصل.

وقال محمد بن أحمد بن البراء العبدي: أخبرنا المعافى – يعني: ابن سليمان – حدثنا موسى – هو ابن أعين – عن يحيى بن أيوب, عن عطاء بن أبي رباح, عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن العباس رضي الله عنه قال: زوجت رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم ونحن بسرف.

كان تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بميمونة في شوال سنة سبع من الهجرة بسرف في عمرة القضية.


#177#

جاء عن علي بن عبد الله بن عباس قال: لما أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الخروج إلى مكة عام القضية بعث أوس بن خولي وأبا رافع إلى العباس ليزوجه ميمونة, فأضلا بعيريهما, فأقاما أياماً ببطن رابغ حتى أدركهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بقديد وقد ضما بعيريهما, فسارا معه حتى قدم مكة فأرسل إلى العباس, فذكر ذلك له, وجعلت ميمونة أمرها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .... الحديث.

وكان بعد أن حل من عمرته على الصحيح.

وقيل: قبل إحلاله منها وهو محرم وهو أحد قولي ابن عباس رضي الله عنهما, رواه عنه أبو الشعثاء جابر وسعيد بن جبير وعكرمة ومقسم وميمون بن مهران وأبو الزبير.

وخالفهم يزيد بن الأصم فيما رواه الواقدي, عن معمر, عن الزهري, عن يزيد بن الأصم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو حلال.

وقال الحافظ أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق البزار: حدثنا محمد بن عثمان بن مخلد, حدثنا أبي, عن سلام أبي المنذر, عن مطر الوراق, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة وهو حلال.

خرجه الدارقطني في "سننه" من طريق البزار, وقال: كذا قال. تفرد به محمد بن عثمان, عن أبيه, عن سلام, وهو غريب عن مطر.


#178#

وعند مطر عن ربيعة, عن سليمان بن يسار, عن أبي رافع هذا القول أيضاً.

ورواه أبو الأسود يتيم عروة, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما مثل رواية مطر عنه.

وهذا موافق للصحيح من القولين, وهو قول أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصفية بنت شيبة ويزيد بن الأصم وسعيد بن المسيب ومحمد بن إبراهيم التيمي والجمهور.

وأبو رافع هو كان السفير في القضية وباشرها, وعلى يديه جرت, فوجب المصير إلى قوله دون غيره ممن خالفه.

قال أبو حاتم محمد بن حبان في "صحيحه": أخبرنا أحمد بن علي بن المثنى, حدثنا أبو الربيع الزهراني وخلف بن هشام البزار, قالا: حدثنا حماد بن زيد, حدثنا مطر الوراق, عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن, عن سليمان بن يسار, عن أبي رافع رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ميمونة حلالاً وبنى بها حلالاً, وكنت الرسول بينهما.

تابعه داود بن عمرو, عن مطر.

وحدث به أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه" عن الفضل بن دكين, عن حماد.


#179#

وخرجه أحمد بن حنبل في "مسنده" والترمذي في "جامعه" والدارقطني في "سننه".

وخرج أحمد والترمذي أيضاً من حديث يزيد بن الأصم, عن ميمونة أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالاً وبنى بها حلالاً وماتت بسرف, فدفناها بالظلة التي بنى بها فيها.

وقال عباس بن محمد الدوري: حدثنا كثير بن هشام, حدثنا جعفر بن برقان, حدثنا ميمون بن مهران قال: كنت عند عطاء بن أبي رباح فسئل أيتزوج المحرم؟ قال: ما حرم الله النكاح منذ أحله, فنظرت إليه فقال: مه أيريبك شيء؟ فقال: فقال ميمون: كتب إلي عمر بن عبد العزيز وأنا يومئذ على أرض الجزيرة: أن سل يزيد بن الأصم, أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو حلال أو هو حرام؟ قال يزيد: لا, بل تزوجها وهو حلال.

تابعه أبو نعيم الفضل بن دكين عن جعفر يبن برقان.

وقال الطبراني في "معجمه الأوسط": حدثنا أحمد بن عبد الرحمن – يعني: ابن عفان – الحراني, حدثنا أبو جعفر النفيلي, حدثنا خطاب بن القاسم, عن عبد الكريم بن مالك الجزري, عن ميمون بن مهران قال: أتيت صفية بنت شيبة فسألتها أتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم؟


#180#

فقالت: لا, إنما تزوجها وهما حلالان.

لم يرو هذا الحديث عن عبد الكريم إلا خطاب بن القاسم, قاله الطبراني.

وقد خرج أبو داود في "سننه" فقال: حدثنا ابن بشار, حدثنا عبد الرحمن بن مهدي, حدثنا سفيان, عن إسماعيل بن أمية, عن رجل, عن سعيد بن المسيب قال: وهم ابن عباس في تزويج ميمونة وهو محرم.

وقال الشافعي: أخبرنا سعيد بن سالم عن إسماعيل بن أمية, عن سعيد بن المسيب قال: أوهم الذي روى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نكح ميمونة وهو محرم, ما نكحها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا وهو حلال.

وقال أبو حاتم بن حبان في "صحيحه": قول ابن عباس رضي الله عنهما: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة وهو محرم, يريد به داخل الحرم؛ لا أنه كان محرماً في ذلك الوقت, كما تستعمل العرب ذلك في لغتها تقول لمن دخل نجداً: أنجد, ولمن دخل الظلمة: أظلم, ولمن دخل تهامة: أتهم, أراد أنه داخل الحرم, لا أنه كان محرماً بنفسه في ذلك الوقت. انتهى.

وقيل في ذلك قول ثالث: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها قبل أن يخرج من المدينة.


#181#

حدث به أنس بن عياض, عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن, عن سليمان بن يسار أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث أبا رافع ورجلاً من الأنصار فأنكحاه ميمونة وهو بالمدينة قبل أن يخرج.

وحدث به الشافعي, عن مالك, عن ربيعة.

ولما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم ميمونة رضي الله عنها أراد أن يبني بها قبل أن يخرج من مكة, فأتاه في اليوم الرابع من إقامته سهيل بن عمرو وحويطب بن عبد العزى عند الظهر, وسعد بن عبادة رضي الله عنه يتحدث معه, فأمراه بالخروج ولم يمهلاه أن يبني بميمونة, وذلك فيما رواه الإخباريون ومنهم الواقدي في "السير", فروى عن عبد الله بن محمد قال: فقال – يعني حويطباً -: قد انقضي أجلك, فاخرج. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «وما عليكم لو تركتموني فعرست بين أظهركم, فصنعت لكم طعاماً» فقالا: ننشدك الله يا محمد, والعهد الذي بيننا وبينك إلا خرجت من أرضنا, فهذه الثلاث قد مضت, وكان النبي صلى الله عليه وسلم لم ينزل بيتاً ضربنا له قبة من أدم بالأبطح, فكان هناك حتى خرج منها, لم يدخل تحت سقف من بيوتها, فغضب سعد بن عبادة رضي الله عنه لما رأى من غلطة كلامهم للنبي صلى الله عليه وسلم فقال لسهيل: كذبت, لا أم لك, ليست بأرضك ولا أرض أبيك, والله لا يخرج منها إلا طائعاً راضياً, فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم قال: «يا سعد لا ترد قوماً زارونا في رحالنا», قال: أسكت الرجلان


#182#

عن سعد, قال: ثم أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع بالرحيل وقال: «لا يمسين بها أحد من المسلمين» وركب رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى نزل سرف وتتام الناس وخلف أبا رافع؛ ليحمل إليه زوجته حين يمسي وأقام أبو رافع حتى أمسى فخرج بميمونة ومن معها فلقوا عيناً من سفهاء المشركين من أذى ألسنتهم للنبي صلى الله عليه وسلم, وقال أبو رافع: أنتظر أن يبطش أحد منهم فنستحل منه, فلم يفعلوا, إلا أني قد قلت لهم: ما شئتم هذه والله الخيل والسلاح ببطن يأجج والخيل قد قربت ... وذكر الحديث, وفيه: فلم يأت سرف حتى ذهب عامة الليل, فأتينا سرف فبنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم, [ثم أدلج فسار حتى قدم المدينة.

وقد جاء أن النبي صلى الله عليه وسلم] تزوجها على مهر خمسمائة درهم, قال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن عبد الرحمن, عن أبيه, عن عمرة قال: قيل لها: إن ميمونة وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فقالت: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم على مهر خمسمائة درهم وولي نكاحها العباس رضي الله عنه.

خرج أبو نعيم في كتابه "حلية الأولياء" من حديث أبي اليمان, حدثنا إسماعيل بن عياش, عن صفوان بن عمرو, عن عبد الرحمن بن


#183#

جبير بن نفير, عن أبيه قال: أهدى ابن السائب ابن أخي ميمونة لميمونة رضي الله عنها فراش ريش, فلما أفطرت وأرادت أن ترقد – وقد كانت نحلت من العبادة – قالت: افرشوا فراش ابن أخي, فرقدت عليه, فما تحركت حتى أصبحت, فقالت: أخرجوها عني, هذا مغفل, هذا منيم, لا أفترشها.

*[وفاتها رضي الله عنها]:

ماتت ميمونة رضي الله عنها بسرف في مثل الليلة التي بنى بها رسول صلى الله عليه وسلم فيها. ودفنت في الظلة التي بنى بها فيها, وقبرها ظاهر هناك, مقصود بالزيارة في المكان المعروف اليوم بمسجد ميمونة.

وجاء من حديث جرير: سمعت أبا فزارة, عن يزيد بن الأصم, عن ميمونة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوجها حلالاً, وماتت بسرف في الليلة التي بنى بها فيها. قال: وكانت خالتي فنزلت في قبرها أنا وابن عباس, فلما وضعناها في اللحد مال رأسها فأخذت ردائي فجمعته فوضعته تحت رأسها فأخذه ابن عباس فرمى به ووضع تحت رأسها كذانة.

وكانت وفاة ميمونة رضي الله عنها سنة إحدى وخمسين, وقد بلغت ثمانين سنة.


#184#

وقيل: ماتت سنة ثلاث وستين في أيام معاوية, وقيل: سنة ست وستين. وصحح القول الأول الحافظ أبو محمد الدمياطي فيما أنبئونا عنه, وضعف القولين بعده. وقال: لأن الصحيح أنها توفيت في حياة عائشة رضي الله عنها. انتهى.

ومما يشهد لذلك ما روي من حديث جعفر بن برقان, حدثنا يزيد بن الأصم قال: تلقيت عائشة رضي الله عنها وهي مقبلة من مكة أنا وابن طلحة بن عبيد الله – وهو ابن أختها أم كلثوم – وقد كنا وقعنا في حائط من حيطان المدينة فأصبنا منه فبلغها ذلك قال: فأقبلت على ابن أختها تلومه وتعذله, ثم أقبلت علي فوعظتني موعظة بليغة, ثم قالت: أما علمت أن الله ساقك حتى جعلك في بيت نبيه صلى الله عليه وسلم, ذهبت والله ميمونة ورمى بحبلك على غاربك, أما إنها كانت من أتقانا وأوصلنا للرحم.

وذكر ابن الجوزي في كتابه "التلقيح" وغيره أنها توفيت سنة إحدى وستين.

وقيل: سنة ثمان وثلاثين.

وقيل: سنة أربعين في خلافة علي رضي الله عنه.

وسرف: ما بين التنعيم وبطن مرو, وهو إلى التنعيم أقرب, وهو على ثلاثة فراسخ من مكة.


#185#

*[آخر أمهات المؤمنين]:

وميمونة رضي الله عنها آخر من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمهات المؤمنين, وهي آخرهن موتاً في قول عطاء بن أبي رباح وغير واحد.

فهؤلاء اللواتي توفي عنهن رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#186#

&[نساؤه اللاتي توفين في حياته صلى الله عليه وسلم]&

ومات في حياته صلى الله عليه وسلم من زوجاته خديجة بنت خويلد رضي الله عنها كما قدمناه.

وكذلك مات في حياته صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة بن الحارث بن عبد الله بن عمرو بن عبد مناف بن هلال بن عامر بن صعصعة بن معاوية أخي سعد رضعاء النبي صلى الله عليه وسلم ابني بكر بن هوازن بن منصور بن عكرمة بن خصفة بن قيس عيلان الهلالية القيسية أم المساكين.

سميت بذلك في الجاهلية لإطعامها المساكين ورأفتها بهم ورحمتها عليهم وإحسانها إليهم.

كانت عند الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف بن قصي رضي الله عنه [فطلقها] فتزوجها أخوه عبيدة بن الحارث, فقتل عنها يوم بدر شهيداً رضي الله عنه فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم, هكذا ذكر غير واحد: منهم ابن الجوزي, وبه جزم الحافظ أبو محمد الدمياطي فيما أنبئونا عنه.

وقال الزهري: وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش فقتل عنها يوم أحد.


#187#

خرجه أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه" من طريق الليث, عن عقيل, عن ابن شهاب, والحاكم في "مستدركه", وحكاه أبو عمر بن عبد البر وابن الجوزي عن الزهري.

وذكره البيهقي وعبد الغني المقدسي, ثم قال: وقيل: عند الطفيل بن الحارث, والأول أصح. انتهى, وعزا أبو عمر بن عبد البر القول الثاني لقتادة, وهو صحيح, فإن ابن أبي خيثمة حدث به في "التاريخ" عن أحمد – هو ابن المقدام – عن زهير – هو ابن العلاء – عن سعيد – هو ابن أبي عروبة – عن قتادة قال: وكانت قبله عند الطفيل بن الحارث.

وفي "الطبقات الكبرى" لابن سعد, عن الزهري خلاف ما ذكر.

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا محمد بن عبد الله, عن الزهري قال: كانت زينب بنت خزيمة الهلالية تدعى أم المساكين, وكانت عند الطفيل بن الحارث بن المطلب بن عبد مناف فطلقها.

وقال: أخبرنا محمد بن عمر, فحدثني عبد الواحد بن جعفر, عن عبد الواحد بن أبي عون قال: فتزوجها عبيدة بن الحارث فقتل عنها يوم بدر شهيداً رضي الله عنه.

وقال علي بن الجنيد الرازي في "تاريخه": كانت قبله – يعني: قبل النبي صلى الله عليه وسلم – عند الحصين بن الحارث أو عند أخيه الطفيل بن الحارث. انتهى.


#188#

وعبيدة والطفيل والحصين لهم صحبة وهم إخوة بني الحارث بن المطلب بن عبد مناف رضي الله عنهم.

وذكر أبو عبيدة أنها: كانت قبله عند طفيل بن عباد بن الحارث بن المطلب.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا كثير بن زيد, عن المطلب بن عبد الله بن حنطب قال: قال: وحدثنا محمد بن قدامة, عن أبيه قالا: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت خزيمة الهلالية أم المساكين فجعلت أمرها إليه, فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأشهد وأصدقها اثنتي عشرة أوقية ونشا, وكان تزويجه إياها في شهر رمضان على رأس إحدى وثلاثين شهراً من الهجرة, فمكثت عنده ثمانية أشهر, وتوفيت في آخر شهر ربيع الآخر على رأس تسعة وثلاثين شهراً وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم ودفنها بالبقيع.

وحدث به الزبير بن بكار في كتابه "ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم" عن محمد بن حسن – يعني ابن زبالة – عن غير واحد منهم: إبراهيم بن محمد بن عبد المجيد بن سهيل, وكثير بن زيد, عن المطلب بنحوه.


#189#

وفي هذا الحديث أن مكثها عند النبي صلى الله عليه وسلم كان ثمانية أشهر, هذا هو المشهور, وقيل: مكثت عنده صلى الله عليه وسلم ثلاثة أشهر, وقيل: شهرين.

وفاتها مختلف في وقتها أيضاً, فقيل: توفيت في السنة الخامسة من الهجرة.

وقال أبو عبد الله بن منده: وتوفيت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حي لم يلبث بعدها إلا يسيراً انتهى.

وكان سنها لما توفيت ثلاثين سنة أو نحوها.

قال الواقدي: سألت عبد الله بن جعفر: من نزل في حفرتها؟ فقال: إخوة لها ثلاثة, قلت: كم كان سنها؟ قال: ثلاثين أو نحوها.

فهاتان زوجتان ماتتا في حياته صلى الله عليه وسلم, وفي ريحانة خلاف سيأتي إن شاء الله تعالى.

وحكى أبو عمر بن عبد البر فقال: قال أبو الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني النسابة قال: وكانت زينب بنت خزيمة أخت ميمونة رضي الله عنها لأمها.

قال أبو عمر: ولم أر ذلك لغيره, والله أعلم.

قلت: أم ميمونة هند بنت عمرو الحميرية التي ذكرناها قبل, المعروف من بناتها: ميمونة زوج النبي صلى الله عليه وسلم, ولبابة الكبرى أم بني العباس, ولبابة


#190#

الصغرى أم خالد بن الوليد, والعصماء, كانت تحت أبي بن خلف الجمحي وولدت له, وقيل: هي أم خالد لبابة, لقبها العصماء, وهزيلة أم حفيد وعزة بنات الحارث بن حزن, وأسماء وسلمى وسلامة بنات عميس الخثعمي.

وهذه الثلاثة أخوات المذكورات قبلهن لأمهن وهن صحابيات إلا سلامة, وعزة, والله أعلم.

قال أبو عمر ابن عبد البر عن عزة: وأظنها لم تدرك الإسلام.


#191#

&[ترتيب أزواج النبي صلى الله عليه وسلم]&

وأول من تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة, ثم سودة, ثم عائشة, ثم حفصة, ثم أم المساكين زينب, ثم أم حبيبة, ثم أم سلمة, ثم زينب بنت جحش, ثم جويرية, ثم صفية, ثم ميمونة رضي الله عنهن.

وذكرهن على هذا الترتيب أبو الحسن علي بن الجنيد الرازي في "تاريخه" غير صفية فلم يذكرها.

وذكرهن أبو محمد بن حزم على الترتيب المذكور إلا أنه أخر أم حبيبة إلى بعد جويرية, واختاره الحافظ أبو محمد عبد العظيم المنذري وغيره, وهو المشهور, وبه جزم الحافظ أبو محمد الدمياطي فيما أنبئونا عنه.

وذكرهن أبو الفرج ابن الجوزي فيما وجدته بخطه في كتابه "منتخل المنتخب" على الترتيب الذي قدمناه إلى حفصة. ثم قال بعدها:


#192#

[ثم] أم سلمة, ثم أم حبيبة, ثم زينب بنت جحش, ثم زينب بنت خزيمة, ثم جويرية, ثم صفية, ثم ميمونة.

وذكرهن أبو بكر ابن أبي خيثمة في "تاريخه" علي هذا الترتيب: خديجة, سودة, عائشة, أم حبيبة, حفصة, زينب بنت جحش, صفية, أم سلمة, ميمونة, جويرية, زينب العامرية رضي الله عنهن.

ثم قال: وهذا آخر ما ذكر عبد الله بن محمد بن عقيل من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم, كتبته على نسق ما كان في حديث ابن عقيل إلا سودة بنت زمعة فإن ابن عقيل جعل عائشة قبلها والباقي على تأليف ابن عقيل, ثم قال: والعامرية لم يذكرها ابن عقيل أيضاً, فأما قتادة فجعل أولهن خديجة وسودة وعائشة وأم حبيبة وأم سلمة وحفصة, فهؤلاء ست من قريش، ومن حلفاء قريش: زينب بنت جحش, ثم من سائر العرب: جويرية بنت الحارث وميمونة بنت الحارث, ومن بنات هارون: صفية بنت حيي, وزينب بنت خزيمة رضي الله عنهن.

وذكر ابن سعد في "الطبقات الكبرى" عن الزهري والمطلب بن عبد الله بن حنطب ترتيبهن ما ملخصه: خديجة, ثم سودة, ثم عائشة, ثم حفصة, ثم أم سلمة, ثم جويرية, ثم زينب بنت جحش, ثم زينب بنت خزيمة, ثم ريحانة النضرية, ثم أم حبيبة, ثم صفية, ثم ميمونة رضي الله عنهن.


#193#

هكذا ذكر فيهن ريحانة, وهي مختلف فيها, هل كان صلى الله عليه وسلم يطؤها بملك اليمين أو كانت زوجة؟ سيأتي الخلاف في ذلك قريباً إن شاء الله تعالى, [و] في ترتيبهن غير ما ذكر فيما جاء عن الزهري وغيره.


#194#

&[قسمه صلى الله عليه وسلم بين نسائه رضي الله عنهن]&

وأما قسمه صلى الله عليه وسلم بين نسائه رضي الله عنهن فكان يقسم لكل امرأة منهن يومها وليلتها, غير سودة, فإنها وهبت يومها وليلتها لعائشة رضي الله عنها كما قدمناه.

وقد خرج مسلم في "صحيحه" من حديث ابن جريج, أخبرني عطاء قال: حضرنا مع ابن عباس جنازة ميمونة رضي الله عنهم زوج النبي صلى الله عليه وسلم [بسرف] فقال ابن عباس رضي الله عنهما: هذه زوجة النبي صلى الله عليه وسلم, فإذا رفعتم نعشها فلا تزعزعوها ولا تزلزلوا وارفقوا, فإنه كان عند النبي صلى الله عليه وسلم تسع فكان يقسم لثمان ولا يقسم لواحدة, قال عطاء: التي لا يقسم لها صفية بنت حيي بن أخطب.

وخرجه البخاري, لكن لم يذكر قول عطاء في آخره وتركه – والله أعلم – لما فيه من الوهم, وإنما التي كان لا يقسم لها سودة؛ لأنها وهبت يومها لعائشة رضي الله عنهما, وصفية إنما وهبت لعائشة رضي الله عنها يوماً واحداً من أيامها لترضي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم, ففعلت، فقسم النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة يومها ويوم صفية رضي الله عنهما كما قدمناه من رواية الطبراني في "معجمه الأوسط" ولعل الوهم من هنا حصل, والله أعلم.


#195#

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا إسماعيل بن إبراهيم, عن أيوب, [عن أبي] قلابة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يقسم بين نسائه فيعدل, ثم يقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك» يعني: الحب بالقلب.

وهذا منقطع سقط منه عبد الله بن يزيد رضيع عائشة رضي الله عنها.

خرجه موصولاً أبو داود فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد, عن أيوب, عن أبي قلابة, عن عبد الله بن يزيد الخطمي, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم فيعدل ويقول: «اللهم هذا قسمي فيما أملك, فلا تلمني فيما تملك ولا أملك».


#196#

قال أبو داود: يعني القلب.

تابعه أبو بكر بن أبي خيثمة فرواه في "التاريخ" عن أبي سلمة, حدثنا حماد. فذكره متصلاً.

وقال ابن أبي مليكة: سألت عنها عائشة رضي الله عنها عن قسمة النبي صلى الله عليه وسلم لأمي ولده فقالت: كان يقسم لهما مرة ويدعهما مرة, فإذا قسم أضعف قسمنا, فلإحداهن يوم ولنا يومان.

أما ولده اللتان لم يسميا في هذا الأثر هما: ريحانة ومارية رضي الله عنهما.

أما الأولى فهي ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة.

هكذا نسبها يزيد بن الهاد, عن ثعلب بن أبي مالك, وكذلك نسبها الزهري وعمر بن الحكم وابن سعد وزاد بعد خنافة: ابن شمعون بن زيد. وقال أبو عبيدة: ريحانة بنت زيد بن شمعون من بني النضير. وجاء عن قتادة عكسه: ريحانة بنت شمعون بن زيد بن خنافة من بني عمرو بن قريظة. ذكر غير واحد أن أباها هو شمعون, وكان أحد موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقيل في أبيها: شمغون بالغين المعجمة.

وهي من بني النضير, كما قاله أبو عبيدة وغيره.


#197#

وكانت متزوجة رجلاً من بني قريظة, يقال له عبد الحكم, فنسبها بعض الرواة إلى بني قريظة لذلك. قاله ابن سعد وطائفة.

لكن ذكر قتادة أن زوجها عبد الحكم ابن عم لها فيما بلغه.

وممن قال هي قرظية: الزهري.

قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا الوليد بن شجاع, حدثني ابن وهب, أخبرني يونس بن يزيد, عن ابن شهاب قال: واستسر رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة من بني قريظة, ثم أعتقها فلحقت بأهلها.

وعلى هذا القول بأن ريحانة من بني قريظة جماعة من المتأخرين.

وقال يعقوب بن سفيان في "تاريخه": ريحانة بنت شمعون من أهل الكتاب من بني خنافة, وهم بطن من بني قريظة.

وقال أبو عمر بن عبد البر: الأكثر أنها من بني قريظة.

وقال أبو عبيدة: وقال بعضهم: ربيحة القرظية إحدى نساء بني خنافة وكانت تكون في نخله بالعالية, وكان يقيل عندها أحيانا إذا


#198#

ما جاء النخل, وزعموا أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأه وجعه الذي توفي فيه عندها, سباها في شوال سنة أربع.

والذي أبهمه أبو عبيدة بقوله: (وقال بعضهم) هو قتادة, والله أعلم.

قال ابن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا أحمد بن المقدام, حدثنا زهير بن العلاء, حدثنا سعيد, عن قتادة, قال: وكانت ربيحة القرظية, وقال بعضهم: ريحانة وكانت تكون في نخل بالعالية, وكان يقيل عندها أحياناً إذا أتي النخل.

وزعم بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتدأه وجعه الذي توفي فيه عندهم.

وقد اختلفت الرواية هل كانت زوجة كأمهات المؤمنين أو ملك يمين كمارية؟ فروي عن ثعلبة بن أبي مالك القرظي المدني إمام بني قريظة وأبي حفص عمر بن الحكم بن رافع الأنصاري ومحمد بن كعب القرظي والمطلب بن عبد الله بن حنطب والزهري والواقدي وكاتبه محمد بن سعد وطائفة من المتأخرين أن ريحانة كانت زوجة.

قال الواقدي: وهو أثبت الأقاويل عندنا, وهو الأمر عند أهل العلم, وقد سمعت من يروي أنها كانت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتقها, وكان يطؤها بملك اليمين حتى ماتت رحمها الله تعالى. انتهى.

وقيل فيها قول ثالث, وقد تقدم عن الزهري أن النبي صلى الله عليه وسلم تسرى بها, ثم أعتقها فلحقت بأهلها والقائلون بزوجيتها مختلفون؛ منهم من قال:


#199#

إنها لم تزل عنده صلى الله عليه وسلم حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع, ومنهم من قال: طلقها ثم راجعها, ومنهم من قال: طلقها ولم يراجعها, فكانت في أهلها, وتقول: لا يراني أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال الواقدي فيما رواه عنه كاتبه في "الطبقات": حدثنا عاصم بن عبد [الله بن] الحكم, عن عمر بن الحكم قال: أعتق رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة بنت زيد بن عمرو بن خنافة, فكانت عند زوج لها محباً لها مكرماً فقالت: لا أستخلف بعده أبداً, وكانت ذات جمال, فلما سبيت بنو قريظة عرض السبي على رسول الله صلى الله عليه وسلم فكنت فيمن عرض عليه، فأمر بي فعزلت, وكان يكون له صفي من كل غنيمة, فلما عزلت خار الله لي, فأرسل بي إلى منزل أم المنذر بنت قيس أياماً حتى قتل الأسرى وفرق السبي, ثم دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فتجنبت منه حياء فدعاني فأجلسني بين يديه وقال: «إن اخترت الله ورسوله اختارك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه» فقلت: فإني أختار الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم. فلما أسلمت أعتقني رسول الله صلى الله عليه وسلم وتزوجني وأصدقني اثنتي عشرة أوقية ونشا, كما كان يصدق نساءه، وأعرس بي في بيت أم المنذر، وكان يقسم لي كما كان يقسم لنسائه, وضرب علي الحجاب, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجباً بها, وكانت لا تسأله شيئا إلا أعطاها ذلك, ولقد قيل لها: لو كنت سألت رسول صلى الله عليه وسلم بني قريظة لأعتقهم, وكانت تقول: لم يخل بي حتى فرق السبي. ولقد كان يخلو بها ويستكثر منها, فلم


#200#

تزل عنده حتى ماتت مرجعه من حجة الوداع, فدفنها بالبقيع, وكان تزويجه إياها في المحرم سنة ست من الهجرة.

وقال أيضاً: حدثني صالح بن جعفر, عن محمد بن كعب قال: كانت ريحانة مما أفاء الله عليه, وكانت امرأة جميلة وسيمة، فلما قتل زوجها وقعت في السبي، وكانت صفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة، فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الإسلام وبين دينها, فاختارت الإسلام, فأعتقها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتزوجها وضرب عليها الحجاب, فغارت عليه غيرة شديدة, فطلقها تطليقة وهي في موضعها لم تبرح, فشق عليها، فأكثرت البكاء, فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي على تلك الحال فراجعها, وكانت عنده حتى ماتت عنده قبل أن يتوفى صلى الله عليه وسلم.

وقال أيضاً: حدثني ابن أبي ذئب, عن الزهري قال: كانت ريحانة بنت زيد [بن] عمرو بن خنافة قرظية, وكانت من ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم بيمينه فأعتقها ثم تزوجها ثم طلقها وكانت في أهلها, وتقول: لا يراني أحد بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

في هذا الحديث وهل من وجهين: هي نضرية, وتوفيت عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, قاله الواقدي.

وقال أبو معشر: ريحانة بنت عبد الله بن خندف القرظية, سباها


#201#

رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم بني قريظة فأعتقها وتزوجها, وكانت قبل عند رجل من قومها, فبنى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فلما أصبحت قالت: يا رسول الله, إن بي بياضاً قدر درهم تحت مئزري, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلا أخبرتيني قبل؟» قالت: أحببت مسك وبركتك وقد أخبرتك. فدعا لها بخير وطلقها, فلبثت أربعة أشهر, فماتت فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فصلى عليها ودفنها رضي الله عنها.

وقال كاتبه في "الطبقات": أخبرنا عبد الملك بن سليمان, عن أيوب بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة, عن أيوب بن بشير المعاوي قال: لما سبيت قريظة أرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بريحانة إلى بيت سلمى بنت قيس أم المنذر, فكانت عندها حتى حاضت, ثم طهرت من حيضها, فجاءت أم المنذر فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فجاءها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيت أم المنذر, وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أحببت أعتقتك وتزوجتك فعلت, وإن أحببت أن تكوني في ملكي» فقالت: يا رسول الله أكون في ملكك أخف علي وعليك, فكانت في ملك رسول الله صلى الله عليه وسلم يطؤها حتى ماتت.

وقال أيضاً: أخبرنا محمد بن عمر, حدثني عمر بن سلمة, عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي جهم قال: لما سبى رسول الله صلى الله عليه وسلم ريحانة, عرض عليها الإسلام فأبت, وقالت: أنا على دين قومي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أسلمت اختارك رسول الله صلى الله عليه وسلم لنفسه» فأبت, فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم, فبينا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في أصحابه إذ سمع خفق نعلين فقال:


#202#

«هذا ابن سعية يبشرني بإسلام ريحانة» فجاءه فأخبره أنها قد أسلمت, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يطؤها بالملك حتى توفي عنها صلى الله عليه وسلم.

قيل: ماتت ريحانة رضي الله عنها سنة ست عشرة وصلى عليها عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وأما الثانية فهي مارية بنت شمعون القبطية أم إبراهيم من أهل حفن من كورة أنصنا, وهي بضم الألف وسكون النون وكسر المهملة, ثم نون ثانية وألف, هكذا قيدها الملك المؤيد إسماعيل الملك الأفضل الأيوبي صاحب حماة في كتابه "نزهة الزمان" وضبطها غيره بفتح الهمزة أولها وبعضهم بكسرها والباقي سواء.

وهي بلدة قديمة من صعيد مصر الأوسط على شط النيل من البر الشرقي, ومنها جلب فرعون السحرة فيما ذكره الشريف الإدريسي في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق".

وبلغنا أن بحفن مسجداً بني بعد فتح مصر, بني على اسم مارية, ومارية أهداها إلى النبي صلى الله عليه وسلم عظيم القبط جريج بن مينا المقوقس صاحب الإسكندرية في جملة ما أهدى إليه مع حاطب بن أبي بلتعة ورجل آخر اسمه جبر بن عبد الله القبطي مولى أبي رهم الغفاري, وكان النبي


#203#

صلى الله عليه وسلم أرسل إليه حاطباً في ذي القعدة سنة ست, ومعه كتاب يدعوه إلى الإسلام.

حدث عبد الرحمن بن زيد بن أسلم, عن أبيه قال: حدثنا يحيى بن عبد الرحمن بن حاطب, عن أبيه, عن جده حاطب بن أبي بلتعة رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المقوقس ملك الإسكندرية فجئته بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فأنزلني في منزلة وأقمت عنده ليالي, ثم بعث إلي وقد جمع بطارقته فقال: إني سأكلمك بكلام أحب أن تفهم مني, قال: قلت: هلم, قال: أخبرني عن صاحبك, أليس هو نبي؟ قال: قلت: بلى هو رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: فما له حيث كان هكذا لم يدع على قومه حيث أخرجوه من بلدته إلى غيرها؟ فقلت له: فعيسى بن مريم أتشهد أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم. فقلت: فما له حيث أخذه قومه فأرادوا صلبه ألا يكون دعا عليهم بأن يهلكهم الله حتى رفعه الله إليه في سماء الدنيا؟! قال: أحسنت, إنه حكيم جاء من عند حكيم, هذه هدايا أبعث بها معك إلى محمد صلى الله عليه وسلم, وأرسل معك من يبلغك إلى مأمنك قال: فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث جوار منهن أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وأخرى وهبها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي جهم بن حذيفة العدوي, وأخرى وهبها لحسان بن ثابت, وأرسل إليه بثياب مع طرف من طرفهم.


#204#

وقال إبراهيم الحربي في كتاب "الهدايا": حدثنا محمد بن سهل, حدثنا أصبغ, عن ابن وهب, أخبرني يونس, عن ابن شهاب, أخبرني عبد الرحمن بن عبد القاري أن المقوقس أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع حاطب كسوة وحلة سيراء وجاريتين, فاتخذ إحداهما – أم إبراهيم – وأما الأخرى فوهبها لجهم بن قيس.

وقال الواقدي: حدثني يعقوب بن محمد بن أبي صعصعة, عن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة قال: بعث المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة سبع من الهجرة بمارية وبأختها سيرين, وألف مثقال ذهباً وعشرين ثوباً ليناً وبغلته الدلدل, وحماره عفير ويقال: يعفور, ومعهم خصي يقال له مأبور. شيخ كبير, فعرض حاطب بن أبي بلتعة على مارية الإسلام, ورغبها فيه, فأسلمت وأسلمت أختها, وأقام الخصي على دينه حتى أسلم بالمدينة بعد في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم معجباً بأم إبراهيم, وكانت بيضاء جميلة, فأنزلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في العالية الذي يقال لها اليوم: مشربة أم إبراهيم, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يختلف إليها هناك, وضرب عليها الحجاب, وكان يطؤها بملك اليمين, فلما حملت وضعت هناك وقبلتها سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاء أبو رافع زوج سلمى فبشر


#205#

رسول الله صلى الله عليه وسلم بإبراهيم, فوهب له عبداً, وذلك في ذي الحجة سنة ثمان, وتنافست الأنصار في إبراهيم وأحبوا أن يفرغوا مارية للنبي صلى الله عليه وسلم لما يعلمون من هواه فيها.

وقال أيضاً: حدثني موسى بن محمد بن عبد الرحمن بن حارثة بن النعمان, عن أبيه, [عن عمرة], عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما غرت على امرأة إلا دون ما غرت على مارية, وذلك أنها كانت جميلة من النساء جعدة وأعجب بها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكان أنزلها أول ما قدم بها في بيت لحارثة بن النعمان, فكانت جارتنا, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم عامة الليل والنهار عندها حتى قذعنا لها فجزعت فحولها إلى العالية, فكان ذلك أشد علينا, ثم رزق الله منها الولد وحرمنا منه.

توفيت مارية رضي الله عنها في المحرم سنة ست عشرة, وصلى عليها عمر رضي الله عنه ودفنت بالبقيع.


#206#

&[ولادة سيدنا إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم]&

وروى عمرو بن محمد العنقزي, حدثنا أبو بكر بن أبي سبرة, عن حُسَيْن بن عبد الله, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما ولدت أم إبراهيم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعتقها ولدها».

خرجه الدارقطني في "سننه" للعنقزي.

تابعه أبو عاصم الضحاك بن مخلد وعبد الحميد بن أبي أويس عن ابن أبي سبرة.

ورواه عبد الله بن سلمة بن أسلم, عن حُسَيْن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس بنحوه. ورواه سعيد بن زكريا المدائني, عن ابن أبي سارة, عن ابن أبي حُسَيْن, عن عكرمة.

وذكر الزبير بن بكار عن أشياخه: أن أم إبراهيم ولدته بالعالية, وعق عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبش يوم سابعه, وحلق رأسه, حلقه أبو هند, فتصدق بزنة شعره فضة على المساكين, وأمر بشعره فدفن في الأرض، وسماه يومئذ.


#207#

أبو هند هذا هو البياضي الحجام واسمه يسار, وقيل: سالم بن أبي سالم, وقيل: عبد الله بن هند.

وقول الزبير: "وسماه يومئذ" يعني يوم سابعه, فالحديث المشهور يرده من أنه سماه غداة, ولقد جاء من حديث أنس رضي الله عنه.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني محمد بن عبد الله, عن الزهري, عن عائشة رضي الله عنها قالت: لما ولد إبراهيم جاء به رسول الله صلى الله عليه وسلم إلي فقال: «انظري إلى شبهه بي» فقلت: ما أرى شبهاً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟» فقلت: إنه من قصر عليه اللقاح ابيض وسمن.

قال الواقدي: حدثني موسى بن محمد بن إبراهيم, عن أبيه قال: كان أبو بكر ينفق على مارية حتى توفي, ثم كان عمر ينفق عليها حتى توفيت في خلافته رضي الله عنهم.

وقال الواقدي أيضاً: توفيت مارية أم إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المحرم سنة ست عشرة من الهجرة, فرؤي عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجمع الناس لشهودها, وصلى عليها, وقبرها بالبقيع. انتهى.


#208#

$[وفاة سيدنا إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم]:$

وتوفي إبراهيم في السنة العاشرة من الهجرة وهو ابن ستة عشر شهراً.

قال محمد بن محمد بن سليمان الباغندي: حدثنا عبد الله بن عمر – يعني: ابن أبان بن صالح الجعفي – حدثنا معاوية بن هشام, حدثنا سفيان, عن فراس, عن الشعبي, عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستة عشر شهراً, فقال رسول الله صلى الله عله وسلم: «ادفنوه في البقيع, فإن له مرضعاً يتم رضاعه في الجنة».

وحدث به الباغندي أيضاً, عن أبي بكر وعثمان ابني أبي شيبة, عن معاوية بن هشام كذلك, وعن شيخه المذكور أولاً عن معاوية بن هشام, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن البراء بنحوه.

وقال الإمام أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا ابن نمير, أخبرنا الأعمش, عن مسلم بن صبيح, قال الأعمش: أراه عن البراء رضي الله عنه, قال: مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ستة عشر شهراً, فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يدفن في البقيع وقال: «إن له مرضعاً يرضعه في الجنة».

ورواه لابنه عبد الله في "كتاب العلل" أيضاً بها الإسناد.

وقال في "المسند" أيضاً: حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا سفيان عن


#209#

الأعمش, عن أبي الضحى, عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: توفي إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم ابن ستة عشر شهراً فقال: «ادفنوه بالبقيع, فإن له مرضعاً يتم رضاعه في الجنة».

وهذا أحد الأقوال في سن إبراهيم عليه السلام حين توفي.

وقيل: توفي وهو ابن ثمانية عشر شهراً, قاله الواقدي وغيره, وصححه ابن الجوزي.

حدث أبو داود في "سننه" عن محمد بن يحيى بن فارس, عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد, عن ابن إسحاق, حدثني عبد الله بن أبي بكر, عن عمرة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهراً فلم يصل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

[وقيل: توفي, وهو ابن سبعة عشر شهراً].

وقيل: [توفي] وهو ابن ستة عشر شهراً وثمانية أيام.

وقيل: توفي وهو ابن سنة وعشرة أشهر وستة أيام.

وكانت وفاته يوم الثلاثاء لعشر ليال خلون من شهر ربيع الأول, ذكره الواقدي. وكان ذلك في بني مازن عند ظئره أم بردة خولة بنت المنذر بن زيد بن لبيد من بني النجار, وقد تقدم ذكرها, وغسلته في


#210#

قول, وحمل من بيتها على سرير صغير – يأتي ذكره في حديث أبي جعفر محمد بن علي إن شاء الله تعالى – ودفن بالبقيع, ورش على قبره الماء, وقبره ظاهر مشهور يتبرك بزيارته إلى الآن.

قال الزبير بن بكار في كتابه "ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم": حدثني محمد بن حسن, عن محمد بن إسماعيل, عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب أن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم توفي فخرج به وخرج النبي صلى الله عليه وسلم يمشي أمام سريره, ثم جلس على قبره, ثم دلي في قبره, فلما رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم قد وضع في القبر دمعت عيناه, فلما رأى أصحابه ذلك بكوا حتى ارتفعت أصواتهم فأقبل عليه أبو بكر رضي الله عنه فقال: يا رسول الله تبكي وأنت تنهى عن البكاء؟! فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أبا بكر, تدمع العين ويوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب» قال: ثم دفن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هل من أحد يأتينا بماء نطهر به قبر إبراهيم» قال: فأتي بماء, فأمر به, فرش على قبر إبراهيم عليه السلام, ثم وضع يده اليمنى على قبره من عند رأسه, ثم قال: «ختمت عليك بالله من الشيطان الرجيم».

وبإسناده إلى عبد الله بن محمد بن عمر قال: عن أبيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رش على قبر إبراهيم ابنه, وكان أول من رش على قبره, وختم عليه بيديه, وقال عند رأسه: «السلام عليكم».


#211#

وهو في "المراسيل" لأبي داود, عن عبد العزيز بن محمد, عن عبد الله بن محمد – يعني ابن عمر, عن أبيه, بهذا.

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا محمد بن عمر, فحدثني أسامة بن زيد الليثي, عن المنذر بن عبيد, عن عبد الرحمن بن حسان بن ثابت, عن أمه سيرين قالت: حضرت موت إبراهيم عليه السلام فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم كلما صحت أنا وأختي ما ينهانا, فلما مات نهانا عن الصياح, وغسله الفضل بن عباس رضي الله عنهما ورسول الله صلى الله عليه وسلم والعباس جالسان, ثم حمل فرأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم على شفير القبر والعباس جالس إلى جنبه, ونزل في حفرته الفضل بن عباس وأسامة بن زيد وأنا أبكي عند قبره ما ينهاني أحد, وخسفت الشمس يومئذ, فقال الناس: لموت إبراهيم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنها لا تنخسف لموت أحد ولا لحياته» ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجة في اللبن, فأمر بها أن تسد, فقيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «أما إنها لا تضر ولا تنفع, ولكن تقر بعين الحي, وإن العبد إذا عمل عملاً أحب الله أن يتقنه».

وقال ابن سعد: أخبرنا وكيع بن الجراح, عن سفيان, عن برد, عن مكحول: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان على شفير قبر ابنه فرأى فرجة في اللحد, فناول الحفار مدرة وقال: «إنها لا تضر ولا تنفع, ولكن تقر عين الحي».


#212#

وقال: أخبرنا خالد بن مخلد البجلي, حدثني محمد بن موسى, أخبرني محمد بن عمر بن علي بن أبي طالب قال: أول من دفن بالبقيع عثمان بن مظعون, ثم أتبعه إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم أشار بيده يخبرني أن قبر إبراهيم إذا انتهيت إلى البقيع فجزت أقصى دار عن يسارك تحت الكبا الذي خلف الدار.

ومن أضعف ما قيل في سنه أنه توفي وهو ابن سبعين ليلة.

خرج أبو داود في "سننه" عن عطاء بن أبي رباح: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم وهو ابن سبعين ليلة.

هذا مرسل, وفيه تصريح بالصلاة عليه.

وكذلك ما خرجه البيهقي في "السنن الكبرى" من حديث إسرائيل, عن جابر, عن عامر, عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال [صلى رسول الله] صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم عليه السلام, ومات وهو ابن ستة عشر شهراً وقال: «إن له مرضعاً في الجنة يتم رضاعه, وهو صديق».

لكن في إسناده جابر الجعفي.

وخرج أبو داود في "المراسيل" فقال: حدثنا هناد بن السري وعثمان بن أبي شيبة, قالا: حدثنا محمد بن عبيد, عن واصل بن داود


#213#

سمعت البهي قال: لما مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم صلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم في المقاعد.

البهي تابعي, وهو أبو محمد عبد الله بن يسار مولى مصعب بن الزبير بن العوام القرشي, سمع ابن عمر وابن الزبير وعائشة.

وخرج البيهقي في "سننه الكبرى" من حديث ابن وهب, أخبرني سليمان بن بلال, عن جعفر بن محمد, عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى على ابنه إبراهيم حين مات.

ثم قال البيهقي: فهذه الآثار وإن كانت مراسيل, فهي مثل الموصول وبعضها يشد بعضاً وقد أثبتوا صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم على ابنه إبراهيم, وذلك أولى من رواية من روى أنه لم يصل عليه.

قلت: وخرج أبو الحسن الدارقطني في "الأفراد" من حديث أبي ميسرة أحمد بن عبد الله بن ميسرة الحراني, حدثنا أبو قتادة الحراني، عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على [ابنه] إبراهيم فكبر عليه أربعاً.

قال الدارقطني: هذا حديث غريب من حديث سعيد بن أبي عروبة,


#214#

عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه, تفرد به أبو قتادة الحراني عبد الله بن واقد عنه، ولا نعلم حدث به عنه غير أبي ميسرة. انتهى.

ورواه عبد الله بن نمير, عن عطاء, عن أنس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كبر على ابنه إبراهيم أربعاً.

وعطاء هذا هو ابن عجلان وليس بابن السائب؛ لأن ابن نمير لم يرو عن ابن السائب ولم يسمع منه.

وأما رواية من روى: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ولده [إبراهيم] فقد خرجها أبو داود بإسناد فيه ابن إسحاق, عن عائشة رضي الله عنها قالت: مات إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم وهو ابن ثمانية عشر شهراً فلم يصل عليه النبي صلى الله عليه وسلم.


#215#

وقال الإمام أحمد في كتاب "العلل": حدثنا حجاج بن محمد الترمذي, عن ابن جريج, أخبرني أبو جعفر محمد بن علي: أن إبراهيم ابن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات حمل إلى قبره على منسج الفرس.

وحدث به أبو داود في "المراسيل" عن أحمد.

"منسج الفرس": ما بين مغرز العنق إلى منقطع الحارك في الصلب, وقيل فيه: (منسج) كالآلة التي يمد عليها الثوب للنسج.

وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما مات إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن له مرضعاً في الجنة يتم رضاعه, ولو عاش لكان صديقاً نبياً, ولو عاش لأعتقت أخواله من القبط».

علقه البيهقي في "الدلائل" وهو آخر حديث في الكتاب.

وقال أحمد بن حنبل: حدثنا وكيع, عن إسماعيل بن أبي خالد, سمعت ابن أبي أوفى رضي الله عنهما يقول: لو كان بعد النبي صلى الله عليه وسلم نبي ما مات ابنه.


#216#

وفي "صحيح مسلم" من حديث إسماعيل بن علية, عن أيوب, عن عمرو بن سعيد, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ما رأيت أحداً كان أرحم بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كان إبراهيم مسترضعاً في عوالي المدينة، فكان ينطلق ونحن معه فيدخل البيت وإنه ليدخن, وكان ظئره قيناً فيأخذه فيقبله ثم يرجع, قال عمرو: فلما توفي إبراهيم عليه السلام قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن إبراهيم ابني, وإنه مات في الثدي, وإن له لظئرين تكملان رضاعه في الجنة».

$[ذكر امرأة ثانية تسمى مارية]:$

وذكر محمد بن أحمد بن سيد الناس في كتابه "بيع أمهات الأولاد" فيمن ذكر بخدمة النبي صلى الله عليه وسلم يذكر مولويته, [وقرئ احتمال المولوية] فيه, قال: ومارية القبطية جدة المثنى بن صالح.

روى أبو بكر بن عياش, عن المثنى بن صالح, عن جدته مارية القبطية قالت: صافحت رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم أر كفاً ألين من كفه صلى الله عليه وسلم.

ولم أر أحداً نسب مارية هذه قبطية سوى ابن سيد الناس.


#217#

ورواية أبي بكر بن عياش التي وقعت لي ليس فيها القبطية, وهي من طريق أبي يعقوب يوسف بن يعقوب الصفار, حدثنا أبو بكر بن عياش, عن المثنى بن صالح, عن جدته مارية وكانت خادم النبي صلى الله عليه وسلم قالت: ما رأيت ألين كفاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال يوسف: فذكرته لأحمد بن حميد, وكان ثقة, فذكر عن أبي بكر, عن المثنى بن صالح, عن جدته أنها صافحت النبي صلى الله عليه وسلم .... فذكر بنحوه.

ومن طريق محمد بن عبد الله بن رسته, حدثنا سليمان أبو أيوب, حدثنا أبو بكر بن عياش, حدثني والله محمد, عن المثنى بن صالح سمعت جدتي مارية, وكانت خادمة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أخذت بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فما رأيت ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم.

$[ذكر امرأة ثالثة تسمى مارية]:$

وثم مارية ثالثة.

قال أبو عبد الله محمد بن منده في كتابه "معرفة الصحابة": مارية جارية النبي صلى الله عليه وسلم روى حديثها محمد بن حمران, عن عبد الله بن حبيب, عن أم سليمان, عن أمها, ثم روى من طريق معلى بن أسد, ثنا محمد بن حمران, حدثنا عبد الله بن حبيب, عن أم


#218#

سليمان, عن أمها, عن جدتها مارية قالت: تطأطأت للنبي صلى الله عليه وسلم حتى صعد حائطاً ليلة فر من المشركين.

وخرجه أبو نعيم في "الحلية" ولفظه عن مارية قالت: تطأطأت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين صعد حائطاً فرمى المشركين.

وهذا اللفظ أشبه.

ترجم أبو نعيم على هذه فقال: ومنهن خادمة الرسول مارية المجاهدة المطأطئة.

وقد جاء أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم سريتان غير ما تقدم.

قال أبو عبيدة: كان له أربع – يعني من السراري -: مارية, وريحانة, وأخرى جميلة أصابها في السبي, وجارية وهبتها له زينب, بنت جحش. انتهى.

قلت: [هذه] الجارية التي وهبتها زينب, جاءت قصتها فيما علقه الحافظ أبو عبد الله الذهبي في كتابه "تاريخ الإسلام" في ترجمة صفية بنت حيي: فقال: وقال ثابت البناني: حدثتني سمية – أو سمسية – عن صفية بنت حيي أن النبي صلى الله عليه وسلم حج بنسائه, فبرك بصفية جملها, فبكت،


#219#

وجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم لما أخبروه, فجعل يمسح دموعها بيده, وهي تبكي, وهو ينهاها, فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس, فلما كان عند الرواح قال لزينب بنت جحش: «أفقري أختك جملاً» وكانت من أكثرهن ظهراً, فقالت: أنا أفقر بيهوديتك, فغضب صلى الله عليه وسلم, فلم يكلمها حتى رجع إلى المدينة, ومحرماً وصفراً, فلم يأتها ولم يقسم لها ويئست منه, فلما كان ربيع الأول دخل عليها, فلما رأته قالت: يا رسول الله ما أصنع؟ قال: وكانت لها جارية تخبئها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: فلانة لك, قالت فمشى النبي صلى الله عليه وسلم إلى سرير, وكان قد رفع, فوضعه بيده ورضي عن أهله.

فهذا ما يسر الله به من ذكر نساء النبي صلى الله عليه وسلم وإمائه اللاتي دخل بهن.


#220#

&[إماؤه صلى الله عليه وسلم الخادمات]&

ومن المعدودات في إمائه صلى الله عليه وسلم:

أميمة, روى عنها جبير بن نفير الحضرمي حديثها عند الشاميين, وهو ما رواه عيسى بن يونس والفضل بن موسى – واللفظ [له] – عن أبي فروة – يزيد بن سنان – عن أبي يحيى – سليم بن عامر – عن جبير بن نفير, عن أميمة مولاة النبي صلى الله عليه وسلم قالت: كنت أوضئ رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً, فأتاه رجل, فقال: أوصني, فقال: «لا تشرك بالله شيئاً, وإن قطعت أو حرقت بالنار, ولا تدعن صلاة متعمداً؛ فمن تركها فقد برئت منه ذمة الله وذمة رسوله, ولا تشربن خمراً؛ فإنه رأس كل خطيئة, ولا تعص والديك, وإن أمراك أن تخلى من أهلك ودنياك».

وبركة أم أيمن, وقد تقدم ذكر نسبها وشيء من ترجمتها عند ذكر وفاة عبد الله والد النبي صلى الله عليه وسلم.

وبهية: ذكرها أبو حاتم محمد بن حبان في الصحابيات من كتاب "الثقات" فقال: وبهية مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم انتهى.

وخضرة: ذكرها الواقدي وأبو العباس المستغفري في الصحابيات.


#221#

وقيل: إنها من الخادمات الحرائر.

حدث معاوية بن هشام, عن سفيان, عن جعفر بن محمد, عن أبيه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم خادم يقال لها: خضرة وربيحة.

وقيل: هي سريته ريحانة التي تقدم ذكرها.

ورضوى: ذكرها الواقدي.

وفي حديث يأتي [بكماله] إن شاء الله تعالى فيه عن ابن عباس رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما كان له.

وجارية اسمها روضة.

وسارية, لها حديث [في اللقطة, روى عنها طارق بن عبد الرحمن.

وسلمى أم رافع مولاة صفية بنت عبد المطلب], يقال لها: مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهي قابلة إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانت قابلة بني فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد قدمنا [عن الواقدي] أنها كانت تقبل خديجة رضي الله عنها في أولادها, وشهدت [سلمى] خيبر مع النبي صلى الله عليه وسلم, ولها عنه رواية.

وسيرين القبطية أخت مارية, أهداهما جميعاً المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فوهب سيرين لحسان بن ثابت الأنصاري فأولدها عبد الرحمن.


#222#

وصفية, روت عنها أمة الله بنت رزينة في الكسوف, ذكرها ابن سيد الناس محمد بن أحمد فيمن ذكر بخدمته النبي صلى الله عليه وسلم.

ورزينة المذكورة هي خادمة النبي صلى الله عليه وسلم.

روى الحارث بن أبي أسامة, حدثنا عبد العزيز بن أبان, عن عليلة بنت الكميت الأزدية قالت: حدثتني أمي, عن أمة الله, عن رزينة خادمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعو مراضيعه ومراضيع فاطمة عليها السلام يوم عاشوراء, فينفث في أفواههم ويقول: «لا تسقوهم شيئاً إلى الليل».

تابعه مسلم بن إبراهيم, فقال: حدثتنا عليلة بنت الكميت العتكية سمعت أمي أمينة أنها أتت واسط زمن الحجاج تطلب عطاءه, قالت: فلقيت ثم مولاة لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقال لها: أمة الله, بعث إليها الحجاج فجي بها قالت: وكانت أمها خادماً لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقال لها: رزينة, قالت أمينة: قلت لأمة الله: أسمعت أمك تذكر في صوم عاشوراء شيئاً؟ قالت: نعم, حدثتني أمي رزينة أنها سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يعظمه


#223#

حتى إن كان ليدعو بصبيانه ... وذكر الحديث بنحوه.

وفيه ما يشعر أن رزينة من المواليات, والله تعالى أعلم.

وقيصر, أخت مارية وسيرين المذكورتين قبل.

وميمونة بنت سعد, روى عنها أبو يزيد أيوب بن خالد الضني.

قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا أبو نعيم, حدثنا إسرائيل, عن زيد بن جبير, عن أبي يزيد الضني, عن ميمونة بنت سعد مولاة النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن رجل قبل امرأته وهما صائمان, قال: «أفطرا».

تابعه الإمام أحمد, فرواه عن أبي نعيم.

ورواه ابن ماجه عن أبي بكر ابن أبي شيبة, عن الفضل بن دكين بنحوه.


#224#

وقال البخاري عن هذا الحديث: هذا لا أحدث به, هذا حديث منكر, وأبو يزيد رجل مجهول.

ولميمونة هذه: حديث آخر في "سنن أبي داود" و "ابن ماجه", وحديث ثالث في "سنن النسائي" و "ابن ماجه".

وقيل في نسبها: ميمونة بنت سعيد. وذكر ابن عبد البر أنها من الخادمات.

وفي "جامع الترمذي" ما يدل على ذلك, والله أعلم.

وميمونة بنت أبي عنبسة روت عن النبي صلى الله عليه وسلم في الدعاء, حديثها عند عثمان بن سعيد الهروي قال: حدثنا منتجع بن مصعب بن الحكم العبدي, حدثتنا ربيعة بنت مرثد وكانت تنزل بني قريع, حدثتني منية, عن ميمونة بنت أبي عنبسة مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن امرأة من جرش أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم على بعير, فنادت: يا عائشة أعينيني بدعوة رسول


#225#

الله صلى الله عليه وسلم تسكنيني أو تطمنيني بها, وإنه قال لها: «ضعي يدك اليمنى على فؤادك فامسحيه, وقولي: بسم الله اللهم داوني بدوائك, واشفني بشفائك, وأغنني بفضلك عمن سواك» قال ربيعة: فدعوت به فوجدته جيداً. وأظن أن ربيعة قالت: كانت غيراء.

وميمونة: أخرى ثالثة, روى عنها القاسم بن عبد الرحمن وغيره, حديثها عند أهل الشام في فضل بيت المقدس وغيره, ذكر هذه واللتين قبلها: وأن كلا منهن مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم, أبو عمر ابن عبد البر وغيره.

وأم ضميرة.

وأم عياش, وقيل بالموحدة والسين المهملة, هي مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما ذكره بعضهم, والمشهور أنها مولاة ابنته رقية, كانت أمة لها, روى عنها عنبسة بن سعيد.

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا فائد مولى عبد الله, عن عبد الله بن علي بن أبي رافع, عن جدته سلمى قالت: كان خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وخضرة ورضوى وميمونة بنت سعد, أعتقهن رسول الله صلى الله عليه وسلم كلهن.


#226#

وقال القاسم بن ثابت في "الدلائل": وأخبرنا الخفاف عبد الله بن أحمد بن عبد السلام إملاء, حدثنا أبو الدرداء, حدثنا هارون بن عمر المخزومي أبو عمرو, حدثنا كثير بن هشام, عن عبد الملك بن عمير قال: كان اسم غلام رسول الله صلى الله عليه وسلم أنجشة, واسم جاريته بريرة ... وذكر بقيته.

والمشهور أن بريرة جارية زوجته عائشة رضي الله عنها.


#227#

&[النساء اللاتي تزوجهن صلى الله عليه وسلم ثم فارقهن قبل الدخول أو بعده أو خطبهن ولم يعقد عليهن أو عرضن أنفسهن عليه فقبل بعضهن ورد بعضهن]&

ويروى أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج نسوة غير من ذكرنا, ودخل بهن ثم فارقهن.

قال يوسف بن قزاغلي سبط ابن الجوزي: وقال بعضهم: تزوج صلى الله عليه وسلم بعد عائشة غزية بنت دودان ودخل بها ثم طلقها.

وهذا الذي نقله السبط لا يثبت.

وقال جده ابن الجوزي: وقال بعضهم: مكثت عنده العالية زماناً, ثم طلقها.

وهذا أيضاً لا يثبت.

والعالية: هي الكلابية بنت ظبيان من بني أبي بكر بن كلاب, وسنذكرها قريباً إن شاء الله تعالى.

وروي عن عمرو بن شعيب, عن أبيه, عن جده قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل بفاطمة بنت الضحاك, ولكنه لما خير نساءه اختارت قومها ففارقها, رواه الواقدي: حدثنا عبد الله بن سليمان, عن عمرو بن شعيب ... فذكره بنحوه.


#228#

وهذا لا يصح أيضاً, وإنما فارقها قبل الدخول بها لسبب سنذكره بعد إن شاء الله تعالى.

وقال ابن الجوزي في ترجمة مليكة بنت كعب الليثية: وقال بعضهم: دخل بها فماتت عنده.

وهذا واه أيضا.

ورواه الواقدي عن عبد العزيز الجندعي, عن أبيه, عن عطاء بن يزيد الجندعي قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم مليكة بنت كعب الليثية في شهر رمضان سنة ثمان, ودخل بها فماتت عنده.

قال الواقدي: وأصحابنا ينكرون ذلك ويقولون: لم يتزوج صلى الله عليه وسلم كتابية قط.

وأما من تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها, ومن خطبها فلم يتزوجها, ومن وهبت له نفسها, ومن عرضت عليه فأباها فنيف وثلاثون امرأة, على خلاف في بعضهن, والله أعلم.

قال أبو عبد الله ابن القيم: وأهل العلم بالسيرة وأحواله صلى الله عليه وسلم لا يعرفون هذا, بل ينكرونه, ذكر أنهن نحو أربع أو خمس.


#229#

وفيما قاله ابن القيم نظر, فقد وقع لنا عدة كثيرة منهن:

فمنهن الكلابية: تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة سنة ثمان منصرفه من الجعرانة, وتوفيت سنة ست وخمسين, فيما ذكره الواقدي.

وقيل: توفيت سنة ستين.

وطلقها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الدخول [بها] لما رأى بها بياضاً.

قاله موسى بن سعيد, وابن أبي عون.

وقيل: خيرها فاختارت نفسها فذهبت, وكانت بدوية. قاله الزهري وغيره.

وقال ربيعة بن أبي عبد الرحمن: فكانت البتة.

واسمها عمرة بنت يزيد الكلابية، اختارت الفراق فابتلاها الله بالجنون.

وقيل: إن أباها تركها ترعى غنما له فصارت إحداهن، فلم يعلم أمرها إلى اليوم.

وقيل: هي المستعيذة منه.

روي عن عائشة والزهري وسعيد بن أبي هند، وقيل: كانت إذا خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم تطلعت إلى أهل المسجد, فأخبر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم


#230#

[أزواجه] وأرينه إياها وهي تطلع, ففارقها.

رواه يزيد بن الهاد, عن ثعلبة بن أبي مالك, عن حُسَيْن بن علي قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من بني عامر, وكان إذا خرج تطلعت .... وذكره.

وفي اسم الكلابية هذه اختلاف, فقيل: عمرة بنت يزيد بن عبيد بن رواسي بن كلاب بن ربيعة بن عامر.

وقيل: هند بنت يزيد بن عبيد.

وقيل: فاطمة بنت الضحاك بن سفيان الكلابي.

وقيل: العالية بنت ظبيان بن عمرو بن عوف بن كعب بن عبد بن أبي بكر [بن] كلاب.

وقيل: سنا بنت سفيان بن عوف بن كعب بن عبد بن أبي بكر بن كلاب.

قال ابن الجوزي حين ذكر نحو ما ذكرناه: وهذا الاختلاف في اسمها ونسبها, وهي واحدة.


#231#

وقال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": وقال بعضهم: لم تكن إلا كلابية واحدة, واختلفوا في اسمها, وقال بعضهم: بل كن جميعاً, ولكل واحدة منهن قصة غير قصة صاحبتها. انتهى.

وممن تزوجها صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها أسماء بنت النعمان بن أبي الجون ابن أبي الأسود بن الحارث بن شراحيل بن الجون بن آكل المرار الكندية الجونية.

وقيل في نسبها واسمها غير ذلك.

تزوجها صلى الله عليه وسلم في شهر ربيع الأول سنة سبع من الهجرة.

وقيل: سنة تسع.

وتوفيت سنة ستين.

وقيل: في خلافة عثمان [بن عفان] رضي الله عنه بنجد, والله أعلم.

وقيل: إن الجونية هذه هي أسماء بنت كعب.

واختلفوا في سبب فراقها: فقال قتادة: لما دخل صلى الله عليه وسلم عليها دعاها


#232#

فقالت: تعال أنت. فطلقها.

وقال أبو معشر: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان بن الجون من بني آكل المرار بن كندة فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: تعال, قالت: أنا من نسوة نؤتى ولا نأتي, فقام إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ بيدها, فقالت: ملكة تحت سوقة! فغضب رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك وقال: «لو رضيك الله [لي] لأسكتك» فطلقها وردها إلى قومها.

وذكر ابن وهب, عن يونس, عن ابن شهاب أنه قال: وفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم أخت بني الجون من أجل بياض كان لها.

وتابع ابن شهاب غيره على ذلك.

وقال آخرون: فارقها النبي صلى الله عليه وسلم لما استعاذت منه.

قال الواقدي: حدثنا محمد بن يعقوب بن عتبة, عن عبد الواحد بن أبي عون الدوسي قال: قدم النعمان بن [أبي] الجون الكندي, وكان ينزل وبنو أبيه نجداً مما يلي الشربة, فقدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلماً, فقال: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أزوجك أجمل أيم في العرب كانت تحت ابن عم لها فتوفي عنها فتأيمت, وقد رغبت فيك وخطبت إليك,


#233#

فتزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم على اثنتي عشرة أوقية ونش, فقال: يا رسول الله لا تقصر بها في المهر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما أصدقت أحداً من نسائي فوق هذا, ولا أصدق أحداً من بناتي فوق هذا» فقال النعمان: ففيك الأسى, قال: فابعث يا رسول الله إلى أهلك من يحملهم إليك، فأنا خارج مع رسولك فمرسل أهلك معه, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أبا أسيد الساعدي, فلما قدما عليها جلست في بيتها وأذنت له أن يدخل, فقال أبو أسيد: إن نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يراهن أحد من الرجال. فقال أبو أسيد: وذلك بعد أن نزل الحجاب, فأرسلت إليه فيسرني لأمري, قال: حجاب بينك وبين من تكلمين من الرجال إلا إذا حرم منك, ففعلت, قال أبو أسيد: فأقمت ثلاثة أيام, ثم تحملت معي على جمل ظعينة في محفة, فأقبلت بها حتى قدمت المدينة, فأنزلتها في بني ساعدة, فدخل عليها نساء الحي, فرحبن بها وسهلن, وخرجن من عندها فذكرن من جمالها, وشاع بالمدينة قدومها, قال أبو أسيد: ووجهت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في بني عمرو بن عوف فأخبرته, ودخل عليها داخل من النساء قد بين لها لما بلغهن من جمالها, وكانت من أجمل النساء, فقالت: إنك من الملوك, فإن كنت تريدين تحظين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا جاءك فاستعيذي منه تحظين عنده ويرغب فيك.

قال الواقدي: فحدثني موسى بن عبيدة, عن عمر بن الحكم, عن أبي أسيد الساعدي قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الجونية فحملتها, وكانوا يكونون بناحية نجد, حتى نزلت بها في أطم بني ساعدة, ثم


#234#

جئت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته بها, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على رجليه حتى جاءها, فأقعى على ركبتيه ثم أهوى إليها ليقبلها, وكذلك كان صلى الله عليه وسلم يصنع إذا اجتلى النساء, فقالت: أعوذ بالله منك, فانحرف رسول الله صلى الله عليه وسلم عنها وقال: «لقد استعذت معاذاً» ووثب عنها, وأمرني فرددتها إلى قومها.

تابعه محمد بن الزبرقان, عن موسى بن عبيدة مثله.

ورواه محمد بن سنان القزاز فقال: حدثنا أبو عاصم, عن موسى بن عبيدة, حدثني عمر بن الحكم عن أسيد بن أبي أسيد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بلجون, قال: فبعثني, فجئتها فأنزلتها بالشعب من وراء الزناب في أجم ... وذكر بقيته.

والمشهور أنه من مسند أبي أسيد, والله أعلم.

وروى الواقدي, عن الأوزاعي قال: سألت الزهري: أي أزواج النبي صلى الله عليه وسلم التي استعاذت منه؟ قال: أخبرني عروة عن عائشة: أن ابنة الجون الكلابية لما دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فدنا منها قالت: أعوذ بالله منك. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عذت بعظيم, الحقي بأهلك».


#235#

وخرج ابن ماجه في "سننه" من حديث عبيد بن القاسم, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن عمرة بنت الجون تعوذت من رسول الله صلى الله عليه وسلم حين أدخلت عليه .... الحديث.

وصحح البيهقي أن المستعيذة منه صلى الله عليه وسلم هي أميمة بنت النعمان بن شراحيل.

وقد ثبت من حديث عباس بن سهل بن سعد عن أبيه وأبي أسيد، قالا: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أميمة بنت شراحيل, فلما أدخلت عليه بسط يده إليها, فكأنها كرهت ذلك, فأمر أبا أسيد أن يجهزها ويكسوها ثوبين رازقيين.

رواه الحُسَيْن بن وليد النيسابوري الفقيه, عن عبد الرحمن بن الغسيل, عن عباس بن سهل, عن أبيه وأبي أسيد.

ورواه إبراهيم بن أبي الوزير عمر بن مطرف المكي, عن عبد الرحمن بن الغسيل, عن حمزة بن أبي أسيد, عن أبيه, وعن عباس بن سهل بن سعد عن أبيه.

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا عبد الرحمن بن غسيل, عن


#236#

حمزة بن أبي أسيد, عن أبي أسيد رضي الله عنه قال: خرجنا مع النبي صلى الله عليه وسلم حتى انطلقنا إلى حائط يقال له: الشوط, حتى انتهينا إلى حائطين جلسنا بينهما, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اجلسوا ههنا» ودخل وقد أتي بالجونية, فأنزلت في بيت [في نخل في بيت] أميمة بنت النعمان بن شراحيل ومعها دايتها حاضنة لها, فلما دخل عليها النبي صلى الله عليه وسلم قال: «هبي نفسك لي» قالت: وهل تهب الملكة نفسها للسوقة؟ قال: فأهوى صلى الله عليه وسلم بيده يضع يده عليها لتسكن فقالت: أعوذ بالله منك, قال: «قد عذت بمعاذ», ثم خرج علينا فقال: «يا أبا أسيد اكسها رازقيين وألحقها بأهلها».

وقال هشام بن محمد بن السائب الكلبي: حدثني ابن الغسيل, عن حمزة بن أبي أسيد الساعدي, عن أبيه – وكان بدرياً – قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم أسماء بنت النعمان الجونية, فأرسلني فجئت بها, فقالت حفصة لعائشة أو عائشة لحفصة: احضنيها أنت وأنا أمشطها, ففعلنا, ثم قالت لها إحداهما: إن النبي صلى الله عليه وسلم يعجبه من المرأة إذا دخلت عليه أن تقول: أعوذ بالله منك, فلما دخلت عليه وأغلق الباب وأرخى الستر مد يده إليها فقالت: أعوذ بالله منك. فقال صلى الله عليه وسلم بكمه على وجهه, فاستتر به وقال: «عذت معاذاً» ثلاث مرات.

قال أبو أسيد: ثم خرج علي فقال: «يا أبا أسيد ألحقها بأهلها ومتعها برازقيين» فكانت تقول: ادعوني الشقية.


#237#

قال [الواقدي]: فحدثني سليمان بن الحارث, عن عباس بن سهل, سمعت أبا أسيد الساعدي يقول: لما طلعت بها على الصريم تصايحوا وقالوا: إنك لغير مباركة, فقالت: خدعت فقيل لي كيت وكيت – الذي قيل لها – فقال أهلها: لقد جعلتينا في العرب شهرة, فبادرت أبا أسيد الساعدي فقالت: قد كان ما كان, فالذي أصنع ما هو؟ قال: أقيمي في بيتك واحتجبي إلا من ذي محرم ولا يطمع فيك طامع بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنك من أمهات المؤمنين, فأقامت لا يطمع فيها طامع ولا ترى إلا لذي محرم حتى توفيت في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه عند أهلها بنجد.

وروى هشام بن محمد بن السائب الكلبي, عن أبيه, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خلف على أسماء بنت النعمان المهاجر بن أبي أمية بن المغيرة, فأراد عمر أن يعاقبها فقالت: والله ما ضرب علي الحجاب, ولا سميت بأم المؤمنين.

وهذا لا يثبت, وبعضهم ينكر تزويج النبي صلى الله عليه وسلم بها أصلاً.

ومنهن قتيلة بنت قيس بن معدي كرب بن معاوية بن جبلة بن


#238#

عدي بن ربيعة بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن كندة, أخت الأشعث بن قيس, زوجه إياها أخوها الأشعث.

حدث هشام بن محمد بن الكلبي, عن أبيه, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لما استعاذت أسماء بنت النعمان من النبي صلى الله عليه وسلم خرج والغضب يعرف في وجه, فقال له الأشعث بن قيس: يا رسول الله, ألا أزوجك من ليس دونها في الجمال والحسن؟ قال: أختي قتيلة. قال: «قد تزوجتها» قال: فانصرف الأشعث إلى حضرموت, ثم حملها حتى إذا فصل من اليمن بلغه وفاة النبي صلى الله عليه وسلم فردها إلى بلاده, وارتد وارتدت معه فيمن ارتد, فلذلك تزوجت لفساد النكاح بالارتداد, وكان تزوجها قيس بن مكشوح المرادي.

وقال محمد بن الوليد البسري: حدثنا عبد الوهاب, حدثنا داود بن أبي هند, عن عامر أن نبي صلى الله عليه وسلم ملك بنت الأشعث قتيلة فتزوجها عكرمة بن أبي جعل بعد ذلك, فشق على أبي بكر رضي الله عنه مشقة شديدة, فقال له عمر رضي الله عنه: يا خليفة رسول الله إنها ليست من نسائه, ولم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يحجبها, وقد برأه الله منها بالردة التي ارتدت مع قومها. فاطمأن أبو بكر رضي الله عنه, وسكن.

وربما يستدل بهذا من قال بجواز نكاح التي فارقها النبي صلى الله عليه وسلم في حياته


#239#

ولم يدخل بها, وهو أحد الأوجه الثلاثة المحكية عن أصحاب الشافعي.

ونقل عن الشيخ أبي حامد أحمد بن محمد بن أحمد الإسفراييني الإمام الجليل أنه ذكر أن هذا الوجه هو الصحيح, لكن الذي رجحه الإمام أبو زكريا النووي رحمه الله وحكي عن نص الشافعي رضي الله عنه أنها محرمة على غير النبي صلى الله عليه وسلم أبداً كالتي دخل بها وتوفي عنها, وذلك لقول الله عز وجل: {وأزواجه أمهاتهم} .

والوجه الثالث: لا تحرم؛ لإعراض النبي صلى الله عليه وسلم عنها.

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: ثم تزوج حين قدم وفد كندة عليه قتيلة بنت قيس أخت الأشعث بن قيس في سنة عشر, ثم اشتكى في النصف من صفر, ثم قبض صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ليومين مضيا من شهر ربيع الأول, ولم تكن قدمت عليه ولا دخل بها وقت تزويجه إياها, فزعم قوم أنه تزوجها قبل وفاته بشهرين, وزعم آخرون أنه تزوجها في مرضه. وزعم بعضهم أنه أوصى بقتيلة أن تخير إن شاءت أن يضرب عليها الحجاب وتحرم على المؤمنين ويجري عليها ما يجري على أمهات المؤمنين, وإن شاءت فلتنكح من شاءت, فاختارت النكاح, فتزوجها عكرمة بن أبي جهل بحضرموت، فبلغ ذلك أبا بكر رضي الله عنه فقال: لقد هممت أن أحرق عليهما. فقال عمر رضي الله عنه: ما هي من أمهات المؤمنين, ما دخل بها النبي صلى الله عليه وسلم ولا ضرب عليها حجاباً.

وذكر بعضهم: أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص فيها بشيء وإنما ارتدت, فاحتج عمر على أبي بكر رضي الله عنهما في مقالته أنها ليست من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم بارتدادها, فلم تلد لعكرمة إلا مختلاً.


#240#

قول أبي عبيدة: "وذكر بعضهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يوص فيها بشيء" رواه أبو زرعة عبد الرحمن بن عمرو الدمشقي فقال: حدثنا سعيد بن سليمان, عن عباد بن العوام, عن داود بن أبي هند, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج قتيلة, فارتدت مع قومها, ولم يخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجبها, فبرأه الله منها.

قال الواقدي: حدثني ابن أبي الزناد وأبو الحصيب, عن هشام بن عروة, عن أبيه: أنه كان ينكر ذلك ويقول: لم يتزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم قتيلة بنت قيس, ولا تزوج كندية إلا أخت بني الجون ملكها وأتي بها فلما نظر إليها طلقها ولم يبن بها.

وذكر ابن منده أن التي ارتدت هي البرصاء من بني عوف بن سعد بن ذبيان.

وقد روي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه هم برجم امرأة فارقها رسول الله صلى الله عليه وسلم فنكحت بعده, فقالت له: وما ضرب علي رسول الله صلى الله عليه وسلم حجاباً ولا دعيت أم المؤمنين, فكف عنها.

ذكره القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن العربي في كتابه "أحكام القرآن" وقال فيه في قوله تعالى: {وأزواجه أمهاتهم} اختلف الناس هل هن أمهات الرجال والنساء, أم هن أمهات الرجال خاصة؟ علي قولين, فقيل: ذلك عام في الرجال والنساء, وقيل: هو خاص للرجال.


#241#

ثم قال: وقد روي أن امرأة قالت لعائشة رضي الله عنها: "يا أماه" فقالت: لست لك بأم, إنما أنا أم رجالكم.

قال ابن العربي: وهو الصحيح. انتهى.

وهذا الحديث رواه أبو نعيم الفضل بن دكين فقال: حدثنا سفيان، عن فراس, عن الشعبي, عن مسروق قال: قالت امرأة لعائشة رضي الله عنها: يا أمه, قالت: إني لست بأمك, إنما أنا أم رجالكم.

- وخولة: ويقال خويلة بنت الهذيل بن هبيرة بن قبيصة بن الحارث التغلبية.

قال هشام بن محمد الكلبي: حدثني الشرقي بن القطامي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج خولة بنت الهذيل فهلكت في الطريق قبل أن تصل إليه, وكانت ربتها خالتها خرنق بنت خليفة أخت دحية بن خليفة.

وروى المفضل الغلابي: عن علي بن صالح, عن علي بن مجاهد قال: نكح رسول الله صلى الله عليه وسلم خولة بنت الهذيل التغلبية, فحملت إليه من الشام, فماتت في الطريق, فنكح خالتها شراف بنت فضالة, فماتت في الطريق أيضاً.

هكذا قال: "شراف بنت فضالة", وإنما هي بنت خليفة, والله أعلم.

وهي شراف بنت خليفة بن فروة بن فضالة بن زيد بن امرئ القيس بن


#242#

الخزرج الكلبي, أخت دحية, تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها.

قاله الطبراني.

وقال هشام بن الكلبي: حدثنا الشرقي بن القطامي قال: لما هلكت خولة بنت الهذيل تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم شراف بنت خليفة أخت دحية, ثم لم يدخل بها.

وقال الواقدي: حدثني الثوري, عن جابر, عن عبد الرحمن بن سابط قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من كلب, فبعث عائشة تنظر إليها فذهبت ثم رجعت, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما رأيت؟" فقالت: ما رأيت طائلاً, [فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لقد رأيت طائلاً] لقد رأيت خالاً بخدها اقشعرت كل شعرة منك» فقالت: يا رسول الله ما دونك سر.

ورواه محمد بن عبد الله الحضرمي الحافظ مطين, عن عبد الرحمن بن الفضل بن الموفق, حدثنا أبي, حدثنا سفيان الثوري, عن جابر, عن ابن أبي مليكة قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من بني كلب ... وذكره مختصرا.

ورواه الرقاشي فقال: حدثنا أبو حذيفة, حدثنا سفيان الثوري, عن جابر الجعفي, عن ابن سابط, عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب


#243#

امرأة من كلب, فبعث عائشة تنظر إليها, فقال لها: «كيف رأيت؟» قالت ما رأيت طائلاً, فقال لها: «لقد رأيت طائلا، ورأيت خالاً بخدها اقشعرت كل شعرة منك على حدة) فقالت: ما دونك سر.

ورواه عبد الله ابن الإمام أحمد في "العلل" فقال: قرأت على أبي: وكيع, حدثنا سفيان, عن رجل أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث عائشة إلى امرأة ... الحديث.

وقال أيضاً: قرأت علي أبي: ابن مهدي, عن سفيان, عن جابر, عن ابن سابط قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من كلب, فأرسل عائشة ... فذكر نحوه.

وقال أبو نعيم الحافظ: حدثنا محمد بن معمر الذهلي, حدثنا محمد بن أحمد بن داود المؤدب البغدادي, حدثنا محمد بن يحيى بن فياض الرماني, حدثني أبي يحيى بن فياض, حدثنا سفيان, حدثني جابر, عن ابن سابط, عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم أرسل عائشة إلى امرأة فقالت: ما رأيت طائلاً, فقال: «لقد رأيت خالاً بخدها اقشعرت ذؤابتك» فقالت: ما دونك سر, من يستطيع أن يكتمك؟

خرجه الحافظ أبو بكر الخطيب البغدادي في "تاريخه" عن أبي نعيم في ترجمة المؤدب هذا.

وخرجه أبو حفص عمر بن شاهين في كتابه "دلائل النبوة" من طريق زهير بن عباد, حدثنا مصعب – يعني ابن ماهان – عن سفيان, وهو


#244#

الثوري, عن جابر, وهو ابن يزيد الجعفي ... فذكره.

وحدث به أيضاً من طريق محمد بن يوسف الفريابي, عن سفيان لكنه لم يذكر عائشة, كنحو رواية ابن مهدي التي قدمناها.

وقال ابن شاهين في أواخر الكتاب: حدثنا محمد بن مخلد بن حفص, حدثنا أبو عون محمد بن عمرو – يعني: ابن عون – حدثنا إسماعيل بن زرارة, حدثنا إسماعيل بن مسلم السكري, حدثنا هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم لأخطب عليه امرأة, قالت: فذهبت, فرأيت أمراً عظيماً من جمال, فرجعت إليه فقال: «ما رأيت يا عائشة؟» قالت: قلت: يا رسول الله ما رأيت طائلاً. قالت: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فقد أخذت في معاريض القول, لقد رأيت بخدها الأيمن خالاً قامت كل شعرة منك على حيالها».

و (سبا) بالمهملة بعدها موحدة, وقيل بالنون مكان الموحدة. وذكر أبو عمر ابن عبد البر أنه أولى بالصواب إن شاء الله.

وقيل: أسماء بنت الصلت.

وقيل: سنا بنت أسماء بن الصلت السلمية.

وقال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": وقال أبو عبيدة: وزعم حفص ابن النضر السلمي, وعبد القاهر بن السري السلمي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج


#245#

سنا بنت أسماء بن الصلت السلمية, فماتت قبل أن يدخل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

كذا قالا, وخالفهما قتادة.

قال قتادة: وتزوج [رسول الله صلى الله عليه وسلم] أنساً بنت أسماء بن الصلت من بني حرام من بني سليم.

وقال أبو عمر بن عبد البر: وقال علي بن عبد العزيز بن علي بن الحسن الجرجاني النسابة: هي وسناء بنت الصلت بن حبيب بن حارثة بن هلال بن حرام بن سمال بن عوف بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم – وهو ابن منصور – بن عكرمة بن خصفة بن قيس غيلان بن مضر السلمية.

قال هشام بن محمد بن الكلبي: حدثني رجل من رهط عبد الله بن حازم السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج سنا بنت الصلت بن حبيب السلمية, فماتت قبل أن يصل إليها.

وقيل: لما علمت أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوجها ماتت من الفرح.


#246#

وقيل: سنا هذه هي التي عرضها أبوها على النبي صلى الله عليه وسلم, وقال في وصفها: لا والله ما أصابها مرض قط, فلم يردها النبي صلى الله عليه وسلم, وستأتي القصة إن شاء الله تعالى.

وليلى بنت الخطيم بن عدي بن عمرو بن سواد بن ظفر بن الحارث بن الخزرج بن عمرو بن مالك بن الأوس الأنصارية.

أخت قيس بن الخطيم الشاعر, لا يعرف له إسلام.

وهبت ليلى نفسها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها, وكانت غيوراً فاستقالته فأقالها.

قال أبو عمر بن عبد البر: ذكرها أحمد بن صالح المصري في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكرها غيره فيما علمت. انتهى.

قلت: ذكرها غيره, قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": وقال الأثرم – يعني علي بن المغيرة – عن غير أبي عبيدة قال: أقبلت ليلى بنت الخطيم بن عدي بن عوف بن سواد بن ظفر بن الحارث بن الخزرج بن عمرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو مول ظهره الشمس, فضربت على منكبه, قال: «من هذه؟» قالت: أنا بنت مباري الريح, أنا ليلى بنت الخطيم, جئتك أعرض عليك نفسي فتزوجني, قال: «قد فعلت», فرجعت إلى قومها فقالت: تزوجني رسول الله صلى الله عليه وسلم, قالوا: بئس ما صنعت, أنت


#247#

امرأة غيراء والنبي صلى الله عليه وسلم صاحب نساء, استقيليه نفسك, فرجعت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: أقلني, فقال: «قد أقلتك».

وقال الواقدي: حدثنا محمد بن صالح بن دينار, عن عاصم بن عمر بن قتادة, قال: كانت ليلى بنت الخطيم وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم, فقبلها, وكانت تركب بعولتها ركوباً منكراً, وكانت سيئة الخلق, فقالت: لا والله لأجعلن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يتزوج في هذا الحي من الأنصار, والله لآتينه ولأهبن نفسي له, فأتت النبي صلى الله عليه وسلم وهو قائم مع رجل من أصحابه, فما راعه إلا بها واضعة يديها عليه, فقال: «من هذا أكله الأسود؟» فقالت: أنا ليلى بنت سيد قومها, قد وهبت نفسي لك. قال: «قد قبلتك ارجعي حتى يأتيك أمري», فأتت قومها فقالوا: أنت امرأة ليس لك صبر على الضرائر, وقد أحل الله لرسوله صلى الله عليه وسلم أن ينكح ما شاء, فرجعت, فقالت: إن الله قد أحل لك النساء وأنا امرأة طويلة اللسان, لا صبر لي على الضرائر, واستقالته فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قد أقلتك».

وعمرة بنت معاوية الكندية, ذكرها غير واحد هكذا.


#248#

وقد قدمنا بإسناد الواقدي عن عروة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يتزوج كندية إلا أخت بني الجون, والله أعلم.

وجاء عن الشعبي: تزوج النبي صلى الله عليه وسلم امرأة من كندة, فجئ بها بعدما مات.

والغفارية التي رأى بكشحها وضحاً, سماها سيف بن عمر الأسيدي: عمرة بنت يزيد, وقال: لما أدخلت عليه وجردها للباه رأى بها وضحاً فردها, وقد وجب لها المهر, وحرمت على من بعده.

وقال أبو حاتم الرازي: حدثنا عبد الله بن صالح بن مسلم, حدثنا محمد بن عمر العطار, عن جميل بن زيد, [عن سعد بن زيد] الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من غفار, ودخل بها فلما نزع ثيابها أبصر بها بياضاً من برص عند ثديها, فاماز رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: «خذي ثيابك والحقي بأهلك» وأكمل لها الصداق.

ورواه يحيى بن يحيى, أخبرنا محمد بن جابر, عن جميل بن زيد, عن زيد بن كعب قال: تزوج رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة من غفار, فأهديت إليه، فرأى بكشحها وضحاً من بياض, قال: «ضمي إليك ثيابك والحقي بأهلك» وألحق بها مهرها.


#249#

زيد بن كعب وسعد بن زيد: هما واحد, وقيل فيه أيضاً: كعب بن زيد.

وقد تقدم أن الكلابية رأى بها بياضاً فطلقها قبل الدخول. والله أعلم.

وقال أبو عمر بن عبد البر: أم شريك بنت جابر الغفارية, ذكرها أحمد بن صالح المصري في أزواج النبي صلى الله عليه وسلم هكذا. انتهى.

وقال الواقدي: حدثني عبد الله بن جعفر, عن يزيد بن بكر؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج ابنة جندب بن ضمرة الجندعي.

قال الواقدي: وأصحابنا ينكرون ذلك.

وذكر سيف بن عمر في كتابه "الفتوح" من النساء التي دخل بهن: الشنباء [قال]: فإنها لما أدخلت عليه لم تكن باليسيرة, [لما أدخلت عليه] فانتظر بها اليسر.

وذكر أيضاً: الشاة بنت رفاعة.

قال: وبنو رفاعة هؤلاء من بني كلاب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة.


#250#

وقال: وأما الشاة حين خير صلى الله عليه وسلم نساءه بين الدنيا والآخرة فاختارت أن تزوج بعده, فطلقها. انتهى.


#251#

&[من خطبهن صلى الله عليه وسلم ولم يعقد عليهن]&

وأما من خطبهن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يعقد عليهن فجماعة منهن:

$أم هانئ بنت أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وسلم, واسمها فاختة.$

وقيل: هند, وقيل: جمانة, كما قدمناه في ذكر أعمام النبي صلى الله عليه وسلم. وقال ابن سعد: وكان هشام بن الكلبي يقول: اسمها هند, وفاختة عندنا أكثر, وأمها فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف.

قال ابن سعد في "الطبقات الكبرى": أخبرنا عبد الله بن نمير، حدثنا إسماعيل بن أبي خالد, عن عامر قال: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم أم هانئ, فقالت: يا رسول الله, لأنت أحب إلي من سمعي وبصري, وحق الزوج عظيم, فأخشى إن أقبلت على زوجي أن أضيع بعض شأني وولدي, وإن أقبلت على ولدي أن أضيع حق الزوج, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن خير نساء ركبن الإبل: نساء قريش, أحناه على ولد في صغره, وأرعاه على بعل في ذات يده».


#252#

وقال الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك": أخبرنا أبو العباس المحبوبي, حدثنا سعيد بن مسعود, حدثنا عبيد الله بن موسي, عن إسرائيل, عن الشعبي, عن أبي صالح, عن أم هانئ رضي الله عنها قالت: خطبني رسول الله صلى الله عليه وسلم فاعتذرت إليه, فعذرني, ثم أنزل الله عز وجل {يأيها النبي إنا أحللنا لك أزواجك اللاتي ءاتيت أجورهن}, إلى قوله: {اللاتي هاجرن معك} قالت: فلم أحل له, لم أهاجر معه, كنت من الطلقاء.

وقال الحسين بن الفرج: حدثنا محمد بن عمر – يعني: الواقدي – قال: وفيما ذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب إلى عمه أبي طالب أم هانئ قبل أن يوحى إليه وخطبها معه هبيرة بن أبي وهب, ثم زوجها [هبيرة], فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «يا عم, زوجت هبيرة وتركتني؟» فقال: يا ابن أخي أنا صاهرت إليهم, والكريم يكافئ الكريم, ثم أسلمت ففرق الإسلام بينها وبين هبيرة, فخطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى نفسها, فقالت: والله إن كنت لأحبك في الجاهلية, فكيف في الإسلام؟.

هكذا في هذه الرواية.

وحدث به هشام بن محمد بن السائب الكلبي, عن أبيه, عن أبي


#253#

صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب ابنته أم هانئ في الجاهلية ... وذكره, وزاد بعد قولها: فكيف في الإسلام؟ قالت: ولكني امرأة مصبية, وأكره أن يؤذوك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير نساء ركبن المطايا: نساء قريش, أحناه على ولد في صغره, وأرعاه على زوج في ذات يده».

وحكى هذه القصة كنحو رواية الواقدي: علي بن المغيرة الأثرم صاحب أبي عبيدة, عن غير أبي عبيدة, فيما ذكره أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه" فقال: وقال الأثرم عن غير أبي عبيدة: وخطب النبي صلى الله عليه وسلم إلى أبي طالب ابنته هند, وهي أم هانئ في الجاهلية .... وذكر القصة.

$وضباعة بنت عامر بن قرط بن سلمة بن قشير بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة العامرية.$

قال هشام بن الكلبي, عن أبيه, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت ضباعة بنت عامر عند هوذة بن علي الحنفي, فهلك


#254#

عنها فورثته مالاً كثيراً, فتزوجها عبد الله بن جدعان التيمي, وكان لا يولد له فسألته الطلاق فطلقها, فتزوجها هشام بن المغيرة, فولدت له سلمة, فكان من خيار المسلمين, فتوفي عنها هشام, وكانت من أجمل نساء العرب وأعظمه خلقاً, وكانت إذا جلست أخذت من الأرض شيئاً كثيراً, وكانت تغطي جسدها بشعرها, فذكر جمالها للنبي صلى الله عليه وسلم فخطبها إلى ابنها سلمة بن هشام بن المغيرة فقال: حتى أستأمرها. وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم: إنها قد كبرت, فأتاها ابنها فقال لها: إن النبي صلى الله عليه وسلم خطبك إلي، فقالت: ما قلت له؟ قال: قلت حتى أستأمرها. فقالت: وفي النبي صلى الله عليه وسلم يستأمر, ارجع فزوجه, فرجع إلى النبي صلى الله عليه وسلم فسكت عنه.

وذكر محمد بن حبيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب ضباعة هذه فذكرن له عنها كبرها, فتركها, فقيل: إنها ماتت كمداً وحزناً.

وضباعة هذه فيما قيل: هي التي وضعت ثيابها إلا درعاً مفرجاً عليها, وطافت بالبيت وهي تقول:

اليوم يبدو بعضه أو كله ... وما بدا منه فلا أحله


#255#

$وحبيبة بنت سهل بن شعبة الأنصارية النجارية.$

عزم النبي صلى الله عليه وسلم على أن يتزوجها ثم تركها, فتزوجها ثابت بن قيس بن شماس.

ذكره غير واحد, منهم أبو عبيدة معمر بن المثنى بنحوه فقال: وذكر


#256#

عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي, سمعت يحيى بن سعيد يقول: أخبرتني عمرة أن حبيبة.. فذكره.

وحبيبة هذه هي المختلعة من ثابت التي قال النبي صلى الله عليه وسلم لزوجها: «خذ منها الحديقة وطلقها تطليقة», كذا سماها غير واحد.

وخرج الدارقطني في "سننه" من حديث يوسف بن سعيد, حدثنا حجاج عن ابن جريج, أخبرني أبو الزبير أن ثابت بن قيس بن شماس كانت عنده زينب بنت عبد الله بن أبي بن سلول, وكان أصدقها حديقة فكرهته فقال النبي صلى الله عليه: «أتردين عليه حديقته التي أعطاك؟» قالت: نعم, وزيادة. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أما الزيادة فلا, ولكن حديقته؟» قالت: نعم. فأخذها له وخلى سبيلها, فلما بلغ ذلك ثابت بن قيس قال: [قد] قبلت قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم.

سمعه أبو الزبير من غير واحد.


#257#

وقيل: إن المختلعة من ثابت جميلة بنت أبي بن سلول, وصحح القول الأول من الثلاثة.

$وصفية بنت بشامة بن نضلة أخت الأعور بن بشامة العنبري.$

قال هشام بن الكلبي, عن أبيه, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خطب النبي صلى الله عليه وسلم صفية بنت بشامة بن نضلة العنبري, وكان أصابها سباء, فخيرها رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إن شئت أنا, وإن شئت زوجك» قالت: بل زوجي, فأرسلها, فلعنتها بنو تميم.

وذكر الطبراني نحوه.

$وجمرة بنت الحارث بن عوف المزني.$

وقيل: بنت الحارث بن عوف بن مرة بن عوف بن سعد بن ذبيان.

وقيل: أمامة بنت الحارث بن عوف بن أبي حارثة بن مرة الغطفاني.

كان أحد رؤوس الأحزاب أبوها ثم أسلم, وكان سيداً في قومه, فخطبها النبي صلى الله عليه وسلم, فقال الحارث أبوها, وكان أعرابياً جافياً سيداً في قومه: إن بها بياضاً – والعرب تكني عن البياض بالبرص – فقال


#258#

رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليكن كذلك» فبرصت من وقتها, فتزوجها ابن عمها يزيد بن جمرة بن عوف بن أبي حارثة فولدت له شبيباً الشاعر المعروف بابن البرصاء, عرف بها.

$وسودة القرشية خطبها رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانت مصبية فقالت: أخاف أن تضغوا صبيتي عند رأسك, فجهزها ودعا لها.$

قال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا أبو النضر, حدثنا عبد الحميد, حدثنا شهر, حدثني عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب امرأة من قومه يقال لها: سودة, وكانت مصبية, كان لها خمس صبية أو ستة من بعل لها مات, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يمنعك مني؟» قالت: والله يا نبي الله ما يمنعني منك أن لا تكون أحب البرية إلي, ولكني أكرمك أن تضغوا هؤلاء الصبية عند رأسك بكرة وعشياً. قال: «فهل منعك مني شيء [عظيم] غير ذلك؟» قالت: لا والله, قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يرحمك الله, إن خير نساء ركبن أعجاز الإبل: صالح نساء قريش, أحناه على ولد في صغره, وأرعاه عل بعل بذات يد» .... الحديث.


#259#

$وأم حبيب, ويقال أم حبيبة - والأول أكثر - بنت العباس بن عبد المطلب. أمها أم الفضل لبابة الكبرى بنت الحارث بن حزن.$

ذكر بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها فوجد أباها العباس أخاه من الرضاعة, أرضعتها أمة اسمها ثويبة, كانت لأبي صيفي بن هاشم, وهذا وهم؛ لأن ثويبة إنما أرضعت حمزة لا العباس كما قدمناه, وهي مولاة لأبي لهب, وقد تقدم ذكرها في فصل الرضاع من الكتاب.

وذكر أبو عمر بن عبد البر في كتابه "الاستيعاب" في ترجمة أم حبيب أنها مذكورة في حديث أم الفضل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو بلغت أم حبيبة بنت العباس وأنا حي لتزوجتها» وتزوجها الأسود بن سفيان بن عبد الأسد بن هلال بن عبد الله بن عمر بن مخزوم.

وما ذكره ابن عبد البر حدث به يونس بن بكير في "المغازي" عن ابن إسحاق, حدثني الحُسَيْن بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أم حبيب ابنة عباس بن عبد المطلب وهي تدب بين يديه, فقال صلى الله عليه وسلم: «لئن بلغت هذه وأنا حي لأتزوجنها» فقبض النبي صلى الله عليه وسلم قبل [أن] تبلغ, فتزوجها الأسود أخو أبي سلمة, فولدت له رزق بن الأسود, ولبابة ابنة الأسود، سماها بأمها أم الفضل كان اسمها لبابة.


#260#

وامرأة غير مسماة قال مجاهد: خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة فقالت: حتى أستأمر أبي. فلقيت أباها, فأذن لها, فلقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قد التحفنا لحافاً غيرك».

$وممن وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم أم شريك:$

حدث النسائي عن محمد بن عبد الله المخرمي, عن يونس بن محمد, عن حماد بن سلمة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن أم شريك رضي الله عنها: أنها كانت فيمن وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.

أم شريك هذه اسمها: غزية بنت دودان بن عوف بن عمرو بن عامر بن رواحة بن حجر – ويقال: حجير – بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي القرشية العامرية.

وقيل: هي بنت عوف بن جابر بن ضباب بن حجير بن عبد بن معيص.

وقيل: هي غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية من الأزد فيما ذكره الواقدي.

وقيل في اسمها: غزيلة.

لكن الذي رجحه أبو عمر بن عبد البر: أن غزيلة هي أم شريك


#261#

الأنصارية الآتي ذكرها إن شاء الله تعالى. وقال: هي غير أم شريك العامرية, وإحداهما التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم.

قلت: جزم بأن التي وهبت نفسها العامرية جماعة منهم الأمير أبو نصر بن ماكولا.

قيل: وفيها نزلت هذه الآية: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي} .

وقد جاءت رواية: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبلها ودخل بها.

وذلك فيما رواه محمد بن مروان السدي الصغير, عن محمد بن السائب الكلبي, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: وقع في قلب أم شريك الإسلام فأسلمت وهي بمكة, وهي إحدى نساء قريش, ثم إحدى بني عامر بن لؤي, وكانت تحت أبي العكر الدوسي, فأسلمت ثم جعلت تدخل على نساء قريش سراً فتدعوهن وترغبهن في الإسلام, حتى ظهر أمرها لأهل مكة فأخذوها, وقالوا: لولا قومك لفعلنا وفعلنا, ولكنا نسير بك إليهم, قالت: فحملوني على بعير ليس تحتي شيء يوطأ ولا غيره, ثم تركوني ثلاثاً


#262#

لا يطعموني ولا يسقوني. قالت: فما أتت علي ثلاث حتى ما في الأرض شيء أسمعه. قالت: فنزلوا منزلاً وكانوا إذا نزلوا منزلاً أوثقوني في الشمس واستظلوا هم منها, وحبسوا عني الطعام والشراب, فلا تزال تلك حالتي حتى يرتحلوا. قالت: فبينما هم قد نزلوا منزلاً وأوثقوني في الشمس واستظلوا منها إذا أنا بأبرد شيء على صدري, فتناولته فإذا هو دلو من ماء فشربت منه قليلاً, ثم نزع مني فرفع, ثم عاد فتناولته فشربت منه, ثم رفع, ثم عاد أيضاً, فتناولته فشربت منه قليلاً, ثم رفع, قالت: فصنع بي مراراً, ثم نزل فشربت حتى رويت, ثم أفضت سائره على جسدي وثيابي, فلما استيقظوا إذا هم بأثر الماء ورأوني حسنة الهيئة قالوا لي: أتحللت فأخذت سقانا فشربت منه؟ قالت: لا والله ما فعلت ذلك، ولكنه كان من الأمر كذا وكذا, قالوا: لئن كنت صادقة فيما قلت لدينك خير من ديننا, فلما نظروا إلى أسقيتهم وجدوها كما تركوها فأسلموا عند ذلك, وأقبلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فوهبت نفسها له بغير مهر, فقبلها ودخل عليها.

هكذا جاء في هذه الرواية.

ورواه أبو جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة, حدثنا المنجاب, أخبرنا إبراهيم بن يوسف, حدثنا زياد, حدثني بعض أصحابنا, عن الكلبي, عن أبي صالح, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أخبرتني أم شريك


#263#

ابنة جابر رضي الله عنهما قالت: أسلم أبو العكر رضي الله عنه فهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاءني أهله فقالوا: لعلك على دينه؟ قالت: فقلت: إي والله إني لعلى دينه, فقالوا: لا جرم, والله ليخزينك الله, قالت: فوجدوا لبعض ما يرحلوني فيه, فحملوني على جمل ثفال ما يطعموني ولا يسقوني, فإذا انتصف النهار نزلوا, فضربوا أخبيتهم, وطرحوني في الشمس حتى ذهب عقلي وسمعي وبصري, قالت: حتى إذا كان اليوم الثالث انتصاف النهار وأنا بذلك الجهد إذ وجدت برد دلو على صدري فأخذته فشربت منه نفساً .... وذكر بقيته بنحو ما تقدم.

وقال الواقدي: حدثني الوليد بن مسلم, عن منير بن عبيد الله الدوسي قال: أسلم زوج أم شريك (وفي غزية بنت جابر بن حكيم الدوسية من الأزد – وهو أبو العكر – فهاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم) مع أبي هريرة, ومع دوس حين هاجروا, قالت أم شريك: فجاءني أهل أبي العكر فقالوا: لعلك على دينه؟ فقلت: إي والله إني لعلى دينه. قالوا: لا جرم, والله لنعذبنك عذاباً شديداً, فارتحلوا بنا من دارنا ونحن كنا بذي الخلصة, وهو موضعنا, فساروا يريدون منزلاً, وحملوني على جمل ثفال شر ركابهم وأغلظه, يطعموني الخبز


#264#

بالعسل, ولا يسقونني قطرة من ماء, حتى إذا انتصف النهار وسخنت الشمس ونحن قائظون, فنزلوا, فضربوا أخبيتهم وتركوني في الشمس حتى ذهب عقلي وسمعي وبصري, ففعلوا ذلك بي ثلاثة أيام, فقالوا لي في اليوم الثالث: اتركي ما أنت عليه, قالت: فما دريت ما يقولون إلا الكلمة بعد الكلمة, فأشير بإصبعي إلى السماء بالتوحيد, قالت: فوالله إني لعلى ذلك, وقد بلغني الجهد, إذ وجدت برد دلو على صدري، فأخذته فشربت منه نفساً واحداً, ثم انتزع مني, فذهبت أنظر فإذا هو معلق بين السماء والأرض فلم أقدر عليه, ثم دلي إلي ثانية, فشربت منه نفساً, ثم رفع, فذهبت أنظر, فإذا هو بين السماء والأرض, ثم دلي إلي الثالثة فشربت منه حتى رويت فأهرقت على رأسي ووجهي وثيابي.

قالت: فخرجوا فنظروا, فقالوا: من أين لك هذا يا عدوة الله؟ فقلت لهم: إن عدوة الله غيري, من خالف دينه, فأما قولكم: من أين هذا؟ فمن عند الله, رزقاً رزقنيه الله عز وجل, قالت: فانطلقوا سراعاً إلى قربهم وأدواتهم فوجدوها موكأة لم تحل, فقالوا: نشهد أن ربك هو ربنا, وأن الذي رزقك ما رزقك في هذا الموضع بعد أن فعلنا بك ما فعلنا هو الذي شرع الإسلام.

فأسلموا وهاجروا جميعاً إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وكانوا يعرفون فضلي عليهم وما صنع الله إلي وهي التي وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم, وهي من الأزد, فعرضت نفسها على النبي صلى الله عليه وسلم, وكانت جميلة, وقد أسنت


#265#

فقالت: إني أهب لك نفسي وأتصدق بها عليك, فقبلها النبي صلى الله عليه وسلم, فقالت عائشة رضي الله عنها: ما في امرأة حين تهب نفسها لرجل خير, قالت أم شريك: فأنا تلك, فسماها الله عز وجل مؤمنة, فقال تعالى: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي} فلما نزلت هذه الآية قالت عائشة: إن الله ليسرع لك في هواك.

وقال محمد بن إبراهيم التيمي: كانت أم شريك امرأة من بني عامر بن لؤي معتصبة, وإنها وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فلم يقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلم تتزوج حتى ماتت.

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع, حدثنا زكريا, عن عامر: قوله تعالى: ({ترجي من تشاء وتؤتي إليك من تشاء} قال: كن نساء وهبن أنفسهن للنبي صلى الله عليه وسلم, فدخل ببعضهن وأرجأ بعضهن، لم يتزوجن بعده, منهن أم شريك الدوسية.

وقال أيضاً: حدثنا وكيع, عن شريك, عن جابر, عن الحكم, عن علي بن الحُسَيْن أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم شريك الدوسية.

رواهما عبد الله بن الإمام أحمد عن أبيه في "كتاب العلل".

وقد جاءت قصة هجرة أم شريك الدوسية إلى النبي صلى الله عليه وسلم على غير ما رواها الواقدي, حدث بها أحمد بن عبد الجبار العطاردي, حدثنا يونس بن بكير, عن عبد الأعلى بن أبي المساور القرشي, عن


#266#

محمد بن عمرو بن عطاء, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانت امرأة من دوس يقال لها: أم شريك, أسلمت في رمضان, فأقبلت تطلب من يصحبها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلقيت رجلاً من اليهود, فقال: مالك يا أم شريك؟ قالت: أطلب رجلاً يصحبني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, قال: فتعالي أصحبك, قالت: فانتظرني حتى أملأ سقائي ماء, قال: معي ماء لا تريدين ماء, فانطلقت معهم فساروا يومهم حتى أمسوا, فنزل اليهودي ووضع سفرته فتعشى وقال: يا أم شريك, تعالي إلى العشاء, فقالت: اسقني من الماء فإني عطشى ولا أستطيع أن آكل حتى أشرب, فقال: لا أسقيك حتى تهودي, قال: لا جزاك الله خيراً عريتني ومنعتني أحمل ماء, فقال: لا والله لا أسقيك منه قطرة حتى تهودي فقالت: لا والله لا أتهود أبداً بعد إذ هداني الله للإسلام, فأقبلت إلى بعيرها فعقلته ووضعت رأسها على ركبته فنامت, قالت: فما أيقظني إلا برد دلو قد وقع على جبيني, فرفعت رأسي, فنظرت إلى ماء أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل, فشربت حتى رويت, ثم نضحت على سقائي حتى ابتل, ثم ملأته, ثم رفع بين يدي وأنا أنظر حتى تواري في السماء, فلما أصبحت جاء اليهودي فقال: يا أم شريك, فقلت: والله قد سقاني الله فقال: من أين؟ أنزل عليك من السماء؟ قلت: نعم والله, لقد أنزل الله عز وجل علي من السماء, ثم رفع بين يدي حتى توارى عني في السماء, ثم أقبلت حتى دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقصت عليه القصة, فخطب رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها نفسها, فقالت: يا رسول الله: لست أرضى نفسي لك, ولكن بعضي لك, فزوجني من شئت, فزوجها زيداً وأمر لها بثلاثين صاعاً, وقال: «كلوا ولا تكيلوا», وكان معها عكة سمن هدية لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت لجارية لها: بلغي هذه العكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم


#267#

وقولي: أم شريك تقرئك السلام, وقولي: هذه عكة سمن أهديناها لك, فانطلقت بها فأخذوها ففرغوها, وقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «علقوها ولا توكئوها» فعلقوها في مكانها, فدخلت أم شريك, فنظرت إليها مملوءة سمناً, فقالت: يا فلانة, أليس أمرتك أن تنطلقي بهذه العكة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: قد والله انطلقت بها كما قلت, ثم أقبلت بها أصوبها ما يقطر منها شيء, ولكنه صلى الله عليه وسلم قال: «علقوها ولا توكئوها» فعلقتها في مكانها, وقد أوكأتها أم شريك حتى رأتها مملوءة فأكلوا منها حتى فنيت, ثم كالوا الشعير فوجدوه ثلاثين صاعاً لم ينقص منه شيء.

وجاء أيضاً من رواية هشام بن عمار, حدثنا سعيد, حدثنا عبد الأعلى, عن محمد بن عمرو بن عطاء, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانت امرأة من دوس يقال لها أم شريك أسلمت في رمضان, فبدا لها في الهجرة ... وذكر الحديث بنحوه.

$أم شريك الأنصارية من بني النجار.$

مختلف في اسمها, قال أبو عمر بن عبد البر: والصواب غزيلة إن شاء الله تعالى.

وقال: وقد قيل: إن أم شريك الأنصارية تزوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يدخل بها؛ لأنه كره غيرة النساء الأنصار.


#268#

$وخولة بنت حكيم بن أمية بن جارية بن الأوقص بن مرة بن هلال بن فالج بن ثعلبة بن ذكوان بن امرئ القيس بن بهثة بن سليم السلمية.$

حدث الزهري وهشام بن عروة, عن عروة قال: خولة بنت حكيم ممن وهبت نفسها لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال هشام بن الكلبي عن أبيه قال: فأرجأها, وكانت تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم, وتزوجها عثمان بن مظعون رضي الله عنهما فمات عنها.

$وفاطمة بنت شريح:$

كانت وهبت نفسها للنبي صلى الله عليه وسلم فأنزل الله عز وجل: {وامرأة مؤمنة إن وهبت نفسها للنبي إن أراد النبي أن يستنكحها خالصة لك من دون المؤمنين}.

ذكره أبو عبيدة في كتابه: "أزواج النبي صلى الله عليه وسلم".

وثبت من حديث أبي حازم عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقالت: إني وهبت نفسي لك, فقامت طويلاً, فقال رجل: زوجنيها إن لم يكن لك بها حاجة, فقال: «هل عندك من شيء تصدقها؟» قال: ما عندي إلا إزاري, قال: «إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك, فالتمس شيئاً» فقال: ما أجد شيئاً, فقال: «التمس ولو خاتماً من حديد» فلم يجد, قال: «أمعك من القرآن شيء؟» قال: نعم سورة كذا وسورة كذا, لسور سماها, فقال: «قد زوجناكها بما معك من القرآن».


#269#

وفي بعض طرقه من حديث الحجاج بن الحجاج, عن عسل, عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذه القصة قال: «ما تحفظ من القرآن؟» قال: سورة البقرة والتي تليها, قال: «قم فعلمها عشرين آية وهي امرأتك».

$وممن عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم فأباها, أمامة بنت حمزة بن عبد المطلب بن هاشم.$

وأمها سلمى بنت عميس بن معد بن تيم بن كعب بن مالك بن قحافة بن عامر بن ربيعة بن عامر بن سعد بن مالك بن نسر بن وهب الله.

ويقال: وهب بن شهران بن عفرس بن خلف بن أفتل وهو خثعم بن أنمار بن أراش.

وذكر ابن العربي في كتابه "أحكام القرآن" أن اسم بنت حمزة هذه أمة الله, وقيل: اسمها عمارة, عرضت على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: «تلك ابنة أخي من الرضاعة».

صح عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: ألا تزوج ابنة حمزة؟ قال: «إنها ابنة أخي من الرضاعة».

وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: وقال العباس للنبي صلى الله عليه وسلم: أراك تزوج


#270#

من سائر قريش ههنا وههنا, فما يمنعك من بنت حمزة؟ قال: «إن أباها رضيعي».

كذا قال أبو عبيدة.

وهو مشهور في "الصحيح" من حديث أبي عبد الرحمن السلمي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ذلك.

$ومنهن فيما ذكره بعضهم أم حبيبة بنت حمزة بن عبد المطلب أخت أمامة المذكورة عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولعلها الأولى, وأختلف في اسمها, والله أعلم.$

$ومنهن أخت أم حبيبة أم المؤمنين.$

صح من حديث زينب بنت أبي سلمة أن أم حبيبة رضي الله عنها قالت: يا رسول الله, انكح أختي بنت أبي سفيان, قال: «وتحبين ذلك؟» قلت: نعم, لست لك بمخلية, وأحب من شركني في خير أختي, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن ذلك لا يحل لي» .... الحديث.

وجاء عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إن عندي ابنة لي أحسن البشر, وقد أحببت أن أزوجكها, فقال: «قبلتها» فأدبر الرجل, ثم أقبل, فقال: إن فيها خصلة لم أذكرها لك, أفضل ما فيها ما اشتكت قط ولا أصابها سقم, فقال رسول الله عليه وسلم: «إليك ابنتك رد, ليس منا من لم تصبه الأسقام».


#271#

قيل: هذا الرجل هو الضحاك بن سفيان الكلابي, واسم ابنته هذه آمنة, صرح بنحو ذلك أبو عبيدة.

وقد جاء أن هذه القصة جرت لأخت أم شبيب, وأم شبيب امرأة الضحاك بن سفيان الكلابي, والله أعلم.

وروى هشام بن الكلبي, عن عبيد الله بن الوليد الوصافي, عن عبد الله بن عبيد بن عمير الليثي قال: جاء رجل من بني سليم إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله, إن لي ابنة من جمالها وعقلها أما إني لأحسد الناس عليها, فهم النبي صلى الله عليه وسلم [أن يتزوجها, قال: وأخرى يا رسول الله, لا والله ما أصابها مرض قط. فقال له النبي صلى الله عليه وسلم]: «لا حاجة لي في ابنتك تجيئونا تحمل خطاياها, لا خير في مال لا يرزأ وجسد لا ينال منه».

قيل: اسم هذه سبا بنت الصلت التي تقدم ذكرها, والله أعلم.

وقال حميد بن زنجويه في كتابه "الترغيب": حدثنا عبد الله بن بكر, حدثنا سنان بن ربيعة, عن الحضرمي, عن أنس بن مالك رضي الله عنه, أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله, ابنة لي كذا وكذا, وذكرت من حسنها وجمالها, فآثرتك بها, قال: «قد قبلتها» فلم تزل تمدحها حتى


#272#

ذكرت أنها لم تصدع قط ولم تشتك شيئاً قط, قال: «لا حاجة لنا في ابنتك».

فهذا ما وقع من أخبار هؤلاء النسوة نعم.

وقال محمد بن زكريا الغلابي: حدثنا العباس بن بكار, حدثنا أبو بكر الهذلي, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على خديجة رضي الله عنها وهي في الموت, فقال: «يا خديجة, إذا لقيت ضرائرك فأقرئيهن مني السلام» قالت: يا رسول الله, وهل تزوجت قبلي؟ قال: «لا, ولكن الله عز وجل يعني – زوجني مريم بنت عمران, وآسية بنت مزاحم, وكلثم أخت موسي».


#273#

&[تركة النبي صلى الله عليه وسلم]&

وأما تركة النبي صلى الله عليه وسلم المخلفة عنه, فقد ثبت من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقتسم ورثتي ديناراً, ما تركت بعد نفقة نسائي ومؤنة عاملي فهو صدقة».

وجاء من رواية محمد بن أخي الزهري, عن عمه, عن عبد الرحمن بن هرمز أنه سمع أبا هريرة رضي الله عنه يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «والذي نفسي بيده لا تقتسم ورثتي شيئاً مما تركت, ما تركناه فهو صدقة».

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث فضيل بن سليمان النميري, حدثنا أبو مالك الأشجعي, عن ربعي, عن حذيفة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا نورث, ما تركناه صدقة».

تفرد به فضيل.

وخرج أبو محمد بن حيان في كتابه "طبقات الأصبهانيين" من حديث عاصم, عن زر بن حبيش سألت عائشة رضي الله عنها فقالت: أعن


#274#

ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسأل؟ ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء ولا بيضاء ولا شاة ولا بعيراً ولا عبداً ولا وليدة ولا ذهباً ولا فضة.

وخرجه البيهقي في "الدلائل" وفي آخر "المعارف" من طريق الشافعي: أخبرنا سفيان, عن مسعر, عن عاصم بن بهدلة, عن زر بن حبيش.

تابعه محمد بن يحيى بن أبي عمر, عن سفيان بنحوه.

وخرجه الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث علي بن بحر, حدثنا هشام بن يوسف, حدثنا معمر, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ذهباً ولا فضة ولا شاة ولا بعيراً ولا ترك إلا شطراً من شعير, فأكلنا منه زماناً, ثم كلته فوددت أني لم أكله.

حديث فرد.


#275#

وخرج أيضاً في "معجمه" فقال: حدثنا جبرون بن عيسى – يعني المقرئ المصري – حدثنا يحيى بن سليمان, حدثنا فضيل بن عياض, عن حصين, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم على أصحابه ذات يوم وفي يده قطعة من ذهب, فقال لعبد الله بن عمر رضي الله عنهما: «ما كان محمد قائلاً لربه لو مات وهذه عنده» فقسمها قبل أن يقوم, ثم قال: «ما يسرني أن لأصحاب محمد مثل هذا الجبل – وأشار بيده إلى أحد – ذهباً وفضة فينفقها في سبيل الله ويترك منها ديناراً», [فقال ابن عباس رضي الله عنهما: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض ولم يدع ديناراً] ولا درهماً ولا عبداً ولا أمة, ولقد ترك درعه مرهونة عند رجل من اليهود بثلاثين صاعاً من شعير كان يأكل منه ويطعم عياله.

ورواه محمد بن العلاء, حدثنا مصعب, عن بكر بن محمد, عن هلال بن خباب, عن عكرمة بنحوه.

فصرحت هذه الأحاديث العوالي أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يمت وفي ملكه شيء من الموالي؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أعتق الجميع في حياته زيادة في مضاعفة درجاته.


#276#

قال حماد بن إسحاق: وأعتق صلى الله عليه وسلم كل عبد له وأمة في حياته. انتهى.

وحدث سيف بن عمر في كتابه "الفتوح" عن سهل بن يوسف – يعني ابن سهل بن مالك الأنصاري – عن أبيه, عن جده قال: أعتق النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه أربعين نفساً.

وعبيده صلى الله عليه وسلم وإماؤه أتى ذكرهم في جملة من الأثر واعتنى بجمعهم جماعة من علماء السير.

فأما إماؤه صلى الله عليه وسلم فقد تقدم ذكرهن بعد ذكر مارية رضي الله عنهن.


#277#

&[ذكر موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم]&

وأما الموالي فقد قال أبو عبد الله محمد بن عمر الواقدي: وحدثني عتبة بن جبيرة الأشهلي قال: كتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم أن افحص عن أسماء خدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من الرجال والنساء ومواليه, فكتب إليه يخبره أن أم أيمن بركة كانت لأبي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فورثها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأعتقها, وكان عبيد بن عمير الخزرجي قد تزوجها بمكة, فولدت أيمن, ثم إن خديجة رضي الله عنها ملكت زيد بن حارثة رضي الله عنهما اشتراه لها حكيم بن حزام بن خويلد بسوق عكاظ بأربعمائة درهم, فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة رضي الله عنها أن تهب له زيداً, وذلك بعد أن تزوجها, فوهبته له, فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان "أبو كبشة" من مولدي مكة فأعتقه.

وكان "أنسة" من مولدي السراة.

وكان "صالح" وهو شقران غلاماً له فأعتقه.

وكان "سفينة" غلاماً له فأعتقه.

وكان "ثوبان" رجلاً من أهل اليمن ابتاعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة فأعتقه, وكان له نسب إلى اليمن.

وكان "رباح" أسود فأعتقه.


#278#

وكان "يسار" نوبياً أصابه في غزوة بني عبد بن ثعلبة فأعتقه.

وكان "أبو رافع" للعباس فوهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أسلم العباس رضي الله عنه بشر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه.

وكان "فضالة" مولى له نزل الشام بعد.

وكان "أبو موهبة" مولدا من مولدي مزينة فأعتقه.

وكان "أبو رافع" غلاما لسعيد بن العاص فورثه ولده، فأعتق بعضهم تصيبه في الإسلام وتمسك بعض، فجاء رافع إلى النبي صلى الله عليه وسلم يستعينه فيمن لم يعتق حتى يعتقه، فكلمه فيه، فوهبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يقول: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وكان "مد عم" غلاما للنبي صلى الله عليه وسلم أوهبه له رفاعة بن زيد الجزامي، وكان من مولدي حسمى.

وهذا الأثر فيه عدة من مواليه صلى الله عليه وسلم ووقع لنا غيرهم في أخبار أخر، وذكرهم غير واحد من علماء الأثر، فذكرهم هنا اختصارا على حروف المعجم، فنقول:

ذكر مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهم:

"أسامة بن زيد بن حارثه" الحِب بن الحِب، جرت أمه أم أيمن رقه؛ لأنه لم يجىء في النصوص عتقها.

قال محمد بن أحمد بن سيد الناس في كتابه "بيع الأمهات الأولاد": وروي من طريق ابن أبي خيثمة: حدثنا موسى بن إسماعيل، حدثنا أبو عوانة، عن عمر بن أبي سلمة بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن


#279#

أسامة بن زيد قال: قال علي رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: أي أهلك أحب إليك؟ قال: «من أنعم الله عليه وأنعمت عليه».

قال أبو غسان النهدي مالك بن ملك بن إسماعيل: حدثنا قيس بن الربيع، عن العباس بن ذريح، عن البهي، عن عائشة رضي الله عنها قالت: عثر أسامة على عتبة الباب، فأصابه جرح، فقال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أميطيه عنه، فكأني


#280#

قذرته، فمصه رسول الله صلى الله عليه وسلم ومجه، وجعل يقول: «أسامة لو كنت جارية حليناك وكسوناك حتى تنفق».

توفي أسامة في خلافة معاوية سنة أربع وخمسين على الصحيح عند ابن عبد البر.

وقيل: توفي آخر أيام معاوية سنة ثمان أو تسع وخمسين.

وقيل: توفي بعد مقتل عثمان بالجرف وحمل إلى المدينة.

"أسلم بن عبيد": ذكر في الموالي، وأظنه المذكور فيما قاله سعيد بن عبد الرحمن المدني: كان رافع وأسلم حاديين النبي صلى الله عليه وسلم، وإياهما عني عمر رضي الله عنه بذلك الرجز:

وكن شريك رافع وأسلم ... ولتخدم القوم لكيما تخدم

"أفلح": مذكور في موالي النبي صلى الله عليه وسلم. (قاله ابن عبد البر.

وجاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم) قال له: «ترب وجهك في السجود» وكان ينفخ.


#281#

قال الترمذي: حدثنا ابن منيع، حدثنا عباد بن العوام، حدثنا ميمون أبو حمزة، عن أبي صالح، عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم غلاما لنا يقال له: "أفلح" إذا سجد نفخ، فقال له: «يا أفلح، ترب وجهك».

فبعضهم فرق بين مولى أم سلمة هذا، وبين مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يجعلهما اثنين، وبعضهم جعلهما واحد.

وجاء عن حبيب المكي، عن أفلح مولى رسول الله عليه وسلم أنه قال: «أخاف على أمتي من بعدي ضلالة الأهواء واتباع الشهوات، والغفلة بعد المعرفة».

"أنجشة الحادي": ذكر في الموالي، وكان أسود.

حدث أبو داود الطيالسي في "مسنده" عن حماد بن سلمة، عن ثابت، عن أنس رضي الله عنه قال: كان أنجشة يحدو بالنساء، وكان البراء بن مالك يحدو بالرجال، وكان أنجشة حسن الصوت، وكان إذا حدا أعنقت الإبل، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا أنجشة رويدك، سوقا بالقوارير».

"أنسة": قال مصعب بن عبد الله الزبيري: شهد بدرا وأحدا أيضا على الراجح، وكان يكنى أبا مسرح، ويقال: أبو مسروح.


#282#

وكان من مولدى السراة، وكان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم إذا جلس، ومات في خلافة أبي بكر الصديق رضي الله عنهما.

حدث به ابن أبي خيثمة في "التاريخ" عن مصعب، وحدث عن إبراهيم بن المنذر، حدثنا فليح، عن موسى بن عقبة، عن ابن شهاب قال: وكان ممن شهد بدرا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنسة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قلت: ويروى أنه قتل يوم بدر شهيدا فيما روي عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس.

قال الواقدي: وليس ذلك عندنا بثبت، ورأيت أهل العلم يثبتون أنه لم يقتل ببدر، و أنه قد شهد أحدا، وبقي بعد ذلك زمانا طويلا.

"أيمن بن عبيد بن عمرو": أخو أسامة لأمه أم أيمن، جرت أمه رقه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، شهد بدرا وما بعدها.

قال ابن إسحاق: استشهد يوم حنين.

عده في الموالي بهذا السبب غير واحد، وذكره آخرون في الخدام من الأحرار.

"باذام": بدر أبو عبد الله، قال أبو الشيخ عبد الله بن محمد الحافظ: حدثنا ابن أعين، حدثنا إسحاق بن أبي إسرائيل، حدثنا محمد بن جابر، عن عبد الله بن بدر، عن أبيه مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:


#283#

قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية، وأن الإخوة من الأب والأم يتوارثون دون الإخوة من الأب.

ورواه إسحاق الطباع ورواد بن الجراح، عن محمد بن جابر، عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. قاله أبو موسى المديني.

"ثوبان بن بجدد" وقيل: ابن جحدر، أبو عبد الله، ويقال: أبو عبد الرحمن اليماني من أهل السراة، وقيل: من حمير، أصابه سباء، فاشتراه النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقه، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم خرج إلى الشام وابتنى بحمص دارا وأقام بها، [وبها] توفي سنة خمس وأربعين وقيل: سنة أربع وخمسين.

وقال مصعب بن عبد الله الزبيري: كان يسكن الرملة كان له هناك دار ولا عقب له، وكان من ناحية اليمن.

"حاتم": قال إبراهيم بن أحمد المستملي: سمعت نصر بن سفيان بن أحمد بن نصر بن حزان ببلخ، وزعم أنه قد أتى عليه مائة وخمس وستون سنة، وزعم أن مولده بالصين، قال: سمعت حاتما خادم النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اشتراني النبي صلى الله عليه وسلم بثمانية عشر دينارا، فأعتقني، فقلت: لا أفارقك إن أعتقتني، فكنت معه أربعين سنة.


#284#

قلت له: أين لقيت حاتما هذا؟ قال: بالوشجرد.

وزعم أنه يذكر شقيقا وأبا معاذ وحاتما الأصم ونحو هذا، فالله عز وجل أعلم بما قال. ذكره أبو موسى المديني في "التتمة".

قال الذهبي في كتابه "تجريد أسماء الصحابة": وهذا كذب، والله أعلم.

"حنين": جد إبراهيم بن عبد الله بن حنين، وهبه النبي صلى الله عليه وسلم للعباس رضي الله عنه فأعتقه، وقيل: هو مولى علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

قال أبو نعيم في كتابه "معرفة الصحابة": حدثنا عبد الله بن جعفر، حدثنا إسماعيل بن عبد الله، حدثنا عبد الله بن يوسف، حدثنا أبو حنين [بن] عبد الله بن حنين أخو إبراهيم بن عبد الله بن حنين، عن ابنة أخيه، عن خالها – يقال له ابن الشاعر – أن حنينا جده كان غلاما للنبي صلى الله عليه وسلم فوهبه للعباس عمه رضي الله عنه فأعتقه، وكان حنين عند النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه وكان إذا توضأ رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج بوضوئه إلى أصحابه، فكان إما شربوه، وإما تمسحوا به، فحبس حنين الوضوء فكان لا يخرج به إليهم فشكوه إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فسألوه، فقال: احتبسته عندي فجعلته في جرة، فإذا عطشت شربت منه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هل رأيتم غلاما أحصى [ما أحصى] هذا؟» ثم وهبه لعمه العباس فأعتقه.


#285#

وحدث به الخطيب في كتابه "روايات الآباء عن الأبناء" عن أبي نعيم.

ورواه محمد بن مسلم بن وارة، عن عبد الله بن يوسف به.

وقيل: حنين صار مولى للعباس بواسطة تذكر عن بعضهم أنه قال عن حنين هذا: إنه مولى مثقب، ومثقب مولى مسحل، ومسحل مولى شماس مولى العباس رضي الله عنه.

"دوس" جاء ذكره في حديث لوحشي بن حرب بن وحشي بن حرب، عن أبيه، عن جده: أن النبي صلى الله عليه وسلم كتب إلى عثمان وهو بمكة: «إن الجند قد توجهوا قبل مكة، وقد بعثت إليك دوسا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرته أن يتقدم بين يديك باللواء».

الحديث رواه محمد بن سليمان الحراني عن وحشي الأصغر.

وقيل: وجعل دوس عبدا وهم، وإنما هو اسم قبيلة.

وقال أبو نعيم الأصبهاني: لا يعرف في موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم من اسمه دوس ولعل المراد به شخص من دوس.

"ذكوان" مختلف في اسمه، قال منجاب بن الحارث التميمي وغيره: حدثنا شريك، عن عطاء بن السائب قال: أتيت أبا جعفر بشيء فقال: ألا أدلك على امرأة منا من ولد علي رضي الله عنه؟ فأتيتها فقالت:


#286#

حدثني مولى لرسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له ذكوان أو طهمان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا ذكوان إن الصدقة لا تحل لي ولا لأهل بيتي» قال: وقال: «مولى القوم من أنفسهم».

"رافع أبو البهي": مولى المنتخب الصفي صلى الله عليه وسلم.

هكذا قاله أبو نعيم في الحلية، ثم قال: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا طالب بن قرة، حدثنا محمد بن عيسى الطباع، حدثنا القاسم بن موسى، عن زيد بن واقد، عن مغيث بن سمي - وكان قاضيا لعبد الله بن الزبير – عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: أي الناس خير؟ قال: «مؤمن مخموم القلب، صدوق اللسان»، قيل له: وما المخموم القلب؟

قال: «التقي لله النقي الذي لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد». قال: فمن يليه يا رسول الله؟ قال: «الذي يشنأ الدنيا ويحب الآخرة». قالوا: ما نعرف هذا فينا إلا رافعا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالوا: من يليه؟ قال: «مؤمن في خلق حسن».


#287#

وقيل في هذا أبو رافع كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

"رافع": حادي رسول الله صلى الله عليه وسلم، [ذكره أبو عبد الله بن منده.

"رباح الأسود": نوبي كان يأذن على النبي صلى الله عليه وسلم]، وهو الذي أذن لعمر رضي الله عنه في دخول المشربة على النبي صلى الله عليه وسلم.

"رويفع": ذكره ابن عبد البر في الموالي، وقال: لا أعلم له رواية.

"زيد بن بولا": جد بلال بن يسار بن زيد الذي روى عن أبيه عن جده أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: «من قال: أستغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه، غفر له وإن كان فر من الزحف».

"زيد بن حارثه بن شرحيل" أبو أسامة، أصابته منة من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو من سبايا العرب من كلب في بيت منهم.

كان حكيم بن حزام اشتراه من سوق حباشة لخديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فوهبته لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أكبر منه بعشر سنين، فتبناه


#288#

رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل النبوة، وطاف به على حلق قريش يشهدهم يقول: «هذا ابني وارثا وموروثا».

قاله مصعب بن عبد الله الزبيري.

وقال: حدثني بذلك الضحاك بن عثمان، عن ابن أبي الزناد، عن موسى بن عقبة، عن سالم – يعني حديثه عن أبيه- أنه قال: ما كنا ندعوه إلا زيد بن محمد حتى أنزل الله عز وجل: {ادعوهم لآبائهم».

"سابق" وقيل: هو خادم .

قال زهير بن حرب: حدثنا وكيع، حدثنا مسعر، عن أبي عقيل، عن أبي السلام، عن سابق خادم النبي صلى الله عليه وسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من قال حين يصبح وحين يمسى ثلاثا: رضيت بالله ربا وبالإسلام دينا وبمحمد نبيا كان حقا على الله أن يرضيه يوم القيامة».


#289#

خالفه شعبة فرواه عن أبي عقيل، عن سابق بن ناجية، عن أبي سلام، عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم.

وسيأتي حديث بهذا الإسناد إن شاء الله تعالى.

وحدث به ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن محمد بن بشر، حدثنا مسعر، حدثني أبو عقيل، عن سابق بن ناجية، عن أبي سلام خادم النبي صلى الله عليه وسلم، مرفوعا بنحوه.

وهذا أشبه بالصواب.

"سالم": معدود في الموالي يقال: هو أبو سلام الهاشمي، وقيل: سابق المذكور قبل.

"سعد": يروي عنه أبو عثمان النهدي، ذكره الحافظ محمد بن أحمد بن سيد الناس في كتابه في أمهات الأولاد.

وقال الذهبي في "تجريد أسماء الصحابة" سعد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم له حديث في اللتين قاءتا لحما ودما وقيحا.

قلت: سيأتي الحديث إن شاء الله تعالى في ترجمة عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم وهو من حديثه أشهر، والله أعلم.

سعيد بن ميناء مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم، روى عنه عطاء بن أبي رباح: "فر من المجذوم".


#290#

قاله الذهبي في "التجريد".

"سلمان الفارسي": أعانه النبي صلى الله عليه وسلم في كتابته، وجاءت رواية أنه اشتراه.

قال أبو بكر محمد بن هارون الروياني في "مسنده": حدثنا محمد بن إسحاق، حدثنا علي بن الحسن بن شقيق، أخبرنا الحُسَيْن بن واقد، حدثنا عبد الله بن بريدة، عن أبيه، أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قدم المدينة أتاه سلمان رضي الله عنه بسلة فيها رطب أو تمر، فقال: «ما هذا [يا سلمان؟]» قال: هذه صدقة، فقال: «ارفع فإنا لا نأكل الصدقة» فرفعها، فأتاه بمثلها من الغد، فقال: «ما هذا يا سلمان؟» قال: هذه هدية، فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم وزاد، قال: فنظر إلى الخاتم الذي على ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فآمن به، وكان ليهودي، فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم بكذا وكذا درهما وعلى أن يغرس لهم نخلا، فيعمل سلمان فيها حتى تطعم، قال: فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل إلا نخلة واحدة غرسها عمر، فحملت النخل من عامها ولم تحمل نخلة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما شأن هذه؟» فقال عمر: يا رسول الله أنا غرستها، قال: فنزعها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم غرسها، فحملت من عامها.


#291#

تابعه زيد بن الحباب التميمي، عن حُسَيْن بن واقد. وقدمناه قبل. توفي سلمان بالمدائن في ولاية عثمان رضي الله عنهما.

"سليم أبو كبشة الدوسي" من مولدي أرض دوس، وقيل من مولدي مكة، ابتاعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فأعتقه.

وقال مصعب الزبيري: شهد بدرا وأحدا والمشاهد كلها، وتوفي في أول يوم استخلف فيه عمر بن الخطاب سنة عشرة من الهجرة.

وكذلك قال الواقدي، إلا أنه ذكر اليوم، فقال: وذلك يوم الثلاثاء لثمان ليال بقين من جمادى الآخرة سنة ثماني عشرة من الهجرة.

وقيل: اسمه أوس.

"سندر أبو الأسود"، ويقال: ابن أبي الأسود، روى حديثه ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن سندر مرفوعا: «أسلم سالمها الله».. الحديث.

"شقران": حبشي، وقيل: فارسي، واسمه صالح بن عدي، أهداه للنبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن عوف، وقيل: اشتراه منه بثمن.


#292#

وقال الخريبي: ورثه من أبيه، فأعتقه، وفيه اختلاف غير ذلك.

روي عن محمد بن يحيى بن حبان أن شقران غلام النبي صلى الله عليه وسلم شهد بدرا معه، ولم يسهم له النبي صلى الله عليه وسلم، واستعمله على الأسارى، فحد له كل رجل من أصحاب الأسرى، حتى كان حظه كرجل من الثمانية من بني هاشم.

"شمعون": أبو ريحانة سرية النبي صلى الله عليه وسلم، وقيل فيه: شمغون بالغين المعجمة.

قال أبو سعيد بن يونس: شمغون بالغين المعجمة. قال أبو سعيد بن يونس: شمغون بالغين يعني [بمعجمة] أصح عندي. انتهى.

وقد عده بعضهم في الموالي.

ومن روايته: ما رواه أبو القاسم البغوي, حدثني جدي ومنصور بن أبي مزاحم قالا: حدثنا أبو بكر بن عياش, حدثنا حميد الكندي, عن عبادة بن نسي, عن أبي ريحانة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من انتسب إلى تسعة آباء كفار يريد بهم عزاً فهو عاشرهم في النار».


#293#

"ضميرة بن أبي ضميرة".

قال ابن أبي خيثمة: له دار بالبقيع وولد. انتهى.

وهو جد الحُسَيْن بن عبد الله بن ضميرة الراوي ذلك الحديث, عن أبيه, عن جده ضميرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بأم ضميرة وهي تبكي, فقال: «ما يبكيك؟» قالت: فرق بيني وبين ابني, فقال: «لا يفرق بين والدة وولدها» وأرسل إلى الذي عنده ضميرة, فابتاعه منه.

وسيأتي [ذكر أبيه] إن شاء الله تعالى.

"طهمان": مختلف في اسمه, وتقدم حديث بذكره في ترجمة ذكوان.

"عبد الله بن عبد الغافر", قال الذهبي في "التجريد": لكن حديثه موضوع.

قلت: هو ما قال أبو القاسم الحُسَيْن بن محمد بن عمر بن عبدان


#294#

الواعظ: حدثنا أحمد بن عبد الرحمن بن أحمد الحافظ, حدثنا أبو الفضل محمد بن أحمد بن محمد بن خلف, حدثنا أبو عبد الله محمد بن علي بن الحسن الجباخاني, حدثنا أبو يعقوب يوسف بن سعد بن سعيد بن العلاء الجباخاني, حدثنا يحيى بن خالد المهلبي, حدثنا علي المنجوراني, عن حماد بن سلمة, عن ثابت البناني, عن عبد الله بن عبد الغافر وكان مولى النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا, وإذا ذكر النجوم فأمسكوا, وإذا ذكر القرآن فقولوا: كلام الله غير مخلوق, ومن قال غير هذا فهو كافر».

ورواه أبو حفص عمر بن شاهين من طريق حماد بن سلمة, عن ثابت البناني, عن عبيد بن عبد الغافر, وكان مولى للنبي صلى الله عليه وسلم عتاقة, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ذكر القرآن فقولوا: كلام الله غير مخلوق, ومن قال مخلوق فهو كافر».

كذا سماه: عبيداً, والمشهور الأول, والله أعلم.

"عبدة": ذكره ابن شاهين في الموالي:

وقال: حدثنا عبد الله بن سليمان, حدثنا إبراهيم بن عباد الكرماني,


#295#

حدثنا يحيى – يعني ابن أبي بكير – حدثنا عبد الله بن المبارك, حدثنا سليمان التيمي, عن رجل قال: قيل لعبدة مولى رسول الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بصلاة غير المكتوبة؟ قال: بين المغرب والعشاء.

هكذا قال: عبدة, والمشهور: عبيد, كما هو في ترجمته.

"عبيد الله بن أسلم":

له حديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لجعفر: «أشبهت خلقي وخلقي» يشبه أن يكون هذا عبيد الله بن أبي رافع كاتب علي بن أبي طالب رضي الله عنه, وهو تابعي, فالحديث مرسل.

"عبيد": غير منسوب وقع في "مسند أحمد بن حنبل".

قال ابن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا موسى بن إسماعيل,


#296#

حدثنا حماد بن سلمة, عن سليمان التيمي, عن عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم أن امرأتين كانتا صائمتين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانتا تغتابان الناس, فدعا النبي صلى الله عليه وسلم بقدح فقال لهما: «قيئا» فقاءتا قيحاً ودماً ولحماً عبيطاً مرتين, ثم قال: «ألا إن هاتين صامتا عن الحلال وأفطرتا على الحرام».

كذا قال حماد بن سلمة: التيمي عن عبيد, ليس بينهما أحد, وأشار إليه ابن سعد في "الطبقات".

ورواه محمد بن عبد الملك الدقيقي, والحسن بن مكرم, عن يزيد بن هارون, حدثنا سليمان التيمي سمعت رجلاً يحدث في مجلس أبي عثمان النهدي, عن عبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن امرأتين صامتا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم .... الحديث بطوله.

تابعه جرير وشعبة, عن التيمي.


#297#

خالفه عثمان بن غياث فقال: حدثنا رجل في حلقة أبي عثمان النهدي, عن سعد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم.

هكذا قال, والمشهور عن عبيد, والله أعلم.

وقال ابن المبارك في كتابه "الزهد": أخبرنا سليمان التيمي أن رجلاً حدثه قال: قيل لعبيد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمر بالصلاة غير المكتوبة؟ قال: بين المغرب والعشاء.

ورواه أبو مسعود أحمد بن الفرات, أخبرنا أبو داود, عن شعبة, عن سليمان التيمي, عن شيخ, عن عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم, فذكره بنحوه.

وهو في "مسند أحمد" بنحوه.

"غيلان": جاء من رواية جعفر بن برقان, عن داود بن عوانة من بني عبادة بن عقيل, عن غيلان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يخرج الدجال فيدعو الناس إلى العدل والحق – فيما يرون – فلا يبقى مؤمن ولا كافر إلا تبعه, وهم لا يعرفونه» قال: «فبينا المؤمنون في هم من ذلك إذ خسفت عينه, وظهر بين عينيه كافر يقرؤه كل مؤمن, فعند ذلك فارقه المؤمنون واتبعه الكافرون».

رواه فياض بن محمد, عن جعفر.


#298#

"فضالة اليماني": يقال: مات بالشام, لا يعرف, قاله الذهبي في "التجريد".

"قسام".

"قفيز": بالقاف المفتوحة بعدها فاء مكسورة وآخره زاي.

قال أبو نعيم في كتاب "الصحابة": روى أبو بكر بن عبيد الله بن أنس, عن أنس رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام يقال له: قفيز.

وذكر نحوه ابن منده في الصحابة.

"كركره": أهداه هوذة بن علي للنبي صلى الله عليه وسلم, وهو الذي كان على ثقله.

"كريب" حديثه عند سعيد بن عامر, حدثنا أبان بن يزيد, حدثنا يحيى بن أبي كثير, عن زيد, عن أبي سلام, عن كريب مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «بخ بخ, خمس ما أثقلهن في الميزان


#299#

وأهونهن على اللسان» فقال رجل: ما هن يا رسول الله؟ قال: «سبحان الله, والحمد لله, ولا إله إلا الله, والله أكبر, والولد الصالح يتوفاه الله عز وجل فيحتسبه والده».

قيل: الصواب في إسناده عن زيد أبي سلام, لأنه أبو سلام الصغير, واسمه زيد بن سلام, والكبير اسمه ممطور.

والحديث رواه هشام الدستوائي, عن يحيى, عن أبي سلام, عن أبي أمامة مرفوعاً به, وفيه اضطراب.

"كيسان": روت عنه أم كلثوم بنت علي, وقيل: اسمه مهران.

"مأبور القبطي": كان خصياً, ويقال فيه: هابور.

أهداه المقوقس صاحب الإسكندرية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم, سماه مصعب الزبيري وغيره, وهو ابن عم مارية القبطية أم سيدي إبراهيم عليه السلام فيما رواه سليمان بن أرقم, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة قالت: أهديت مارية ومعها ابن عم لها, وذكر الحديث.


#300#

"محمد بن عبد الرحمن الحضرمي": ذكره محمد بن عبد الله الحضرمي مطين في "المفاريد" وقيل: فيه محمد بن ثوبان, وكلاهما وهم, وهو محمد بن عبد الرحمن بن ثوبان التابعي يروي عن أبي هريرة رضي الله عنه, وجده ثوبان هو المولى محمد غير منسوب, ذكره الحاكم أبو عبد الله فيمن قدم خراسان من الصحابة.

وقال: أخبرني أبو الحسن علي بن أحمد المروزي الوراق بنيسابور, حدثنا أحمد بن محمد بن عمرو المروزي, أخبرني أبو عبد الرحمن المقاتلي عبد الله بن محمد بن مقاتل بن محمد بن موسى بن محمد بن إبراهيم بن محمد مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, حدثني أبي, عن أبيه مقاتل بن محمد, عن أبيه أن محمداً كان اسمه ماناهيه وأنه كان مجوسياً, وكان تاجراً فسمع بذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم وخروجه, فخرج معه بتجارة من مرو حتى هاجر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة, وأسلم على يديه وسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم محمداً, وأنه مولاه ورجع إلى منزله بمرو مسلماً, وداره قبالة المسجد الجامع.

قلت: الآفة فيه من أحمد بن محمد بن عمرو المروزي أبي بشر الفقيه الحافظ الوضاع, جزم الذهبي أنه وضع هذا الحديث, والله أعلم.

"مدعم أسود": من مولدي حسمى قبل وادي القرى, وهبه رفاعة بن زيد الجذامي للنبي صلى الله عليه وسلم على الصحيح, قتل بوادي القرى بسهم


#301#

عائر وهو يحط رحل رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقيل: قتل بخيبر.

"مكحول": قيل: وهبه النبي صلى الله عليه وسلم مع جارية لأخته من الرضاعة الشيماء.

"مهران بن فروخ الملقب سفينة" وقيل: اسمه أحمر, وقيل: ذكوان, وقيل: رومان, وقيل: طهمان, وقيل: عبس, وقيل: قيس, وقيل: عمير, وقيل: كيسان, وقيل: سنبلة, وكنيته أبو عبد الرحمن, وقيل: أبو البختري, والأول أكثر.

وسبب تلقيبه سفينة ما قال عاصم بن علي: حدثنا حشرج بن نباتة, حدثنا سعيد بن جمهان سألت سفينة [عن اسمه, فقال: ما أنا مخبرك باسمي سماني رسول الله صلى الله عليه وسلم سفينة, قلت له: لم سماك سفينة؟] قال: خرج ومعه أصحابه, فثقل عليهم متاعهم فقال: «ابسط كساءك» فبسطته, فجعل فيه متاعهم, ثم حمله علي فقال: «احمل ما أنت إلا سفينة»: قال: فلو حملت يومئذ وقر بعير أو بعيرين أو خمسة أو ستة ما ثقل علي.


#302#

تابعه عبيد الله بن موسى وأبو نعيم, عن حشرج.

قيل: وفي جعله في موالي النبي صلى الله عليه وسلم نظر, لأن أم سلمة أعتقته من رقها وشرطت عليه أن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم.

روى أبو داود في "سننه" فقال: حدثنا مسدد بن مسرهد, حدثنا عبد الوارث, عن سعيد بن جمهان, عن سفينة قال: كنت مملوكاً لأم سلمة رضي الله عنها, فقالت: أعتقك وأشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت, فقلت: إن لم تشترطي علي ما فارقت رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت, فأعتقتني واشترطت علي.

وجاء من طريق حماد بن سلمة, حدثنا سعيد بن جمهان, حدثنا سفينة - أبو عبد الرحمن مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم - قال: قالت لي أم سلمة: أريد أن أعتقك, وأشترط عليك أن تخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عشت .... الحديث بنحوه.

ابن جمهان وثقه ابن معين, وقال أبو حاتم الرازي: لا يحتج بحديثه.

قال الحافظ أبو محمد عبد الغني المقدسي, عن سفينة: وإضافته إلى ولاء النبي صلى الله عليه وسلم تجوز لا حقيقة, ولا أعلم أن النبي صلى الله عليه وسلم اشتراه ولا ملكه.


#303#

وروى جبارة بن مغلس, عن شريك, عن عمران بن سعيد النخلي, عن أحمر مولى أم سلمة قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة فمررنا بواد أو نهر, فكنت أعبر الناس, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «ما كنت في هذا اليوم إلا سفينة».

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عبيد الله بن موسى, عن أسامة بن زيد, عن محمد بن المنكدر, عن سفينة رضي الله عنه أنه ركب سفينة في البحر, فانكسرت بهم السفينة, فتعلقت بشيء منها حتى خرجت إلى جزيرة فيها الأسد, فقلت: أبا الحارث أنا سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, فطأطأ رأسه وجعل يدفعني بجنبيه يدلني على الطريق, فلما خرجت إلى الطريق جعل يهمهم, فظننت أنه يودعني.

تابعه جعفر بن عون, عن أسامة بن زيد.

ورواه عبد الله بن وهب, عن أسامة بن زيد أن محمد بن عبد الله


#304#

ابن عمرو بن عثمان حدثه, عن محمد بن المنكدر, فذكره.

وحدث به أحمد بن منصور الرمادي, عن عبد الرزاق, أخبرنا معمر, عن الحجبي, عن ابن المنكدر أن سفينة مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أخطأ الجيش بأرض الروم أو أسر في أرض الروم, فانطلق هارباً يلتمس الجيش, فإذا هو بالأسد, فقال له: أبا الحارث إني مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, كان من أمري كيت وكيت, فأقبل الأسد يبصبصه حتى قام إلى جنبه كلما سمع صوتاً أهوى إليه, ثم أقبل يمشي إلى جنبه, فلم يزل كذلك حتى بلغ الجيش, ثم رجع الأسد.

وقال أبو الحسن علي بن محمد بن أحمد بن لؤلؤ الوراق: حدثنا موسى بن سهل الجوني, حدثنا محمد بن محمد الأزدي, حدثنا إبراهيم بن حماد المصيصي, حدثنا يوسف بن سوار, حدثنا خلف بن خليفة, عن أبي هاشم الرماني, عن محارب بن دثار, عن


#305#

أنس بن مالك رضي الله عنه قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلاً من أصحابه يقال له: سفينة بكتاب إلى معاذ إلى اليمن, فلما صار في الطريق إذا هو بالسبع رابض في وسط الطريق فخاف أن يجوز فيقوم إليه, فقال: أيها السبع إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ, وهذا كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ, فقام السبع يهرول قدامه غلوة, ثم همهم, ثم صرخ, ثم تنحى عن الطريق, فمضى بكتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ, ثم رجع بالجواب فإذا هو بالسبع, فخاف أن يجوز, فقال: أيها السبع إني رسول رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى معاذ, وهذا جواب كتاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من معاذ, فقام السبع فصرخ, ثم همهم, ثم تنحى عن الطريق, فلما قدم أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [«تدرون ما قال أول مرة؟ قال: كيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان وعلي, وأما الثانية فقال: أقرئ رسول الله صلى الله عليه وسلم] وأبا بكر وعمر وعثمان وعلياً وسلمان وصهيباً وبلالاً مني السلام».

"ناعم": ذكره الطبري في الموالي.

"نافع أبو السائب": مولى غيلان بن سلمة, ذكره بعضهم في موالي النبي صلى الله عليه وسلم, وذكر أنه أخو أبي بكرة.


#306#

وقال البخاري في "تاريخه الكبير": نافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عبد الله بن سعيد بن الأشج: حدثني عقبة بن خالد, حدثني الصباح, حدثني ابن أبي أمية, عن نافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا يدخل الجنة مستكبر ولا شيخ زان, ولا منان على الله بعمله».

"ابن أبي أمية خالد".

"نبيه": من مولدي السراة, ويقال له: النبيه, فيما حكاه محمد بن أحمد بن سيد الناس وقال: مذكور فيمن اشتراه, وأعتقه.

"نفيع أبو بكرة الثقفي": مختلف في اسم أبيه, فقيل: مسروح, قاله الزهري وزهير بن حرب, وقيل: ابن الحارث, وسماه ابن إسحاق فقال: أبو بكرة واسمه مسروح, وكان للحارث بن كلدة قبل, كان أبوه عبداً للحارث فاستلحقه الحارث, وهو أخو زياد بن أبيه لأمه سمية مولاة الحارث بن كلدة, وإنما قيل له: أبو بكرة لتدليه ببكرة من سور الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم.


#307#

قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا الحسن بن حماد, حدثنا عبد الرحيم بن سليمان, عن حجاج, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: خرج غلامان يوم الطائف إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعتقهما, أحدهما أبو بكرة, فكانا مولييه.

"نهيك": عده بعضهم في الموالي

"واقد": قال الذهبي في "التجريد": مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم يروى عنه حديث عجيب.

قلت: روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أطاع الله فقد ذكر الله», رواه الهيثم بن جماز, عن الحارث بن غسان, عن زاذان أبي عمر, عن واقد مولى النبي صلى الله عليه وسلم فذكره. وجعله الذهبي اثنين موليين, وقيل فيه: أبو واقد.

"وردان": قال أبو الشيخ الأصبهاني: حدثنا عبد الرحمن بن محمد بن سلم, حدثنا سهل بن عثمان, حدثنا عبد الرحيم بن سليمان, عن الحسن


#308#

ابن عمارة, عن عبد الرحمن بن الأصبهاني, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: وقع للنبي صلى الله عليه وسلم مولى يقال له وردان من عذق فمات, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «انظروا رجلاً من أرضه» فوجدوا رجلاً, فقال: «أعطوه ماله».

والصواب: ما رواه أبو داود في "سننه" عن مسدد, عن يحيى, عن شعبة, وعن عثمان, عن وكيع, عن سفيان, كلاهما عن عبد الرحمن بن الأصبهاني, عن مجاهد بن وردان, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها أن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم مات وترك شيئاً, ولم يدع ولداً ولا حميماً ... الحديث.

وحدث به الترمذي في "جامعه" عن بندار عن يزيد بن هارون, عن سفيان, ولفظه: أن مولى للنبي صلى الله عليه وسلم وقع من عذق نخلة فمات فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «انظروا هل من وارث؟» قالوا: لا, قال: «فادفعوه إلى بعض أهل القرية».

وفي الباب عن بريدة.

هذا حديث حسن, قاله الترمذي.

وخرجه النسائي, عن محمد بن عبد الأعلى, عن خالد بن الحارث, عن عبد الله بن محمد بن تميم, عن حجاج بن محمد, كلاهما عن شعبة به.


#309#

وعن ابن مثنى وابن بشار كلاهما عن عبد الرحمن, عن سفيان به.

ورواه ابن ماجه عن أبي بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد كلاهما عن وكيع به.

"هرمز أبو كيسان": قال ابن أبي خيثمة: حدثنا منصور بن أبي مزاحم, حدثنا أبو حفص الأبار, عن ابن أبي زياد, عن معاوية بن قرة قال: شهد بدراً عشرون مملوكاً فيهم مملوك للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له: هرمز, فأعتقه وقال: «إن الله أعتقك».

"همام": روى محمد بن أيوب الرقي, عن سفيان, عن عبد الكريم, عن أبي الزبير, عن همام مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي لا تدفع يد لامس فقال: «طلقها» قال: إنها تعجبني قال: «فتمتع بها».

هكذا ذكره جعفر المستغفري, عن البرذعي فيما حكاه أبو موسى المديني.

وذكره محمد بن أحمد بن سيد الناس في الموالي: هشاماً بالشين مكان الميم, وخرج حديثه المذكور من طريق محمد بن سعد, أخبرنا


#310#

سليمان بن عبيد الله الرقي, حدثنا محمد بن أيوب الرقي, عن سفيان, عن عبد الكريم, عن أبي الزبير, عن هشام مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إن امرأتي لا تمنع يد لامس قال: «طلقها» قال: إنها تعجبني قال: «فاستمتع بها».

تابعه محمد بن مسلم بن واره, عن سليمان نحوه.

ورواه جماعة, عن الثوري, عن عبد الكريم, أخبرني أبو الزبير, عن مولى بني هاشم, عن النبي صلى الله عليه وسلم نحوه, ولم يسمه.

ورواه عبيد الله بن عمرو الرقي, عن عبد الكريم, عن أبي الزبير, عن جابر.

"يسار نوبي": أصابه النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة بني عبد بن ثعلبة, وهو الراعي الذي قتله العرنيون الذين أغاروا على لقاح النبي صلى الله عليه وسلم بذي الجدر وقطعوا يده ورجله, وغرسوا الشوك في لسانه وعينيه حتى مات, وانطلقوا بالسرح, وأقبلت امرأة من بني عمرو بن عوف على حمار لها حتى تمر بيسار تحت شجرة, فلما رأته وما به وقد مات, رجعت إلى قومها فأخبرتهم الخبر, فخرجوا نحو يسار حتى جاءوا به إلى قباء ميتاً, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم كرز بن جابر الفهري فلحقهم, فأتى بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأمر بهم فقطع أيديهم وأرجلهم,


#311#

وسملت أعينهم, وصلبوا بمجتمع السيول, وذلك سنة ست من الهجرة.

وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم نظر إلى يسار هذا وهو يحسن الصلاة فأعتقه.

"يسر", لا يثبت, جاء بإسناد مظلم عن أبي المحاسن عبد العزيز [ابن] علي بن يحيى, أخبرني والدي الشيخ الفقيه أبو الحسن علي بن يحيى, أخبرني الشيخ الزاهد أبو علي الحسن بن خارجة سمعت يسراً خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمصر, وكان موضوعاً بين قطن مندوف, وله من العمر ثلاث مائة سنة بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «الدنيا ملعونة, ملعون ما فيها, إلا ذكر الله ومن أوى إلى ذكر الله».

يسر هذا لا يعرف إلا من هذا الطريق المظلم, روي عنه به خمسة أحاديث موضوعة, هذا أحدها.

والحسن بن خارجة ليس بثقة ولا مأمون, وعلي بن يحيى وابنه عبد العزيز لا يعرفان, والله أعلم.

"أبو أثيلة": كذا ذكره جماعة في الموالي منهم: ابن الجوزي في


#312#

"التلقيح" في مكانين منه ولم يسمه, وفي الصحابة: أبو أثيلة السلمي كان اسمه ظالماً, فسماه النبي صلى الله عليه وسلم راشداً, وهو راشد بن حفص, وقيل: ابن عبد ربه, وقيل: أبو أثيلة بن راشد, وقيل: أبو أثلة.

"أبو البشر": ذكره جعفر المستغفري في الموالي ولم يسمه.

"أبو الحمراء": اسمه هلال بن الحارث السلمي, ويقال: هانئ بن الحارث, وقال ابن شاهين: هلال بن ظفر, ويقال: ابن أبي الحمراء, والأول هو المشهور, واشتهر بكنيته أبي الحمراء.

وما ذكره أبو عمر بن عبد البر في "الاستيعاب" أن كنيته أبو الجمل فهو وهم أشار إليه الغساني, ونبه عليه المنذري والذهبي.

وما ذكره أبو عمر, عن عباس, عن يحيى بن معين قال: أبو الجمل صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم اسمه هلال بن الحارث, وكان يكون بحمص, قال


#313#

يحيي: وقد رأيت بها غلاماً من ولده, فتصحفت على أبي عمر لفظة الحمراء بالجمل, والله أعلم.

له حديث في "سنن ابن ماجه" من رواية أبي داود نفيع بن الحارث الأعمى أحد المتروكين عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم مر بجنبات رجل عنده طعام في وعاء فأدخل يده فيه ... الحديث.

"أبو رافع قبطي": اسمه أسلم, قاله مصعب الزبيري, وقيل: إبراهيم, ذكره يحيى بن معين, وقيل: هرمز, وقيل: ثابت, وقيل: برية.

كان للعباس رضي الله عنه فوهبه للنبي صلى الله عليه وسلم, فلما أسلم العباس بشر النبي صلى الله عليه وسلم بإسلامه فأعتقه, وكان أبو رافع أسلم بمكة مع إسلام العباس رضي الله عنهما, وشهد الخندق قاله ابن الجوزي, وقال مصعب: شهد أحداً والخندق والمشاهد بعدها, وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم سلمى, وشهدت سلمى خيبر, وولدت له عبيد الله بن أبي رافع, وكان كاتباً لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بالكوفة, (ومات أبو رافع بالمدينة قبل قتل عثمان رضي الله عنهما. انتهى), وقيل: توفي في خلافة علي رضي الله عنه وصوبه بعضهم.


#314#

قال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا يعقوب, حدثنا أبي، عن ابن إسحاق, حدثني هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: أتت سلمى مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم امرأة أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستأذنه على أبي رافع قد ضربها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي رافع: «مالك ولها يا أبا رافع؟» قال: تؤذيني يا رسول الله, فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بما آذيته يا سلمى» قالت: يا رسول الله, ما آذيته بشيء, ولكنه أحدث وهو يصلي, فقلت له: يا أبا رافع, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم [قد] أمر المسلمين إذا خرج من أحدهم الريح أن يتوضأ, فقام فضربني, فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك ويقول: «يا أبا رافع, إنها لم تأمرك إلا بخير».

وقال يزيد بن هارون: حدثنا الجراح بن منهال, عن الزهري, عن أبي سليم مولى أبي رافع [عن أبي رافع] مولى النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «كيف بك يا أبا رافع إذا افتقرت؟» قلت: أفلا أتقدم في ذلك؟ قال: «بلى» قال: «ما مالك؟» قلت: أربعون ألفاً وهي لله عز وجل قال: «لا, أعط بعضاً وأمسك بعضاً وأصلح إلى ولدك» قال: قلت: أولهم علينا يا رسول الله حق كما لنا عليهم؟ قال: «نعم, حق الولد على الوالد أن يعلمه الكتاب والرمي والسباحة, وأن يورثه طيباً» قال: ومتى يكون فقري؟ قال: «بعدي».


#315#

قال أبو سليم: فلقد رأيته افتقر بعد حتى كان يقعد فيقول: من يتصدق على الشيخ الكبير الأعمى؟ من يتصدق على رجل أعلمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سيفتقر بعده؟ من يتصدق, فإن يد الله [هي] العلياء, ويد المعطي الوسطى, ويد السائل السفلى, ومن سأل عن ظهر غنى كان له شية يعرف بها يوم القيامة, ولا تحل الصدقة لغني ولا ذي مرة سوي, قال: فلقد رأيت رجلاً أعطاه أربعة دراهم فرد عليه منها درهماً, فقال: يا عبد الله لا ترد علي صدقتي, قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهاني أن أكثر [من] فضول المال.

قال أبو سليم: فلقد رأيته بعد استغنى حتى أني له عاشر عشرة, وكان يقول: ليت أبا رافع مات في فقره أو هو فقير, قال: ولم يكن يكاتب مملوكه إلا بثمنه الذي اشتراه به.

حدث به أبو نعيم في "الحلية" من طريق يزيد, ومن طريق المغيرة بن عبد الله, عن عثمان بن عبد الرحمن, عن الجراح.

أبو رافع: والد البهي بن أبي رافع, قيل: هو رافع الذي قدمناه, والصواب – إن شاء الله – أبو رافع, ولا يعرف اسمه, وولده البهي يقال له: رافع, والله أعلم.


#316#

كان أبو رافع لأبي أحيحة سعيد بن العاص الأكبر, فورثه بنوه, وأعتق ثلاثة منهم أنصباءهم, وقتلوا يوم بدر جميعاً, وشهد أبو رافع معهم بدراً, ثم اشترى أبو رافع بقية أنصباء بني سعيد إلا نصيب خالد بن سعيد, فوهب خالد نصيبه لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكان أبو رافع يقول: أنا مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويقول ابنه البهي بن أبي رافع من بعده, فلما ولي عمرو بن سعيد المدينة دعا البهي فقال له من مولاك؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم, فضربه مائة سوط, ثم سأله قال: مولاي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فضربه مائة سوط, حتى ضربه خمسمائة سوط, ثم قال: أنا مولاكم, فلما قتل عبد الملك عمرو بن سعيد قال رافع ابن أبي رافع:

فصحت ولا شلت وضرت عدوها ... يمين هراقت مهجة ابن سعيد

هو ابن أبي العاص مراراً وينتمي ... إلى أسرة طابت له وجدود.

هكذا ذكره ابن أبي خيثمة في "التاريخ" عن مصعب بن عبد الله.

وقد خلط بعضهم ترجمة أبي رافع هذا بزوج سلمى والد عبيد الله, كاتب علي المذكور قبل, فلم يصنعوا شيئاً, وممن خلط الترجمتين أبو عمر بن عبد البر, والله أعلم.

وذكر جماعة منهم أبو نعيم أحمد بن عبد الله الحافظ أن هذا العبد اسمه رافع, فقال في "الحلية": حدثنا سليمان بن أحمد, حدثنا


#317#

المقدام بن داود, حدثنا أسد بن موسى, حدثنا سفيان بن عيينة, عن عمرو بن دينار, عن محمد بن عمرو بن سعيد أن عبداً كان بين بني سعيد – يعني: ابن العاص – فأعتقوه إلا واحداً منهم, فأتى النبي صلى الله عليه وسلم يستشفع به على الرجل, فكلمه فيه, فوهب الرجل نصيبه [فيه] للنبي صلى الله عليه وسلم, فأعتقه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فكان يقول: أنا مولى النبي صلى الله عليه وسلم, وكان اسمه رافعاً أبا البهي.

"أبو سلمى الراعي": واسمه حريث فيما قيل.

"أبو سلمى آخر": قال ابن عبد البر: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا أدري أهو راعي رسول الله صلى الله عليه وسلم المتقدم ذكره أو غيره.

"أبو السمح": صل فلا يدرى أين مات, قاله الحاكم أبو أحمد النيسابوري في كتابه "الكنى".

واختلف في اسمه, فقيل: مالك, سماه يحيى بن يونس فيما حكاه جعفر بن محمد المستغفري, وقيل: اسمه إياد, ولم يذكر المزي في "التهذيب" و"الأطراف" غيره, وقيل: سابق, وقيل: زياد, وأظنه تصحيفاً من إياد. وقيل: هو أبو سلامة الهاشمي الذي ذكرناه قبل وهو بعيد.

له حديث في "السنن" من طريق ابن مهدي, عن يحيى بن الوليد, عن محل بن خليفة, حدثني أبو السمح قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم, فكان إذا


#318#

أراد أن يغتسل قال: «ولني قفاك».

الحديث خرجه أبو داود والنسائي وابن ماجه من طريق ابن مهدي.

وله عند النسائي من طريق ابن مهدي بهذا الإسناد مرفوعاً: «يغسل من بول الجارية ويرش من بول الغلام» وهو طرف من الحديث الذي قبله.

وقيل: إن أبا السمح هذا لم يكن مولى, وإنما كان خادماً, وقال أبو عمر بن عبد البر: مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويقال له: خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

"أبو صالح": حدث حفص بن أبي داود – وهو حفص بن سليمان القارئ – عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مولى يقال له: أبو صالح, وله أخ مملوك, فاشتراه, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عتق حين ملكته».

"أبو صفية" المسبح بالنوى من المهاجرين, رأته والدة يونس بن عبيد.


#319#

"أبو ضميرة" والد ضميرة المذكور قبل, قال إسماعيل بن أبي أويس: حدثني حُسَيْن بن عبد الله بن أبي ضميرة أن الكتاب الذي كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ضميرة: «بسم الله الرحمن الرحيم, كتاب من محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ضميرة وأهل بيته أنهم كانوا أهل بيت من العرب, وكانوا مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم, فأعتقهم رسول الله صلى الله عليه وسلم» ثم خير أبا ضميرة إن أحب أن يلحق بقومه, فقد أذن له رسول الله صلى الله عليه وسلم, وإن أحب أن يمكث مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فيكونون من أهل بيته, فاختار الله ورسوله صلى الله عليه وسلم, ودخل في الإسلام, فلا يعرض له أحد إلا بخير, ومن لقيهم من المسلمين فليستوص بهم خيراً, وكتب إلى أبي بن كعب, قال ابن أبي أويس: فهو مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم, وهو أحد حمير, وخرج قوم منهم في سفر ومعهم هذا الكتاب, فعرض لهم اللصوص, فأخذوا ما معهم, فأخرجوا هذا الكتاب إليهم, وأعلموهم بما فيه, فردوا عليهم ما أخذوا منهم, ولم يعرضوا لهم, ووفد حُسَيْن بن عبد الله بن ضميرة إلى المهدي أمير المؤمنين وجامعهم بكتابه هذا, فأخذه المهدي فوضعه على بصره, وأعطى حُسَيْناً ثلاث مائة دينار.

حدث به ابن سعد في "الطبقات" عن ابن أبي أويس.


#320#

وذكر أبو حاتم وغيره أن أبا ضميرة حميري من آل ذي يزن, واسمه سعد على الأصح, وقيل: روح بن سندر, وقيل: روح بن سيرزاد.

"أبو عبيد واسمه سعد", وقيل: عبيد, قال ابن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا مسلم بن إبراهيم وأبو سلمة قالا: حدثنا أبان, عن قتادة, عن شهر بن حوشب, عن أبي عبيد مولى النبي صلى الله عليه وسلم أنه طبخ لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة, فقال له: «ناولني الذراع» فناولته ذراعها, ثم ذكر الحديث.

وقال أبو عمر بن عبد البر في ترجمة أبي عبيد هذا: ويقال: خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا أقف على اسمه.

تابعه أبو موسى محمد بن المثنى, حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا أبان بن يزيد, حدثنا قتادة, عن شهر بن حوشب, عن أبي عبيد قال: طبخت للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: «ناولني ذراعاً» وكان يعجبه الذراع, فناولته, ثم قال: «ناولني ذراعاً» [فناولته, ثم قال: «ناولني ذراعاً»] فقلت: يا رسول الله كم للشاة من ذراع؟! فقال: «والذي نفسي بيده لو سكت لأعطيتني ذراعاً ما دعوت [به]».

"أبو عسيم", ويقال: أبو عسيب, وقيل: هما اثنان, كما فرق


#321#

بينهما / الحاكم أبو أحمد في "الكنى" وعداده في أهل الكوفة, قيل: اسمه أحمر, وقيل: مرة, حديثه في الصلاة على [النبي صلى الله عليه وسلم لما قبض.

"أبو لبابة" مذكور في مواليه صلى الله عليه وسلم] قاله ابن عبد البر, وهو غير النقيب.

"أبو لقيط حبشي", وقيل: نوبي, قال أبو عمر بن عبد البر: ذكره بعضهم في موالي النبي صلى الله عليه وسلم, ولا أعرفه.

قلت: قال أبو العباس جعفر بن محمد المستغفري الحافظ: كان حبشياً نوبياً من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم بقي إلى أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه, وأخذ الديوان.

"أبو مويهبة" من مولدي مزينة, لا يوقف له على اسم, اشتراه النبي صلى الله عليه وسلم وأعتقه, يقال: شهد المريسيع, وكان يقود بعائشة بعيرها، وقيل له: أبو موهبة أيضاً.

"أبو هاشم": قال أبو الشيخ الأصبهاني: حدثنا إبراهيم بن محمد بن علي الرازي, حدثنا محمد بن عبد الله بن أبي الثلج, حدثنا


#322#

الحسن بن حماد بن كسيب, حدثنا يحيى بن يعلى, عن أبي عبد الرحمن حلو بن السري الأودي, حدثنا أبو هاشم مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كانت أمي, أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم, هو أعتق أبي وأمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء من المسجد فوجد علياً وفاطمة رضي الله عنهما مضطجعين قد غشيتهما الشمس, فقام عند رؤوسهما وعليه كساء خيبري, فمد دونهما وقال: «قوما أحب باد وحاضر» ثلاث مرات.

وجاء من طريق أخرى, عن عبيد الله بن موسى, حدثنا حلو الأودي, عن أبي هاشم, عن أبيه وكان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم ... فذكر الحديث بنحوه, فعلى هذا المولى هو والد أبي هاشم.

قال البخاري في "صحيحه": حدثنا عمرو بن علي, حدثنا أزهر بن سعد, عن ابن عون, عن ثمامة بن أنس, عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى مولى له خياطاً, فأتى بدباء فجعل يأكله, فلم أزل أحبه منذ رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يأكله.

فهؤلاء موالي النبي صلى الله عليه وسلم الذين وقعوا لنا, وفي بعضهم خلاف, وذكر بعضهم فيمن خدم النبي صلى الله عليه وسلم من الأحرار.


#323#

&[خدامه صلى الله عليه وسلم من الأحرار]&

وأما خدامه صلى الله عليه وسلم من الأحرار فهم:

"أربد" خادم رسول الله صلى الله عليه وسلم, استدركه أبو موسى من حديث منكر، قاله الذهبي في "التجريد".

ولفظ أبي موسى في كتابه الذي ذيل به على كتاب أبي عبد الله بن منده في "معرفة الصحابة" قال: أربد خادم النبي صلى الله عليه وسلم ذكره الحافظ أبو عبد الله في "التاريخ" وقال: روى حديثه أصبغ بن زيد, عن سعيد بن راشد, عن زيد بن علي, عن جدته فاطمة بحديث له فيه ذكر. انتهى.

"أسلع بن شريك بن عوف", ويقال [له] ابن الحارث التميمي, وكان يرحل ناقة النبي صلى الله عليه وسلم, روى حديثه العلاء بن أبي سويه, عن الهيثم بن رزيق, عن أبيه عنه.

"أسماء بن حارثة بن سعيد الأنصاري", ويقال: الأسلمي أخو هند.


#324#

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا محمد بن نعيم بن عبد الله المجمر, عن أبيه, سمعت أبا هريرة رضي الله عنه قال: ما كنت أظن هند وأسماء ابني حارثة الأسلميين إلا مملوكين لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: قال محمد بن عمر: كانا يخدمانه لا يريمان بابه هما وأنس بن مالك.

"أسود بن مالك الأسدي".

"أنس بن مالك بن النضر" أبو حمزة الأنصاري النجاري.

قال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا يونس بن أبي إسحاق, حدثنا المنهال بن عمرو قال: كان أنس رضي الله عنه صاحب نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم وإداوته.

"أيمن بن عبيد" وتقدم في الموالي, وكان أيمن على مطهرة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعاطيه حاجته.

"بكر بن شداخ" الليثي, ويقال: بكير, فيما سماه ابن الكلبي, وسمى أباه شداداً لكنه من بني الشداخ بن عوف الكناني.

قال عبد الله بن عبد الجبار الخبائري: حدثنا مطرف بن أبي بكر الهذلي, عن أبيه, عن عبد الملك بن يعلى الليثي أن بكر بن شداخ الليثي, وكان ممن يخدم النبي صلى الله عليه وسلم وهو غلام, فلما احتلم جاء النبي


#325#

صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله إني كنت أدخل على أهلك, وقد بلغت مبلغ الرجال, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اللهم صدق قوله ولقه الظفر» فلما كان في ولاية عمر رضي الله عنه وجد رجل يهودي قتيلاً فأعظم ذلك عمر وجزع وصعد المنبر, فقال: أفيما ولاني الله عز وجل واستخلفني يفتك بالرجال, أذكر الله رجلاً كان عنده علم إلا أعلمني, فقام إليه بكر بن شداخ, فقال: أنا به, فقال: الله أكبر بؤت بدمه, فهات المخرج, فقال: بلى, خرج فلان غازياً ووكلني بأهله, فجئت إلى بابه فوجدت هذا اليهودي في منزله وهو يقول:

وأشعث غره الإسلام مني ... خلوت بعرسه ليل التمام

أبيت على ترائبها ويمسي ... على قود الأعنة والحزام

كأن مجامع الربلات منها ... فئام ينهضون إلى فئام.

قال: فصدق عمر قوله, وأبطل دمه بدعاء النبي صلى الله عليه وسلم.


#326#

"بلال بن رباح" مولى أبي بكر رضي الله عنهما, وكان على نفقاته صلى الله عليه وسلم.

ثعلبة بن عبد الرحمن الأنصاري صاحب الحديث الطويل الباطل في توبته, ولا يصح, والحديث روي من طرق مختلفة كلها باطلة, وذكر الذهبي أن الحديث شبه الموضوع, والله أعلم.


#327#

"جزء بن الحدرجان بن مالك بن أخي أسود" المذكور قبل, أبوه الحدرجان بن مالك الأسدي.

"حمزة بن عمرو الأسلمي" خدم النبي صلى الله عليه وسلم في غزاة تبوك, وكناه النبي صلى الله عليه وسلم أبا صالح.

قال أبو القاسم سليمان بن أحمد الطبراني: حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي, حدثنا يزيد بن يحيى بن يزيد أبو خالد الخزاعي, حدثنا أبو بكر بن محمد بن حمزة بن عمرو الأسلمي, عن أبيه, عن جده رضي الله عنه قال: خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى غزوة تبوك وكنت على خدمته ذلك السفر, فنظرت إلى نحي السمن قد قل ما فيه, وهيأت للنبي صلى الله عليه وسلم طعاماً, ووضعت النحي في الشمس ونمت, فانتبهت لخرير النحي, فقمت فأخذت برأسه بيدي, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ورآني: «لو تركته لسال وادياً سمناً».

تابعه أبو بكر أحمد بن محمد بن هاشم, عن محمد بن عبد الله بن سليمان بمثله إلا أنه قال: «ألا تركته, ولو تركت لسال واد سمناً».

حدث به القاضي أبو عمر القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي، عن أبي بكر هذا.


#328#

"خالد بن سيار بن عبد عوف الغفاري": سائق بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم, قاله الكلبي وابن سعد وزاد ومعه حسان الأسلمي.

ذو مخمر الحبشي ابن أخي النجاشي, وقيل ابن أخته, وقال البخاري: ذو مخبر بالموحدة مكان الميم الثانية, قال ابن سعد: ومخمر أصوب.

خرج أبو داود من حديث حجاج بن محمد ومبشر الحلبي, عن حريز بن عثمان, حدثني يزيد بن صالح, عن ذي مخبر الحبشي, وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم, في هذا الخبر قال: فتوضأ – يعني النبي صلى الله عليه وسلم – وضوءاً لم يلث منه التراب, ثم أمر بلالاً فأذن, ثم قام النبي صلى الله عليه وسلم فركع ركعتين غير عجل, ثم قال لبلال: «أقم الصلاة» ثم صلى وهو غير عجل.

قال: قال حجاج, عن يزيد بن صليح, حدثني ذو مخبر رجل من الحبشة.

وقال أيضاً: حدثنا مؤمل بن الفضل, حدثنا الوليد, عن حريز,


#329#

عن يزيد بن صليح, عن ذي مخبر ابن أخي النجاشي قال: فأذن وهو غير عجل.

"ذؤيب بن حلحلة بن عمرو", ويقال: ابن أبي حلحلة, والد قبيصة الخزاعي, وفي اسم أبيه خلاف, وكان صاحب بدن رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أهدى والناظر عليها.

قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان النبي صلى الله عليه وسلم يبعث معه بالبدن.

"ربيعة بن كعب بن مالك" أبو فراس الأسلمي, وكان صاحب وضوئه.

قال عمرو بن مرزوق: أخبرنا مبارك بن فضالة, عن أبي عمران الجوني, عن ربيعة بن كعب الأسلمي قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي يوماً: «يا ربيعة ألا تزوج» فقلت: والله يا رسول الله لخدمتك أحب إلي, قال: ثم أعاد علي مرة أخرى, فقلت له مثل ذلك قال: قلت: والله لرسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بما يصلحني مني, والله لئن قال مرة أخرى لأقولن: بلى يا رسول الله, قال: فقال لي: «يا ربيعة ألا تزوج» قلت: بلى يا رسول الله, فقال: «ائت آل فلان – لأهل بيت من الأنصار – فليزوجوك ابنتهم فلانة» قال: فأتيتهم, فقلت: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمركم أن تزوجوني من فلانة, فقالوا: مرحباً برسول الله صلى الله عليه وسلم, لا يذهب


#330#

رسول [رسول] الله صلى الله عليه وسلم إلا بحاجته قال: فزوجوني ولم يسألوني بينة ... وذكر الحديث بطوله.

وقال أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق بن إسماعيل في كتابه "الشفاعة": حدثنا علي بن عبد الله, حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد, حدثنا أبي, عن ابن إسحاق, حدثني محمد بن عمرو بن عطاء, عن نعيم بن مجمر, عن ربيعة بن كعب الأسلمي رضي الله عنه قال: كنت أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فأقوم له في حوائجه نهاري أجمع, حتى نصلي العشاء الآخرة فأجلس ببابه حتى يدخل بيته, أقول: لعلها أن تحدث لرسول الله صلى الله عليه وسلم حاجة, قال: فقال لي يوماً لما يرى من خفتي له وخدمتي إياه: «يا ربيعة سلني أعطك» قال: قلت: أنظر في أمري يا رسول الله, ثم أعلمك ذلك قال: ففكرت في نفسي فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وإن لي فيها رزقاً سيكفيني ويأتيني قال: فقلت: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخرى, فإنه من الله تعالى بالمنزل الذي هو به, فجئته فقال: [«ما فعلت] يا ربيعة؟» فقلت: نعم يا رسول الله, أسألك أن تشفع لي إلى ربك فيعتقني من النار, فقال: «من أمرك بهذا يا ربيعة؟» قال: قلت: لا, والذي بعثك بالحق ما أمرني أحد, ولكنك لما قلت لي «سلني أعطك», فكنت من الله تعالى بالمنزل الذي أنت به منه, فنظرت


#331#

في أمري فعرفت أن الدنيا منقطعة وزائلة وإن لي فيها رزقاً سيأتيني, فقلت: أسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الأخرى قال: فصمت رسول الله صلى الله عليه وسلم طويلاً ثم قال: «إنني فاعل فأعني على نفسك بكثرة السجود».

وخرجه بنحوه الإمام أحمد في "مسنده" عن يعقوب, وقد قدمناه في الصفات مختصراً.

"سعد مولى أبي بكر": قال أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا سليمان بن داود, حدثنا أبو عامر, عن الحسن, [عن سعد] مولى أبي بكر, وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم, وكان يعجبه خدمته, فقال: «يا أبا بكر أعتق سعداً» فقال سعد: يا رسول؟, ما لنا غيره, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعتق سعداً أتتك الرجال, أتتك الرجال».

قال أبو داود: يعني السبي.

أبو داود هو الطيالسي سليمان بن داود شيخ أحمد, وأبو عامر هو صالح بن رستم الخزاز.


#332#

وحدث به ابن سعد في "الطبقات" عن الطيالسي.

وحدث به مطولاً أبو إسحاق [إبراهيم بن يعقوب] الجوزجاني في كتابه "أمارات النبوة" فقال: حدثنا أبو توبة, حدثنا معاوية بن سلام حدثني عبد الله بن زيد الجرمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينطلق هو وأبو بكر رضي الله عنه, فيخرجان إلى الجبل, فيدرسان القرآن, حتى إذا أمسيا رجعا فطافا بالبيت وصليا ما قدر لهما حتى إذا كانت ليلة أقبلا بعدما هدأ الناس, فطافا بالبيت وصليا ما قدر لهما, فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق بنا إلى أهلنا لعلنا نجد شيئاً نأكله وأخذ الكلام عبد لأبي بكر قائماً في فناء البيت, فقال أبو بكر رضي الله عنه: يا سعد عندك شيء تطعمنا؟ فقال: عندي جفنة من زبيب, فجلسا فقدم إليهما فجعلا يقضمانه, فقال سعد: يا رسول الله ما لنا خادم يخدمنا غيره, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعتق سعداً يا أبا بكر أعتق سعداً يا أبا بكر [أعتق سعداً يا أبا بكر], فهذا خير, فتح الله لك باب العبيد والإماء إن شاء الله» فأعتقه أبو بكر, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا سعد إن كان لك شيء فالحق به, وإن شئت أن تلحق بنا إذا خرجنا فإنا لن نألوك خيراً» قال: ما لي من ولد ولا والد ألحق به


#333#

غيركما, فلما خرجا إلى المدينة لحق بهما, فكان سعد يرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر إذا سافرا, فغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة فنزل الجيش ذات يوم وليس معهم طعام, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا سعد هل معك شيء؟» قال: نعم, معي صاع من تمر خبأته لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأبي بكر, فقال: «ائت به» فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده ودعا بالبركة, ثم قال: «ائت بالأنطاع من جلود» فبسط الأنطاع بعضها إلى بعض, وبسط رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك التمر على الأنطاع, ثم قال: «يا سعد أذن في الناس هلموا إلى الغداء».

فأقبل الناس, فجعلوا يزدحمون, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كلوا ولا تعجلوا» ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خذ الحلاب فانظر إلى الشاة وراء الشجرة فاحلبها» فإذا هو بعنز سوداء ضخمة الضرع, فجعل يحلب في قدحه, ثم يأتي به رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول: «اسق القوم» فجعل يسقيهم, ثم يرجع يملؤه فيسقيهم, ثم يرجع فيملؤه فيسقيهم حتى صدر الجيش عن شبع وري ولبن, فلما أن شبعوا قال: «اقبض إليك سائر تمرك» فجمع بعضه إلى بعض, فإذا صاعه كما كان, فجعله في وعائه, ثم أذن في الرحيل, فدعا سعد صاحبا له, فأعطاه العنز, فقال: اجعل يدك من وراء عنقها وضمها إليك حتى أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر فإذا صاحبه يدعوه: يا سعد, حين فرغ من الرحيل, جاءه يسعى, فقال: إن العنز قد ذهبت قال: أضعتها؟ قال: ما فارقت يداي عنقها,


#334#

وما أدري كيف انسلت, فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم سعداً فقال: إني كنت أعطيت صاحباً لي العنز يمسكها, فما أدري كيف انسلت فذهبت, قال: «اركب عنك ودعها».

"شريك": وقع غير منسوب, كذا ذكره بعضهم, وقال صاحب "المغني" في مذهب أحمد بن حنبل: وذكر ابن عقيل, وفي نسخة: وروى بعض أصحابنا حديثاً عن شريك رحال النبي صلى الله عليه وسلم قال: أجنبت وأنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فجمعت حطباً فأحميت الماء فاغتسلت ... الحديث.

شريك هذا هو الأسلع بن شريك التميمي الذي قدمناه.

وقد قال أبو محمد دعلج بن أحمد في كتابه "مسند المقلين" في ترجمة الأسلع هذا قال: ويقال له: شريك الأعرج. انتهى.

ولم يقع لنا حديثه إلا مسمى فيه بالأسلع.

قال الحسن بن سفيان: حدثنا محمد بن مرزوق, حدثنا العلاء بن الفضل بن عبد الملك, حدثنا الهيثم بن رزيق, عن أبيه, عن الأسلع بن شريك قال: كنت أرحل ناقة النبي صلى الله عليه وسلم فأصابتني جنابة في ليلة باردة, وأراد رسول الله صلى الله عليه وسلم الراحلة, وكرهت أن أرحل ناقته وأنا جنب, وخشيت أن أغتسل بالماء البارد فأموت ..... الحديث.

وخرجه الطبراني في "معجمه الكبير" فقال: حدثنا سهل بن موسى


#335#

شيران الرامهرمزي, حدثنا محمد بن مرزوق, فذكره بنحوه.

ورواه أبو زكريا السيلحيني, حدثنا عليلة بن بدر, عن أبيه, عن جده [عن] الأسلع قال: كنت أخدم النبي صلى الله عليه وسلم وأرحل له فقال: «يا أسلع قم فارحل» قال: قلت: يا رسول الله إني جنب, ونزلت آية الصعيد, فدعاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فعلمني التيمم, فضرب ضربة لوجهه, وضربة لليدين إلى المرفقين.

"عبد الله بن مسعود الهذلي", وكان صاحب نعليه صلى الله عليه وسلم وغيرهما.

قال الواقدي: حدثنا عبد الله بن جعفر, عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد القاري, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة قال: كان عبد الله بن مسعود رضي الله عنه صاحب سواد رسول الله صلى الله عليه وسلم يعني سره, ووساده يعني فراشه, وسواكه ونعليه وطهوره, وهذا يكون في السفر.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا الفضل بن دكين, حدثنا المسعودي, عن القاسم بن عبد الرحمن, قال: كان عبد الله يلبس رسول الله صلى الله عليه وسلم نعليه, ثم يمشي أمامه بالعصا, حتى إذا أتى مجلسه نزع نعليه وأدخلهما في ذراعيه وأعطاه العصا, فإذا أراد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقوم ألبسه نعليه, ثم مشى بالعصا أمامه حتى يدخل الحجرة قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.


#336#

وقال أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة في كتابه "عيون الأخبار": وحدثني شيخ لنا, عن أبي معاوية, حدثنا أبو حنيفة, عن معن بن عبد الرحمن, عن أبيه قال: قال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: ما كذبت على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا كذبة واحدة, كنت أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فجاء رجل من الطائف, فقلت: هذا يغلبني على الرحال, فقال: أي الرحال أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقلت: الطائفية المنكبة, فرحل بها, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من رحل لنا هذا؟» فقالوا: الطائفي, فقال: «مروا عبد الله فليرحل لنا» فعدت إلى الرحال.

"عقبة بن عامر الجهني", وكان صاحب بغلته صلى الله عليه وسلم يقود به في الأسفار.

"عياذ بن عمرو", وثقيل: ابن عبد عمرو الأزدي.

قال بشر بن آدم: حدثنا الضحاك بن مخلد, حدثني بشر بن صحار الأعرجي, أخبرني المعارك بن بشر بن عياذ وغير واحد من أعمامي, عن عياذ بن عمرو, وكان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم, فخاطبه يهودي فسقط رداؤه عن منكبه, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكره أن يرى الخاتم فسويته عليه, فقال: «من فعل هذا؟» قلت: أنا. قال: «تحول إلي ... » وذكر الحديث.

وقد تقدم في صفة الخاتم الشريف بطوله.


#337#

وقال البخاري في "تاريخه الكبير": قال عمرو بن علي, حدثنا الضحاك بن مخلد, حدثنا بشر بن صحار بن عياذ بن عبد عمرو الأزدي سمع معارك بن بشر بن عياذ أن عياذاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فخدمه, وكان معه قبل فتح مكة ودعا له, قال: ورأيت خاتم النبوة, وذكر بقيته.

"قيس بن سعد بن عبادة الأنصاري الخزرجي": قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن سفيان بن أبي الدنيا القرشي في كتابه "الذكر لله عز وجل": حدثنا القاسم بن محمد بن عباد المهلبي, حدثنا أبي, عن جدي, عن شعبة, عن منصور, عن ميمون بن أبي شبيب, عن قيس بن سعد بن عبادة قال: أخذ أبي بيدي, فدفعني إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخدمه, فمر بي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا في المسجد قد ركعت ركعتين فوكعني وقال: «ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟» قلت: بلى يا رسول الله قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله».

[ت] حدثنا أبو موسى محمد بن المثنى, حدثنا وهب بن جرير، حدثني أبي, سمعت منصور بن زاذان, عن ميمون بن أبي شبيب, عن قيس بن سعد بن عبادة أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه, قال: فمر


#338#

بي النبي صلى الله عليه وسلم وقد صليت فضربني برجله وقال: «ألا أدلك على باب من أبواب الجنة؟» قلت: بلى قال: «لا حول ولا قوة إلا بالله».

هذا حديث حسن صحيح غريب من هذا الوجه, قاله الترمذي.

وحدث به أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه" فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا جرير بن حازم, سمعت منصور بن زاذان يحدث عن ميمون بن أبي شبيب, عن قيس بن سعد بن عبادة أن أباه دفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخدمه.

وقال في ترجمة قيس: حدثنا أحمد بن عبد الله بن يونس, حدثنا زهير, سمعت أبا إسحاق يذكر أن قيس بن سعد كان خادم النبي صلى الله عليه وسلم.

وقال البخاري في "تاريخه الكبير": قال مسدد: عن عيسى بن يونس, عن أبيه, عن يريم بن أسعد الخارفي قال: رأيت قيس بن سعد وكان خدم النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين مسح على خفيه.

"معمر بن عبد الله بن نافع بن نضلة" بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب العدوي كان يرحل للنبي صلى الله عليه وسلم.

حدث محمد بن إسحاق, عن يزيد بن أبي حبيب, عن عبد الرحمن بن عقبة – هو مولى معمر – عن معمر قال: كنت أرحل لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فبينا هو يسير ذات يوم وأنا معه فقال: «يا معمر إني أجد في أنساعي اضطراباً» قلت: والذي بعثك لقد شددتها كما كنت أشدها, ولكن


#339#

بعض من حسدني على منزلتي منك هو صنع ذلك؛ لتستبدل [بي] غيري قال: «ما كنت لأفعل» قال: وكنت أرحل له ... الحديث, وتقدم بطوله في حجة الوداع.

"معيقيب بن أبي فاطمة الدوسي": كان على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم.

قال البخاري في "تاريخه الكبير": قال محمد بن بشار: حدثنا سهل بن حماد, حدثنا أبو مكين نوح بن ربيعة, حدثنا إياس بن الحارث بن معيقيب عن أبيه, عن جده المعيقيب قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة, فربما كان في يدي, وكان معيقيب على خاتم النبي صلى الله عليه وسلم.

وحدث به أبو داود في "سننه" عن ابن مثنى وزياد بن يحيى والحسن بن علي.

وحدث به النسائي عن عمرو بن علي وأبي داود سليمان بن سيف الحراني, عن حسيم, عن سهل بن حماد أبي عتاب الدلال, فذكره.

"مهاجر مولى أم سلمة" يكنى أبا حذيفة.

"نعيم بن ربيعة بن كعب الأسلمي": وتقدم ذكر أبيه, هكذا ذكره جماعة, وهو وهم, وصوابه: نعيم, عن ربيعة بن كعب, كما مرت الرواية بذلك من طريق محمد بن عطاء, عن نعيم بن مجمر, عن ربيعة بن كعب, والله أعلم.


#340#

"هند بن جارية الأسلمي": تقدم ذكر أخيه.

"الهيثم بن نصر بن ذهر" بكسر الذال المعجمة وإسكان الهاء بعدها راء, فيما قاله الواقدي.

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر, حدثني سليمان بن عاصم, عن سليمان بن عبد الله بن أبي عويم, عن عبد الله بن نيار, عن الهيثم بن نصر بن ذهر الأسلمي رضي الله عنه قال: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم ولزمت بابه في قوم محاويج, فكنت آتيه بالماء من جاسم بئر أبي الهيثم بن التيهان, وكان ماؤها طيباً.

"أبو أسيد" ثابت الأنصاري: وقيل: عبد الله بن ثابت, كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم, روى عن النبي صلى الله عليه وسلم: «كلوا الزيت وادهنوا به فإنه [من] شجره مباركة» إسناده مضطرب فيه لا يصح.

وقد قيل: فيه أبو أسيد بالضم, والصواب بالفتح – إن شاء الله تعالى – قاله أبو عمر بن عبد البر.


#341#

وروي عن عبد الرحمن بن جبير أنه حدثه خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين, كان يسمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه طعاماً يقول: «بسم الله» فإذا فرغ من طعامه قال: «اللهم أطعمت وسقيت, وأغنيت وأقنيت, وهديت وأحييت, فلك الحمد على ما أعطيت».

خرجه النسائي وابن السني.

"أبو ذر الغفاري": فيما قالت أسماء بنت يزيد, كان أبو ذر يخدم النبي صلى الله عليه وسلم حتى إذا فرغ من خدمته آوى إلى المسجد, وكان هو بيته فاضطجع فيه.

"أبو سلام الهاشمي".

"أبو صالح الخازن": قال أبو أسامة: عن عباد بن منصور, عن أيوب, عن أبي قلابة, عن أبي صالح الخازن, قال أبو أسامة: وكان من خزان النبي صلى الله عليه وسلم (عن النبي صلى الله عليه وسلم): «إن الله عز وجل كتب كتاباً قبل أن يخلق السماوات والأرض» ..... الحديث.


#342#

أبو صالح لا يعرف, قاله الذهبي في "الميزان" وذكره ابن حبان في "الثقات".

وقول أبي أسامة غريب, فإني لم أقف على أبي صالح هذا في الصحابة, وإنما روايته هذا الحديث عن النعمان بن بشير, عن النبي صلى الله عليه وسلم خرجه النسائي في "عمل اليوم والليلة" من طريق ريحان بن سعيد, عن عباد بن منصور, عن أيوب, عن أبي قلابة, عن أبي صالح الحارثي, عن النعمان بن بشير.

وخرجه الطبراني في "معجمه الأوسط" من طريق ريحان ولفظه: «إن الله عز وجل كتب كتاباً قبل أن يخلق السموات والأرض بألفي عام, فهو عنده على العرش, أنزل في ذلك الكتاب آيتين ختم بهما سورة البقرة, وإن الشيطان لا يلج بيتاً قرئت فيه ثلاث ليال».

لم يروه عن أيوب إلا عباد بن منصور, تفرد به ريحان بن سعيد, قاله الطبراني. وهو عند النسائي أيضاً والترمذي من حديث حماد بن سلمة، عن أشعث بن عبد الرحمن, عن أبي قلابة, عن أبي الأشعث, عن النعمان بن بشير, غريب, قاله الترمذي.


#343#

و "الأشعث شرحبيل بن عبد الرحمن الصنعاني".

وجاء عن يزيد بن هارون عن عبد الله الأصم, عن عامر بن الأحول, عن أبي صالح، عن النعمان بن بشير موقوفاً.

وأبو صالح هذا قيل فيه: (الخازن), كما في حديث [أبي] أسامة, وقيل فيه: الحارثي, كما في رواية الأشعث, وقيل فيه: الحادي كأنجشة حادي القوارير.

"أبو عبيد": وتقدم ذكره في الموالي.

"أبو هريرة الدوسي رضي الله عنه":

خرج مسلم في "صحيحه" من حديث سفيان بن عيينة, عن الزهري, عن الأعرج سمعت أبا هريرة رضي الله عنه يقول: إنكم تزعمون [أن] أبا هريرة يكثر الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والله الموعد, كنت رجلاً مسكيناً أخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ملء بطني ... وذكر الحديث بطوله.

غلام من الأنصار نحو أنس بن مالك مذكور في حديث الإداوة.


#344#

"رجل من الصحابة مجهول":

قال خيثمة بن سليمان: حدثنا أبو قلابة, حدثنا عمير بن عبد المجيد, حدثنا أبو خلدة خالد بن دينار, حدثني أبو العالية, حدثني من كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: هذا ما حفظت لك منه, كان إذا صلى ثم لم يبرح من المسجد حتى تحضر الصلاة توضأ وضوءاً خفيفاً من جوف المسجد.

"آخر مجهول": روى النسائي عن يونس, عن ابن وهب, عن سعيد وهو ابن أبي أيوب, عن بكر بن عمرو, عن ابن هبيرة, عن عبد الرحمن بن جبير, عمن خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثماني سنين أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم إذا قرب إليه الطعام قال: «بسم الله ... » الحديث.

"آخر": قال أبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه": حدثنا عمرو بن مرزوق, أخبرنا شعبة, عن أبي عقيل هاشم بن بلال, عن سابق بن ناجية, عن أبي سلام, عن رجل خدم النبي صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا حدث الحديث أعاده ثلاث مرار.

وصح عن أنس بن مالك رضي الله عنه: كان غلام يهودي يخدم النبي صلى الله عليه وسلم فمرض, فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده, فقعد عند رأسه .... الحديث في إسلامه.

قيل: إن اسم الغلام عبد القدوس.


#345#

وقال أحمد بن كامل القاضي: حدثني أبو سليمان داود بن محمد بن أبي معشر, حدثنا أبي, عن أبي معشر, عن عمرو بن عثمان بن هانئ قال: كان غلام يهودي كان يخدم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيبعثه في حوائجه, قال: فمرض, قال: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوده, فرأى به الموت, فقال له: «يا فلان قل: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله» قال: فسكت الغلام فرقاً من أبيه, فلما رأى أبوه ذلك قال: يا بني إن كنت هويت شيئاً فقل, فقال: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله, ثم مات, فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى غسل وكفن, وصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

واثلة, روى عيينة اللخمي, عن أبي عمار, عن واثلة, وكان خدم النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين, قاله سعيد الأموي, عن أبيه, عن يزيد بن سنان, ذكره البخاري في "التاريخ".

وجميع من سمينا ممن دخل في رقه صلى الله عليه وسلم جزم جل الإخباريين بعتقه, والأحاديث بذلك معلِمة معلَمة من أنه صلى الله عليه وسلم لم يمت وفي ملكه عبد ولا أمة.


#346#

&[ما روي في ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم]&

قال عباد بن العوام: حدثنا هلال بن خباب, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وما ترك ديناراً ولا درهماً, ولا عبداً ولا أمة, ولا شاة ولا بعيراً, وترك درعه التي كان يقاتل فيها مرهونة بثلاثين صاعاً من شعير ... الحديث.

وقال شيبان: حدثنا عاصم بن أبي النجود, عن زر قال: سألت عائشة رضي الله عنها عن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: أعن ميراث رسول الله صلى الله عليه وسلم تسألني, لا أب لك, والله ما ورث رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً, ولا شاة ولا بعيراً, ولا عبداً ولا أمة.

وثبت من حديث عبد الرحمن بن مهدي وغيره, عن سفيان, عن


#347#

أبي إسحاق, عن عمرو بن الحارث رضي الله عنه قال: ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ديناراً ولا درهماً, ولا عبداً ولا أمة, إلا بغلته البيضاء, وسلاحه, وأرضاً جعلها لابن السبيل صدقة – هذه الأرض فدك, وهي مدينة بينها وبين المدينة يومان وعن خيبر دون مرحلة – والكثيبة, وهي حصن من حصون خيبر.

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني أسامة بن زيد الليثي, عن الزهري, عن مالك بن أوس بن الحدثان, عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث صفايا: فكانت بنو النضير حبساً لنوائبه, وكانت فدك لابن السبيل, وكانت خيبر, فكان الخمس قد جزأه ثلاثة أجزاء: فجزءان للمسلمين, وجزء كان ينفق منه على أهله, وإن فضل فضل رده على فقراء المسلمين.

وقال: أخبرنا محمد بن عمر, حدثني موسى بن عمر الحارثي, عن محمد بن سهل بن أبي حثمة قال: كانت صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير وهي سبعة: الأعراف, والصافية, والدلال, والميثب, وبرقة, وحسنى, ومشربة أم إبراهيم, وإنما سميت مشربة أم إبراهيم لأن أم إبراهيم مارية كانت تنزلها, وكان ذلك المال لسلام بن مشكم النضري.


#348#

وقال: أخبرنا محمد بن عمر, حدثني محمد بن بشر بن حميد, عن أبيه, قال: سمعت عمر بن عبد العزيز يقول في خلافته بخناصرة: سمعت بالمدينة – والناس يومئذ بها كثير – من مشيخة المهاجرين والأنصار أن حوائط النبي صلى الله عليه وسلم يعني السبعة التي وقف من أموال مخيريق, وقال: إن أصبت فأموالي لمحمد صلى الله عليه وسلم يضعها حيث أراه الله، وقتل يوم أحد, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مخيريق خير يهود», وذكر بقيته.

وقال: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا يحيى بن سعيد بن دينار, عن أبي وجزة يزيد بن عبيد السعدي قال: كان مخيريق أيسر بني قينقاع, وكان من أحبار يهود وعلمائها بالتوراة, فخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أحد ينصره وهو على دينه, قال لمحمد بن مسلمة وسلمة بن سلامة: إن أصبت فأموالي إلى محمد صلى الله عليه وسلم يضعها حيث أراه الله, فلما كان يوم السبت وانكشفت قريش ودفن القتلى وجد مخيريق مقتولاً به جراح, فدفن ناحية من مقابر المسلمين, ولم يصل عليه, ولم يسمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ولا بعد ترحم عليه, ولم يزده على أن قال: «مخيريق خير يهود» فهذا أمره.

وذكر حماد بن إسحاق في كتابه "تركة النبي صلى الله عليه وسلم" أن الله عز وجل فتح على النبي صلى الله عليه وسلم الفتوح في آخر عمره فصارت له أموال. منها: أموال مخيريق اليهودي, وكان أوصى بماله للنبي صلى الله عليه وسلم لمعرفته بأنه رسول الله


#349#

صلى الله عليه وسلم, وهي صدقات رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة. ومنها: ما فتح الله عز وجل عليه مما لم يوجف المسلمون عليه بخيل ولا ركاب, ونزلوا من حصونهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير قتال, وهم بنو النضير, وأهل حصن الكثيبة من حصون خيبر, فإنهم نزلوا إليه أيضاً بغير قتال, وقاتل غيرهم من أهل خيبر.

ومن ذلك أيضاً فدك, قال الله تبارك وتعالى: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير} فجعل الله عز وجل لرسوله صلى الله عليه وسلم في ذلك ما لم يجعله لأحد سواه.

ثم قال حماد: وروى إسماعيل بن أبي أويس, ورواه محمد بن مسلمة وغيرهما في رسالة عمر بن عبد العزيز التي كتبها في وجوه الأموال التي تقسم, وعرضت على مالك بن أنس فقال: هذا رأي أن عمر بن عبد العزيز قال: إن الله تعالى نفل رسوله صلى الله عليه وسلم خاصة دون الناس مما غنمه من أموال بني قريظة والنضير إذ يقول: {وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على شيء قدير} قال عمر: فكانت تلك الأموال خالصة لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجب فيها خمس ولا مغنم ليولي الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم أجرها وأجر أهل الحاجة إليها والسبقة.


#350#

قال عمر: فلم يضنن بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولم يحزها لنفسه ولا لقرابته, ولم يخصص أحداً منهم بفرض ولا سهمان, ولكن آثر صلى الله عليه وسلم بأوسعها وأعمها وأكثرها نزلاً لأهل الحق والقدمة من المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلاً من الله ورضواناً, وقسم طوائف منها في أهل الحاجة من الأنصار.

قال محمد بن مسلمة: فخص المهاجرين بما يستغنون به عن أموال الأنصار التي كانوا يواسونهم بها.

قال عمر بن عبد العزيز: وحبس منها فريقاً لنائبته وحقوق ما يعروه غير معتقد شيئاً منها, ولا مستأثر به, ولا مريد له, فجعلها صدقة لا تراث لأحد فيها زهادة في الدنيا ومحقرة لها وأثرة لما عند الله.

قال محمد بن مسلمة: فقسم رسول الله صلى الله عليه وسلم أموال بني النضير بين المهاجرين, وأعطى معهم أهل الخلة من الأنصار, وحبس فدك والكثيبة فيما بلغنا للحرب والسلاح.

وقال حماد بن إسحاق: حدثنا محفوظ بن أبي توبة, حدثنا عبد الله بن صالح, حدثني الليث بن سعد, حدثني عبد الرحمن بن خالد, عن ابن شهاب, عن عروة بن الزبير أن عائشة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم أخبرته أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلت إلى [أبي] بكر رضي الله عنه تسأله ميراثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وفاطمة حينئذ تطلب صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة وفدك وما بقي من خمس


#351#

خيبر, فقالت عائشة: فقال أبو بكر رضي الله عنه إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة، إنما يأكل آل محمد في هذا المال» وإني والله لا أغير شيئا من صدقة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حالها التي كانت عليها في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, ولأعملن فيها ما عمل فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال أيضاً: حدثنا هشام أبو الوليد, حدثنا حماد بن سلمة, عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: جاءت فاطمة إلى أبي بكر رضي الله عنهما فقالت: من يرثك؟ فقال: ولدي وأهلي, قالت: فلا ترث رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته؟ فقال أبو بكر رضي الله عنهما: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إنا لا نورث, ما تركنا فهو صدقة» فمن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعوله فأنا أعوله, ومن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفق عليه [فأنا أنفق عليه].

وخرجه يعقوب بن شيبة في "مسنده" فقال: حدثناه أبو الوليد هشام بن عبد الملك, حدثنا حماد بن سلمة .... فذكره.

وقال يعقوب: حديث صالح الإسناد من هذا الوجه, وليس بالقوي ولا بالضعيف الواهي.

وخرجه الترمذي عن محمد بن المثنى, عن أبي الوليد بنحوه, وقال: حديث حسن غريب من هذا الوجه, إنما أسنده حماد بن سلمة


#352#

وعبد الوهاب بن عطاء, عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه, وسألت محمداً – يعني البخاري – عن هذا الحديث فقال: لا أعلم أحداً رواه عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه إلا حماد بن سلمة.

قال الترمذي: وروى عبد الوهاب بن عطاء, عن محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه نحو رواية حماد بن سلمة, حدثنا بذلك علي بن عيسى, حدثنا عبد الوهاب بن عطاء, حدثنا محمد بن عمرو, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه أن فاطمة جاءت إلى أبي بكر وعمر رضي الله عنهم تسألهما إرثها من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالا: سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إني لا أورث» قالت: والله لا أكلمهما أبداً, قال: فماتت ولم تكلمهما.

قال علي بن عيسى: معنى: (لا أكلمهما). يعني في هذا الميراث أبداً؛ لأنهما صادقان.

قلت: وقد جاء الرواية بما يعضد قول علي بن عيسى رحمه الله.

قال أبو عوانة يعقوب بن إسحاق الإسفراييني الحافظ في "مسنده": حدثنا محمد بن يحيى, حدثنا عبد الرزاق.

وحدثنا محمد بن علي الصنعاني, أخبرنا عبد الرزاق, أخبرنا معمر, وحدثنا الدبري, عن عبد الرزاق, عن معمر, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة أن فاطمة والعباس رضي الله عنهم أتيا أبا بكر رضي الله عنه يلتمسان ميراثهما من


#353#

رسول الله صلى الله عليه وسلم وهما حينئذ يطلبان أرضه من فدك, وسهمه من خيبر, فقال لهما أبو بكر رضي الله عنه: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نورث, ما تركنا صدقة, إنما يأكل آل محمد من هذا المال», وإني والله لا أدع أمراً رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنعه فيه إلا صنعته, قال: فهجرته فاطمة رضي الله عنها, فلم تكلمه في ذلك حتى ماتت .... وذكر الحديث بطوله.

وحدث به أبو القاسم الطبراني, فقال: أخبرنا إسحاق بن إبراهيم – يعني الدبري – عن عبد الرزاق .... فذكره.

وذكر هذا الحديث الإمام أبو بكر بن العربي بنحوه, ثم قال على إثره: فتذكر ذلك يعني قول النبي صلى الله عليه وسلم: «إنا لا نورث ما تركنا فهو صدقة» جميع الصحابة, وعلمه عمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وطلحة وسعد وسعيد وأقر به علي والعباس رضي الله عنهم. انتهى.

قلت: وفي الباب عن الزبير بن العوام وحذيفة بن اليمان وأبي هريرة وعمرو بن الحارث وعائشة وغيرهم رضي الله عنهم.

وقال بشر بن عمر الزهراني: حدثنا مالك بن أنس, عن ابن شهاب, عن مالك بن الأوس بن الحدثان قال: دخلت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه ودخل عليه عثمان بن عفان والزبير بن العوام وعبد الرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص, ثم جاء علي والعباس يختصمان, فقال عمر رضي الله عنه لهم: أنشدكم بالله الذي بإذنه تقوم السماء والأرض أتعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث ما تركنا صدقة»؟ قالوا: نعم. فلما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا ولي رسول


#354#

الله صلى الله عليه وسلم, فجئت أنت وهذا إلى أبي بكر تطلب أنت ميراثك من ابن أخيك, ويطلب هذا ميراث امرأته من أبيها, فقال أبو بكر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا نورث, ما تركنا صدقة» والله يعلم أنه صادق بار راشد تابع للحق.

خرجه الترمذي للزهراني هكذا مختصراً, وقال: هذا حديث حسن صحيح غريب من حديث مالك بن أنس, وذكر أن في الحديث قصة طويلة.

وهو مخرج في الصحيحين.

رواه متابعة لمالك جماعة منهم: شعيب وعقيل وعمرو بن دينار ومعمر وأبو أويس, عن الزهري بطوله.

تابعه عكرمة بن خالد, عن مالك بن أوس مختصراً.

وفي بعض طرقه قال ابن شهاب: فحدثت عروة بن الزبير بذلك، فقال: صدق مالك بن أوس, أنا سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: أرسل أزواج النبي صلى الله عليه وسلم عثمان بن عفان إلى أبي بكر رضي الله عنهما يسألنه ميراثهن مما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم, حتى كنت أنا – تعني نفسها – أردهن عن ذلك, فقلت لهن: ألا تتقين الله, ألم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لا نورث – يريد بذلك نفسه – ما تركنا صدقة, إنما يأكل آل محمد من هذا المال» فانتهى أزواج النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك.


#355#

وقال يعقوب بن شيبة في "مسنده": حدثنا عبد الله بن محمد, حدثنا محمد بن فضيل, عن الوليد بن جميع, عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: أرسلت فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالت: يا خليفة رسول الله أنت ورثت رسول الله صلى الله عليه وسلم أم أهله؟ قال: لا, بل أهله, قالت: فما بال سهم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله عز وجل إذا أطعم نبياً طعمة ثم قبضه فجعله للذي يقوم بعده» فرأيت أنا بعد أن أرده على المسلمين, فقالت: أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم.

تابعه أحمد بن حنبل وابنه عبد الله في "المسند" عن عبد الله بن محمد بن أبي شيبة بنحوه.

قال يعقوب بن شيبة عن هذا الحديث: حديث كوفي صالح الإسناد من هذا الوجه, وأبو الطفيل له صحبة, ولا أدري سمع هذا من أبي بكر أم لا, لا يبين فيه سماعاً, والله أعلم.

وخرج يعقوب أيضاً من حديث الكلبي, عن أبي صالح, عن أم هانئ أن فاطمة رضي الله عنها.. وذكر الحديث بمعناه.

قال حماد بن إسحاق في [كتابه] "تركة النبي صلى الله عليه وسلم": والذي جاءت به الروايات الصحاح فيما طلبه العباس وفاطمة وعلي لها وأزواج النبي صلى الله عليه وسلم من أبي بكر رضي الله عنه جميعاً إنما هو الميراث حتى


#356#

أخبرهم أبو بكر والأكابر من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا نورث, ما تركنا فهو صدقة» فقبلوا ذلك وعلموا أنه الحق, ولو لم يقل رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك كان لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما فيه الحظ الوافر بميراث عائشة وحفصة رضي الله عنهما, فآثروا أمر الله عز وجل وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم ومنعوا عائشة وحفصة ومن سواهما ذلك, ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يورث لكان لأبي بكر وعمر رضي الله عنهما [أعظم] الفخر به أن تكون ابنتاهما وارثتي محمد صلى الله عليه وسلم.

فأما ما يحكيه قوم: أن فاطمة عليها السلام طلبت فدك وذكرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعها إياها وشهد لها علي رضي الله عنه فلم يقبل أبو بكر رضي الله عنه شهادته؛ لأنه زوجها, فهذا أمر لا أصل له, ولا تثبت به رواية أنها ادعت ذلك, وإنما هو أمر مفتعل لا ثبت فيه, وإنما طلبت وادعت الميراث هي وغيرها من الورثة, وكان النظر والدعوى في ذلك, وقد بينا ما جاءت به الروايات الصحاح فيه, وإنما طلبت هي والعباس رضي الله عنهما من فدك وغيرها مما خلف رسول الله صلى الله عليه وسلم الميراث, لم تذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعها إياها, بل كان طلبها من فدك وغير فدك ميراثها.

والحديث الذي أشار إليه حماد بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع فاطمة عليها السلام فدك: رواه أبو أيوب سليمان بن داود الشاذكوني فقال: حدثنا عبد الله بن داود وعبيد الله بن موسى قالا: عن فضيل بن مرزوق, عن عطية قال: لما نزلت: {وءات ذا القربى حقه}


#357#

دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة فأعطاها فدك.

ورواه محمد بن علي بن دحيم, حدثنا أحمد بن حازم, حدثنا أبو عبد الرحمن الأصباغي, حدثنا فضيل بن مرزوق, عن عطية, عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: لما نزلت: {وءات ذا القربى حقه} دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة عليها السلام فأعطاها فدك.

هذا حديث لا يثبت, وقد تقدم أنه أمر مفتعل لا ثبت فيه من قول حماد بن إسحاق.

وقد رواه الحافظ أبو موسى المديني في كتابه "الإبانة" المذكور, واستدل على بطلانه من وجوه:

منها: أن عطية للشيعة مطية, وأنه تلقى التفسير عن الكلبي, والكلبي حاله في الرفض مشهور.

ومنها: أن ابن عباس وغيره من المفسرين اتفقوا على أن سورة بني إسرائيل مكية, وفدك إنما أفاء الله على رسوله صلى الله عليه وسلم بالمدينة في أواخر عهده, فكيف أعطاها بمكة قبل أن يفيئه الله عليه.

ومنها: أن فاطمة وعلياً وعباساً رضوان الله عليهم كذبوا هذا الحديث, حيث ادعوا نصيب الميراث من فدك, ولو كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعطاه فاطمة عليها السلام لطلبت الكل, ولما طلب العباس منه شيئاً.


#358#

وذكر وجوها أخر تدل على بطلان هذا.

ولا حجة بما رواه إبراهيم بن الحكم بن ظهير, عن أبيه, عن السدي, عن أبي مالك, عن ابن عباس رضي الله عنهما في تفسيره لما نزلت: {وءات ذا القربى حقه} أقطع رسول الله صلى الله عليه وسلم فاطمة عليها السلام فدك.

فهذا لا يحتج به لظلمة إسناده, فإبراهيم وأبوه والسدي ضعفاء غير محتج بهم.

ورواية الشاذكوني لهذا الحديث كما قدمناه إنما رواه ليدل على كون عطية من الشيعة ولم يحتج به في الصحيحين ولا في "سنن النسائي", ومن روى له فإنما روى له ما وافقه فيه الجمهور, ومن مشايخ عطية: محمد بن السائب الكلبي [النسابة أخذ التفسير عنه ولعله أخذ هذا من تفسير الكلبي] ولم ينسبه إليه.

قال إبراهيم بن حماد بن إسحاق عقب روايته الكلام الذي سقناه عن أبيه آنفاً: حدثنا عمي إسماعيل [بن إسحاق], حدثنا نصر بن علي, حدثنا ابن داود, عن فضيل بن مرزوق قال: قال زيد بن علي بن الحُسَيْن بن علي رضوان الله عليهم: أما أنا فلو كنت مكان أبي بكر حكمت بمثل ما حكم به أبو بكر في فدك.


#359#

وخرج الحافظ أبو موسى [محمد] بن أبي بكر المديني في كتابه "إبانة براءة ساحة الصديق مما ينسبه إليه الرافضي الزنديق" من طريق الحُسَيْن بن عبد المؤمن اللؤلؤي: حدثنا عبد الله بن داود التمار, حدثنا يحيى بن المتوكل, عن كثير النواء قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي رحمة الله عليهما: إن الناس يقولون: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما ظلماكم وذهبا بحقكم, فقال: لا, والذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً, ما ظلمانا ولا ذهبا بحقنا ما يزن حبة من خردل.

وروى أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب, عن ابن الأعرابي قال: أول خطبة خطبها السفاح في قرية يقال لها: العباسية, فلما صار إلى موضع الشهادة من الخطبة قام رجل من آل أبي طالب في عنقه مصحف فقال: أذكرك الله الذي ذكرته إلا أنصفتني من خصمي وحكمت بيني وبينه بما في هذا المصحف, فقال له: ومن ظلمك؟ فقال: أبو بكر الذي منع فاطمة فدك, قال: وهل كان بعده أحد؟ قال: نعم, قال: من؟ قال: عمر. قال: فأقام على ظلمكم؟ قال: نعم. قال: وهل كان بعده أحد؟ قال: نعم. قال: من؟ قال: عثمان. قال: وأقام على ظلمكم؟ قال: نعم. قال: وهل كان بعده أحد؟ قال: نعم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب. قال: وأقام على ظلمكم؟ قال: فأسكت الرجل, وجعل يلتفت إلى ما وراءه يطلب مخلصاً, فقال له: والذي لا إله إلا هو لولا أنه أول مقام قمته, ثم لم أكن تقدمت إليك في هذا قبل لأخذت الذي / فيه عيناك, اقعد وأقبل على الخطبة.


#360#

وقال أبو حفص عمر بن أحمد بن شاهين المروروذي في الجزء الذي جمعه في ذكر ما جرى في أمر الخمس وفدك, قال: - فاعلم رحمك الله – أن فاطمة سيدة النساء عليها السلام ما سألت لأبي بكر الصديق رضي الله عنه إلا ما ظنت أنه حق واجب, مع علمها بموضع أبي بكر رضي الله عنه من رسول الله صلى الله عليه وسلم ومن الإسلام ومن الأمان الذي ائتمنه الله عز وجل على الدين والإسلام, وكان عندها أن النبي صلى الله عليه وسلم يورث, ولم تكن سمعت من النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك شيئاً, ولم يجئ إليها أبو بكر الصديق رضي الله عنه إلا وهو عارف بفضلها وقدرها عند الله عز وجل, فأعطيت فاطمة عليها السلام خصلة لا يشاركها في القدر و[لا] النسب ولا المرتبة, ولا العز ولا الشرف من الأولين والآخرين أحد, وهو أن الله عز وجل اختار رجلين من الخلق لها, فجعل أحدهما أباها وهو النبي صلى الله عليه وسلم والآخر زوجها وهو علي بن أبي طالب رضي الله عنه, ومات صلى الله عليه وسلم وليس على الأرض أعرف بقدرها من أبي بكر رضي الله عنه, فجاء إليها فقال [لها]: يا بنت الحبيب بأبي أنت وبأبي أبي ولدك إنما هجرت داري, وخرجت من أهلي ومالي في حبكم, فما خير عيش حياة أعيشها وأنت علي ساخطة, فإن كان عندك من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك عهد فإني أشهد على رسول الله صلى الله عليه وسلم بقول: «لا نورث, إنما تركناه صدقة».

قال: فما قام حتى رضي ورضيت.


#361#

كذلك حدثناه عبد الله بن سليمان, أخبرنا محمد بن عبد الملك الدقيقي, أخبرنا معلى, أخبرنا منصور بن أبي الأسود, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبي ... وذكر الحديث بطوله. انتهى.

وهذا الحديث رواه عبدان بن عثمان العتكي, أخبرنا أبو حمزة, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن الشعبي قال: لما مرضت فاطمة عليها السلام أتاها أبو بكر الصديق رضي الله عنه فاستأذن عليها, فقال علي: يا فاطمة هذا أبو بكر يستأذن عليك, فقالت: أتحب أن آذن له؟ قال: نعم, فأذنت له, فدخل عليها يترضاها, وقال: والله ما تركت الدار والمال والأهل والعشيرة إلا ابتغاء مرضاة الله تعالى, ومرضاة رسوله صلى الله عليه وسلم ومرضاتكم أهل البيت, ثم ترضاها حتى رضيت.

وقال حماد بن إسحاق: حدثنا يحيى بن أكثم, حدثنا علي بن عياش بن مسلم الألهاني الحمصي, عن أبي معاوية صدقة الدمشقي, عن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن بن أبي بكر الصديق, عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت لأبي بكر رضي الله عنه فيما قاولته فيه: قد علمت الذي ظلفنا عنه أهل البيت من الصدقات وما لنا فيما أفاء الله عز وجل علينا من الغنائم, وما في القرآن من ذكر حق ذي القربى قول الله عز وجل: {واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه وللرسول ولذي القربى} فقرأتها عليه, وقوله: {ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى} إلى


#362#

قوله {واتقوا الله إن شديد العقاب} فقال لها أبو بكر رضي الله عنه: فبأبي أنت وبأبي والد ولدك, وعلى السمع والبصر كتاب الله عز وجل, وحق رسوله, وحق قرابته, أنا أقرأ من الكتاب مثل ما تقرئين, ولم يبلغ علمي فيه أن لذي قربى رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا السهم كله يجري لجماعته عليهم, قالت فاطمة عليها السلام: فلك هو ولقرابتك؟ فقال أبو بكر رضي الله عنه: لا, وأنت عندي مصدقة أمينة, فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليك في ذلك عهداً, أو وعدك منه وعداً, أو أوجبه لكم صدقتك وسلمته إليك, قالت فاطمة عليها السلام: لم يكن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك إلي شيء إلا ما أنزل الله تبارك وتعالى فيه من القرآن, غير أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال حين أنزل الله عز وجل ذلك: «أبشروا آل محمد, فقد جاءكم الله عز وجل بالغناء» قال أبو بكر رضي الله عنه: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم وصدقت, فلكم الغناء, ولم يبلغ علمي بتأويل هذه الآية أن أسلم هذا السهم إليكم كاملاً, فلكم الغناء الذي يسعكم ويفضل عنكم, وهذا عمر بن الخطاب وأبو عبيدة بن الجراح وغيرهما, فاسألي عن ذلك, فانظري هل يوافقك على قولك أحد منهم؟ فانصرفت إلى عمر فذكرت له مثل الذي ذكرت لأبي بكر رضي الله عنهما بقصصه وحدوده, فقال لها عمر مثل الذي راجعها أبو بكر رضي الله عنهم.

قلت: ورواه الوليد بن مسلم وعمر بن عبد الواحد, عن صدقة أبي معاوية, وزاد آفة بين محمد بن أبي عتيق وأنس: يزيد الرقاشي, وهو الأشبه.


#363#

قال حماد بن إسحاق: فقد بينت هذه الرواية جلالة قدر فاطمة عليها السلام عند أبي بكر, ولعله لا يكون أحد من العالمين أشد حباً لأبيها صلى الله عليه وسلم وتصديقه إياها في كل ما تحكيه أو ترويه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, لا يشك في أنها تقول الصدق والحق, وأنه يعمل بروايتها, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم, ويقبل قولها وينتهي إليه, ليس كما ذكر هؤلاء, وأنها قالت لأبي بكر رضي الله عنه [إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطعها فدك, وشهد لها بذلك علي رضي الله عنه] فلم يقبل أبو بكر قولها؛ لأنها مدعية لنفسها, ولم يقبل شهادة علي رضي الله عنه؛ لأنه زوج, بل قد قال لها فيما ادعت: أنت عندي مصدقة أمينة, فإن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عهد إليك في ذلك عهداً, أو وعدك منه وعداً, أو أوجبه لكم صدقتك وسلمت إليك.

هذا خلاف ما حكوا وادعوا وشنعوا به.

وقد صدق أبو بكر جابر بن عبد الله رضي الله عنهم فيما وعده رسول الله صلى الله عليه وسلم من مال البحرين, فقال: «لو أتاني مال البحرين لقد حثوت لك كذا وكذا», فلما جاء أبا بكر مال البحرين أمر جابراً أن يحثو واحدة ففعل, فقال له: عدها, فعدها, فأعطاه مرتين مثلها.

وكذلك كان تصديق بعضهم بعضاً, فهو كان يصدق جابراً في


#364#

وعد يدفعه إليه, ويمنع فاطمة عليها السلام قطيعة لها ومعها زيادة شهادة علي رضي الله عنه على ما يزعمون! وإنما شأنهم في أمورهم الدعاوي الكاذبة والتشنيعات القبيحة التي يلزمون علياً رضي الله عنه فيها من العيب أكثر مما يلزمون من يريدون الطعن عليه؛ لأنهم يذكرون: أن علياً رضي الله عنه لم يقم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم التي يدعونها له, وأنه مع ذلك بايع أبا بكر وعمر وعثمان وهم ظالمون, ثم ملك الأمر فلم يخالف أفعالهم في فدك, وسهم ذوي القربى في جميع أحكامهم, وهي عندهم ظلم.

هكذا ينكشف عوار مذهب من حاد عن الطريق وفارق السلف الذين أثنى الله عز وجل على متبعيهم بإحسان, وأوجب لهم بذلك رضوانه, وأعد لهم جناب تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبداً ذلك الفوز العظيم.

وكذلك ما روي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه فعله بعدي بن حاتم رضي الله عنه لما جاء بصدقات قومه إلى أبي بكر رضي الله عنه, وهو يقاتل أهل الردة, فأعطاه منها ثلاثين بعيراً, فقال له عدي: أنت تحتاج إلى الإبل في هذا الوقت, فقال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لما قدمت عليه: «تعود ويكون خير».

قال إبراهيم بن حماد لما [روى] هذا عن أبيه: وسمعت عمي


#365#

– يعني إسماعيل بن إسحاق يقول – وذكر هذه القصة, قال: هذا الوأي, وهو أضعف من الوعد.

قوله: «تقدم ويكون خير» فلم يدع أبو بكر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم وأياً, ولا وعداً إلا أنفذه. انتهى.

حدث محمد بن فضيل, عن إسماعيل بن أبي خالد, عن أبي جحيفة قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض قد شاب, وكان الحسن بن علي رضي الله عنهما يشبهه, وأمر لنا بثلاثة عشر قلوصاً, فذهبنا نقبضها, فأتى موته, فلم يعطونا شيئاً, فلما قام أبو بكر قال: من كانت له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة فليجئ, فقمت إليه فأخبرته, فأمر لنا بها.

خرجه الترمذي, عن واصل بن عبد الأعلى الكوفي, عن ابن فضيل به, وقال: هذا حديث حسن.

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا الضحاك بن عثمان, عن ضمرة بن سعيد, عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: سمعت منادي أبي بكر رضي الله عنه ينادي بالمدينة – حين قدم عليه مال البحرين من كانت له عدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم فليأت, فيأتيه رجال, فيعطيهم, فجاء أبو بشير المازني,


#366#

فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لي: «يا أبا بشير إذا جاءنا شيء فأتنا» فأعطاه أبو بكر حفنتين أو ثلاثة, فوجدها ألفاً وأربعمائة.

وقال الواقدي: أخبرني عبد الله بن محمد (بن عمر, عن جعفر بن محمد), عن أبيه, عن جابر رضي الله عنه قال: قضى علي بن أبي طالب رضي الله عنه دين رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقضى أبو بكر رضي الله عنه عداته.

وقال أيضاً: حدثني عبد الله بن جعفر, عن عبد الواحد بن أبي عون أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما توفي أمر علي رضي الله عنه صائحاً يصيح: من كان له عند رسول الله صلى الله عليه وسلم دين أو عدة فليأتني.

قال: وكان يبعث كل عام عند العقبة يوم النحر من يصيح بذلك, حتى توفي علي رضي الله عنه, ثم كان الحسن بن علي رضي الله عنهما يفعل ذلك حتى توفي, ثم كان الحُسَيْن رضي الله عنه يفعل ذلك, وانقطع ذلك بعده.

قال ابن أبي عون: فلا يأتي أحد من خلق الله إلى علي رضي الله عنه بحق ولا باطل إلا أعطاه.

رواهما ابن سعد, عن الواقدي.


#367#

&[فصل فيما تركه النبي صلى الله عليه وسلم بعد وفاته]&

وقد ذكر غير واحد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك يوم مات: ثوبي حبرة، وقطيفة وضعت تحته في القبر الشريف, كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وبردة يمنة, طولها ستة أذرع وشبر, وعرضها ثلاثة أذرع وشبر, وإزاراً من نسج عمان, طوله أربعة أذرع وشبر في ذراعين وشبر, وكان صلى الله عليه وسلم يلبسهما يوم الجمعة والعيدين, ثم يطويان.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا موسى بن إسماعيل وسعيد بن سليمان, قالا: حدثنا حفص بن غياث, عن حجاج, عن أبي جعفر, عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس برده الأحمر في الجماعة والعيدين.

تابعه هشيم, عن حجاج نحوه.

وترك أيضاً ثوبين صحاريين وقميصاً صحارياً, والصحاري منسوب إلى صحار قرية باليمن, ويقال إلى لونه يقال: ثوب أصحر وصحاري من الصحرة, وهي الحمرة الخفية, قاله أبو زكريا النووي فيما وجدته بخطه.


#368#

وقال أبو عبيد البكري في "المعجم": صحار بضم أوله وبالراء المهملة في آخره في بلاد تميم باليمامة. وما يليها.

وفي "مختصر العين" [للزبيدي]: وصحار مدينة عمان.

وترك أيضاً صلى الله عليه وسلم قميصاً سحولياً وجبة وخميصة يمانيتين وكساء أبيض, وإزاراً طوله خمسة أشبار, وملحفة مورسة, هكذا ذكره بعضهم, وذكر نحوه ابن فارس اللغوي وتبعه الدمياطي وغيره.

وقال وكيع: حدثنا ابن أبي ليلى, عن محمد بن عبد الرحمن بن سعد بن زرارة, عن محمد بن عمرو بن شرحبيل, عن قيس بن سعد رضي الله عنهما قال: أتانا النبي صلى الله عليه وسلم فوضعنا له غسلاً, فاغتسل, ثم أتيته بملحفة ورسية فاشتمل بها, فكأني أنظر أثر الورس على عكنه صلى الله عليه وسلم.


#369#

وحدث أيوب السختياني, عن زيد بن أسلم, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه إزار يتقعقع.

ومما ترك النبي صلى الله عليه وسلم خاتمه المنقوش عليه: محمد رسول الله, كان في يده صلى الله عليه وسلم إلى أن مات, ثم كان في يد أبي بكر رضي الله عنه حتى مات, وفي يد عمر رضي الله عنه حتى مات, وفي يد عثمان رضي الله عنه ست سنين, ثم سقط منه في بئر أريس, فالتمس فلم يوجد, فاتخذ خاتماً مثله, ونقش فيه: "محمد رسول الله".

رواه بنحوه مطولاً أبو أمية محمد بن إبراهيم الطرسوسي في "مسند ابن عمر" تأليفه, فقال: حدثنا أبو عاصم, عن مغيرة بن زياد, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما وهو في "الصحيحين" بمعناه.

وخرج النسائي في "سننه" من حديث المغيرة بن زياد – هو الموصلي – حدثنا نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لبس خاتماً من ذهب ثلاثة أيام, فلما رآه أصحابه فشت خواتيم الذهب, فرمى به, فلا يدرى ما فعل, ثم أمر بخاتم من فضة, فأمر أن ينقش فيه: (محمد رسول الله) صلى الله عليه وسلم فكان في يد النبي صلى الله عليه وسلم حتى مات, وقد يد أبي بكر حتى مات, وفي يد عمر حتى مات, وفي يد عثمان ست سنين من عمله, فلما كبر عليه دفعه إلى رجل من الأنصار, فكان يختم


#370#

به, فخرج الأنصاري إلى قليب عثمان فسقط, فالتمس فلم يوجد, فأمر بخاتم مثله ونقش فيه: (محمد رسول الله).

وخرجه أبو داود للمغيرة بن زياد.

وثبت في "صحيح مسلم" من حديث سفيان بن عيينة, عن أيوب بن موسى, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: اتخذ النبي صلى الله عليه وسلم خاتماً من ذهب, ثم ألقاه, ثم اتخذ خاتماً من ورق ونقش فيه: محمد رسول الله, وقال صلى الله عليه وسلم: «لا ينقش أحد على نقش خاتمي هذا».

وكان إذا لبسه جعل فصه مما يلي بطن كفه, وهو الذي سقط من معيقيب في بئر أريس.

وقد جاءت تسمية من صنع الخاتم ونقشه, قال أبو داود الطيالسي: حدثنا زمعة – يعني: ابن صالح – عن سلمة بن وهرام, عن عكرمة, عن يعلى بن أمية رضي الله عنه قال: أنا صنعت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خاتماً لم يشركني فيه أحد, ونقشته: محمد رسول الله.

وأما ما روي عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه قال: كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (صدق الله), فهذا من بلايا راويه محمد بن عبد العزيز الدينوري وموضوعاته على قتادة, ذكرته لئلا يغتر به.


#371#

وقال ابن سعد: أخبرنا الفضل بن دكين, أخبرنا أبو خلدة قال: قلت لأبي العالية: ما كان نقش خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: صدق الله، ثم ألحق الخلفاء بعده: محمد رسول الله.

وقال أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن حاتم بن إسماعيل المدني ختن أبي موسى الزمي في كتابه "المنير": حدثنا ابن الجنيد, حدثنا محمد بن كثير, حدثنا سفيان الثوري, قال: أخبرت عن الزهري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم استعمل معاذاً على اليمن, ثم كتب إليه فأقبل, فرأى عليه خاتماً فقال: «يا معاذ أعطني خاتمك» فأعطاه, فنظر إليه وقال: «لم صنعت هذا يا معاذ؟» قال: يا رسول الله, كنت أكتب إليك بالأمور والأخبار, ولا أحب أن يطلع عليها أحد, وكنت بأرض معي فيها عدو, فصنعت هذا الخاتم أختم به كتبك, لهيبة الخاتم, وجعلته في يدي, قال: «فماذا نقشه يا معاذ؟» قال: محمد رسول الله, قال: «بارك الله فيك يا معاذ, آمن كل شيء من معاذ حتى آمن خاتمه, أتهبه لي يا معاذ؟» قال: نعم, فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسه حتى توفي.

وحدث به ابن سعد في "الطبقات" عن خالد بن خداش, حدثنا عبد الله بن وهب, عن أسامة بن زيد: أن محمد بن عبد الله بن عمرو بن عثمان حدثه: أن معاذ بن جبل لما قدم من اليمن, حين بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليها, قدم وفي يده خاتم من ورق, نقشه محمد رسول الله, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا الخاتم»؟ قال: يا رسول الله, إني كنت أكتب إلى الناس, فأفرق أن يزاد فيها وينقص منها, فاتخذت خاتماً أختم به, قال: «وما هو؟» قال: محمد رسول الله, قال رسول


#372#

الله صلى الله عليه وسلم: «آمن كل شيء من معاذ حتى خاتمه» ثم أخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتختمه.

وقال ابن سعد: أخبرنا أحمد بن محمد الأزرقي المكي, أخبرنا عمرو بن يحيى بن سعيد القرشي, عن جده قال: دخل عمرو بن سعيد بن العاص, حين قدم من الحبشة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «ما هذا الخاتم في يدك يا عمرو؟» قال: هذه حلقة يا رسول الله, قال: «فما نقشها؟» قال: محمد رسول الله, قال: (فأخذه رسول الله) صلى الله عليه وسلم فتختمه, وكان في يده حتى قبض, ثم في يد أبي بكر رضي الله عنه حتى قبض, ثم في يد عمر رضي الله عنه حتى قبض, ثم لبسه عثمان رضي الله عنه, فبينما هو يحفر بئراً لأهل المدينة يقال لها: بئر أريس, فبينما هو على شفتها يأمر بحفرها سقط الخاتم في البئر, وكان عثمان رضي الله عنه يكثر إخراج خاتمه من يده وإدخاله, فالتمسوه فلم يقدروا عليه.

وقال أيضاً: أخبرنا الفضل بن دكين, أخبرنا إسماعيل بن سعيد, عن سعيد: أن خالد بن سعيد رضي الله عنه أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده خاتم له, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما هذا الخاتم؟» قال: خاتم اتخذته, قال: «اطرحه إلي» فطرحه, فإذا هو خاتم من حديد ملوي عليه فضة, فقال: «ما نقشه؟» قال: محمد رسول الله, قال: فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم فلبسه, فهو الذي كان في يده.


#373#

وقد قدمنا من حديث إياس بن الحارث بن معيقيب, عن أبيه, عن جده, قال: كان خاتم النبي صلى الله عليه وسلم من حديد ملوي عليه فضة.. الحديث.

واختلفت الرواية, هل كان صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه أو في يساره, وروايات ذلك كلها صحيحة.

وكان الخاتم في خنصره صلى الله عليه وسلم, صح عن أنس رضي الله عنه قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا, وأشار إلى الخنصر من يده اليسرى. خرجه مسلم.

وخرج الترمذي في "الشمائل" من حديث سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم تختم في يمينه.

وخرجه أيضاً من حديث جابر وابن عباس وعبد الله بن جعفر رضي الله عنهم بنحوه.


#374#

وله شاهد من حديث علي وغيره.

قال البخاري عن حديث عبد الله بن جعفر: هذا أصح شيء يروى في هذا الباب.


#375#

وقال هلال بن محمد الحفار: حدثنا إسماعيل بن علي بن علي بن رزين بواسط, حدثنا أبي علي بن علي, حدثنا أخي دعبل بن علي, سمعت مالك بن أنس يحدث الرشيد, فقال: يا أمير المؤمنين, حدثنا صدقة بن يسار أبو محمد التمار, عن سعيد بن المسيب, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: لم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يتختم في يمينه حتى قبضه الله عز وجل إليه.

وخرج أبو داود من طريق ابن إسحاق قال: رأيت على الصلت بن عبد الله بن نوفل بن عبد المطلب خاتماً في خنصره اليمين, فقلت: ما هذا؟ فقال: رأيت ابن عباس رضي الله عنهما يلبس خاتمه هكذا, وجعل فصه على ظهرها, قال: ولا نخال ابن عباس إلا وقد كان يذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس خاتمه كذلك.

وخرجه الترمذي من طريق ابن إسحاق أيضاً بنحوه, وقال: قال


#376#

محمد بن إسماعيل: حديث ابن إسحاق عن الصلت حديث حسن. انتهى.

وقال عبد الله بن شداد العسقلاني: حدثنا أحمد بن الفضل, حدثنا رواد – يعني ابن الجراح – عن العرزمي, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم خاتمه في خنصره الأيمن, فإذا دخل الخلاء, جعل الكتابة مما يلي كفه.

تفرد به رواد, عن محمد بن عبيد الله العرزمي, غريب من حديثه عن نافع.

وقال أحمد بن حنبل في "مسنده": حدثنا وكيع, حدثنا ابن أبي رواد وسفيان, عن عمر بن محمد, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما, عن النبي صلى الله عليه وسلم: كان يجعل فص خاتمه مما يلي بطن كفه.

تابعه عبيد الله بن موسى، عن ابن أبي رواد.

وخرجه أيضاً عن محمد بن يزيد الواسطي, عن عبد الحميد بن جعفر الأنصاري, عن نافع.


#377#

وقال عبد الله بن أبي داود السجستاني: حدثنا أيوب بن محمد الوزان, حدثنا فهر بن بشر, عن أبي الأغر, عن أبي خالد الواسطي, عن زيد بن علي, عن أبيه, عن جده, عن علي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل الخلاء حول خاتمه في يمينه, فإذا خرج وتوضأ حوله في يساره.

هذا حديث مطروح, آفته أبو خالد الواسطي هذا؛ لأنه من النسخة الموضوعة التي رواها عن زيد بن علي, عن آبائه, واسم أبي خالد هذا عمرو بن خالد القرشي الهاشمي مولاهم, كوفي الأصل, فر إلى واسط وسكنها, وقد كذبه يحيى بن معين وغيره.

وقال أبو أحمد بن عدي في كتابه "الكامل": حدثنا محمد بن سعيد الحراني, حدثنا عبد الله بن عيشون, حدثنا أبو قتادة, عن ابن جريج, عن ابن عقيل, عن عبد الله بن جعفر, قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس خاتمه في يمينه, قال: وكان ينزع خاتمه إذا أراد الجنابة.

وهذا لا أعرفه من حديث ابن جريج, عن ابن عقيل إلا من رواية أبي قتادة عنه, قاله ابن عدي.


#378#

قلت: وأبو قتادة هو عبد الله بن واقد الحراني, ذاك المتروك.

وخرج أبو داود في "سننه" من حديث أبي علي الحنفي واسمه عبيد الله بن عبد المجيد, [عن همام] عن ابن جريج, عن الزهري, عن أنس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا دخل الخلاء وضع خاتمه.

حديث منكر, قاله أبو داود.

وخرجه الترمذي من طريق سعيد بن عامر والحجاج بن المنهال كلاهما عن همام به, وقال: حسن صحيح غريب.


#379#

وخرجه النسائي من طريق سعيد بن عامر, وقال: هذا الحديث غير محفوظ.

وقال أبو داود: وإنما يعرف هذا عن ابن جريج, عن زياد بن سعد, عن الزهري, عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً من ورق, ثم ألقاه.

قلت: هو عند مسلم عن ابن جريج هكذا.

قال أبو داود: لم يروه إلا همام.

قلت: ويحيى بن المتوكل البصري, وهو غير صاحب رتبة, وذلك فيما رواه الحاكم أبو عبد الله من حديث أبي بكر يحيى بن المتوكل الباهلي البصري, عن ابن جريج, عن الزهري, عن أنس: أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس خاتماً نقشه: محمد رسول الله, فكان إذا دخل الخلاء وضعه.


#380#

وخرج أبو أحمد بن عدي من حديث معمر بن محمد بن عبيد الله, أخبرني محمد بن عبيد الله, (عن أبيه عبيد الله), عن أبي رافع, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا توضأ حرك خاتمه.

معمر بن محمد بن عبيد الله بن أبي رافع منكر الحديث, قاله البخاري.


#381#

وقال عبد الله ابن الإمام أحمد في كتاب "العلل": وجدت في كتاب أبي بخط يده: حدثنا إبراهيم بن خالد المؤذن, حدثنا رباح, عن معمر, قال: أخرج عبد الله بن محمد بن عقيل خاتماً نقشه تماثيل, زعم أن النبي صلى الله عليه وسلم لبسه مرتين أو نحو ذلك, فغسله بعض من كان معنا وشرب ماءه.

وقال أبو علي محمد بن سعيد بن عبد الرحمن القشيري الحراني في كتابه "تاريخ الرقة ومن نزلها": حدثنا هلال يعني ابن العلاء, حدثنا عبد الله بن جعفر, حدثنا عبيد الله يعني ابن عمرو عن بشر بن حبان قال: كنت عند عبد الله بن محمد بن عقيل, فدعا بخاتم فخضخضه في الماء, فقلنا: ما هذا؟ قال: هذا خاتم كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا فصه حجر فيه نقش دابة أو تمثال.

وقال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا محمد بن زكريا – يعني الغلابي – حدثنا عبد الله بن رجاء, أخبرنا إسرائيل, عن مسلم, عن مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم حلقة من فضة.

وترك صلى الله عليه وسلم أيضاً ثلاث قلانس صغاراً لاطئة, أو أربعاً, أحدها بيضاء مضربة شامية.

وروي عن سلم بن سالم, عن العرزمي, عن عطاء, عن ابن عباس رضي الله عنهما: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث قلانس, قلنسوة بيضاء مضربة, وقلنسوة


#382#

برد حبرة, وقلنسوة ذات آذان يلبسها في السفر, فربما وضعها بين يديه إذا صلى.

خرجه أبو محمد بن حيان أبو الشيخ, وخرج له شاهداً عن بقية, عن الأوزاعي, عن حريز بن عثمان, عن عبد الله بن بسر.

وروى يزيد بن عبد ربه مؤذن مسجد حمص, حدثنا أحمد بن أبي النضر المفضل بن فضالة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يلبس من القلانس ذات الآذان.

ورواه محمد بن محمد بن سليمان الباغندي, حدثنا ابن مصفى, حدثنا محمد بن خالد, عن مفضل بن فضالة به, ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يلبس من القلانس في السفر ذات الآذان, وفي الحضر المشمرة. يعني: الشامية.

وروى عبد الله بن خراش بن حريث حدثنا العوام بن حوشب, عن إبراهيم التيمي, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلنسوة بيضاء.


#383#

خرجه الإمام أبو بكر أحمد بن السني في كتابه "رياضة المتعلمين".

وقال خالد بن يزيد: حدثنا عاصم بن سليمان, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جده, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه كان يلبس / القلانس البيض والمزرورات وذات الآذان.

وترك صلى الله عليه وسلم قميصه الذي غسل فيه.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه "العزاء" وحدثني محمد بن صدران الأزدي, حدثنا أبو عاصم, حدثنا عبد الله بن المؤمل, حدثني ابن أبي مليكة أن ابن الزبير دخل على أمه في الليلة التي قتل في صبيحتها فقال: إن القوم قد أحاطوا بي, فما ترين؟ قالت: مت كريماً, والله لضربة سوط في ذل أذل من ضربة سيف في عز, والله إن آتيا يأتيني منذ ثلاث فيقول: السلام عليك يا أم المقطع, فأنت المقطع يا بني. قال: فعقص لحيته, فأدخل بعضها في بعض, وعقد قرنيه, وبعثت إليه أمه بقميص النبي صلى الله عليه وسلم فأشعر جلده, ثم لبس عليه جبة من خز بيضاء, وعمامة خز بيضاء, ثم أصبح فقاتلهم بسيفه حتى قتل رضي الله عنه.

وقال ابن أبي الدنيا أيضاً في غير الكتاب: حدثنا أبو جعفر المدائني,


#384#

عن علي بن محمد, عن أبي الزناد قال: كان عند أسماء بنت أبي بكر رضي الله عليهما قميص من قمص رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما قتل عبد الله بن الزبير رضي الله عنهما ذهب القميص فيما ذهب وفيما انتهب, فقالت أسماء: للقميص أشد علي من قتل عبد الله, فوجد القميص عند رجل من أهل الشام, فقال: لا أرده أو تستغفر لي أسماء, فقيل لها, فقالت: كيف أستغفر لقاتل عبد الله؟ قالوا: فليس يرد القميص, قالت: فقولوا له فليجئ بالقميص ومعه عبد الله بن عروة, فقالت: ادفع القميص لعبد الله. فدفعه, فقالت: قبضت القميص يا عبد الله؟ قال: نعم, قالت: غفر الله لك يا عبد الله, وإنما عنت عبد الله بن عروة.

وكان قميص النبي صلى الله عليه وسلم قصير الطول, قصير الكمين, قاله أنس رضي الله عنه.

وقال أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم": حدثنا محمد بن نصير, حدثنا إسماعيل بن عمرو, حدثنا الحسن بن صالح, عن مسلم الملائي, عن مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قميص قطني قصير الطول, قصير الكمين.

وقال الحسن بن علي بن عفان: حدثنا حسن بن عطية, حدثنا حسن – يعني: ابن صالح – عن مسلم, عن مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس قميصاً قصير الكمين والطول.


#385#

وخرجه ابن ماجه في "سننه" من حديث أبي غسان مالك بن إسماعيل ووكيع, عن الحسن بن صالح.

وحدث به الحسن بن علي بن عفان أيضاً عن معاوية بن هشام, عن علي بن صالح, عن مسلم, عن مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يلبس قميصاً فوق الكعبين مستوي الكمين بأطراف أصابعه.

خرجه أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق بن السني في كتابه "رياضة المتعلمين" عن الحُسَيْن بن عبد الله القطان, عن موسى بن مروان, عن المعافى بن عمران, عن علي بن صالح بنحوه.

وسيأتي له طريق أخرى إن شاء الله تعالى.

وقال الحسن بن سلام: حدثنا عفان, حدثنا شعبة, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة رضي الله عنه, رفعه مرة ومرة لم يرفعه, قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس قميصاً بدأ بميامنه.


#386#

وقال إسماعيل بن يحيى التيمي: حدثنا مسعر بن كدام, عن عطاء بن أبي رباح, قال: قلت لابن عمر: أشهدت بيعة الرضوان مع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: نعم, قلت: فما كان عليه؟ قال: قميص من قطن, وجبه محشوة, ورداء وسيف, ورأيت النعمان بن مقرن قائماً على رأسه قد رفع أغصان الشجرة عن رأسه, والناس يبايعونه.

خرجه الطبراني في "معجمه الكبير" لإسماعيل.

وكان كم قميصه صلى الله عليه وسلم إلى الرصغ.

خرج الترمذي في "الجامع" و"الشمائل" من حديث معاذ بن هشام, عن أبيه, عن بديل بن ميسرة, عن شهر بن حوشب, عن أسماء بنت يزيد قالت: كان كم قميص رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الرسغ. وقال: حسن غريب.

وخرجه أبو داود في "سننه" وأبو الحسن الدارقطني في "الأفراد" عن معاذ بن هشام, عن أبيه, عن بديل به.

وقال الدارقطني: هذا حديث غريب من حديث بديل بن ميسرة


#387#

العقيلي, عن شهر بن حوشب, عن أسماء بنت يزيد, تفرد به هشام الدستوائي عنه, ولم يروه عنه غير ابنه معاذ.

وروى محمد بن ثعلبة بن سواء, حدثنا عمي, حدثنا همام, عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه قال: كان قميص النبي صلى الله عليه وسلم إلى رصغه.

وقال الحاكم أبو عبد الله في "المستدرك": أخبرني أحمد بن سهل الفقيه – ببخارى – حدثنا صالح بن محمد بن حبيب الحافظ, حدثنا إبراهيم بن زياد سبلان, حدثنا المعافى بن عمران, عن علي بن صالح بن حي, عن مسلم الملائي, عنه مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس قميصاً, وكان فوق الكعبين, وكان كمه مع الأصابع.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

قلت: فيه مسلم بن كيسان الأعور الملائي الضبي, تركه غير واحد منهم: أحمد بن حنبل, ويحيى بن معين, والبخاري.

وقال أبو جعفر أحمد بن منيع البغوي في "مسنده": حدثنا علي بن عاصم, عن مسلم الأعور, سمعت أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قميص من قطن, قصير الكمين, قصير الطول.


#388#

مسلم بن كيسان الأعور الكوفي واه.

وروي عن إبراهيم بن أبي يحيى, عن عبد الملك, سمعت ابن عمر رضي الله عنهما يقول: ما اتخذ لرسول الله صلى الله عليه وسلم قميص له زر.

وخرج أبو بكر محمد بن هارون الروياني في "مسنده" ودعلج بن أحمد في كتابه "مسند المقلين" واللفظ له, من حديث عروة بن عبد الله بن قشير, عن معاوية بن قرة, عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في رهط من مزينة, فبايعناه، وإن قميصه لمطلق, قال: فبايعته, ثم أدخلت يدي من جيب القميص فمسست الخاتم. قال عروة: فما رأيت معاوية ولا ابنه في شتاء قط ولا حر إلا مطلقي أزرارهما لا يزرران أبداً.

وخرجه ابن سعد في "الطبقات" لعروة (بنحوه, وكذلك خرجه أبو داود وابن ماجه وخرجه الترمذي في "الشمائل" لعروة) مختصراً بنحوه.


#389#

وقال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا أبو شعيب الحراني, حدثنا يحيى بن عبد الله البابلتي, حدثنا أيوب بن نهيك, سمعت عطاء بن أبي رباح, سمعت ابن عمر, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتى صاحب بز فاشترى منه قميصا بأربعة دراهم, فخرج وهو عليه, فإذا رجل من الأنصار, فقال: يا رسول الله, اكسني قميصا, كساك الله من ثياب الجنة, فنزع القميص فكساه إياه, ثم رجع إلى صاحب الحانوت فاشترى منه قميصاً بأربعة دراهم, وبقي معه درهمان, فإذا هو بجارية في الطريق تبكي, فقال: «ما يبكيك؟» فقالت: يا رسول الله, دفع إلي أهلي درهمين أشتري بهما دقيقاً, فهلكا, فدفع النبي صلى الله عليه وسلم إليها الدرهمين الباقيتين, ثم ولت وهي تبكي, فدعاها, فقال: «ما يبكيك وقد أخذت الدرهمين؟» قالت: أخاف أن يضربوني, فمشى صلى الله عليه وسلم معها إلى أهلها, فسلم, فعرفوا صوته, ثم عاد فسلم, ثم عاد فثلث, فردوا, فقال: «أسمعتم أول السلام؟» قالوا: نعم, ولكن أحببنا أن تزيدنا من السلام, فما أشخصك بأبينا وأمنا؟! قال: «أشفقت هذه الجارية أن تضربوها» قال صاحبها: فهي حرة لوجه الله لممشاك معها, فبشرهم نبي الله صلى الله عليه وسلم بالخير والجنة, ثم قال: «لقد بارك الله في العشرة, كسا الله نبيه صلى الله عليه وسلم, ورجلاً من الأنصار, وأعتق الله منها رقبة, وأحمد الله هو الذي رزقنا هذا بقدرته».

وقال الحاكم في "المستدرك": أخبرني الحسن بن حكيم


#390#

المروزي, أخبرنا أبو الموجه, أخبرنا عبدان, أخبرنا أبو تميلة, عن عبد المؤمن بن خالد, عن عبد الله بن بريدة, عن أمه, عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: لم يكن ثوب أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من القميص.

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, قاله الحاكم.

وهكذا حدث به أبو داود, والترمذي, عن زياد بن أيوب, عن أبي تميلة بنحوه.

وخرجاه أيضاً من طريق الفضل بن موسى, عن عبد المؤمن بن خالد, عن عبد الله بن بريدة, عن أم سلمة به, فأسقط أمه.

وهكذا خرجه النسائي للفضل.

تابعه زيد بن الحباب, عن عبد المؤمن كذلك, وأبو تميلة في رواية محمد بن حميد الرازي, عنه كذلك.

قال الترمذي: وسمعت محمد بن إسماعيل يقول: حديث ابن بريدة, عن أمه, عن أم سلمة أصح, وإنما ذكر فيه أبو تميلة.


#391#

وخرج الترمذي والنسائي من حديث شعبة, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا لبس قميصاً بدأ بميامنه.

وترك صلى الله عليه وسلم أيضاً جبة طيالسة خسروانية.

خرج مسلم في "صحيحه" من حديث عبد الله مولى أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهم قال: أرسلتني إلى عبد الله بن عمر رضي الله عنهما, فذكر قصة, ثم قال: فرجعت إلى أسماء, فخبرتها, فقالت: هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأخرجت إلي جبة طيالسة خسروانية, لها لبنة ديباج, وفرجيها مكفوفين بالديباج, فقالت: هذه كانت عند عائشة رضي الله عنها حتى قبضت, فلما قبضت قبضتها, وكان النبي صلى الله عليه وسلم (يلبسها, فنحن) نغسلها للمرضى نستشفي بها.

اللبنة: رقعة في جيبها.

وخرج أحمد هذا الحديث في "مسنده" وفيه: جبة طيالسة عليها لبنة شبر من ديباج كسرواني.

وروى وكيع وعيسى بن يونس, عن المغيرة بن زياد, عن أبي


#392#

عمرو مولى أسماء: أن ابن عمر رضي الله عنهما اشترى عمامة لها علم فقصه قال: فدخلت على أسماء, فذكرت ذلك لها, فقالت: بؤساً لعبد الله, يا جارية هات جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجاءت بجبة مكفوفة الكمين والجيب والفرجين بالديباج.

ومما تركه النبي صلى الله عليه وسلم ما قال عبد الله بن المبارك في كتابه "الزهد": أخبرنا ابن لهيعة, عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل, أنه حدثه عن عروة بن الزبير: أن ثوب رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان يخرج فيه للوفد: رداء وثوب حضرمي, طوله أربعة أذرع, وعرضه ذراعان وشبر, وهو عند الخلفاء اليوم, قد أخلق فبطنوه بثوب يلبسونه يوم الفطر والأضحى.

ورواه محمد بن معاوية النيسابوري, حدثنا ابن لهيعة, عن محمد بن عبد الرحمن بن نوفل, عن عروة بن الزبير, قال: كان طول رداء رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أذرع, وعرضه ذراعان ونصف, وكان له ثوب أخضر يلبسه للوفود إذا قدموا عليه.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا معن بن عيسى, حدثنا محمد بن هلال, قال: رأيت على هشام – يعني: ابن عبد الملك – برد النبي صلى الله عليه وسلم من حبرة, له حاشيتان.


#393#

قال الذهبي بعد أن خرج حديث معن هذا: قلت: هذا البرد غير برد النبي صلى الله عليه وسلم الذي تداوله خلفاء بني العباس, ذلك البرد اشتراه أبو العباس السفاح بثلاثمائة دينار من بني صاحب أيلة, وذكر ابن إسحاق أنه برد كساه النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب أيلة, فالله أعلم, هكذا ذكره الذهبي في "تاريخ الإسلام".

وذكر يونس بن بكير, عن ابن إسحاق في قصة غزوة تبوك: أن النبي صلى الله عليه وسلم أعطى أهل أيلة برده مع كتابه الذي كتب لهم؛ أماناً لهم, فاشتراه أبو العباس: عبد الله بن محمد بثلاثمائة دينار, والله أعلم.

وترك صلى الله عليه وسلم نعله وكانت مخصوفة, لها قبالان, وهي التي تسمى التاسومة, قيل: وكان صفراء.


#394#

وقد صح أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يستحب أن يلبس هذه النعال السبتية, وقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبسها ويتوضأ فيها.


#395#

والسبت بالكسر الجلد المدبوغ بالقرظ, قاله الزبيدي في "مختصر العين" وغيره, وخصه بعضهم بجلود البقر المدبوغة بالقرظ.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا حسن بن صالح, عن يزيد بن أبي زياد قال: رأيت نعال النبي صلى الله عليه وسلم مخصرة ملسنة, لها عقب خارج.

وقال أبو سعيد أحمد بن محمد بن الأعرابي في "معجمه": حدثنا عبد الرحمن – يعني: ابن خلف الضبي – حدثنا مسلم – هو ابن إبراهيم – حدثنا همام قال: نظر هشام بن عروة إلى نعل الصلت بن دينار ولهما قبالان, فقال هشام: عندنا نعل النبي صلى الله عليه وسلم معقبة (مخصرة ملسنة.

وقال ابن سعد: أخبرنا يحيى بن عباد, حدثنا حماد بن سلمة,


#396#

عن هشام بن عروة, قال: رأيت نعل النبي صلى الله عليه وسلم مخصرة معقبة) ملسنة, لها قبالان.

وقال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري, حدثنا ابن عون, قال: ذهبت بنعلي أشركهما بمكة, أظنه قال: سنة مائة أو عشر ومائة, فأتيت حذاء ليشركهما, قال: ولهما قبالان, فقلت: شركهما, فقال: ألا أشركهما كما رأيت نعل النبي صلى الله عليه وسلم, قال: قلت: وأين رأيتهما, قال: عند فاطمة بنت عبيد الله بن عباس, قال: قلت: شركهما, فشركهما, فجعل أذنيهما (على اليمين).

وحدث به أبو داود في "المراسيل" عن ابن معاذ, قال: حدثنا أبي, حدثنا ابن عون, قال: أتيت حذاء بالمدينة, فأمرته أن يشرك نعلي مقابلتين, فقال لي: أفلا أشركهما كما رأيت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم, وذكره بنحوه.

وقال أبو داود في "المراسيل" أيضاً: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا وهيب, عن خالد, عن عبد الله بن الحارث قال: قدمت المدينة فأتيت بنعلين, زعموا أنهما نعلا رسول الله صلى الله عليه وسلم, ذات زمامين, مثنى طرف ذؤابتهما في عقدها.


#397#

وقال: حدثنا عقبة بن مكرم, حدثنا محمد بن جعفر, حدثنا شعبة, عن خالد, عن عبد الله بن الحارث, قال: رأيت نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم مقابلتين.

وقال: قرئ على الحارث بن مسكين - وأنا شاهد - أخبرك ابن القاسم, عن مالك, وسئل عن نعل النبي صلى الله عليه وسلم, وكان رآها: [كيف حذوها؟] قال: كانت إلى التدوير ما هو وتخصيرها في مؤخرها [وهي مخصرة] ومعقبة من خلفها, [فقلت: أكان لها زمامان؟ قال: ذاك الذي أظن] عند آل ربيعة المخزومي من قبيل أمهم أم كلثوم.

وقد بلغنا أن نعلي رسول الله صلى الله عليه وسلم كانتا عند ولد أبي يعلى: شداد بن أوس بن ثابت بن أخي حسان بن ثابت النجاري, وهم: محمد ويعلى وعبد الوهاب والمنذر, وأختهم الخزرج التي تزوجت في الأزد وانتقلت النعل إلى ولدها, وذلك أن ولد شداد انقرضوا إلى سنة ثلاثين ومائة, سنة خروج أبي مسلم والرجفة التي بالشام, سوى محمد بن شداد والخزرج بنت شداد, ولما رجفت الشام, وكان أكثر ذلك ببيت المقدس ففني أكثر من كان فيها من الأنصار وغيرهم, ووقع المنزل الذي كان فيه محمد بن شداد على من كان فيه من أهله وولده ففنوا جميعاً, وذهبت رجل محمد تحت الردم, فلما رأت أخته الخزرج ما نزل بأخيها وبأهله وأنه لم يبق منهم أحد سواه, أخذت من أخيها


#398#

محمد فرد النعلين, قالت له: يا أخي لست أرى لك نسلاً, وقد رزقني الله ولداً, وهذه – يعني النعل – مكرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أن تشرك فيها ولدي, فأنعم لها بذنك, فأخذت أحد النعلين من أخيها, وذلك من أوان الرجفة, فمكثت عندها حتى أدرك أولادهما, وعمر أخوها محمد بعد ذلك, فلما قدم المهدي بيت المقدس, أتى اثنان من بني الخزرج بنت شداد المهدي بإحدى النعلين, فلما عرف أنها نعل النبي صلى الله عليه وسلم قبلها منهما, وأجاز كل واحد بألف دينار, وأمر له بضيعة, وكتبه في مائة من العطاء, وأرسل إلى خالهما محمد بن شداد, فأتي به يحمل على أيدي الرجال؛ للزمانة التي أصابته من الرجفة, فسأله عن خبر النعلين, فصدق مقالة الرجلين فيها, فقال له المهدي: آتني بالنعل الأخرى, فبكى محمد بن شداد, واسترحمه, وناشده بقرابته من رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: إن الأمر قد قرب مني, فلا تفجعني بها, ولا تسلبني مكرمة اختصنا بها ابن عمك رسول الله صلى الله عليه وسلم نبي الرحمة, فرق المهدي للشيخ وأقرها على حالها.

ذكر هذه القصة بنحوها شيخ الإسلام أبو إسماعيل عبد الله بن محمد الأنصاري في بعض أماليه.

ورواها أبو الحسن بن جوصا فقال: حدثنا محمد بن عبد الوهاب بن محمد بن عمرو بن محمد بن شداد بن أوس الأنصاري, حدثنا أبي, عن أبيه, فذكر حديثاً طويلاً فيه, قال: لما كانت الرجفة التي بالشام سنة ثلاثين ومائة, كان أكثرها ببيت المقدس, فهلك كثير ممن كان فيها من الأنصار وغيرهم, ووقع منزل شداد بن أوس على من كان فيه, وسلم


#399#

محمد بن شداد, وذهب متاعه تحت الردم, وكانت النعل زوجاً, خلفها شداد بن أوس عند ولده, فصارت إلى ابنه محمد, فلما أن رأت ما نزل به وبأهله جاءت وأخذت فرد النعلين, وقالت: يا أخي, ليس لك نسل, وقد رزقت ولداً, وهذه مكرمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب أن يشركك فيها ولدي, فأخذتها منه, وكان ذلك في وقت الرجفة, فمكثت عندها حتى كبر أولادها, فلما قدم المهدي إلى بيت المقدس أتوه بها, وعرفوه نسبها من شداد بن أوس فعرف ذلك وقبله, وأجاز كل واحد منهما بألف دينار وقربه, ثم بعث إلى محمد فأتي به محمولاً؛ لزمانته, فسأله عن خبر النعل فصدق مقالة الأخوين, فقال: ائتني بالأخرى, فبكى, وناشده الله, فرق له وأقرها عنده.

وكان بدمشق نعل النبي صلى الله عليه وسلم في مكانين, يقصد كل منهما بالزيارة للتبرك, عدمتا في فتنة عدو المسلمين ضاعف الله عذابه وشدد عليه عقابه.

وقد رأيت إحدى النعلين وهي اليمنى على ما قيل لي, ومرغت وجهي ولحيتي عليها, ورأيتها إلى السواد أقرب منها إلى الصفرة, وليس بها شراك ولا شسع ولا أذنان, ورأيت موضع القبال منها ناتئاً وهي غير مخصوفة, وهي التي كانت قبل الفتنة بالمدرسة الدامغانية, والأخرى كانت بدار الحديث التي وقفها الملك الأشرف أبو الفتح موسى بن العادل أبي بكر محمد بن أيوب رحمه الله.


#400#

وكان قد قدم عليه وهو بخلاط النظام بن أبي الجريد, ومعه نعل النبي صلى الله عليه وسلم, فتلقاه الملك الأشرف, ووضع النعل على عينيه وجعل يبكي, وخلع على النظام ورتب له مرتباً كثيراً.

وبلغنا عن الملك الأشرف أنه قال: قلت في نفسي هذا النظام يطوف البلاد, وأنا أوثر أن يكون عندي قطعة من النعل, فعزمت أن آخذ منه قطعة, ثم قلت في نفسي: ربما يتأسى بي أحد فيؤدي إلى استئصاله, وقلت: من ترك لله شيئاً عوضه الله خيراً, فأقام عندي النظام شهوراً, ثم مات فأوصى لي بالنعل, فأخذت النعل بأسره.

ولما أخذ الملك الأشرف دمشق اشترى دار قيماز النجمي وجعلها دار حديث, وجعل النعل فيها, وقد حدثني من رأى بعض قراء دمشق في هذه الدار أتى إلى هذه النعل, فتبرك بها, ثم دعا على بعض أمراء دمشق فنفذت فيه الدعوة سريعاً.

وقال أبو عبد الرحمن محمد بن الحُسَيْن السلمي في كتابه "المواعظ": أخبرنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن سعيد الرازي, حدثنا العباس بن حمزة, حدثنا أحمد بن أبي الحواري, حدثنا يونس الحذاء, عن أبي حمزة النسائي قال: حذا علي بن أبي طالب رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم نعلين جديدين, فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم استحسنهما, فخر ساجداً يسأل: «أعوذ بنور وجهك أن أستحسن شيئاً مما أبغضت» فتصدق صلى الله عليه وسلم بهما ولم يلبسهما.


#401#

وترك أيضاً صلى الله عليه وسلم قطيفة صوف وآلة بيته.

قال الحافظ أبو نعيم في كتابه "الحلية": حدثنا محمد بن علي, حدثنا الحُسَيْن بن محمد بن حماد, حدثنا عمرو بن عثمان, حدثنا أبي, حدثنا محمد بن مهاجر قال: كان عند عمر بن عبد العزيز سرير النبي صلى الله عليه وسلم وعصاه وقدح وجفنة, ووسادة حشوها ليف, وقطيفة, ورداء, فكان إذا دخل عليه النفر من قريش قال: هذا ميراث من أكرمكم الله به, ونصركم به, وأعزكم به, وفعل وفعل.

وقال الإمام أحمد في كتابه في "الزهد": حدثنا هشام بن سعيد, حدثنا محمد بن مهاجر, حدثني أخي عمرو بن مهاجر قال: كان لعمر بن عبد العزيز بيت يخلو فيه في ذلك البيت ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا سرير مرمول بشريط, وقعب يشرب فيه الماء, وجرة مكسورة الرأس تجعل فيها الشيء, ووسادة من أدم محشوة بليف, وقطيفة غبراء كأنها من هذه القطف الجرمقانية, فيها من وسخ شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم يقول: يا قريش, هذا تراث من أكرمكم الله عز وجل به وأعزكم, خرج من الدنيا على ما ترون.

وخرجه أبو الشيخ ابن حيان من حديث علي بن الحسن العسقلاني, أخبرنا يحيى بن حسان, عن محمد بن مهاجر, عن


#402#

عمرو بن مهاجر قال: كان متاع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند عمر بن عبد العزيز في بيت ينظر إليه (في) كل يوم, وكان ربما اجتمعت إليه قريش فأدخلهم ذلك البيت, ثم استقبل ذلك المتاع فيقول: هذا ميراث من أكرمكم الله وأعزكم الله به, قال: وكان سريراً مرمولاً بشريط, ومرفقه من أدم محشوة ليفاً وجفنة وقدحاً وقطيفة صوف ورحى وكنانة فيها أسهم, وكان في القطيفة أثر وسخ رأسه صلى الله عليه وسلم, فأصيب رجل فطلبوا أن يغسلوا بعض ذلك الوسخ فيسعط به, فذكر ذلك لعمر – يعني: فأذن – فسعط فبرأ.

عمرو بن مهاجر هو ابن دينار بن أبي مسلم أبو عبيد الأنصاري مولاهم الدمشقي, كان على شرطة عمر بن عبد العزيز, وهو أخو محمد بن مهاجر الذي روى عنه في رواية أبي الشيخ, وهما ثقتان.

الوسخ المذكور في هذا الحديث إنما هو أثر الدهن الذي كان صلى الله عليه وسلم يدهن (به) رأسه, ليس الوسخ المعروف.

وقد خرج البيهقي في كتابه "شعب الإيمان" عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسخاً قط, وكان يحب النظافة في ثيابه ونعليه وكل شيء منه, وما رأيته يتشعث قط, وكان يحب الدهن غباً, ويرجل


#403#

رأسه, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن الله تعالى يبغض الوسخ والشعث».

وترك صلى الله عليه وسلم جبة صوف لم يفرغ من عملها.

روى زمعة بن صالح, عن أبي حازم, عن سهل بن سعد قال: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله جبة صوف في الحياكة.

خرجه البيهقي في "الدلائل".

وروي مطولاً من طريق عبد الله بن عمران الداري قال: (حدثنا أبو داود, حدثنا زمعة), عن أبي حازم, عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: خيطت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة من صوف أنمار, فلبسها فما أعجب به فجعل يمسه بيده هكذا ويقول: «انظروا ما أحسنها» وفي القوم أعرابي فقال: يا رسول الله, هبها لي, فخلعها, فدفعها في يده


#404#

قال: ثم أمر بمثلها أن يحاك, فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المحاكة.

وهو في "معجم الطبراني الكبير" بنحوه.

وقال سعدان بن نصر: حدثنا سفيان بن عيينة, عن الوليد بن كثير, عن حسن بن حسن, عن أمه فاطمة بنت الحُسَيْن: أن النبي صلى الله عليه وسلم قبض وله بردتان في الحف يعملان.

تابعه أحمد في "الزهد" عن سفيان.

ورواه عباس بن محمد الدوري, عن يحيى بن معين في "تاريخه":


#405#

حدثنا ابن عيينة, عن الوليد بن كثير, عن حسن بن حسن, عن أمه فاطمة بنت حُسَيْن أن النبي صلى الله عليه وسلم توفي وله بردتان تعملان.

تابعه الحميدي, عن سفيان وقال: حسن بن حسن بن حسن.

والحف هو المنسج, قاله الأصمعي.

وقال أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم": حدثنا أحمد بن محمد بن موسى الأنصاري, سمعت أبي قال: وجدت في كتاب أبي بخطه: حدثنا أسود بن سالم, سمعت أبا عبد الرحمن الزاهد (خالد) بن منصور, يذكر عن عبد الله بن الحسن, قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ثوبان ينسجان في بني النجار, فكان يختلف إليهما فيقول: «عجلوا بهما علينا نتجمل بهما في الناس».

وحدث الإمام أحمد في كتابه "الزهد": عن يحيى بن إسحاق, حدثنا ابن لهيعة, عن أبي الأسود, عن عروة قال: لقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وله نمرتان تنسج له بالسنح يلبسهما للوفد.

وقال: حدثنا يوسف بن يعقوب بن أبي سلمة الماجشون أبو سلمة, عن أبيه, عن المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب قال: توفي


#406#

رسول الله صلى الله عليه وسلم وله نمرة يختلف إليها تنسج له حتى توفاه الله عز وجل.

وترك صلى الله عليه وسلم أيضاً درعاً من حديد مرهونة في شعير عند يهودي.

ثبت عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: توفي النبي صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند يهودي بثلاثين, تعني صاعاً من شعير.

وجاء من حديث أبي خالد الأحمر, عن الأعمش, عن إبراهيم, عن مسروق, عن عائشة رضي الله عنها قالت: توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ودرعه مرهونة عند أبي شحمة اليهودي.

وقال سليمان بن بلال: حدثني جعفر بن محمد, عن أبيه قال: رهن رسول الله صلى الله عليه وسلم درعاً له عند أبي الشحم اليهودي – رجل من بني ظفر – في شعير.

وخرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث يحيى الحماني, حدثنا قيس بن الربيع, عن نسير بن ذعلوق, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم درع مرهونة عند يهودي, فما وجد ما يفتكها حتى مات صلى الله عليه وسلم.


#407#

وهو في "مسند أحمد", عن ابن عباس, وعن أنس بن مالك رضي الله عنهم أيضاً.

وخرجه أبو يعلى الموصلي في "مسنده" قال: حدثنا واصل بن عبد الأعلى, حدثنا محمد بن فضيل, حدثنا الأعمش, عن أنس رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يدعى إلى خبز الشعير وإهالة سنخة, ولقد كانت له درع رهناً عند يهودي, ما وجد ما يفتكها (به) حتى مات.

وقال الحاكم أبو عبد الله: حدثنا أبو جعفر البغدادي, حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح, حدثنا حسان بن عبد الله, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا يونس بن يزيد, حدثنا أبو إسحاق, عن (سعيد) بن الحارث بن عكرمة, عن جده نوفل بن الحارث بن عبد المطلب, أنه استعان رسول الله صلى الله عليه وسلم في التزويج فأنكحه امرأة, فالتمس شيئاً فلم يجده, فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا رافع وأبا أيوب بدرعه, فرهناه عند رجل من اليهود بثلاثين صاعاً من شعير, فدفعه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه, قال: فطعمنا منه نصف سنة, ثم كلناه, فوجدناه كما أدخلناه, قال نوفل: فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «لو لم تكله لأكلت منه ما عشت».


#408#

وقال أبو بكر محمد بن جعفر الخرائطي في كتابه "مكارم الأخلاق": حدثنا حماد بن الحسن بن عنبسة الوراق, حدثنا أبو عاصم النبيل, عن موسى بن عبيدة الربذي, أخبرني يزيد بن عبد الله, عن أبي رافع مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن ضيفاً نزل بالنبي صلى الله عليه وسلم فدعاني فأرسلني إلى رجل من اليهود يبيع الطعام, يقول لك محمد (رسول الله) صلى الله عليه وسلم: إنه نزل بنا ضيف فبعني كذا وكذا من الدقيق, وأسلفني إلى هلال رجب. (فقال اليهودي: والله لا أسلفته ولا أبيعه إلا برهن, فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبرته) فقال: «إني والله لأمين في أهل السماء, أمين في أهل الأرض, ولو أسلفني أو باعني لأديت إليه, اذهب بدرعي» ونزلت هذه الآية تعزية له صلى الله عليه وسلم عن الدنيا: {ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجاً منهم زهرة الحيوة الدنيا}.

وهذه الدرع التي رهنها صلى الله عليه وسلم قيل هي: درعه ذات الفضول, التي كانت عليه في يومي أحد وحنين, وأجل الدين كان إلى سنة, فيما بلغنا.

وترك صلى الله عليه وسلم أيضاً قدحاً غليظاً من خشب.

خرج الترمذي في "الشمائل" من حديث ثابت البناني قال: أخرج


#409#

إلينا أنس بن مالك قدح خشب غليظاً مضبباً بحديد, فقال: يا ثابت, هذا قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال هلال بن العلاء: حدثنا محمد بن مصعب, حدثنا حماد بن سلمة, عن هشام بن زيد, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كنت أسقي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا القدح: اللبن والعسل والسويق والنبيذ والماء البارد.

وخرج البخاري في "صحيحه" عن أنس رضي الله عنه: أن قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة.

قال البيهقي في "سننه الكبرى" عقب تخريجه هذا الحديث قال: وهو يوهم أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم اتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة.

وقد أخبرنا أبو عبد الله محمد بن عبد الله الحافظ, حدثنا علي بن حمشاذ العدل, حدثنا موسى بن هارون وعثمان بن علي الزعفراني قالا: حدثنا محمد بن علي بن الحسن بن شقيق المروزي, سمعت أبي يقول: أخبرنا أبو حمزة وهو السكري, أخبرنا عاصم بن سليمان, عن ابن سيرين, عن أنس رضي الله عنه: أن قدح النبي صلى الله عليه وسلم انصدع, فجعلت مكان الشعب سلسلة, يعني أن أنساً جعل مكان الشعب سلسلة.


#410#

قال البيهقي رحمه الله تعالى: هكذا في الحديث, لا أدري قاله موسى بن هارون, أو من فوقه. انتهى.

ويشهد لذلك ما ثبت عن عاصم الأحول قال: رأيت قدح النبي صلى الله عليه وسلم عند أنس بن مالك, وكان قد انصدع فسلسله بفضة, وهو قدح جيد عريض من نضار, قال أنس رضي الله عنه: لقد سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا القدح أكثر من كذا وكذا. وقال ابن سيرين: فيه حلقة من حديد, فأراد أنس أن يجعل مكانها حلقة من ذهب أو فضة, فقال له أبو طلحة: لا تغيرن شيئاً صنعه رسول الله صلى الله عليه وسلم فتركه.

وحدث عبد الأعلى بن حماد, عن حماد بن سلمة, عن ثابت, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: سقيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذا القدح: الماء واللبن والنبيذ, فلولا أني رأيت أصابعه صلى الله عليه وسلم في هذه الحلقة, لجعلت عليها الذهب والفضة.

تابعه محمد بن مصعب, عن حماد بن دون الزيادة التي في آخره, وقد تقدم قريباً.


#411#

قدح نضار يتخذ من أثل ورسي اللون أو من خشب أحمر أو من النبع أو من الخلاف.

وترك صلى الله عليه وسلم أيضاً قضيباً يدعى الممشوق من شوحط, هو اليوم عند الخلفاء, قاله ابن الجوزي في كتابه "الوفا".

وقال حماد بن إسحاق: حدثنا عارم, حدثنا حماد بن زيد, عن يزيد بن حازم, عن سليمان بن يسار: أن رجلاً من غفار يقال له الجهجاه دخل على عثمان رضي الله عنه ومعه عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فأخذها الغفاري فكسرها على ركبته فوقعت الأكلة في ركبته.

وخرجه ابن أبي الدنيا في كتاب "العقوبات" عن أحمد بن المقدام، عن حماد بن زيد نحوه.

وذكره القاضي عياض في "الشفا" فقال: وحكي أن جهجاهاً الغفاري أخذ قضيب رسول الله صلى الله عليه وسلم من يد عثمان رضي الله عنه, وتناوله ليكسره على ركبته, فصاح به الناس, فأخذته الأكلة في ركبته فقطعها ومات قبل الحول.

وقال البخاري في "تاريخه الأوسط": حدثني قتيبة, حدثنا محمد بن


#412#

فليح بن سليمان, عن أبيه, عن عمته, عن أبيها وعمها, أنهما حضرا عثمان رضي الله عنه, قال: فقام إليه جهجاه بن سعيد الغفاري, حتى أخذ القضيب من يده قضيب رسول الله صلى الله عليه وسلم فوضعها على ركبته ليكسرها فشعبها, فصاح به الناس, ونزل عثمان رضي الله عنه, حتى دخل داره ورمي الغفاري في ركبته, فلم يحل عليه الحول, حتى مات.

ورواه في "تاريخه الصغير" عن قتيبة بنحوه, إلا أنه قال: فقام إليه فلان ابن سعيد لم يسمه.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عبد الله بن إدريس, عن عبيد الله بن عمر, عن نافع, قال: بينما عثمان بن عفان رضي الله عنه يخطب إذ قام إليه جهجاه الغفاري فأخذ العصا من يده, فكسرها على ركبته, فدخلت منها شظية في ركبته, فوقعت فيها الأكلة.

قال ابن سعد: وحديث عبد الله بن إدريس هذا لم أسمعه منه, وهو عرض عليه.

فهذا جميع ما خلفه النبي صلى الله عليه وسلم مما وقع إلينا, ولم يقع لنا فيما خلفه صلى الله عليه وسلم عمامة, وسيأتي ذكرها فيما بعد إن شاء الله تعالى.

وأما ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حال حياته سوى ما ذكرناه من اللباس, وآلات البيت والسلاح والخيل والأنعام, وغير ذلك, وبعضه بقي بعده صلى الله عليه وسلم, فنذكر الآن ما وقع إلينا من ذلك:


#413#

(خرج أبو عبد الله الحاكم في "مستدركه" من طريق عثمان بن سعيد الدارمي, حدثنا عبد الله بن صالح, حدثنا الليث), حدثني يزيد بن أبي حبيب, أن علي بن رباح أخبره أنه سمع عمرو بن العاص رضي الله عنه يقول على المنبر: والله ما رأيت قوماً قط أرغب فيما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيه منكم, ترغبون في الدنيا, وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يزهد فيها, والله ما مر برسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث من الدهر إلا والذي عليه أكثر من الذي له.

قال الحاكم: هذا حديث صحيح على شرط البخاري ولم يخرجاه.

قلت: هو صحيح, لكن ليس على شرط واحد من الشيخين؛ لأن كاتب الليث انفرد به البخاري, وعلي بن رباح انفرد به مسلم, بل سند الحديث مركب ممن أخرج له في "صحيح البخاري", وممن أخرج له في "صحيح مسلم" والله أعلم.

أما ما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من اللباس, فكان غالب لباسه القطن, ولبس الصوف تارة والكتان تارة, والحلل الحسنة تارة.

قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو الربيع الزهراني, حدثنا حماد بن زيد, حدثنا جليس لأيوب, قال: دخل الصلت بن راشد على محمد بن سيرين, وعليه جبة صوف, وإزار صوف, وعمامة صوف, فاشمأز


#414#

محمد بن سيرين وقال: أظن أن قوماً يلبسون الصوف ويقولون: قد لبسه عيسى ابن مريم عليهما السلام, وقد حدثني من لا أتهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبس الكتان والقطن واليمنة, وسنة نبينا صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع.

قال الزبيدي في "مختصر العين": واليمنة ضرب من برود اليمن.

وقال بقية: حدثنا يوسف بن أبي كثير, عن نوح بن ذكوان, عن الحسن, عن أنس رضي الله عنه قال: لبس النبي صلى الله عليه وسلم الصوف, واحتذى المخصوف, ولبس خشناً, وأكل بشعاً, فسألنا الحسن: ما البشع؟ فقال: غليظ الشعير, ما كان يسيغه إلا بجرعة ماء.

خرجه ابن ماجه لبقية.

وخرج أيضاً من حديث ابن لهيعة, عن أبي الأسود محمد بن عبد الرحمن الأسدي, عن عاصم بن عمر بن قتادة, عن علي بن الحُسَيْن, عن عائشة رضي الله عنها قالت: ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يسب أحداً ولا يطوى له ثوب.


#415#

ومما كان للنبي صلى الله عليه وسلم من اللباس: حلة حمراء.

صح عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم مربوعاً وقد رأيته في حلة حمراء, ما رأيت شيئاً أحسن منه صلى الله عليه وسلم.

وحدث أشعث بن سوار, عن أبي إسحاق, عن جابر بن سمرة رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة أضحيان, وعليه حلة حمراء, فجعلت أنظر إليه صلى الله عليه وسلم وإلى القمر, فلهو أحسن في عيني من القمر.

وقد قدمناه بلفظ آخر مع الكلام عليه.

وخرج أبو حفص بن شاهين, عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما قال: ما رأيت أحسن من رسول الله صلى الله عليه وسلم في حلة حمراء.

وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: لقد رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن ما يكون من الحلل.

خرجه أبو داود في حديث عمر بن يونس بن القاسم اليمامي, عن عكرمة بن عمار, عن أبي زميل, عن ابن عباس رضي الله عنهما, وفي أوله قصة.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عمرو بن عاصم الكلابي, حدثنا همام بن يحيى, حدثنا قتادة, عن محمد بن سيرين: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى حلة – وإما قال: ثوباً – بتسع وعشرين ناقة.

وحدث به عن الفضل بن دكين, حدثنا همام, عن قتادة, عن


#416#

علي بن زيد, عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث بن نوفل أن النبي صلى الله عليه وسلم (اشترى حلة بسبع وعشرين أوقية.

وخرجه أبو محمد بن حيان في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" من طريق هدبة, عن همام كذلك, ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى حلة بسبع وعشرين ناقة فلبسها.

وحدث به عفان, عن همام, حدثنا قتادة, عن علي بن زيد, عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث, عن عبد الله بن الحارث, عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه اشتري – قال همام: في كتابي: ثوباً, وفي حفظي -: حلة بسبع وعشرين ناقة.

وحدث يعقوب بن سفيان في "تاريخه" عن أحمد بن الخليل, وسمعت يزيد – يعني ابن هارون – يقول: بقي علي بن زيد بعد قتادة زماناً, وروى عن قتادة قصة الحلة: اشترى النبي صلى الله عليه وسلم حلة.

قلت: وقد جاء الحديث عن حماد بن سلمة, عن علي فيما خرجه أبو داود فقال: حدثنا موسى بن إسماعيل, حدثنا حماد, (عن علي) بن زيد, عن إسحاق بن عبد الله بن الحارث: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى حلة ببضعة وعشرين قلوصاً, فأهداها إلى ذي يزن.


#417#

والحديث من أفراد علي بن زيد بن جدعان.

وقال أبو داود أيضاً: حدثنا عمرو بن عون, أخبرنا عمارة بن زاذان, عن ثابت, عن أنس رضي الله عنه: أن ملك ذي يزن أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حلة أخذها بثلاثة وثلاثين بعيراً فقبلها.

وقال الحاكم في "مستدركه": حدثنا علي بن حمشاذ العدل, حدثنا موسى بن هارون, حدثنا القاسم بن دينار الطحان, أخبرنا إسحاق بن منصور السلولي, عن عمارة بن زاذان, عن ثابت, عن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن ملك ذي يزن أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم حلة اشتريت بثلاثة وثلاثين بعيراً وناقة, فلبسها النبي صلى الله عليه وسلم مرة.

هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه, قاله الحاكم.

تابعه أحمد بن يحيى الصوفي, عن إسحاق بن منصور.

وخرجه أبو داود في "سننه" عن عمرو بن عون الواسطي, عن عمارة بن زاذن, بنحوه.

وقال الزبير بن بكار: حدثني محمد بن سلام, عن يزيد بن عياض قال: أهدى حكيم بن حزام رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم – في الهدنة التي كانت بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين قريش – حلة ذي يزن, اشتراها بثلاثمائة دينار, فردها عليه رسول


#418#

الله صلى الله عليه وسلم وقال: «إني لا أقبل هدية مشرك» فباعها حكيم, وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم من اشتراها له, فلبسها رسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما رآه حكيم فيها قال:

ما ينظر الحكام بالفصل بعدما ... بدا سابق ذو غرة وحجول

فكساها رسول الله صلى الله عليه وسلم أسامة بن زيد بن حارثة, فرآها عليه حكيم فقال: بخ بخ يا أسامة, عليك حلة ذي يزن, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قل له: وما يمنعني وأنا خير منه, وأبي خير من أبيه».

وقال عبد الله بن صالح: حدثنا الليث, حدثني عبيد الله بن المغيرة, عن عراك بن مالك, أن حكيم بن حزام قال: كان محمد صلى الله عليه وسلم أحب رجل إلي, فلما نبئ وخرج إلى المدينة, شهد حكيم الموسم, فوجد حلة لذي يزن, فاشتراها, ثم قدم بها؛ ليهديها إلى النبي صلى الله عليه وسلم. فقال: «لا نقبل من المشركين شيئاً, ولكن بالثمن» قال: فأعطيته إياها حين أبى الهدية, فرأيتها عليه صلى الله عليه وسلم على المنبر, فلم أر شيئاً أحسن منه يومئذ فيها, ثم أعطاها أسامة, فرآها حكيم على أسامة, فقال: يا أسامة, تلبس حلة ذي يزن؟ قال: نعم, والله لأنا خير من ذي يزن, ولأبي خير من أبيه, فانطلقت إلى مكة, فأعجبتهم بقول أسامة رضي الله عنه.


#419#

وخرج الترمذي في "الشمائل" من حديث أنس رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج وهو متكئ على أسامة بن زيد رضي الله عنهما, وعليه ثوب قطري قد توشح به، فصلى بهم.

القطر: بالكسر نوع من البرود, وقيل القطرية منسوبة إلى مكان عند البحرين.

وخرج الترمذي والنسائي من حديث عمارة بن أبي حفصة, عن عكرمة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان على النبي صلى الله عليه وسلم ثوبان قطريان غليظان, فكان إذا قعد فعرق, ثقلا عليه ... الحديث.

وقال الترمذي: حسن صحيح.

وكان له صلى الله عليه وسلم برد نجراني غليظ الحاشية, وهو الذي جبذه الأعرابي.

وتلك البردة التي أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم, فيما صح من رواية أبي حازم, عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ببردة, فقال سهل للقوم: أتدرون ما البردة؟ قال القوم: هي الشملة منسوجة, فيها حاشيتها, فقالت: يا رسول الله, نسجت هذه بيدي أكسوكها, فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم محتاجاً إليها, فلبسها .... الحديث.


#420#

قال أبو نعيم أحمد بن عبد الله الأصبهاني: رواه الناس عن أبي حازم.

وقال زمعة, عن أبي حازم: حلة من أنمار من صوف أسود, جعل لها ذؤابتين من صوف أبيض. انتهى.

وكان له صلى الله عليه وسلم بردة سوداء من صوف.

قال ابن سعد في كتابه "الطبقات": أخبرنا يزيد بن هارون وعفان بن مسلم والفضل بن دكين, قالوا: حدثنا همام بن يحيى, عن قتادة, عن مطرف, عن عائشة رضي الله عنها قالت: جعل للنبي صلى الله عليه وسلم بردة سوداء من صوف, فلبسها, فذكرت بياض النبي صلى الله عليه وسلم وسوادها, فلما عرق فيها وجد منها ريح الصوف – تعني: فقذفها – وكان صلى الله عليه وسلم تعجبه الريح الطيبة.

وخرجه النسائي دون ذكر بياض النبي صلى الله عليه وسلم وسوادها.

وخرجه أبو الشيخ الأصبهاني من طريق همام, عن قتادة, عن مطرف بن عبد الله, عن عائشة رضي الله عنها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لبس بردة سوداء, فقالت عائشة رضي الله عنها: ما أحسنها عليك, يشرب بياضك سوادها وسوادها بياضك.

وخرجه أبو نعيم الأصبهاني في كتابه "مدح لابسي الصوف على الديانة والصفاء وذم لابسها على الخيانة والجفاء" فقال: وحدثنا محمد بن أحمد الغطريفي, حدثنا محمد بن محمد بن سليمان, حدثنا أحمد بن مطهر, حدثنا شبابة, حدثنا شعبة, عن قتادة, عن مطرف,


#421#

عن عائشة رضي الله عنها قالت: أهدي للنبي صلى الله عليه وسلم شملة سوداء, فلبسها, فقال: «كيف ترينها يا عائشة؟» قالت: ما أحسنها يا رسول الله, يشرب سوادها بياضك وبياضك سوادها, قال: فخرج فيها للناس.

وخرجه الإمام أحمد في "مسنده" فقال: حدثنا يزيد, حدثنا همام, عن قتادة .... فذكره بنحوه.

وهو في سنن أبي داود والنسائي لهمام بنحوه.

وهو عند النسائي أيضاً, عن محمد بن مثنى, عن معاذ بن هشام, عن أبيه, عن قتادة, عن مطرف أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له بردة ... فذكره مرسلاً.

وحدث به القاسم بن ثابت في كتابه "الدلائل" عن موسى بن هارون, (حدثنا شيبان), حدثنا سليمان, حدثنا حميد يرفعه إلى عائشة رضي الله عنها.. فذكره, ولفظه: أن النبي صلى الله عليه وسلم ائتزر ببردة سوداء فقال لعائشة رضي الله عنها: «كيف ترينها علي؟» قالت: أحسنها عليك يا رسول الله, يشب بياضك سوادها, ويشب سوادها بياضك, قال: فخرج فيها, فعرق فيها, فبدت منها ريح, فوضعها.

وقال: قولها: "يشب بياضك سوادها", أي يحسنه ويزيد في نوره, قال يعقوب: يقال: شب لون المرأة خمار أسود يشبه, أي: زاد في لونها وبياضها, ومنه قيل: رجل مشبوب, أي: جميل.


#422#

قال العجاج:

ومن قريش كل مشبوب أغر ...

أي: جميل, كأنما أوقد.

وفي "صحيح مسلم" من حديث مصعب بن شيبة, عن صفية بنت شيبة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: خرج النبي صلى الله عليه وسلم ذات غداة, وعليه مرط مرحل من شعر أسود ..... الحديث.

وخرجه أبو داود [والترمذي] وقال: حسن صحيح.

والمرط: كساء من خز أو كتان, قاله الزبيدي في "مختصره".

وقال أبو عبيد: وقد يكون من صوف ومن خز.

وقال الخطابي: المرط: كساء يؤتزر به.

وقال مرة: ويكون إزاراً ويكون رداء.

وقال الزبيدي أيضاً: المرحل ضرب من البرود.

وقال الخطابي: والمرحل هو الذي فيه خطوط, ويقال إنما سمي مرحلاً؛ لأن عليه تصاوير رحل أو ما يشبهه.

وجاء أنه صلى الله عليه وسلم كان له كساء طاروني, وتقدم ذكره عند ذكر بناء الكعبة


#423#

في رفع الحجر الأسود إلى مكانه.

وكان له صلى الله عليه وسلم أيضاً كساء أسود وآخر أحمر مثله, وآخر من شعر, وبردان أخضران.

خرج الترمذي في "الشمائل" عن أبي رمثة رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وعليه بردان أخضران.

وخرجه النسائي بنحوه.

قال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا الحسن بن صالح, عن إسماعيل قال: برد النبي صلى الله عليه وسلم رداء ثمنه دينار.

وكان له صلى الله عليه وسلم رداء يسمى الفيح, وهو الذي ألقاه صلى الله عليه وسلم على ظهره حين رأى خاتم النبوة عبد الله بن سرجس, فيما قاله البرقي, حكاه عنه ابن دحية وتقدم.

وقال عثمان بن أبي شيبة: حدثنا خالد بن مخلد, حدثنا عبد الملك بن الحسن, سمعت سهم بن المعتمر, يحدث عن الهجيمي أنه لقي رسول


#424#

الله صلى الله عليه وسلم, فإذا هو متزر بإزار قطن قد انتثرث حاشيته.

وكان له صلى الله عليه وسلم خميصة, وهي كساء رقيق, وهي التي صلى فيها, ونظر إلى علمها وهو في الصلاة.

صح من حديث عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في خميصة لها أعلام, فنظر إلى أعلامها نظرة, فلما سلم قال: «اذهبوا بخميصتي هذه إلى أبي جهم, فإنها ألهتني آنفاً عن صلاتي, وائتوني بأنبجانية أبي جهم».

ووجه طلب الأنبجانية من أبي جهم, ولم تطلب من غيره, أن الخميصة كانت لأبي جهم, فأهداها لرسول الله صلى الله عليه وسلم, فلما ردها عليه طلب الأنبجانية منه جبراً له.

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا معن بن عيسى, حدثنا مالك بن أنس, عن علقمة بن أبي علقمة, عن أمه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أهدى أبو جهم بن حذيفة لرسول الله صلى الله عليه وسلم خميصة شامية,


#425#

لها علم, فشهد فيها الصلاة, فلما انصرف قال: ردوا هذه الخميصة إلى أبي الجهم, فإني نظرت إلى علمها في الصلاة فكاد يفتنني.

وكان له صلى الله عليه وسلم شملة سوداء مخططة بحمرة.

قال الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة: حدثنا الفضل بن أبي طالب, حدثنا محمد بن صالح مولى بني هاشم, حدثنا مروان بن ضرار الفزاري, أخبرني عبد الرحمن بن الحكم بن البراء بن قبيصة الثقفي, حدثني أبي, عن عامر بن الأسود العبقسي, عن عبد الله بن الغسيل رضي الله عنه قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم, فمر بالعباس فقال: «يا عم اتبعني ببنيك» فقال لهم أبو الهيثم بن عتبة: يا عم انتظرني حتى أجيئك, قال: فلم يأتهم, فانطلق بهم بستة من بنيه: الفضل, وعبد الله, وعبيد الله, وعبد الرحمن, وقثم, ومعبد, فأدخلهم النبي صلى الله عليه وسلم وغطاهم بشملة له سوداء مخططة بحمرة, فقال: «اللهم إن هؤلاء أهل بيتي وعترتي, فاسترهم من النار كما سترتهم بهذه الشملة» قال: فما بقي في البيت مدرة ولا باب إلا أمن.


#426#

وكان له صلى الله عليه وسلم كمة.

قال أبو بكر أحمد بن السني في كتابه "رياضة المتعلمين": حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن يونس, حدثنا محمد بن موسى الجرشي, حدثنا أرطأة العدوي, حدثنا جعفر بن محمد، عن أبيه, قال علي رضي الله عنه: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم وضع كمته ثم صلى إليها.

وكان له صلى الله عليه وسلم عمامة, كان يلبسها تحت القلنسوة, وتارة (يلبسها) بغير قلنسوة, وكان يقال لها السحاب, كساها علياً رضي الله عنه, وهي العمامة التي حرفها القوم الضالون, غلاة الروافض لعنة الله علهم أجمعين.

روى مسعدة بن اليسع, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, عن جده, قال: كسا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً رضي الله عنه عمامة يقال لها: السحاب, فأقبل علي رضي الله عنه وهي عليه, فحرفوها هؤلاء, فقالوا: علي في السحاب.

وفي رواية غير مسعدة, عن جعفر بن محمد, عن أبيه: أن علياً


#427#

رضي الله عنه أقبل في عمامة يقال لها السحاب, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذا علي أبو حسن – أو هذا أبو حسن – قد أقبل في عمامته السحابة» يعني عمامة (على) علي رضي الله عنه, قال جعفر: فحرف هؤلاء, فقالوا: علي في السحاب.

وكان له صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء.

قال أبو بكر أحمد بن علي الحافظ: حدثنا محمود بن محمد الرافقي, حدثنا أحمد بن بزيغ, حدثنا سعيد بن مسلمة, حدثنا سلام بن سليم, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قحط الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم, فخرج من المدينة إلى بقيع الغرقد, معتماً بعمامة سوداء, قد أرخى طرفها صلى الله عليه وسلم بين يديه, والآخر بين منكبيه, متكئاً قوساً عربية. وذكر الحديث في صلاة الاستسقاء وخطبته.

وله شاهد فيما خرجه مسلم في "صحيحه" عن عمرو بن حريث رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس وعليه عمامة سوداء, قد أرخى طرفها بين كتفيه.

وخرج أيضاً عن جابر رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح, عليه عمامة سوداء.


#428#

وروى محمد بن عبيد الله العرزمي, عن أبي الزبير, عن جابر رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم عمامة سوداء يلبسها في العيدين ... الحديث.

وجاء عن حاتم بن إسماعيل, عن أبي الزبير.

وخرج أبو داود وابن ماجه من حديث عبد العزيز بن مسلم - وهو الأنصاري مولى آل رفاعة - عن أبي معقل, عن أنس رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يتوضأ وعليه عمامة قطرية, فأدخل يده من تحت العمامة, فمسح مقدم رأسه, ولم ينقض العمامة.

وخرج الحاكم في "مستدركه" من حديث مصعب بن عبد الله بن مصعب, حدثني أبي، عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر, عن أبيه (قال): رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه ثوبان مصبوغان بالزعفران: رداء وعمامة.


#429#

هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه, قاله الحاكم.

وحدث به ابن سعد في كتابه "الطبقات" عن مصعب بن عبد الله بن مصعب الزبيري, سمعت أبي يخبر عن إسماعيل بن عبد الله بن جعفر, عن أبيه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه رداء وعمامة مصبوغين بالعبير.

قال مصعب: العبير عندنا الزعفران.

قال ابن سعد أيضاً: أخبرنا خلاد بن يحيى, حدثنا عاصم بن محمد, حدثني أخي, عن زيد بن أسلم, قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه كلها بالزعفران حتى العمامة.

وجاء عن هشام بن سعد, عن يحيى بن عبد الله بن مالك قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ ثيابه بالزعفران: قميصه ورداءه وعمامته.

وجا عن عروة بن الزبير قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم عمامة معلمة فقطع علمها ولبسها.

هذا مرسل.

وهذه المراسيل لا تقاوم ما في "الصحيح" من نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن التزعفر, وفي لفظ: نهى أن يتزعفر الرجل, ولعل ذلك كان جائزاً, ثم نهي عنه, قاله الذهبي.


#430#

وخرج الترمذي من حديث نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا اعتم سدل عمامته بين كتفيه.

قال نافع: وكان ابن عمر يفعل ذلك.

وفي غير رواية نافع: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدير كور العمامة على رأسه, ويغرسها من ورائه, ويرخي لها ذؤابة بين كتفيه.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث الحجاج بن رشدين بن سعد, حدثنا معاوية بن صالح, عن أبي عقبة, عن ثوبان مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا اعتم أرخى عمامته بين يديه ومن خلفه.

إسناده فرد.

وقال أبو يوسف: (يعقوب) بن أحمد الجصاص: حدثنا صالح – يعني: عمران – حدثنا خالد بن يزيد, حدثنا عاصم بن سليمان, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له كمة بيضاء.


#431#

وقال ابن سعد: أخبرنا يزيد بن هارون ومحمد بن عبد الله الأنصاري قالا: حدثنا هشام بن حسان, عن بكر بن عبد الله المزني قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة مورسة, فإذا دار على نسائه رشها بالماء.

وكان له صلى الله عليه وسلم فروة مكفوفة بالسندس.

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا إسحاق بن عيسى, حدثنا حماد بن سلمة, عن علي بن زيد بن جدعان, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: أهدى ملك الروم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مستقة من سندس, فلبسها, فكأني أنظر إلى يديها تذبذبان من طولهما, فجعل القوم يقولون: يا رسول الله أنزلت عليك من السماء؟ فقال: «وما تعجبون منها, فوالذي نفسي بيده إن منديلاً من مناديل سعد في الجنة خير منها» ثم بعث بها إلى جعفر بن أبي طالب, فلبسها, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لم أعطكها لتلبسها» قال: فما أصنع بها؟ قال: «ابعث بها إلى أخيك النجاشي».


#432#

وخرجه أبو داود في "سننه" بنحوه مختصراً.

وقال الأصمعي: المساتق: فراء طوال الأكمام.

وقال الزبيدي في "مختصر العين": المستقة: فرو عظيم الكمين.

وقال الخطابي: يشبه أن يكون هذه المستقة مكفوفة بالسندس, لأن الفروة لا تكون سندساً.

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن ربيعة الكلابي, عن يونس بن الحارث الثقفي, عن ابن عون, عن أبيه, عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه (قال): كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرو, وكان يستحب أن تكون له فروة مدبوغة يصلي عليها.


#433#

وكان له صلى الله عليه وسلم جبة صوف ضيقة الكمين, لبسها في سفره, كما في حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه.

وخرج الترمذي في "جامعه" من حديث يونس بن أبي إسحاق, عن الشعبي, عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: لبس النبي صلى الله عليه وسلم جبة رومية ضيقة الكمين.

هذا حديث حسن (صحيح), قاله الترمذي.


#434#

ولبس صلى الله عليه وسلم مرة قباء مفرجاً من حرير أهدي له, وهو الفروج, فصلى فيه, ثم نزعه عنه وقال: «لا ينبغي هذا للمتقين».

وهكذا لبس النبي صلى الله عليه وسلم مرة خاتماً من ذهب, اصطنعه, فلبسه, ثم رمى به, ونهى عن التختم بالذهب.

وقال أبو بكر أحمد بن السني في كتابه "رياضة المتعلمين": أخبرنا أبو عبد الرحمن, أخبرنا محمد بن علي بن حرب, حدثنا عثمان بن عمر, أخبرنا مالك بن مغول, عن سليمان الشيباني, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اتخذ خاتماً فلبسه, فقال: «شغلني هذا عنكم منذ اليوم, إليه نظرة (وإليكم نظرة)» ثم ألقاه.

وكان له صلى الله عليه وسلم منديل أبيض يمسح به وجهه بعد الوضوء, وربما مسحه بردائه, وربما لم يمسحه, كذا ذكره جماعة.

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن ربيعة الكلابي, عن أبي عمرو بن العلاء, عن إياس بن جعفر الحنفي قال: أخبرت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء.


#435#

وقال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأنصاري, أخبرنا أبو عمرو بن العلاء, عن إياس بن جعفر الحنفي قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة, إذا توضأ تمسح بها.

وخرج الترمذي من حديث زيد بن حباب, عن أبي معاذ, عن الزهري, عن عروة, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم خرقة يتنشف بها بعد الوضوء.

قال الترمذي: حديث عائشة رضي الله عنها – يعني: هذا – ليس بالقائم, ولا يصح عن النبي صلى الله عليه وسلم في هذا الباب شيء, وأبو معاذ يقولون: هو


#436#

سليمان بن أرقم, وهو ضعيف عند أهل الحديث.

وخرجه أبو حفص بن شاهين في كتابه "الناسخ والمنسوخ" من حديث زيد بن حباب, وجعله ناسخاً لحديث يونس بن بكير, عن سعيد بن ميسرة, عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يمسح وجهه بالمنديل بعد الوضوء ... الحديث.

والأول خرجه البيهقي في "السنن الكبرى" من طريق زيد بن الحباب, عن أبي معاذ, وقال: أبو معاذ هذا هو سليمان بن أرقم, وهو متروك.

ثم قال: وقد روي ذلك بإسناد غير قوي: أخبرناه محمد بن عبد الله الحافظ, حدثني أحمد بن منصور الصوفي الحافظ أبو العباس الشيرازي, حدثنا أحمد بن محمد النحوي, حدثنا أبو العيناء محمد بن القاسم, حدثنا أبو زيد النحوي, حدثنا أبو عمرو بن العلاء, عن أنس بن مالك, عن أبي بكر الصديق رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة يتنشف بها بعد الوضوء.

قال البيهقي: وإنما رواه أبو عمرو بن العلاء, عن إياس بن جعفر أن رجلاً حدثه أن النبي صلى الله عليه وسلم كانت له خرقة أو منديل, فكان إذا توضأ


#437#

مسح بها وجهه ويديه.

ثم أسنده إلى القواريري, حدثنا عبد الوارث, عن أبي عمرو بن العلاء, عن إياس بن جعفر, فذكره.

قال: وهذا هو المحفوظ من حديث عبد الوارث.

ثم خرج أيضاً من طريق أبي معمر عبد الله بن عمرو, سألت عبد الوارث عن حديث عبد العزيز بن صهيب, عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له منديل أو خرقة, فإذا توضأ مسح وجهه فقال: كان في قطينة فأخذه ابن علية, فلست أرويه.

وقال البيهقي: وهذا لو رواه عبد الوارث, عن عبد العزيز, عن أنس, لكان إسناداً صحيحاً, إلا أنه امتنع من روايته, ويحتمل أنه إنما كان عنده بالإسناد الأول, والله أعلم. انتهى.

وحديث أنس في هذا إنما هو موقوف عليه, وذلك في رواية معمر عن سلم بن أبي الذيال, عن أشعث بن جابر, عن أنس رضي الله عنه أنه كان له منديل يمت به الماء إذا توضأ.

ومعني يمت: يمسح, قال امرؤ القيس:

نمت بأعراف الجياد أكفنا ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهب.

المضهب: المشوي على الرضف.

وخرج ابن شاهين في "الناسخ والمنسوخ" والترمذي واللفظ


#438#

(له) من حديث رشدين بن سعد, عن عبد الرحمن بن زياد بن أنعم, عن عتبة بن حميد, عن عبادة بن نسي, عن عبد الرحمن بن غنم, عن معاذ رضي الله عنه قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم إذا توضأ مسح وجهه بطرف ثوبه.

قال الترمذي: هذا حديث غريب, وإسناده ضعيف, ورشدين بن سعد وعبد الرحمن بن زياد بن أنعم الأفريقي يضعفان في الحديث.

وحدث ابن ماجه في "سننه" عن العباس بن الوليد بن صبح الخلال وأحمد بن الأزهر النيسابوري, كلاهما عن مروان بن محمد الدمشقي, عن يزيد بن السمط, عن الوضين بن عطاء, عن محفوظ بن علقمة, عن سلمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ فقلب جبة صوف كانت عليه, فمسح بها وجهه.

ورواه محمد بن عبد الرحمن الجعفي, عن مروان بن محمد, عن يزيد بن السمط, عن الوضين, عن يزيد بن مرثد, عن محفوظ به.

تفرد به الوضين وقد وثقه الجمهور, وضعفه بعضهم.

وكان له صلى الله عليه وسلم سراويل.

وورد في غير حديث أنه صلى الله عليه وسلم لبس السراويل.

وروي أنه كان من جملة هدية النجاشي إلى النبي صلى الله عليه وسلم سراويل.


#439#

وحدث الترمذي: عن هناد ومحمود بن غيلان, عن وكيع, عن سفيان, عن سماك بن حرب, عن سويد بن قيس رضي الله عنه قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر, فجاءنا النبي صلى الله عليه وسلم فساومنا بسراويل, وعندي وزان يزن بالأجر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم للوزان: «زن وأرجح».

قال الترمذي: حديث حسن صحيح.

وخرجه أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود في كتابه "الأحكام": عن محمود بن آدم, عن وكيع, عن سفيان.

ومن طريق سفيان الثوري خرجه الحاكم في "مستدركه" وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.

وكذلك ألزم أبو الحسن الدارقطني الشيخين إخراجه في الصحيح.

وخرجه البخاري في "تاريخه الكبير" والنسائي وابن ماجه من حديث سماك بن حرب, بنحوه.


#440#

وخرجه الحافظ أبو نعيم في كتابه "معرفة الصحابة" من حديث سماك, عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزا من هجر, فأتينا به مكة, فأتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم, فابتاع منا سراويل, وثم وزان يزن بالأجر, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زن وأرجح».

وقد جاء أن ثمن السراويل ثلاثة دراهم.

قال دعلج بن أحمد في كتابه "مسند المقلين": حدثنا موسى بن هارون, حدثنا يحيى الحماني, حدثنا قيس بن الربيع, عن سماك بن حرب, عن سويد بن قيس قال: جلبت أنا ومخرفة العبدي بزاً من البحرين إلى المدينة, فأتى علينا النبي صلى الله عليه وسلم فاشترى سراويل بثلاثة دراهم, وإذا وزان يزن بالأجر, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «يا وزان, زن وأرجح».

وحدث به أبو داود في "سننه", عن عبيد الله بن معاذ, حدثنا أبي, حدثنا سفيان, عن سماك بن حرب, حدثني سويد بن قيس ... فذكره.

وقال: حدثنا حفص بن عمرو ومسلم بن إبراهيم – المعنى قريب – قالا: حدثنا شعبة, عن سماك بن حرب, عن أبي صفوان بن عميرة قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل أن يهاجر, بهذا الحديث, ولم يذكر: يزن بأجر.


#441#

قال أبو داود: ورواه قيس كما قال سفيان, والقول قول سفيان.

حدثنا ابن أبي رزمة, سمعت أبي يقول: قال رجل لشعبة: خالفك سفيان, قال: دمغتني.

وقال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا أحمد بن عمرو القطراني, حدثنا سليمان بن حرب, حدثنا شعبة, عن سماك بن حرب, قال: سمعت صفوان أو ابن صفوان قال: بعث من النبي صلى الله عليه وسلم رجل سراويل فوزن لي فأرجح.

وقال الحافظ أبو نعيم أحمد بن عبد الله: رواه أبو داود وعبد الصمد, عن شعبة فقالوا: عن أبي صفوان بن مالك, عن النبي صلى الله عليه وسلم, وصوابه ما رواه الثوري وغيره, عن سماك بن حرب, عن مخرفة العبدي. انتهى.

قلت: وكذلك رواه ابن أبي خيثمة في "تاريخه" فقال: حدثنا مسلم بن إبراهيم, حدثنا شعبة, عن سماك بن حرب, عن أبي صفوان ... فذكره.


#442#

ورواه أحمد بن حنبل في "مسنده" عن يزيد بن هارون, أخبرنا شعبة, عن سماك بن حرب, سمعت أبا صفوان مالك بن عمير يقول: قدمت مكة قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم, فاشترى مني رجل سراويل فأرجح لي.

ورواه عبد الرحمن بن مهدي, عن شعبة فقال: مالك بن عميرة.

وقال الحسن بن سفيان: حدثنا معلى بن مهدي, حدثنا بشر بن مفضل, عن شعبة بن الحجاج, عن سماك بن حرب, عن خالد بن عمير قال: أتيت مكة والنبي صلى الله عليه وسلم بها قبل الهجرة فبعته رجل سراويل فوزن لي وأرجح لي.

وروى عباد بن موسى الختلي, حدثنا يوسف بن زياد, حدثنا عبد الرحمن بن زياد بن أنعم, عن الأغر أبي مسلم, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: دخلت السوق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, فجلس إلى البزاز, فاشترى سراويل بأربعة دراهم, وكان لأهل السوق وزان يزن, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «زن وأرجح» فقال الوزان: إن هذه الكلمة ما سمعتها من أحد, فقلت له: كفى بك من الوهن والجفاء في دينك أن لا تعرف نبيك, فطرح الميزان ووثب إلى يد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبلها, فجذب يده منه, وقال: «هذا إنما تفعله الأعاجم بملوكها ولست بملك, فإنما أنا رجل منكم» فوزن وأرجح, وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم السراويل فقال أبو هريرة: فذهب أحمله فقال صلى الله عليه وسلم: «صاحب الشيء أحق بشيئه أن يحمله, إلا أن يكون ضعيفاً يعجز عنه, فيعينه أخوه المسلم» قلت: يا رسول الله,


#443#

وإنك لتلبس السراويل؟ قال: «نعم, في السفر والحضر والليل والنهار, فإني أمرت بالتستر, فلم أجد شيئاً أستر منه».

تابعه علي بن حجر السعدي, عن يوسف بن زياد.

وخرجه أبو حاتم ابن حبان, عن أبي يعلى الموصلي, عن عبد الرحمن بن زياد الأفريقي, وأبو يعلى خرجه في "مسنده", تفرد به الأفريقي, فيما قاله أبو القاسم الطبراني.

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم خفان أسودان ساذجان أهداهما إليه النجاشي, فلبسهما.

خرج الترمذي في "جامعه" من حديث وكيع, عن دلهم بن صالح, عن حجير بن عبد الله, عن ابن بريدة, عن أبيه أن النجاشي أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم خفين أسودين ساذجين, فلبسهما, ثم توضأ ومسح عليهما.

هذا حديث حسن, إنما نعرفه من حديث دلهم, قاله الترمذي.

وخرجه في "الشمائل" أيضاً.

وخرجه أبو داود وابن ماجه في سننهما لوكيع, وقال أبو داود: هذا مما تفرد به أهل البصرة. انتهى.


#444#

ورواه أحمد بن حنبل, عن وكيع, وقال فيه: عن عبد الله بن بريدة.

وكذلك قال أبو نعيم: عن دلهم, عن حجير, عن عبد الله بن بريدة.

تابعهما محمد بن ربيعة الكلابي ابن عم وكيع, عن دلهم. وهو في "تاريخ البخاري الكبير" وذكر فيه اضطراباً.

وخرج أيضاً من حديث الشعبي قال: قال المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: أهدى دحية للنبي صلى الله عليه وسلم خفين, فلبسهما.

وحدث به يحيى (بن) الضريس, عن عنبسة بن سعيد, عن جابر, عن عامر, عن دحية الكلبي قال: أهديت لرسول الله صلى الله عليه وسلم جبة صوف وخفين, فلبسهما حتى تخرقا ولم يسأل عنهما: ذكيتا أم لا.


#445#

ورواه الهيثم بن جميل, عن زهير بن معاوية, عن جابر الجعفي, بنحوه.

ورواه إسحاق بن أبي إسحاق, عن أبيه, حدث الشعبي بحديث المغيرة بن شعبة أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفيه. قلت: يا أبا عمر, ومن أين كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم خفان؟ قال: أهداهما له دحية الكلبي.

وقال أبو الفضل عباس بن محمد الدوري: حدثنا عمر بن حفص بن غياث, حدثنا أبي, عن الشيباني, (عن الشعبي), عن المغيرة بن شعبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ ومسح على خفية, قال: فقال رجل عند المغيرة بن شعبة رضي الله عنه: يا مغيرة بن شعبة, ومن أين كان للنبي صلى الله عليه وسلم ساذجان؟ قال: فقال المغيرة: أهداهما إليه النجاشي.

ويروى أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة أزواج خفاف, وأربعة أزواج نعال, أصاب ذلك من خيبر.

وقال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا يحيى بن عبد الباقي الأذني, حدثنا محمد بن عوف, حدثنا سعيد بن روح, حدثنا إسماعيل بن عياش, عن شرحبيل بن مسلم, عن أبي أمامة قال: دعا


#446#

رسول الله صلى الله عليه وسلم بخفيه يلبسهما, فلبس إحداهما, ثم جاء غراب فاحتمل الآخر, فرمى به, فخرجت منه حية, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر, فلا يلبس خفيه حتى ينفضهما».

وقال في "معجمه الأوسط": حدثنا هاشم بن مرثد, حدثنا آدم, حدثنا حبان بن علي, حدثنا سعيد بن طريف الإسكاف, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة أبعد المشي, فانطلق ذات يوم لحاجته, ثم توضأ ولبس أحد خفيه, فجاء طائر أخضر, فأخذ الخف الآخر, فارتفع به, ثم ألقاه فخرج منه أسود سالخ, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «هذه كرامة أكرمني الله بها», ثم قال: «اللهم إني أعوذ بك من شر من يمشي على بطنه, ومن شر من يمشي على رجليه, ومن شر من يمشي على أربع».

لا يروى عن ابن عباس إلا بهذا الإسناد, قاله الطبراني.

وله طريق أخرى إلى عكرمة.

قال أبو عثمان سعيد بن محمد بن أحمد بن محمد البحيري في كتابه "الأحاديث الألف مما تستفاد ويعز وجودها»: أخبرنا السيد أبو الحسن


#447#

محمد بن الحُسَيْن بن داود بن علي بن عيسى الحسني, حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب بن يوسف الأموي, حدثنا أبو جعفر محمد بن عبيد بن عتبة الكندي الكوفي, حدثنا محمد بن الصلت, حدثنا حيان, حدثنا أبو سعد البقال, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد الحاجة أبعد, قال: فذهب يوماً فقعد تحت شجرة, فنزع خفيه ولبس أحدهما, فجاء طير فأخذ الخف الآخر, فحلق به في السماء, فانسلت منه أسود سالخ, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «هذه كرامة أكرمني الله بها, اللهم إني أعوذ بك من شر من يمشي على رجليه, (ومن شر من يمشي على أربع), ومن شر من يمشي على بطنه».

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم من آلات البيت ربعة إسكندرانية أهداها له المقوقس, فجعل فيها النبي صلى الله عليه وسلم سواكاً ومشطاً ومكحلة ومرآة, قيل: اسمها المدلة, ومقراضاً ومدرى يحك بها رأسه صلى الله عليه وسلم.

وقال محمد بن محمد بن سليمان الباغندي: حدثنا عبد الرحمن بن يونس الرؤاسي, حدثنا الوليد بن مسلم, عن ابن جريج, عن عطاء, عن عائشة رضي الله عنها قالت: أهدى صاحب الإسكندرية المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مرآة ومكحلة وقدح عيدان شامية, ومشط, وقف, وإناء قوارير.

لم يرو هذا الحديث عن ابن جريج إلا الوليد بن مسلم, تفرد به


#448#

عبد الرحمن بن يونس.

قاله الطبراني عقب تخريجه هذا الحديث في "معجمه الأوسط" فقال: حدثنا محمد بن العباس الأخرم, حدثنا عبد الرحمن بن يونس الرقي ... فذكره بنحوه.

ويروى من حديث أبي أمية إسماعيل بن يعلى الثقفي البصري, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: خمس لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يدعهن في حضر ولا سفر: المرآة والمكحلة والمشط والمدرى والسواك.

وجاء من طريق حُسَيْن بن علوان, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: سبع لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يتركهن في سفر ولا حضر: القارورة والمشط والمرآة والمكحلة والسواك والمقصين والمدرى.


#449#

وخرج أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" من حديث عمر بن حفص الأوصابي, حدثنا ابن حمير, عن إبراهيم بن أبي عبلة, سمعت أم الدرداء قالت: سألت عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أزود النبي صلى الله عليه وسلم في مغزاة له, أزوده دهناً ومشطاً ومرآة ومقصين ومكحلة ومسواكاً.

وخرجه الطبراني في الأول من "مسندات شيوخ الشاميين الثقات" فقال: حدثنا إبراهيم بن محمد بن عرق الحمصي, حدثنا محمد بن حفص الأوصابي, حدثنا محمد بن حمير, عن إبراهيم بن أبي عبلة, عن أم الدرداء قالت: سألت عائشة رضي الله عنها ما كنت إذا سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم، أو حججت, أو غزوت معه تزودينه. قالت: كنت أزوده قارورة دهن ومشطاً ومرآة ومقصين, ومكحلة وسواكاً.

وخرجه الطبراني أيضاً من هذه الطريق في "معجمه الأوسط".

وقال أبو نعيم الفضل بن دكين: حدثنا مندل, عن ثور, عن خالد بن معدان قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسافر بالمشط والمرآة والدهن والسواك والكحل.


#450#

وجاء عن ليث, عن الحكم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يسرح لحيته بالمشط.

وجاء عن أبي أحمد فهر بن بشر الرقي الداماني, حدثنا عمر بن موسى, عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا أخذ مضجعه من الليل وضع طهوره وسواكه ومشطه, فإذا أهبه الله تعالى من الليل استاك وتوضأ وامتشط.

ورواه بقية, عن عمر بن خالد, عن قتادة, عن أنس نحوه, وزاد قال: ورأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يمتشط بمشط من عاج.


#451#

وخرج الترمذي من حديث عباد بن منصور, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «اكتحلوا بالإثمد, فإنه يجلو البصر وينب الشعر», وزعم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له مكحلة يكتحل منها كل ليلة, ثلاثة في هذه, وثلاثة في هذه.

قال: وفي الباب عن جابر وابن عمر.

قلت: وأنس وعائشة وغيرهم.


#452#

قال الترمذي: حديث ابن عباس حديث حسن, لا نعرفه على هذا اللفظ إلا من حديث عباد بن منصور.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا الفضل بن دكين ومحمد بن ربيعة الكلابي قالا: أخبرنا عبد الحميد بن جعفر, عن عمران بن أبي أنس قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يكتحل في عينه اليمنى ثلاث مرات واليسرى مرتين.

روى عقبة بن علي بن عقبة بن بشير, عن عبد الله بن عمر بن حفص بن عاصم, عن نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا اكتحل جعل في اليمين ثلاثاً وفي اليسار اثنتين, وجعل ذلك وتراً.

وقال عبد الله بن وهب في كتابه "الأهوال": أخبرني ابن لهيعة


#453#

أن عبد الله بن هبيرة, حدثه عن عبد الرحمن بن جبير, عن عقبة بن عامر الجهني رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا اكتحل اكتحل وتراً, وإذا استجمر استجمر وتراً.

وقال: أخبرني سعيد بن أبي أيوب, عن رجل, عن زيد بن أسلم قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكتحل بالإثمد ويحط مع كل عين ثلاث حطات.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث الحارث بن مسلم, عن الزهري, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم


#454#

إذا نظر وجهه في المرآة قال: «الحمد لله الذي سوى خلقه وعدله، وصور صورة وجهي فحسنها, وجعلني من المسلمين».

تفرد به الحارث عن الزهري.

وقال الحُسَيْن بن الحسن المروزي في "زياداته على كتاب الزهد" لشيخه ابن مبارك: أخبرنا الهيثم بن جميل, أخبرنا عبد الله بن المثنى ابن أنس بن مالك, حدثني رجل من آل أنس بن مالك أنه سمع أنس بن مالك رضي الله عنه يقول: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتناول المرآة فينظر فيها ويقول: «الحمد لله الذي أكمل خلقي وحسن صورتي وزان مني ما شان من غيري».

وحدث أبو يعلى الموصلي, عن عمرو بن حصين, حدثنا يحيى بن العلاء, عن صفوان بن سليم, عن عطاء بن يسار, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: «الحمد لله حسن خَلقي وخُلقي, وزان مني ما شان من غيري».


#455#

وقال وكيع: حدثنا الحسن بن السكن القرشي, حدثنا أبان بن سفيان, حدثنا أبو هلال, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نظر في المرآة قال: «اللهم كما حسنت خَلقي فحسن خُلقي».

وكان له صلى الله عليه وسلم حصير يحتجره بالليل للصلاة, ويبسطه بالنهار للجلوس.

جاء في حديث هاشم بن القاسم, حدثنا أبو معشر, عن سعيد – يعني: المقبري – قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم حصير يفرشه بالنهار, فإذا كان الليل احتجر حجرة من المسجد يصلي فيه.

وأصله مخرج في "الصحيحين" في صلاة الليل.

قال أبو بكر أحمد بن عمرو, عن أبي عاصم النبيل, حدثنا الحسن بن علي, حدثنا يحيى بن سليمان الجعفي, حدثنا عمرو بن عثمان, حدثني عمي عبيد الله بن مسلم أبو مسلم, صاحب الأعمش, عن الأعمش, عن حبيب بن أبي ثابت, عن أبي عبد الرحمن السلمي, عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم في غرفة له كانت بيت حمام, وهو نائم على حصير قد أثر بجنبيه, فبكيت, فقال: «ما يبكيك يا عبد الله؟» قلت: يا رسول الله, كسرى وقيصر في الحرير


#456#

والديباج, فقال لي: «لا تبك يا عبد الله, فإن لهم الدنيا ولنا الآخرة, وما أنا والدنيا, وما مثلي ومثل الدنيا إلا كراكب نزل تحت شجرة, ثم راح وتركها».

وكان له صلى الله عليه وسلم خمرة, وهي التي كان يصلي عليها في المسجد.

والخمرة: شيء منسوج من السعف, قاله الزبيدي في "مختصر العين". وقيل: هي حصير صغير. وقيل: حصير قدر الوجه.

وكان له صلى الله عليه وسلم بساط يسمى: الكرد, وفراش من أدم حشوه ليف, كما صح عن عائشة رضي الله عنها.

وخرج أبو داود في "سننه" عن أبي ثور, عن أبي خالد الأحمر, عن هشام بن عروة, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت ضجعة النبي صلى الله عليه وسلم من أدم حشوه ليف.

وحدث به ابن ماجه عن عبد الله بن سعيد الأشج, عن أبي خالد الأحمر ولفظه: كان ضجاع النبي صلى الله عليه وسلم من أدم حشوه ليف. وخرجه أيضاً عن الأشج, عن عبد الله بن نمير, عن هشام به. وهو في "صحيح مسلم"


#457#

حدث به عن أبي بكر بن أبي شيبة, عن ابن نمير, وعن إسحاق بن إبراهيم, عن أبي معاوية, عن هشام كذلك.

وقال يحيى بن عبد الحميد: حدثنا عبد العزيز بن محمد, عن عمرو بن أبي عمرو, عن المطلب بن عبد الله بن حنطب, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان فراش النبي صلى الله عليه وسلم رثاً, فجعلت له فراشاً, فلما رآه قال: «ما هذا؟» قلت: فراشاً عملته لك يا رسول الله, فألقاه.

وقال عبد الله بن ميمون: حدثنا جعفر بن محمد, عن أبيه قال: سئلت عائشة رضي الله عنها: ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك؟ قالت: من أدم حشوه ليف.

وسئلت حفصة رضي الله عنها: ما كان فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتك؟ قالت: مسيح من شعر نثنيه ثنيتين, فينام عليه, فلما كان ذات ليلة قلت: لو ثنيته بأربع ثنيات كان أوطأ له, فثنيناه بأربع ثنيات, فلما أصبح صلى الله عليه وسلم قال: «ما فرشتموني الليلة؟» قالت: قلنا: هو فراشك, إلا أنا ثنيناه بأربع ثنيات, قلنا: هو أوطأ لك, قال: «ردوه لحاله الأولى, فإنه منعني وطأته صلاتي الليلة».


#458#

وحدث به ابن سعد, عن عمر بن حفص, عن أم شبيب, عن عائشة رضي الله عنها. مختصراً.

وقال عباد بن عباد المهلبي: حدثنا مجالد, عن الشعبي, عن مسروق, عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخلت علي امرأة من الأنصار, فرأت فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم عباءة مثناة, فانطلقت, فبعثت إلي بفراش حشوه صوف, فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم, فقال: «ما هذه؟» فقلت: يا رسول الله, فلانة الأنصارية دخلت علي فرأت فراشك, فذهبت فبعثت بهذا, فقال: «رديه», فلم أرده, وأعجبني أن يكون في بيتي, حتى قال ذلك ثلاث مرار, فقال: «والله يا عائشة لو شئت لأجرى الله معي جبال الذهب والفضة», فرددته إليها.


#459#

وحدث به ابن سعد, عن سعيد بن سليمان, عن عباد.

وحدث به أحمد في "الزهد" عن إسماعيل بن محمد, عن عباد.

وخرجه محمد بن فضيل بن غزوان الضبي في كتابه "الزهد" فقال: حدثنا مجالد, عن يحيى بن عباد الأنصاري, عن امرأة من قومه, قالت: دخلت على عائشة رضي الله عنها فمسست فراش رسول الله صلى الله عليه وسلم, فإذا هو خشن, وإذا داخله بردي أو ليف, قالت: فقلت: يا أم المؤمنين, فإن عندي فراشاً أحسن من هذا وألين, وداخله صوف أو قطن, قالت: فأسكتت, فلم تجبني فيه بشيء, فانطلقت فجئت به, قالت: فدار رسول الله صلى الله عليه وسلم على عائشة في بيتها التي لها, فلما مس الفراش أنكره, فقال: «ما هذه يا عائشة؟» قالت: فقصصت عليه القصة, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رديه عليها» فقالت عائشة: فحبسته عندي, فلما كان في الليلة الثانية هوى ببصره – رسول الله صلى الله عليه وسلم – قال: «يا عائشة, ألم أقل لك ردي الفراش, فوالذي نفسي بيده لو شئت لسارت معي جبال الذهب والفضة».


#460#

وقال أبو عبيد محمد بن حفص الحمصي: حدثنا محمد بن حمير, عن الوازع بن نافع, عن أبي سلمة بن عبد الرحمن, عن عائشة رضي الله عنها قالت: نجدت فراشين حشوهما ليف وإذخر، فلما رآهما رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا عائشة, آلدنيا تريدين؟» قالت: نجدتهما لك, وإنما حشوهما ليف وإذخر, قال: «يا عائشة, ما لي وللدنيا, إنما أنا والدنيا بمنزلة رجل نزل تحت شجرة في أصلها, حتى إذا فاء الفيء ارتحل, فلم يرجع إليها أبداً».

وكان له صلى الله عليه وسلم لحاف.

جاء من طريق عبد الرحمن بن الأسود, عن أبيه, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كنت أنا والنبي صلى الله عليه وسلم في لحاف.

وروي عن الزبير رضي الله عنه أنه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه في حاجة في يوم بارد, فجاء, فقال: فأدخلني في لحافه.


#461#

ويروى عن ثابت, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ملحفة مورسة تدور بين نسائه صلى الله عليه وسلم.

وكان له صلى الله عليه وسلم وسادة من أدم حشوها ليف, ذكرها عمر بن الخطاب وأنس بن مالك وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم وغيرهم.

والوسادة: بكسر الواو, المخدة.

وكان له صلى الله عليه وسلم سرير ينام عليه.


#462#

قال أبو يعلى الموصلي: حدثنا أبو يوسف الجيزي, حدثنا مؤمل, حدثنا مبارك, عن الحسن, عن أنس رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وعنده عمر بن الخطاب رضي الله عنه ورسول الله صلى الله عليه وسلم على سرير شريط, ليس بين جنب رسول الله صلى الله عليه وسلم وبين الشريط شيء, وكان صلى الله عليه وسلم أرق الناس بشرة فانحرف انحرافة, وقد أثر الشريط ببطن جلده أو بجنبه, فبكى عمر رضي الله عنه, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما يبكيك؟» قال: أما والله ما أبكي أن لا أكون أعلم أنك أكرم على الله عز وجل من قيصر وكسرى, إنهما يعيشان فيما يعيشان فيه من الدنيا, وأنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمكان الذي أرى, فقال: «يا عمر, أما ترضى أن تكون لنا الآخرة ولهم الدنيا» قال: بلى, قال: «فإنه كذلك».

والقصة بنحوها مخرجة في الصحيحين.

وقد جاء أن سريره صلى الله عليه وسلم أهداه له أسعد بن زرارة لما قدم المدينة ونزل في دار أبي أيوب رضي الله عنه, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينام عليه, حتى توفي, فوضع عليه وصلي عليه, وكان الناس يحملون عليه موتاهم؛ تبركاً به, وحمل عليه أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما.

قال الواقدي: حدثني ابن أبي سبرة, عن محمد بن أبي حرملة, عن


#463#

عطاء بن يسار, عن عائشة رضي الله عنها قالت: كانت قريش بمكة وليس شيء أحب إليها من السرر ينام عليها, فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ونزل منزل أبي أيوب قال صلى الله عليه وسلم: «يا أبا أيوب, أما لكم سرير؟» فقال: لا والله, فبلغ أسعد بن زرارة, فبعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسرير له عمود, وقوائمه من ساج, ورمله من خزم – يعني المسد – فكان ينام عليه, حتى تحول إلى منزلي, فكان فيه, فوهبه لي, فكان ينام عليه, حتى توفي, فوضع عليه وصلي عليه, فطلبه الناس منا؛ يحملون عليه موتاهم, فحمل عليه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما, والناس يطلبون بركته.

وقد جاء أنه بيع في ميراث عائشة رضي الله عنها, فاشتراه رجل من موالي معاوية بأربعة آلاف درهم, فجعله للناس وهو بالمدينة, ذكره ابن قتيبة.

وقال الواقدي: أجمع أصحابنا بالمدينة لا يختلفون أن سرير النبي صلى الله عليه وسلم اشترى ألواحه عبد الله بن إسحاق الإسحاقي, من موالي معاوية, اشترى ألواحه بأربعة آلاف درهم.

وكان له صلى الله عليه وسلم كرسي, فيما ذكره ابن الجوزي وغيره, وأنه كان من خلب, وهو الليف.


#464#

خرج الإمام أحمد في "مسنده" من حديث حميد بن هلال, عن أبي رفاعة العدوي قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو يخطب, فقلت: رجل غريب جاء يسأل عن دينه, فأقبل صلى الله عليه وسلم إلي وترك خطبته, ثم أتي بكرسي, خلت قوائمه حديداً فقعد عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, ثم أقبل يعلمني مما علمه الله عز وجل قال حميد: أراه رأى خشباً أسود حسبه حديداً.

وخرجه مسلم بنحوه.

وذكره أبو محمد بن قتيبة فقال: أتي بكرسي من خلب وقال: الخلب: الليف.

وذكر القاضي عياض أنه تصحيف "خلت", وجنح ابن الجوزي – والله أعلم – إلى رواية ابن قتيبة, وذكر أنه لولا ما ذكره حميد بن هلال لكان الأليق أن يكون من ليف, قوائمه من جريد بالراء.

قلت: وما ذهب إليه القاضي عياض أن قول ابن قتيبة: "خلب" بالموحدة تصحيف هو الصواب, والصحيح "خلت".

ويعضده رواية داود بن إبراهيم العقيلي: حدثنا أبو جزء نصر بن طريف, حدثنا أيوب السختياني ويونس بن عبيد, عن حميد بن


#465#

هلال, عن أبي رفاعة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يخطب على كرسي, خيل إلي أن قوائمه حديد.

وكان له صلى الله عليه وسلم تابوت من خشب النخل بقدر ذراعين أو أقل, في سقفه كلاب حديد يعلق به, كان يضع في ذلك التابوت طعامه, وصار بعده صلى الله عليه وسلم لأم سلمة رضي الله عنها, فيما ذكره بعضهم.

وكان له صلى الله عليه وسلم قصعة بأربع حلق يحملها أربعة رجال.

روي عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قصعة يقال لها: الغراء, يحملها أربعة رجال ... الحديث.

خرجه أبو داود.

وجاء من طريق أخرى عن عبد الله بن بسر رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم جفنة لها أربع حلق.

وقال جعفر بن محمد بن المعتز المستغفري الحافظ: حدثنا زاهر بن أحمد, حدثنا أبو بكر أحمد بن محمد بن شعيب الأرجاني, حدثنا محمد بن معمر البحراني, حدثنا أبو عامر, حدثنا يحيى بن ثابت, حدثتني صفية بنت بحرة قالت: استوهب عمي فراس من النبي صلى الله عليه وسلم قصعة رآه يأكل فيها, فأعطاها إياه, قالت: فكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه, إذا جاءنا قال: أخرجوا إلي قصعة النبي صلى الله عليه وسلم, فنخرجها إليه,


#466#

فيملؤها من ماء زمزم, فيشرب منها, وينضح على وجهه, قالت: فدخل علينا سارق فسرقها, فلما سرقت قالت: فقدم عمر رضي الله عنه قالت: فقال: أخرجوا إلي قصعة النبي صلى الله عليه وسلم, فأخبرناه أنها سرقت مع متاع لنا, فقال: لله أبوه, فما سمعته سبه ولا لعنه.

وكان له صلى الله عليه وسلم ركوة تسمى الصادرة, وقعب يسمى السعة, وقدح من قوارير.

خرج أبو الشيخ الأصبهاني من طريق زيد بن الحباب قال: حدثنا مندل, عن محمد بن إسحاق, عن الزهري, عن عبيد الله (بن عبد الله),


#467#

عن ابن عباس رضي الله عنهما أن صاحب إسكندرية بعث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدح قوارير, فكان يشرب منه.

وخرجه ابن ماجه في "سننه" عن أحمد بن سنان, عن زيد بن حباب, عن مندل به ولفظه: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قدح قوارير يشرب فيه.

تابعه إسماعيل بن عمرو, عن مندل كذلك.

وحدث به ابن سعد في كتابه "الطبقات" فقال: أخبرنا محمد بن عبد الله الأسدي, حدثنا مندل, عن محمد بن إسحاق, عن الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله بن عتبة, قال: أهدى المقوقس إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قدح زجاج كان يشرب فيه.

تابعه حُسَيْن بن حسن الأسواري فقال: حدثنا مندل بن علي, عن محمد بن إسحاق, عن الزهري, عن عبيد الله بن عبد الله, حدثني


#468#

المقوقس قال: أهديت إلى النبي صلى الله عليه وسلم قدح قوارير, وكان يشرب فيه.

وكان له صلى الله عليه وسلم قدح مضبب, بثلاث ضباب من فضة, أكبر من نصف المد وأقل من المد, وله حلقة يعلق بها.

وروى عثمان بن أبي العاتكة, عن علي بن يزيد, عن القاسم, عن أبي أمامة, عن معاذ رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له قدح مضبب بنحاس .... الحديث.

وقدح آخر يسمى الريان, وآخر يسمى مغشا, وآخر من عيدان يوضع تحت سريره يبول فيه بالليل.

وقال يحيى بن معين: حدثنا حجاج, عن ابن جريج, حدثتني حكيمة بنت أميمة, عن أميمة أمها – يعني بنت رقيقة – أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبول في قدح من عيدان, ثم يوضع تحت سريره, فبال فوضع تحت سريره, فجاء فأراده, فإذا القدح ليس فيه شيء فقال لامرأة يقال له بركة كانت تخدم لأم حبيبة, جاءت معها من أرض الحبشة: «أين البول الذي كان في القدح؟» قالت: شربته يا رسول الله.

تابعه هلال بن العلاء ومحمد بن غالب والفضل بن يعقوب الرخامي, فقالوا: حدثنا حجاج بن محمد, حدثنا ابن جريج أن حكيمة بنت أميمة,


#469#

أخبرته عن أمها أميمة بنت رقيقة, قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول فيه ويضعه تحت السرير, فجاءت امرأة يقال لها بركة قدمت مع أم حبيبة من الحبشة, فشربته, فطلبه النبي صلى الله عليه وسلم فلم يجده, فقيل: شربته بركة, فقال: «لقد احتظرت من النار بحظار أو جنة», أو نحو هذا.

ألزم الدارقطني الشيخين إخراجه في "الصحيح".

وخرجه أبو داود والنسائي وابن حبان في "صحيحه" ولفظ أبي داود عن حكيمة بنت أميمة ابنة رقيقة, عن أمها قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان تحت سريره يبول فيه بالليل.

ووقع تسمية هذه الخادم ببرة, وذلك فيما قال الطبراني في "معجمه": حدثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل, حدثنا يحيى بن معين, حدثنا حجاج بن محمد, عن ابن جريج, عن حكيمة بنت أميمة, (عن أمها أميمة), قالت: كان للنبي صلى الله عليه وسلم قدح من عيدان يبول


#470#

فيه ويضعه تحت سريره, فقام فطلبه فلم يجده, فسأل فقال: «أين القدح؟» قالوا: شربته برة خادم أم سلمة التي قدمت معها من أرض الحبشة, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد احتظرت من النار بحظار».

العيدانة: النخلة الطويلة المنجردة, قاله ابن فارس في "المجمل" وحكاه ابن سيده في "المحكم" عن أبي حنيفة بنحوه, قال: العيدانة: أطول ما يكون من النخل, ولا تكون عيدانة حتى يسقط كربها كله, ويصير جذعها أجرد من أعلاه إلى أسفله. قال: وقال أبو عبيد: هي كالرقلة.

والذي قاله أبو عبيد, هو في "غريب المصنف".

قال: قال الأصمعي: إذا كان للنخلة جذع يتناول منه المتناول, فتلك النخلة العضيد وجمعها عضدان, فإذا فاتت اليد فهي جبارة, فإذا ارتفعت عن ذلك فهي رقلة, وجمعها رقل, وهي عند أهل نجد: العيدانة, فإذا طالت – قال: ولا أدري لعل ذلك مع انجراد – فهي سحوق وهن سحق.

وقد جاء أنه صلى الله عليه وسلم كانت له فخارة للبول.

قال يحيى بن محمد بن صاعد: حدثنا الحسن بن محمد الزعفراني, حدثنا شبابة بن سوار, حدثنا أبو مالك النخعي وهو عبد الملك بن حسن,


#471#

عن الأسود بن قيس, عن نبيح العنزي, عن أم أيمن قالت: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم من الليل فجاء فخارة في البيت فبال فيها, ثم قمت من الليل وأنا عطشانة فأتيت الفخارة فشربت ما فيها, وأنا لا أعلم, فلما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يا أم أيمن قومي فأهريقي ما في تلك الفخارة» فقلت: قد والله شربت ما فيها, فضحك (رسول الله) صلى الله عليه وسلم وقال: «أما إنك لا تجعين بطنك أبداً».

وحدث به ابن صاعد أيضاً عن المنذر بن الوليد الجارودي, حدثنا قرة بن سليمان الجهضمي, عن أبي مالك النخعي, عن يعلى بن عطاء, عن الوليد بن عبد الرحمن, أو عن أبي ميسرة – يعلى الشاك – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يا أم أيمن, أخرجي الفخارة» .... وذكر الحديث بنحوه.

حدث بهما عن ابن صاعد أبو حفص عمر بن شاهين في كتابه "دلائل النبوة".

وخرجه بنحو الحديث الثاني الحاكم في "المستدرك".

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم مد وصاع يكال به في بيته, ويخرج به زكاة فطره, ويأخذ به, يسع قدر أربعة أمداد, وهو خمسة أرطال وثلث بالبغدادي,


#472#

كل رطل مائة درهم وثمانية وعشرون درهماً وأربعة أسباع درهم, فتكون زنة الصاع ستمائة درهم وخمسة وثمانين درهماً وخمسة أسباع درهم على الأصح عند النووي.

وعلى قول أبي القاسم الرافعي وغيره أن الصاع ستمائة درهم وثلاثة وتسعون درهماً وثلث درهم.

وقيل: قدر صاع النبي صلى الله عليه وسلم أربع حفنات بكفي رجل معتدل الكفين.

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أيضاً مخضب من شبه للحناء, ومغسل من صفر.

قال ابن سعد: أخبرنا موسى بن داود, أخبرنا ابن لهيعة, عن أبي النضر, قال: ذكر لي أنه كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم مغتسل من صفر.

قيل: وكان له صلى الله عليه وسلم تور من حجارة يقال له المخضب يتوضأ منه.

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم من السلاح ما يأتي ذكره إن شاء الله تعالى.

وقد جاء أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه ضم السلاح إليه بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.

روى أبو محمد عبد الله بن محمد الأصطخري من حديث جعفر بن محمد, عن أبيه, عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لقد ضممت إلي سلاح رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت في قائمة سيفه صحيفة معلقة فيها ثلاثة أحرف: صل من قطعك, وأحسن إلى من أساء إليك, وقل الحق ولو على نفسك.


#473#

&[سلاحه صلى الله عليه وسلم]&

$[ذكر سيوف النبي صلى الله عليه وسلم]:$

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم من السلاح عدة أسياف:

منها سيف ورثه من أبيه يسمى مأثوراً, وهو أول سيف ملكه (رسول الله) صلى الله عليه وسلم.

قال هارون بن مسلم: حدثنا محمد بن عمر, حدثنا ابن أبي سبرة, عن عبد المجيد بن سهيل, أن عبد العزيز بن عبد الرحمن بن عوف, قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة في الهجرة بسيف كان لأبيه [يسمى] مأثوراً.

قال أبو عبيد في "غريب المصنف": سمعت الأصمعي يقول: من السيوف الصفيحة ... وذكره, ثم قال: والمأثور الذي في متنه أثر.


#474#

وقال أبو الحُسَيْن بن فارس: وأما السيف المأثور فقيل: سمي بذلك؛ لأن له أثراً, ويقال: هي سيوف متونها حديد أنيث, وشفراتها حديد ذكر, ويقولون: إن الجن تعملها, هكذا قاله في "المجمل".

وذكر أبو عبيد في "غريب المصنف" في سماعه من الأصمعي: أن من السيوف المذكر, وهي سيوف شفراتها حديد ذكر, ومتونها أنيث, يقول الناس إنها من عمل الجن. وفي "مختصر العين" للزبيدي: وأثر السيف وأثره: وشيه, وسيف مأثور.

ومن سيوفه صلى الله عليه وسلم: ذو الفقار الذي تنفله يوم بدر ورأى فيه الرؤيا يوم أحد. قاله ابن عباس رضي الله عنهما.

وحدث محمد بن إسحاق, عن يزيد بن أبي حبيب, عن مرثد بن عبد الله, عن عبد الله بن زرير, عن علي رضي الله عنه قال: كان اسم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار.


#475#

وسمي ذا الفقار لأنه كان في وسطه مثل فقرات الظهر.

وقال القاسم بن ثابت في "الدلائل": وقال أبو عبيد عن الأصمعي: المفقر من السيوف الذي فيه حزوز مطمئنة عن متنه, وقال بعضهم: كان ذلك في رونق سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم شبيهاً بالفقار الحية يراه الناظر فإذا التمس لم يجد شيئاً. (انتهى).

وذو الفقار كان أصله فيما ذكر من حديدة وجدت مدفونة عند الكعبة من دفن جرهم, صنع منها ذو الفقار, وكان سيف منبه بن الحجاج.


#476#

قال عبد الله ابن الإمام أحمد في "العلل": حدثني أبي, حدثنا هشيم, أخبرنا بعض أصحابنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم اصطفى يوم بدر سيف منبه بن الحجاج الذي كان [يقال] له ذو الفقار.

وقيل: كان سيف العاص بن وائل السهمي غنمه يوم بدر.

وقيل: أهداه له الحجاج بن علاط البهزي.

وكان ذو الفقار لا يفارق النبي صلى الله عليه وسلم في حروبه كلها, وكانت قائمته وقبيعته وحلقته وذؤابته وبكراته ونصله من فضة.

قال دعلج بن أحمد في كتابه "مسند المقلين": أخبرنا موسى الجوني, حدثنا هشام بن عمار, حدثنا محمد بن حمير, حدثنا أبو الحكم الصيقل, حدثني مرزوق الصيقل: أنه صقل سيف


#477#

رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار فكانت له قبيعة من فضة وحلق في قيده, وبكرة في وسطه من فضة.

أخبرنا به أبو هريرة عبد الرحمن بن الذهبي بقراءتي عليه, أخبرك أبو محمد القاسم بن المظفر, أخبرنا أبو الوفاء محمود بن إبراهيم العبدي كتابة: أن أبا الخير محمد بن أحمد بن محمد الباعدان أخبره سماعاً, أخبرنا أبو عمرو عبد الوهاب بن أبي عبد الله بن محمد بن إسحاق بن يحيى بن منده, أخبرنا أبي: أبو عبد الله, أخبرنا خيثمة, حدثنا أحمد بن الفرج, حدثنا محمد بن حمير, حدثني أبو الحكم, حدثني مرزوق الصيقل: أنه صقل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار, وكانت له قبيعة من فضة, وبكرة وسطها من فضة وحلقها من فضة.

هكذا خرجه ابن منده في كتابه "معرفة الصحابة".

وحدث عبد الله بن أحمد بن حنبل في "العلل" عن أبيه, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا ابن جريج قال: كان اسم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذا الفقار, واسم درعه: ذات الفضول أو الفصول – شك عبد الرزاق – قال ابن جريج: وكان سيفه صلى الله عليه وسلم محلى بالفضة, قال ابن جريج: أخبرني ذلك محمد بن مرة.


#478#

وحدث أيضاً عن أبيه, حدثنا عبد الرزاق, أخبرنا ابن جريج, أخبرني جعفر بن محمد, عن أبيه: أن اسم سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم ذو الفقار.

وبه قال: أخبرني جعفر بن محمد: رأيت سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم قائمته من فضة ونعله من فضة وبين ذلك حلق فضة, فقال: هو عند هؤلاء الآن – يعني: آل العباس.

وحدث أيضاً عن أبيه, حدثنا ميمون, حدثني جعفر, عن أبيه: أن نعل سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقباعه وحلقه كان من فضة, وكل شيء كان منه فضة.

تابعه سليمان بن بلال, عن جعفر.

وقال معاذ بن هشام: حدثني أبي, عن قتادة, عن سعيد بن أبي الحسن, قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة.

تابعه عبد الوهاب بن عطاء ومسلم بن إبراهيم الأزدي عن هشام.

خالفه جرير بن حازم فرواه عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة. خرجهما أبو داود في "سننه" والترمذي في "الشمائل".


#479#

قال عبد الله ابن الإمام أحمد في "العلل": سمعت أبي يقول: قال عفان: جاء أبو جزي واسمه نصر بن طريف إلى جرير بن حازم يشفع لرجل يحدثه جرير, فقال جرير: حدثنا قتادة, عن أنس رضي الله عنه قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة, قال: فقال أبو جزء كذب والله ما حدثنا قتادة إلا عن سعيد بن أبي الحسن, قال أبي: وهو قول أبي جزء, وجرير أخطأ. انتهى.

وحدث به النسائي في "سننه" عن أبي داود الحراني, عن عمرو بن عاصم, عن همام وجرير: كلاهما عن قتادة, عن أنس .... فذكره.

قال النسائي: وهذا حديث منكر, والصواب قتادة عن سعيد بن أبي الحسن (أخبر قتيبة عن يزيد بن زريع عن هشام, عن قتادة, عن سعيد بن أبي الحسن) قال: كانت ... فذكره.

قال النسائي: وما رواه عن همام غير عمرو بن عاصم.

قلت: وسعيد بن أبي الحسن هذا هو أخو الحسن البصري, حدث عن جماعة منهم: علي بن أبي طالب وأبو هريرة وأبو بكرة وابن عباس رضي الله عنهم, وأمه خيرة, وحدث عنه أخوه الحسن في آخرين, وكان من الثقات الأخيار, مات قبل أخيه سنة مائة, وقال ابن حبان: مات بفارس سنة ثمان ومائة.

وقال أبو داود في "سننه": حدثنا محمد بن بشار, حدثنا يحيى بن


#480#

كثير أبو غسان العنبري, عن عثمان بن سعد, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كانت قبيعة سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم من فضة.

وقال النسائي في "سننه": حدثنا عمران بن يزيد الدمشقي, عن عيسى بن يونس, عن عثمان بن حكيم, عن أبي أمامة بن سهل قال: كانت قبيعة سيف رسول الله من فضة.

وقال أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم": حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن, حدثنا إسحاق بن إبراهيم الصواف.

وحدثنا إبراهيم الدستوائي, حدثنا أبو قلابة, قالا: حدثنا يحيى بن كثير العنبري, حدثنا عثمان بن سعد, عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم كان حنفياً, وكانت قبيعته من فضة.

وحدث بنحوه أبو داود في "سننه" عن محمد بن بشار, حدثني يحيى بن كثير أبو غسان العنبري ... فذكره.

وخرجه الترمذي لأبي عبيدة الحداد, عن عثمان بن سعد وقال: هذا الحديث غريب, لا نعرفه إلا من هذا الوجه.


#481#

وقوله: "كان حنفياً": فسره بعضهم بالمعوج, وليس بشيء, بل هو نسبة إلى أحنف.

قال الزبيدي في "مختصر العين": والسيوف الحنفية منسوبة إلى أحنف.

وقال أبو الحسن بن سيده في "المحكم": والحنفية ضرب من السيوف منسوب إلى أحنف؛ لأنه أول من عملها, وهو من المعدول على غير قياس.

وقال محمد بن سيرين: صنعت سيفي على سيف سمرة رضي الله عنه [وزعم سمرة] أنه صنع سيفه على سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان حنفياً.

خرجه الترمذي في "جامعه" من حديث أبي عبيدة الحداد, وفي "الشمائل" من حديث محمد بن بكر, كلاهما عن عثمان بن سعد, عن ابن سيرين, وقال: غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه, وقد تكلم يحيى بن سعيد في عثمان بن سعد الكاتب, وضعفه من قبل حفظه.


#482#

وقال عارم: حدثنا عبد الواحد, عن خصيف, عن مجاهد وزياد بن أبي مريم قالا: كان سيف رسول الله صلى الله عليه وسلم حنفياً قائمه قرن.

تابعه عفان بن مسلم, عن عبد الواحد بن زياد بنحوه.

وروى عبد الله بن المبارك في "كتاب الجهاد" عن عبد الله بن محمد بن عمر بن علي, حدثتني أمي, عن أبيها علي بن حُسَيْن: أن روشة سيف النبي صلى الله عليه وسلم كانت من فضة.

وخرج الترمذي في "جامعه" عن مزيدة وهو ابن جابر العصري (العبدي) قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة.

ومن سيوفه صلى الله عليه وسلم القضيب, فعيل بمعنى فاعل, والقضب القطع, وهذا السيف قيل: هو أول سيف تقلد به صلى الله عليه وسلم.

ومن سيوفه صلى الله عليه وسلم ثلاثة أسياف أصابها من سلاح بني قينقاع أحدها "قلعي" بالتحريك.


#483#

قال غيلان:

بالقلعي البيض أو ذكوره.

وهو نسبة إلى مرج القلعة بالبادية, وقيل: منسوب إلى معدن.

والآخر: يدعى بتاراً بالمثناة من فوق بعد الموحدة, وقيل: بالمثناة من تحت بعد الموحدة.

والثالث: يسمى الحتف.

وأصاب بعد ذلك على الفلس – صنم طيء– سيفين كانا له أحدهما يدعى المخذم, والآخر الرسوب.


#484#

قال هارون بن مسلم: حدثني محمد بن عمر قال: وحدثني ابن أبي سبرة, عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى الأنصاري قال: أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من سلاح بني قينقاع ثلاثة أسياف: سيفاً قلعياً, وسيفاً يدعى بتاراً, وسيفاً يدعى الحتف, وكان عنده صلى الله عليه وسلم بعد ذلك رسوب والمخذم أصابهما عند صنم طيء.

تابعه ابن سعد عن محمد بن عمر بنحوه, إلا أنه قال: أصابها من الفلس.

ذكر أبو يعقوب إسحاق بن إبراهيم بن حاتم بن إسماعيل المدني سبط أبي موسى الزمن في كتابه "المنير" بإسناد له إلى محمد بن السائب الكلبي قال: وأخبرنا أبو باسل الطائي, عن عمه عنترة بن الأخرس قال: كان لطيء صنم يقال له الفلس, وكان أحمر في وسط جبلهم الذي يقال له أجا أسود كأنه مثال نسر, ثم قال: فلم يزل الفلس بعد ذلك مخفراً, وهو بعد يعبد حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم فبعث إليه علي بن أبي طالب رضي الله عنه فهدمه وأخذ سيفين كان الحارث بن أبي شمر الغساني الملك قلده إياهما, يقال لأحدهما: مخذم, والآخر: رسوب, وهما السيفان اللذان ذكرهما علقمة بن عبدة في شعره.


#485#

(قلت): ذكرهما في قصيدته التي مدح بها الحارث بن أبي شمر الغساني حين أسر أخاً له ليطلقه, التي أولها:

طحا بك قلب في الحسان طروب ... بعيد الشباب عصر حان مشيب

ومنها قوله:

وأنت امرؤ أفضت إليه أمانتي ... وقبلك ربتني فضعت ربوب

فوالله لولا فارس الجون منهم ... لآبوا خزايا والإياب حبيب

تقدمه حتى تغيب حجوله ... وأنت لبيض الدارعين ضروب


#486#

مظاهر سربالي الحديد عليهما ... عقيلا سيوف مخذم ورسوب

فجالدتهم حتى اتقوك بكبشهم ... وقد حان من شمس النهار غروب

تجود بنفس لا يجاد بمثلها ... فأنت بها يوم اللقاء خصيب

وقيل: إن هذين السيفين أهداهما للنبي صلى الله عليه وسلم زيد الخيل الطائي, فسماه زيد الخير.

وعد في سيوفه صلى الله عليه وسلم العضب.

قال هارون بن مسلم: حدثني محمد بن عمر قال: وقال ابن أبي سبرة, عن عبد الرحمن بن عطاء صاحب الشارعة قال: كانت درع رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات الفضول أرسل بها سعد بن عبادة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سار إلى بدر, وسيف يقال: له العضب, فشهد بهما بدراً حتى غنم سيفه ذا الفقار يوم بدر من منبه بن الحجاج.

ومن سيوفه صلى الله عليه وسلم الصمصامة, وكان سيفاً مشهوراً لعمرو بن معدي كرب الزبيدي التي وهبها لخالد بن سعيد بن العاص.


#487#

$[ذكر دروع النبي صلى الله عليه وسلم]:$

وكان له صلى الله عليه وسلم من الدروع درع يقال لها ذات الفضول التي أرسل بها سعد بن عبادة إلى النبي صلى الله عليه وسلم حين سار إلى بدر كما تقدم.

حدث ابن إسحاق, عن يزيد بن أبي حبيب, عن مرثد بن عبد الله, عن عبد الله بن زرير, عن علي رضي الله عنه قال: كان اسم درع النبي صلى الله عليه وسلم ذات الفضول.

سميت هذه الدرع بذلك لطولها, قيل: وهي التي توفي صلى الله عليه وسلم وتركها مرهونة في نفقة عياله.

ودرع يقال لها: السعدية, كانت لعكبر القينقاعي, ويقال: إنها كانت درع داود عليه السلام التي لبسها لقتال جالوت.

قال أبو الحُسَيْن بن فارس اللغوي: ويقال كانت عنده صلى الله عليه وسلم درع داود عليه السلام التي لبسها لما قتل جالوت. انتهى.

ودرع أخرى تدعى فضة أصابها والسعدية من سلاح بني قينقاع, فيما ذكره الواقدي عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى.

وقيل في فضة: إنها درع داود عليه السلام.


#488#

ودرع أخرى يقال لها: ذات الوشاح, وهي الموشحة, والدرع الموشحة التي فيها حلق صفر.

وأخرى تسمى ذات الحواشي. وأخرى تعرف بالبتراء. وأخرى تدعى الخرنق.

قال أبو بكر بن أبي شيبة حدثنا وكيع, حدثنا إسرائيل, عن جابر, عن عامر – يعني: الشعبي – قال: أخرج إلينا علي بن الحُسَيْن درع رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هي يمانية رقيقة ذات زرافين فإذا علقت بزرافيها شمرت, وإذا أرسلت مست الأرض.

تابعه أحمد بن عبد الله بن يونس وعبيد الله بن موسى وأبو نعيم الفضل بن دكين, قالوا: حدثنا إسرائيل, عن جابر .... فذكره.

وقال قاسم بن ثابت في كتابه "الدلائل": حدثناه إبراهيم, قال: حدثنا حُسَيْن بن علي, حدثنا وكيع .... فذكره, ثم قال: "الزرافين" واحدها: زِرفين وزُرفين لغتان, وهو في الحديث الإبزيم, وفي غيره حلقة الباب. انتهى.


#489#

وروى سليمان بن بلال, عن جعفر بن محمد, عن أبيه, قال: كانت في درع النبي صلى الله عليه وسلم حلقتان من فضة عند موضع الثني, وفي ظهره حلقتان من فضة أيضاً, وقال: لبستها فخطت الأرض.

وقال الواقدي: حدثنا موسى بن عمر, عن جعفر بن محمود, عن محمد بن مسلمة رضي الله عنه: قال: رأيت على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد درعين: درعه ذات الفضول, ودرعه فضة, ورأيت عليه يوم حنين درعين: ذات الفضول والسعدية.

وخرج البخاري في "تاريخه الكبير" من حديث محمود بن عمرو, عن يزيد بن السكن, أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ألجمه القتال يوم أحد ظاهر بين درعين.

$[ذكر مغفره صلى الله عليه وسلم]:$

وكان له صلى الله عليه وسلم مغفر تسمى السبوغ أو ذا السبوغ, وقيل: ذو النسوع, والنسوع: سير, وهو الذي كان على رأسه صلى الله عليه وسلم لما دخل مكة فيما قيل.

وكان له صلى الله عليه وسلم مغفر آخر يسمى الموشح, وهو الذي هشم على رأسه يوم أحد.

و "المغفر": حلق تنسج على قدر الرأس يلبس عليه تحت القلنسوة.

وفي "مختصر العين" للزبيدي أنه: حلق يتقنع به المتسلح.


#490#

روي عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم يوم فتح مكة وعلى رأسه مغفر من حديد.

وكان له صلى الله عليه وسلم بيضة من حديد, وهي التي تسميها الأعاجم الخوذة, وقيل: هي المغفر, لكن الجمهور فرقوا بينهما.

قال أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتابه في "الدروع": فإذا لم تكن – يعني البيضة – صفيحاً وكانت سرداً متحركاً بالفتحة, وقد تحول السين زاياً فيقولون: زرداً, وهو الحلق, فهي مغفر وغفارة معجمة الغين مكسورة الغين.

وقال أبو عبد الله القضاعي: والفرق بين المغفر والبيضة أن المغفر شبيه بالقلنسوة, ويغطي الأذنين ربما كانت له حديدة سائلة على الأنف, والبيضة مدورة على مثل نصف بيضة النعام. انتهى.

وهذا تمثيل لاستدارتها فقط؛ لأن البيضة كما قال أبو عبيدة في كتابه في "الدروع": والبيضة اسم جامع لما فيها من الأسماء والصفات التي من غير لفظها.


#491#

وذكر أبو عبيدة أن البيضة قبائل صفائح, كقبائل الرأس لها أذنان على أذني لابسها, وأنف منها على أنفه, ولها قونس أجوف, وهو الذي في أعلاها كأنه زنب قمع الذهن, وربما كانت مصمتة مسبوكة من صفيحة واحدة فيقال لها: صماء.

صح عن سهل بن سعد رضي الله عنه أنه سئل عن جرح النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد فقال: جرح وجه النبي صلى الله عليه وسلم وكسرت رباعيته وهشمت البيضة على رأسه.

$[ذكر ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم من القسي]:$

وكان له صلى الله عليه وسلم من القسي ست: الروحاء والصفراء والبيضاء أصابهن من سلاح بني قينقاع فيما ذكره الواقدي عن شيخه أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن مروان بن سعيد بن المعلى.

وكان له صلى الله عليه وسلم أيضاً من القسي: السداد, والزوراء, والكتوم كسرت يوم أحد لما رمي عنها فأخذها قتادة بن النعمان رضي الله عنه.

وقيل: الكتوم هي الصفراء التي أصابها من سلاح بني قينقاع, وكانت البيضاء من شوحط, والصفراء والكتوم من نبع, فالشوحط ضرب من (شجر الجبال) وهما جنس واحد, لكن النبع ما نبت في الجبل والشوحط ما نبت في السهل.

وفي "غريب المصنف" لأبي عبيد عن الأصمعي: أنهما من شجر الجبل.


#492#

وذكر غير أبي عبيد أن النبع والشوحط واحد وأن القسي تعمل منهما ومن الشريان والتالب والقان والمنشم والسراء والضال.

وقال أبو الحسن بن سيده في "المحكم": والنبع شجر يتخذ منه القسي, وربما اقتدح به, الواحدة نبعة.

وحكى ابن سيده عن أبي حنيفة صاحب كتاب "النبات" أنه قال مرة: النبع شجر أصفر العود, رزينة ثقيلة في اليد, وإذا تقادم احمر قال: وكل القسي إذا ضمت إلى قوس النبع كرمتها قوس النبع, لأنها أجمع القسي للأزر واللين – يعني بالأزر الشدة – قال: ولا يكون العود كريماً حتى يكون كذلك. انتهى.

حدث أبو إسحاق الفزاري, عن الحسن بن عمارة, عن الحكم, عن مقسم, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطبهم يوم الجمعة في السفر متوكئاً على قوس قائماً.

وجاء عن سعد القرظ رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خطب في العيدين خطب على قوس, وإذا خطب في الجمعة خطب على عصا.


#493#

خرجه الطبراني في "معجمه الصغير".

وقال دعلج بن أحمد في كتابه "مسند المقلين": أخبرنا محمد بن علي بن زيد الصائغ, حدثنا سعيد, حدثنا شهاب بن خراش بن حوشب, حدثني شعيب بن رزيق الطائفي, قال: جلست إلى رجل


#494#

له صحبة من رسول الله صلى الله عليه وسلم يقال له: الحكم بن حزن الكلفي, فأنشأ يحدث قال: وفدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم سابع سبعة أو تاسع تسعة فاستؤذن لنا, فدخلنا عليه, فقلنا: يا رسول الله, زرناك لتدعو الله لنا بخير, [فدعا لنا بخير], وأمر بنا فأنزلنا, وأمر لنا بشيء من تمر, والشأن إذ ذاك دون فلبثنا بها أياماً شهدنا فيها الجمعة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فقام متوكئاً على قوس أو على عصا, فحمد الله وأثنى عليه كلمات خفيفات طيبات مباركات, ثم قال: «أيها الناس إنكم لن تطيقوا – أو لن تفعلوا- كل ما أمرتم به ولكن سددوا وأبشروا».

وخرجه أبو داود عن سعيد بن منصور بنحوه.

تابعه الحكم بن موسى, عن شهاب بن خراش.

وقال الطبراني في "معجمه": حدثنا الوليد بن حماد الرملي, حدثنا


#495#

عبد الله بن الفضل, حدثني أبي, عن أبيه عاصم بن عمر, عن أبيه, عن جده قتادة بن النعمان رضي الله عنه قال: أهدي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قوس فدفعها إلي يوم أحد فرميت بها بين يديه حتى اندقت عن سيتها, فلم أزل عن مقامي نصب وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ألقى السهام بوجهي, كلما مال سهم منها إلى وجه رسول الله صلى عليه وسلم ميلت رأسي ألاقي وجهه, فكان آخر سهم ندرت منه حدقتي على خدي, وافترق الجمع فأخذت حدقتي بكفي, فسعيت بها إلى رسول الله, فلما رآها في كفي دمعت عيناه, فقال صلى الله عليه وسلم: «اللهم إن قتادة فدى وجه نبيك صلى الله عليه وسلم بوجهه فاجعلها أحسن عينيه (وأحدهما نظراً فكانت أحد عينيه) نظراً».

وله غير هذا الطريق.

وقال أبو الحسين ابن فارس: ويقال: إن رجلاً أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم قوسا عليه تمثال عقاب, فوضع يده عليه فأذهب الله عز وجل ذلك التمثال, ذكره في مختصره في السيرة.


#496#

وأظنه تصحيفاً, من ذلك الحديث المروي من طريق بشر بن بكر التنيسي, حدثنا الأوزاعي, عن ابن شهاب, أنه قال: أخبرني القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق, عن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: دخل علي النبي صلى الله عليه وسلم وأنا مستترة بقرام فيه صورة فهتكه, ثم قال: «إن أشد الناس عذاباً يوم القيامة الذين يشبهون بخلق الله» قال الأوزاعي: فقالت عائشة: أتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ببرنس فيه تمثال عقاب, فوضع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم يده فأذهبه الله عز وجل.

وصحف بعضهم هذه اللفظة "بترس" كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وقال الحافظ أبو عبد الله محمد بن عبد الله بن سليمان مطين: حدثني إبراهيم بن مردويه بن يزيد, حدثنا الربيع بن صبيح – كذا قال – عن الحسن, عن أنس بن مالك رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مضغ عقباً في شهر رمضان, ورصف به وتر قوسه.

وكان له صلى الله عليه وسلم جعبة تدعى الجمع, وقيل: الكافور, وقيل: تسمى


#497#

المتصلة, وقيل: المؤتصلة.

وكان له صلى الله عليه وسلم سهام يقال لها: المنصلة.

وكان له صلى الله عليه وسلم من الترسة ترس أهدي إليه فيما ذكره بعضهم وعليه تمثال عقاب فوضع يده على التمثال فذهب, وهذا تصحيف من (برنس) كما تقدم, والله أعلم.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عباد بن زياد, حدثنا عبد الله بن المبارك, أخبرنا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر سمعت مكحولاً يقول: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم ترس فيه تمثال رأس كبش فكره النبي صلى الله عليه وسلم مكانه, فأصبح وقد أذهبه الله عز وجل.

قيل: واسم هذا الترس الزلوق.

قيل: وكان له ترس آخر يسمى: الفتق, وترس آخر يسمى: الذقن, وترس آخر أبيض يسمى: الموجز.

$[رمح النبي صلى الله عليه وسلم]:$

وذكر علي بن محمد المدائني فيما ذكره أبو عبد الله القضاعي عنه أنه


#498#

كان للنبي صلى الله عليه وسلم رمح يقال له المنثوي أو المنثري شك المدائني, ذكره القضاعي في "تاريخه".

والمشهور أنهما رمحان المثوي والمنثني ذكرهما غير واحد.

وذكر الواقدي عن شيخه أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن مروان بن أبي سعيد بن المعلى: أن النبي صلى الله عليه وسلم أصاب من سلاح بني قينقاع ثلاثة أرماح.

وروينا عن أبي النضر هاشم بن القاسم، حدثنا عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان، حدثنا حسان بن عطية, عن أبي منيب الجرشي, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:

«بُعثت بين يدي الساعة بالسيف حتى يُعبد الله وحده لا شريك له, وجُعل رزقي تحت ظل رمحي, وجُعل الذلة والصغار على من خالف أمري».

وحدث به الإمام أحمد في "مسنده" عن محمد بن يزيد – يعني الواسطي، حدثنا ابن ثوبان... فذكره, وفي آخره: «ومن تشبه بقوم فهو منهم».


#499#

وعلق بعضه البخاري في "صحيحه" عن ابن عمر بصيغة: ويُروَى.

ورواه أبو العباس أحمد بن علي بن مسلمة الأبار إملاء, حدثنا دحيم الدمشقي, حدثنا أبو حفص, عن صدقة بن عبد الله, عن الأوزاعي, عن يحيى بن أبي كثير, عن أبي سلمة, عن أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «بعثت بالسيف بين يدي الساعة, وجعل رزقي تحت ظل رمحي, وجعل الذل والصغار على من خالفني, ومن تشبه بقوم فهو منهم».

وكان له صلى الله عليه وسلم حربة كبيرة يقال لها: البيضاء, وحربة تسمى: النبعة ويقال: النبعاء, وأخرى تسمى: الهر, وحربة صغيرة يقال لها: العنزة, وهي دون الرمح, لها زج وهو الحديدة في أسفلها والنصل السنان, ويقال له وللزج: فصلان, ويقال أيضاً لهما: زجان.

وعنزة رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه كانت تحمل بين يديه في العيدين, وتركز أمامه للصلاة.

صح عن عون بن أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي, عن أبيه رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بهم – بالبطحاء, وبين يديه عنزة – الظهر ركعتين (والعصر ركعتين) ... الحديث.


#500#

وله شاهد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما.

وقد صح أن النبي صلى الله عليه وسلم استوهب من الزبير بن العوام رضي الله عنه عنزته التي طعن بها في غزوة بدر أبا ذات الكرش عبيدة بن سعيد بن العاص في عينه, فمات فأعطاه إياها, فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم أخذها الزبير.

وقيل: هي العنزة المذكورة قبل, وكان الزبير رضي الله عنه أخذها من النجاشي.

قال هارون بن مسلم: حدثنا محمد بن عمر قال: سألنا عن هذه العنزة التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي إليها في أسفاره وتحمل بين يديه في العيد, فحدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن عيسى بن معمر, عن عباد بن عبد الله بن الزبير, عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما قالت: لما هاجر الزبير بن العوام رضي الله عنه إلى الحبشة, وخرج مع النجاشي وأصحابه فقاتل معهم عدواً لهم, وكان سبب خروج الزبير مع النجاشي ذلك أن النجاشي لما أحسن جوار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث أذاهم أهل مكة, فهاجر من هاجر منهم إلى الحبشة أمنوا عند النجاشي, ومال النجاشي إليهم وإلى الإسلام حتى أسلم بعد, فبينما هم عنده إذ خرج على النجاشي عدو له من وراء البحرين يقاتله, فاغتم لذلك المسلمون, وقالوا: قد كان النجاشي أحسن جوارنا ولا ندري لمن تكون الغلبة, وكيف يجاورنا غيره, فجعلوا يتطلعون الخبر يوم التقوا للقتال, فقال الزبير: أنا أعبر البحر على زق أو قربة, ثم آتيكم


#501#

بالخبر, فعبر البحر حتى وافى النجاشي, وقاتل معه عدوه, فأبلى فأعطاه النجاشي يومئذ هذه العنزة, فقاتل بها, فجعل يطعنهم بها حتى ظفر بعدوهم, ثم جاء مسرعاً يبشر المسلمين بالظفر, فاستبشروا بذلك, ثم كانت هذه العنزة عند الزبير يقاتل بها, فحضر بدراً وأحداً, ثم حضر بها خيبر, ثم أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه بعد منصرفه من خيبر, فكانت تحمل بين يديه صلى الله عليه وسلم يوم العيد يحملها بلال بن رباح ويخرج بها إلى أسفاره, تركز بين يديه يصلي إليها فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم [والأمر على ذلك] وأبو بكر وعمر وعثمان رضي الله عنهم, فهي اليوم على ذلك تحمل بين يدي الأئمة بالمدينة تكون مع المؤذنين.

وحدث حماد بن إسحاق, عن محمد بن يوسف وغيره عن مصعب بن عبد الله الزبيري, عن يحيى بن محمد بن عروة, عن هشام بن عروة, عن أبيه, أن هذه الحربة دفعها النجاشي إلى الزبير في بعض حروبه, فقاتل بها, ثم قدم بها معه, فلما كان يوم أحد أخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم من يده فقتل بها أبي بن خلف.

كذا في هذه الرواية, والمشهور أن النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ تناول الحربة من يد الحارث بن الصمة فقتل بها أبي بن خلف.


#502#

قال يعقوب بن إسماعيل بن حماد بن زيد: حدثنا وهب بن جرير بن حازم, حدثنا أبي, سمعت محمد بن إسحاق, حدثني صالح بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف: أن أبي بن خلف قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة: يا محمد إني أعلف العوذ في كل يوم فرقاً من ذرة أقتلك عليه, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بل أنا أقتلك إن شاء الله» فلقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد على ذلك الفرس, فلما دنا تناول رسول الله صلى الله عليه وسلم الحربة من الحارث بن الصمة (الأنصاري), فقال بعض من شهد: أطعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكرهنا أن يبارز الخبيث, فقلنا: نحن نكفيكه يا رسول الله, فانتفض بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم انتفاضة تطايرنا عنه تطاير الشعرا عن البعير, ولم يكن أحد يشبه رسول الله صلى الله عليه وسلم عند الحرب إذا جد الجد فمضى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم, فطعنه في عنقه فتدهدا, عن فرسه مراراً, وانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم, وقد خدش بعنقه خدشاً فرجع إلى قريش وهو يقول: قتلني والله محمد, قالوا: والله إن بك من بأس ولكنه ذهب فؤادك, قال: ويلكم إنه قال لي بمكة: «إني أقتلك» فوالله لو لصق إلي لقتلني, واختفت طعنته فمات منها بسرف في منصرفهم إلى مكة.

وقد جاء أن النجاشي أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم ثلاث عنزات.

حدث حماد بن إسحاق, عن محمد بن عبد الله أبي ثابت المدني, حدثنا عبد الرحمن بن سعد المؤذن, عن عبد الله بن محمد بن عمار,


#503#

وعمار بن حفص, وعمر بن حفص المؤذنين ولد سعد القرظ المؤذن, عن آبائهم, عن أجدادهم, أن النجاشي بعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بثلاث عنزات, فأعطى عمر واحدة, قال عبد الرحمن بن سعد: وهي التي عندنا, وإن عمر أعطى سعداً الأذان له ولعقبة وأعطاه العنزة, فقال: امش بها بين يدي كما كان بلال يمشي بها بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعطاه المجمر.

تابعه ذؤيب بن عمامة, عن عبد الرحمن بن سعد بنحوه, وفيه قصة إلا أنه قال: عن محمد بن عمار مكان عبد الله بن محمد بن عمار وقد تقدم بطوله.

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم منطقة من أديم ميشور فيها ثلاث حلق من فضة وإبزيمها وطرفها من فضة.

ذكرها أبو الحُسَيْن ابن فارس اللغوي وغيره.

قال ابن القيم في "الهدي": لم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم شد على وسطه منطقة.


#504#

قلت: جاء في قصة غزاة أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما دخل بيته ليلبس سلاحه ويخرج ومعه أبو بكر وعمر رضي الله عنهما فعمماه ولبساه, وصف له الناس ينتظرون خروجه, فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم قد لبس لأمته وأظهر الدرع وحزم وسطها بمنطقة من أدم من حمائل سيف واعتم, وتقلد السيف وألقى الترس في ظهره.

هكذا رواه ابن سعد في "الطبقات" عن جماعة من الأشياخ.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اندكس سليم

 اضغط الرابط