اللهم

قلت المدون  تم بحمد الله ثم قلت :سبحانك وبحمدك وأستغفرك أنت الله الشافي الكافي الرحمن الرحيم الغفار الغفور القادر القدير المقتدر الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر الخالق البارئ المصور... الواحد الأحد الواجد الماجد الملك المغيث لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ..لك الملك ولك الحمد وأنت علي كل شيئ قدير ولا حول ولا قوة إلا بك وأستغفرك اللهم بحق أن لك هذه الأسماء وكل الأسماء الحسني أسألك أن تََشفني شفاءا لا يُغادر سقما وأن تَكفني كل همي وتفرج كل كربي وتكشف البأساء والضراء عني وأن تتولي أمري وتغفر لي ذنبي وأن تشرح لي صدري وأن تُيسر لي أمري وأن تحلل عُقْدَةً من لساني يفقهوا قولي وأن تغنني بفضلك عمن سواك اللهم أصلحني: حالي وبالي وأعتقني في الدارين وخُذ بيدي يا ربي وأخرجني من الظلمات الي النور بفضلك وأن ترحم وتغفر لوالديَّ ومن مات من اخوتي وان تغفر لهم أجمعين وكل من مات علي الايمان والتوبة اللهم آمين  اللهم تقبل واستجب

Translate

السبت، 18 فبراير 2023

ج8.[ذكر راية النبي صلى الله عليه وسلم] جامع الآثار في السير ومولد المختار - ط. الأوقاف القطرية المؤلف ابن ناصر الدين الدمشقي

ج8.          #5#

 [ذكر راية النبي صلى الله عليه وسلم]

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم راية سوداء تسمى العُقاب.

قال الإمام عبد الله بن المبارك في كتابه المؤلف في "الجهاد" عن سفيان عمن سمع الحسن يقول: كان راية النبي صلى الله عليه وسلم سواء تسمى العُقاب، وعمامته سوداء.

وبيَّن هذا المبهم بعض بيان وكيع بن الجراح فقال:حدثنا سفيان عن أبي الفضل عن الحسن قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء تسمَّى العُقاب.

أبو الفضْل هذا هو بَحْر بن كنيز السقَّاء سماه يحيى بن معين في "تاريخه" الذي ألفه أبو الفضْل الدُّوري ورواه عنه.

ويروى أن ثنية العقاب التي بدمشق سميت بهذه الراية، وذلك فيما رواه خالد بن عَمْرو القرشي السعيدي، عن الليث بن سعد، عن يزيد بن أبي حبيب، عن أبي الخير، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم قطعة سوداء كانت لعائشة رضي الله عنها وكان لواؤه


#6#

أبيض، وكان يحملها سعد بن عبادة... الحديث، وفيه: وهي الراية التي دخل بها خالد بن الوليد رضي الله عنه ثنية دمشق، وكان اسم الراية العُقاب، فسُميت عقبة العُقاب.

خالد متروك الحديث.

وذكر القضاعي أن هذه الراية التي تسمى العقاب كانت من صوف، وذكر أبو الحسين بن فارس أنها مخملة.

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا يحيى بن زكريا: حدثنا أبو يعقوب الثقفي، حدثني يونس بن عبيد مولى محمد بن القاسم قال: بعثني محمد بن القاسم إلى البراء بن عازب رضي الله عنهما أسأله عن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانت؟ قال: كانت سوداء مربعة من نمرة.

وخرجه أبو داود في "سننه" عن إبراهيم بن موسى الرازي، عن ابن أبي زائدة [به].

وحدث به أبو بكر محمد بن هارون الروياني  عن عبد الله بن


#7#

الصباح، حدثنا محمد بن سنان العوقي، حدثنا يحيى بن أبي زائدة...  فذكره إلا أن عنده: عن أبي يعفور بالفاء والراء والصواب أبو يعقوب، واسمه إسحاق بن إبراهيم الثقفي.

وقال محمد بن إسحاق: عن عبد الله أبي بكر، عن عَمْرة، أظنه عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان لواء رسول الله صلى الله عليه وسلم أبيض وكانت رايته سوداء من مرط لعائشة رضي الله عنها مرحَّل.

وحدث به الترمذي، [عن محمد بن رافع، وابن ماجه عن عبد الله بن إسحاق الواسطي:

كلاهما عن يحيى بن إسحاق السَّيْلحيني، عن يزد بن


#8#

حيان]، عن أبي مِجْلَز، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض.

وخرجه البخاري في "تاريخه الأوسط" وفي "تاريخه الكبير" للسيلحيني تعليقًا مختصرًا دون ذكر اللواء.

ويزيد بن حيان أخو مقاتل صرح به البخاري في روايته، وأبو داود.

وخرَّجه أبو الشيخ الأصبهاني لحيان بن زهير العدوي، عن أبي مجلز عن ابن عباس رضي الله عنهما.

ولعبدالله بريدة، عن أبيه أن راية رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت سوداء ولواؤه أبيض.

والحديث عند الطبراني في "معجمة الأوسط" بزيادة من حديث حيان بن عُبيدالله - وتفرد به فيما ذكره الطبراني وليس كذلك إلي.

حدثنا أبو مجلز لاحق بن حُمَيد، عن أن عباس رضي الله عنهما قال:


#9#

كانت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض مكتوب عليه لا إله إلا الله محمد رسول الله.

ورواه أبو يحيى زكريا بن يحيى الوقاد المصري فقال: حدثني العباس - يعني ابن طالب، عن حيان بن عُبيدالله العدوي، عن أبي مجلز، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: كان راية رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء ولواؤه أبيض مكتوب فيه لا إله إلا الله محمد رسول الله.

تابعه محمد بن أبي السَّري العسقلاني، عن عباس بن طالب.

وروى عبدالله بن المبارك في كتابه "الجهاد" عن ابن لهيعة قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب قال: كانت رايات رسول الله صلى الله عليه وسلم سوداء.

وقال أبو داود في "سننه": حدثنا عقبة بن مكرم، حدثنا سَلْم بن قتيبة، عن شعبة، عن سماك، عن رجل من قومه، عن آخر منهم قال: رأيت راية رسول الله صلى الله عليه وسلم صفراء.

تابعه سلمة بن حيان، عن أبي قتيبة هو سَلْم بن قتيبة.


#10#

&[ذكر مِحْجنه صلى الله عليه وسلم]&

وكان له صلى الله عليه وسلم محجن يتناول به الشيء، قريب من الذراع، وقيل: أطول منه، وهو عصا معقفة الرأس كان يمشي بها ويركب بها ويعلقها بين يديه على بعيره وهي التي استلم بها الركن في حجة الوداع.


#11#

&[ذكر عصاه صلى الله عليه وسلم]&

وكان له صلى الله عليه وسلم مِخْصَرة، هي عصا كان يأخذها بيده.

قال ابن فارس: وتسمى العرجون.

قال سُلَيْمان بن بلال: حدثنا محمد بن عجلان، عن عياض، عن أبي سعيد قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يستحب العراجين ولا يزال في يده منها شيء..  الحديث.

وحدث ابن لهيعة، عن أبي الأسود، عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب بمخصرة في يده.

وحدث الواقدي، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي الزناد وغيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتوكأ على عصا يخطب عليها يوم الجمعة وكانت من شوحط.

وخرج أبو محمد بن حيان في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" فقال:


#12#

حدثنا إبراهيم بن محمد بن الحسن، حدثنا أبو عمر عبدالحميد الحراني، حدثنا عثمان بن عبد الرحمن، عن المعلي بن هلال، عن مجاهد، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: التوكؤ على العصا من أخلاق الأنبياء، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عصا يتوكأ عليها ويأمر بالتوكؤ على العصا.

قال الإمام أحمد في "الزهد": حدثنا أبو المغيرة: حدثنا صفوان بن عَمْرو: سئل أبو المثني الأُمْلوكي عن مشي الأنبياء عليهم السلام بالعصا قال: ذلٌّ وتواضعٌ لربهم تبارك وتعالى.

وأبو المثني الأملوكي تابعي حمصي من الطبقة الثانية من تابعي أهل الشام اسمه ضمضم.

قال البخاري: وقال ابن المبارك: المُلَيْكي، وهو وهم.


#13#

&[ذِكْر قبته صلى الله عليه وسلم]&

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم قبة حمراء من أَدَم.

وهي خيمة مستديرة من بيوت العرب، وهي الفسطاط، وكانت تسمى: الكِنّ.

صح عن أبي جحيفة رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم وهو في قبة حمراء من أدم.. الحديث.

قال الإمام أبو بكر ابن العربي في كتابه "أحكام القرآن": وقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم قبة من أدم، وناهيك من أدَم الطائف غلاء في القيمة واعتلاء في الصفة وحسنًا في البشرة ولم يعده النبي صلى الله عليه وسلم ترفا ولا رآه شرفا.

قال: ومن غريب ما جرى أني زرت بعض المتزهدين من الغافلين مع بعض رجال المحدثين، فدخلنا عليه في خباء كتان، فعرض عليه صاحبي المحدث أن يحمله إلى منزله ضيفا، وقال: وهذا موضع يكثر فيه الحر، والبيت أرفق بك وأطيب لنفسي فيك، فقال له: هذا الخباء لنا كثير، وكان في ضيقها من الحقير

فقلت له: ليس كما زعمتَ، قد كانت


#14#

لرسول الله صلى الله عليه وسلم - وهو رئيس الزهاد - قبة من أدم طائفي يسافر معها ويستظل بها، فبهت، ورأيته على منزلة من الغي فتركته مع صاحبي وخرجت عنه.


#15#

&[ذكر قناع دوابه صلى الله عليه وسلم]&

وكان لحمار النبي صلى الله عليه وسلم أكاف.

قال أنس رضي الله عنه رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بخيبر على حمار عليه أكاف.

وكان لناقته صلى الله عليه وسلم رحل وهو أصغر من القتب.

صح عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم حج على رحل وكانت زاملته.

وكان له صلى الله عليه وسلم سرج يركب به على خيله قيل: اسمه الراح.

وخرج أبو داود في "سننه" من حديث يعلى بن عطاء، عن أبي همام عبد الله بن يسار: أن أبا عبد الرحمن الفهري رضي الله عنه قال: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم حنينا فسرنا في يوم قائظ شديد الحر، فنزلنا تحت ظل الشجرة، فلما زالت الشمس لبست لَأْمتي وركبت فرسي فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في فسطاطه

فقلت: السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته، قد حان الرواح

قال: «أجل» ثم قال: «يا بلال»


#16#

فثار من تحت سَمُرة كأن ظله ظل طائر، فقال: لبيك وسعديك وأنا فداؤك

فقال: «أسرج لي الفرس» فأخرج سرجًا دفتاه من ليف ليس فيهما أثر ولا بطر فركب وركبنا.. وساق الحديث.

أبو عبد الرحمن الفهري هذا صحابي شهد فتح مصر اسمه يزيد بن أنيس بن عبد الله، وقيل: يزيد بن أسيد، وقيل غير ذلك.

وقال أبو نعيم في "معرفة الصحابة": قال إبراهيم بن المنذر: اسمه إياس بن عبدالله.

وقال أبو العباس جعفر بن أحمد المستغفري: أخبرنا الخليل بن أحمد القاضي، أخبرنا أبو عبدالله الحسين بن موسى بن خلف برأس العين، حدثنا إسحاق هو ابن زريق الرسعني، حدثنا عثمان بن محمد الطرائفي، حدثنا علي بن عروة، عن عبد الملك، عن عطاء وعَمْرو بن مرة وعمرو بن دينار، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيف محلى قائمه من فضة ونعله من فضة وفيه


#17#

حلق من فضة، وكان يسمى: ذا فقار، وكانت له قوس نبع تسمي: السداد، وكانت له كنانة تسمى: الجمع، وكانت له درع موشحة بالنحاس تسمى: ذات الفضول، وكانت له حربة تسمى: البيضاء، وكان له مجن يسمى: الوفر، وكان له فرس أدهم يسمى: السكب، وكانت له بغلة شهباء تسمى: دلدل، وكانت له ناقة تسمى: العضباء، وكان له حمار يسمى: يعفور، وكان له فسطاط يسمى: الركي، وكانت له عنز تسمى: اليُمن، وكانت له ركوة تسمى: الصادرة، وكانت له مرآة تسمى: المدلة، وكان له مقراض يسمى: الجامع، وكان له قضيب من شوحط يسمى: الممشوق.

وقد خرجه أبو القاسم الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث عثمان بن عبدالرحمن، عن علي بن عروة، عن عبد الملك بن أبي سليمان، عن عطاء وعَمْرو بن دينار، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم سيف قائمته من فضة وقبيعته من فضة وكان يسمى: ذا الفقار، وكانت له قوس تسمى: السداد، وكانت له كنانة تسمى: الجمع، وكانت له درع موشحة بالنحاس تسمى: ذات الفضول، وكانت [له] حربة تسمى: النبعاء، وكان له مجن يسمى الذقن.

وكان له فرس أبيض يسمى: المرتجز، وكان له فرس أدهم يسمى: السكب، وكان له سرج يسمى: الراح، وكانت له بغلة شهباء يقال لها: دلدل، وكانت له ناقة تسمى: القصواء، وكان له حمار يسمى: يعفور،


#18#

وكان له بساط يسمى: الكرد، وكانت له عنزة تسمى: النمر، وكانت له ركوة تسمى: الصادرة، وكانت له مرآة تسمى: المدلة، وكان له مقراض يسمى: الجامع، وكان له قضيب شوحط يسمى: الموت.

وهذا الحديث غريب جامع لبعض ما ذكرناه، لكن ابن الجوزي ذكره في "الموضوعات".

وقد روي من طريق أخرى بزيادة كثيرة فيما خرّجه الحافظ أبو بكر محمد بن هارون الروياني في كتابه "الغرر" فقال: حدثنا عيسى بن عبد الله، حدثنا أحمد بن محمد الفارسي، حدثني أبي، حدثني أبو عبيد القاسم بن سلام، حدثني عبدالرحمن بن مهدي، عن سفيان، عن رجل قد سماه، عن كريب، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس القلانس تحت العمائم وبغير العمائم، ويلبس العمائم بغير قلانس، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلبس القلانس اليمانية ومن البيض المضربة ويلبس ذوات الآذان في الحرب، ومنها ما يكون من السيجان الخضر، وكان ربما نزع قلنسوته فجعلها سترة بين يديه وهو يصلي.

وكان من خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يسمي سلاحه ودوابه ومتاعه.

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم أربعة أسياف المخذم والرسوب أهداهما له زيد الخيل الطائي وفد عليه فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد الخير، وكان له أيضا القضيب


#19#

وذو الفقار صار إليه يوم بدر، وكان للعاص بن منبه بن الحجاج، وكان لا يفارقه في الحرب، وكان قباع سيفه وقائمته وحلقته وذؤابته وبكراته ونعله من فضة وكان له حلقتان في الحائل في موضعهما من الظهر.

وكانت له صلى الله عليه وسلم أربعة أدرع: ذات الوشاح، والبتراء، وذوات الحواشي، والخرنق، وكانت له أربعة أفراس: المرتجز، وذو العقال، والسكب، والشحا، ويقال: البحر، وكان يركب البحر وكان كميتا، وكانت منطقته من أدم مبشور فيها ثلاث حلق من فضة والإبزيم، والحلق على صنعة الفلك من فضة.

وكان اسم رمحه المثوى، وكانت له حربة يقال لها: العنزة، وكان يمشي بها ويدعم عليها، وكانت تحمل بين يديه في الأعياد فيركزها أمامه ويستتر بها ويصلي إليها ..

وكان له صلى الله عليه وسلم محجن قدر ذراع يمشى به ويركب به ويعلقه بين يديه على بعيره، وكانت له مخصرة تسمى: العرجون، وكان اسم قوسه: الكتوم، واسم كنانته: الكافور، ونبله: الموتصلة، وترسه: الزلوق، ومغفره: ذو السبوغ، واسم عمامته: السحاب، واسم ردائه: الفتح، واسم رايته: العقاب وكانت سوداء من صوف.

وكانت ألويته صلى الله عليه وسلم بيضاء وربما جعل فيها السواد وربما كان من خُمُر


#20#

نسائه، وكانت له بغلة شهباء يقال لها: الدلدل أهداها له المقوقس ملك الإسكندرية، وهي التي قال لها في بعض الأماكن «اربضي دلدل» فربضت وكان علي رضي الله عنه يركبها بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقال غير ابن عباس: وكان عثمان بن عثمان يركبها، ثم ركبها الحسن بعد علي، ثم ركبها الحسين ومحمد بن علي بن الحنفية حتى عميت وكبرت فدخلت مطبخة لبني مذحج فرماها رجل بسهم فقتلها.

وكانت له بغلة يقال لها: الأيلية، وكانت محذوفة طويلة كأنما تقوم على رماح حسنة السير، فأعجبته صلى الله عليه وسلم، وهي التي قال له علي رضي الله عنه فيها: إن كان أعجبتك هذه البغلة فإنا نصنع لك مثلها قال: «وكيف ذلك؟» قال: هذه أمها فرس عربية وأبوها حمار فلو أنزينا على فرس عربية حمارا لجاءت بمثل هذه البغلة، فقال: «إنما يفعل ذلك الذين لا يعلمون».

قال ابن عباس: فأتى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم تقدم إلينا معاشر بني هاشم خاصة ألا ننزي الحمر على الخيل العراب فمضت السنة في أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عامة.

وكان له حمار يدعى: عفيرًا ويقال له: اليعفور، وكان أخضر، وكانت له صلى الله عليه وسلم ناقة تسمى: العضباء ويقال القصواء، وكانت صهباء، وكانت له صلى الله عليه وسلم شاة يشرب لبنها يقال لها: غيثة ويقال غوثة.

وكان له صلى الله عليه وسلم قدحان اسم أحدهما: الريان والآخر: المضبب،


#21#

وكان يسع كل واحد منهما قدر مد فيه ثلاث ضباب حديد وحلقة يعلق بها.

وكان له صلى الله عليه وسلم تور من حجارة يقال لها: المخضب والمخضد يتوضأ فيه، وكان له مخضب من شبه يكون فيه الحناء والكتم من حر كان يجده في رأسه صلى الله عليه وسلم.

وكانت له صلى الله عليه وسلم ربعة اسكندرانية أهداها له المقوقس ملك مصر.

وكان له صلى الله عليه وسلم نعلان من السبت، وكانت مخصرة ذات قبالين وكانت صفراء، وكان له صلى الله عليه وسلم خفان ساذجان أهداهما النجاشي ملك الحبشة، فكان ربما لبسهما النبي صلى الله عليه وسلم ومسح عليهما.

وكان له صلى الله عليه وسلم سرير وقطيفة وقصعة وجارية اسمها: روضة.


#22#

&[خيله صلى الله عليه وسلم]&

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم عدة أفراس:

وحدث النسائي عن أحمد بن حفص, حدثنا أبي, حدثنا إبراهيم ابن طهمان, عن سعيد بن أبي عروبة, عن قتادة, عن أنس رضي الله عنه قال: لم يكن شيء أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد النساء من الخيل.

وقال ابن سعد في "الطبقات": حدثنا عفان بن مسلم, حدثنا أبو هلال, عن قتادة, عن معقل بن يسار قال: ما كان شيء أعجب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخيل, ثم قال: «اللهم غفراً بل النساء».


#23#

ورواه هدبة بن خالد, عن أبي هلال الراسبي.

وقال ابن سعد: أخبرنا حجين بن المثني, حدثنا الليث بن سعد، عن خالد بن يزيد, عن سعيد بن أبي هلال, عن أبي عبد الله واقد أنه بلغه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام إلي فرس له فمسح وجهه بكم قميصه, فقالوا: يا رسول الله, أبقميصك؟! فقال: «إن جبريل عليه السلام عاتبني في الخيل».

وقال إبراهيم بن عرعرة: حدثنا محمد بن بكر, حدثنا عمر بن صهبان, أخبرني نافع, عن ابن عمر رضي الله عنهما – قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلي يوم القيامة» فلقد رأيته يمسح بردائه أو بداخلة إزاره عن وجهه العرق.

وحدث أبو داود في "المراسيل" عن موسي بن إسماعيل, عن


#24#

جرير – وهو ابن أبي حازم – عن الزبير – يعني ابن الخريت – عن نعيم بن أبي هند: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بفرس فقام إليه فمسح عينيه ووجهه ومنخريه بكم قميصه, فقيل: يا رسول الله تمسح بكم قميصك؟! قال: «إن جبريل عليه السلام عاتبني في الخيل».

وحدث عبد الله بن المبارك في كتابه "الجهاد" عن الربيع بن صبيح, عن الحسن قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمسح خد فرسه وهو يقول: «الخيل معقود في نواصيها الخير إلي يوم القيامة وأهلها معانون عليها».

وخرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث يحيى بن محمد السوسي, حدثنا عمرو بن الأزهر, عن ابن عون, عن إبراهيم, عن علقمة, عن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ربما فتل عرف فرسه بيده.

فأول خيل رسول الله صلى الله عليه وسلم فرس سماه: السكب, ومعناه خفيف الجري سريعه.

وقال أبو زكريا النووي فيما وجدته بخطه: هو من سكب الماء كأنه سيل. انتهى.


#25#

وكان كميتاً أغر محجلاً مطلق اليمين, قاله محمد بن حبيب البغدادي في كتابه "المنمق في أخبار قريش".

وفي معناه قال سلمة بن الحوشب يذكر فرساً:

كميت غير مخلفة ولكن  ...  كلون الصرف عل به الأديم

تعادي من قوائمه ثلاث  ...  بتحجيل وواحدة بهيم.

وروى إسماعيل بن أبي أويس فقال: حدثني أخي, عن سليمان بن بلال, عن علقمة بن أبي علقمة قال: بلغني أن اسم فرس النبي صلى الله عليه وسلم السكب, وكان أغر محجلاً طلق اليمين.

هذه الصفة أجود ما يكون من الخيل وأيمنها ناصية.

خرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث عم السفاح والمنصور الأمير أبي العباس عيسي بن علي بن عبدالله بن عباس,


#26#

عن أبيه, عن جده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يمن الخيل في شقرها, وأيمنها ناصية ما كان منها أغر محجلاً مطلق اليد اليمنى».

رواه فرج بن يحيى، عن عيسي هكذا مطولا.

ورواه شيبان عن عيسى مختصراً ولفظه: «يمن الخيل في شقرها» خرجه أبو داود في "سننه" وابن أبي خيثمة في "تاريخه" لشيبان.

وقال ابن أبي خيثمة في "التاريخ": حدثنا يحيى بن إسحاق السلحيني, أخبرنا موسي بن علي بن رباح, سمعت أبي يحدث القوم وأنا فيهم قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخيل فقال: «أفضلها الأدهم والأقرح الأرثم المحجل ثلاث طلق اليمنى أو كميت على هذه الشية».

وخرجه الإمام أحمد في "مسنده" موصولاً فقال: حدثنا حسن بن موسي, حدثنا ابن لهيعة, حدثنا يزيد بن أبي حبيب, عن علي بن رباح, عن أبي قتادة, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير الخيل الأدهم الأقرح الأرثم المحجل ثلاث مطلق اليمنى، فإن لم يكن أدهم فكميت على هذه الشية).


#27#

ورواه ابن المبارك في كتابه "الجهاد".

وحدث به الترمذي عن أحمد بن محمد, حدثنا عبدالله بن المبارك, أخبرنا ابن لهيعة ..... فذكره.

ثم قال الترمذي: حدثنا محمد بن بشار, حدثنا وهب بن جرير, حدثنا أبي, حدثنا يحيى بن أيوب, عن يزيد بن أبي حبيب نحوه, وقال: هذا حديث حسن صحيح. انتهى.

و"الأقرح": الذي في غرته بياض قدر درهم أو دونه.

و"الأرثم": الذي بشفته العلياء بياض.

و"الكميت": ليس بأشقر ولا أدهم.

وجاء عن وكيع, أخبرنا طلحة بن عمرو, عن عطاء, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خير الخيل الحو».

خرجه القاسم بن ثابت في "الدلائل" فقال: أخبرناه إبراهيم, أخبرنا حسين بن علي, حدثنا وكيع .... فذكره, وقال: الأحوى واحد الحو, وهو أهون سواداً من الجون.


#28#

وقال أبو حاتم عن أبي عبيدة: وإن شئت قلت: هو الجون.

قلت: والجون الأسود المشرب حمرة.

وقيل: إن السكب هذا كان أدهم فيما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما في "معجم الطبراني".

وهو أول فرس ملكه النبي صلى الله عليه وسلم, وسابق به النبي صلى الله عليه وسلم مرة فسبق ففرح به, كما سيأتي إن شاء الله تعالى من حديث أبي أمامة.

وقال محمد بن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر, حدثنا محمد [بن] يحيى بن سهل بن أبي حثمة, عن أبيه, قال: أول فرس ملكه [رسول الله] صلى الله عليه وسلم فرس ابتاعه بالمدينة من رجل من بني فزارة بعشر أواقي, وكان اسمه عند الأعرابي: الضرس فسماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: السكب, فكان أول ما غزا عليه أحداً ليس مع المسلمين فرس غيره يومئذ, وفرس لأبي بردة بن نيار يقال له: ملاوح.


#29#

ورواه هارون بن مسلم, عن الواقدي بنحوه إلا أنه سمى فرس أبي بردة: مرواح.

وقال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثنا عبد الحميد بن جعفر, عن يزيد بن أبي حبيب قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرس يدعى السكب.

وحدث به هارون بن مسلم, عن محمد بن عمر.

ومن خيله صلى الله عليه وسلم: المرتجز؛ سمي المرتجز لحسن صهيله, قاله النووي فيما وجدته بخطه, وزاد بعض المتأخرين فقال: كأنه ينشد رجزاً انتهى.

وذكره قاسم بن ثابت في "الدلائل" فقال: سماه به لكثرة صهيله شبهه بارتجاز الرعد. انتهى.

وكان أشهب, وقيل أبيض.

روي الواقدي عن الحسن بن عمارة, عن الحكم, عن مقسم, عن


#30#

ابن عباس رضي الله عنهما, قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرس يقال له المرتجز.

وخرجه أبو الشيخ ابن حيان من طريق إدريس الأودي, عن عدي ابن ثابت, عن سعيد بن جبير, عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وخرجه أيضاً من طريق إدريس, عن الحكم, عن يحيى بن الجزار, عن علي رضي الله عنه بمثله.

وحدث ابن سعد في "الطبقات" عن الواقدي سألت محمد بن يحيى بن سهل بن أبي حثمة, عن المرتجز, قال: هو الفرس الذي اشتراه – يعني: رسول الله صلى الله عليه وسلم – من الأعرابي الذي شهد له فيه خزيمة ابن ثابت رضي الله عنه وكان الأعرابي من بني مرة.

وذكره نحوه ابن قتيبة في "المعارف" لكن في نسخة سماه أيضاً: الطرف بكسر الراء, وفي أخرى: النجيب, ومعناهما الكريم من الخيل, قاله الحافظ أبو محمد الدمياطي فيما أنبئونا عنه في "كتاب الخيل".


#31#

وقال أبو الحسين أحمد بن فارس اللغوي في "مجمله": الطرف: الفرس الكريم من خيل طروف, وهو نعت للذكر خاصة, عن أبي زيد.

ولعل أبا الحسين – وهو الذي يغلب على الظن – أخذ هذا من غريب "المصنف" لأبي عبيد القاسم بن سلام فإنه قال في باب الخيل والسلاح: قال أبو زيد: الطرف العتيق الكريم من خيل طروف وهو نعت للذكر خاصة. انتهى.

وهو مقيد بكسر الطاء وإسكان الراء, وهكذا قيده شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص عمر البلقيني في كتابه "قطر السيل في أمر الخيل" لا كما قيده الدمياطي, والله أعلم.

وخرج أبو نعيم في كتابه "معرفة الصحابة" من حديث محمد بن زرارة بن خزيمة بن ثابت, حدثني عمي عمارة بن خزيمة بن ثابت، عن أبيه رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى فرساً من سواء بن قيس المحاربي فجحده, فشهد له خزيمة بن ثابت رضي الله عنه فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما حملك على الشهادة ولم تكن معنا حاضراً؟».

قال: صدقتك بما جئت به وعلمت أنك لا تقول إلا حقاً.


#32#

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من شهد له أو عليه خزيمة فحسبه».

وقال أبو علي محمد بن أحمد بن معقل الميداني: حدثنا محمد بن يحيى الذهلي, حدثنا أبو اليمان, أخبرنا شعيب, عن الزهري, حدثني عمارة بن خزيمة الأنصاري: أن عمه حدثه وهو من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم: أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاع فرساً من أعرابي فاستتبعه النبي صلى الله عليه وسلم ليقبضه ثمن الفرس فأسرع النبي صلى الله عليه وسلم المشي وأبطأ الأعرابي.

فطفق رجال يعترضون الأعرابي فيساومونه بالفرس ولا يشعرون أن النبي صلى الله عليه وسلم ابتاعه حتى زاد بعضهم الأعرابي في السوم على ثمن الفرس الذي ابتاعه به النبي صلى الله عليه وسلم, فنادي الأعرابي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن كنت مبتاعاً هذا الفرس فابتعه وإلا بعته فقام النبي صلى الله عليه وسلم حين سمع الأعرابي فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «أوليس قد ابتعته منك؟» قال الأعرابي: لا والله ما بعتكه, فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «بلي قد ابتعته منك».

فطفق الناس يلوذون بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالأعرابي وهما يتراجعان, وطفق الأعرابي [يقول]: هلم شهيداً يشهد أني قد بايعتك, فمن جاء من المسلمين قال للأعرابي: ويلك إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليقول إلا حقاً.

حتى جاء خزيمة بن ثابت رضي الله عنه فاستمع لمراجعة النبي صلى الله عليه وسلم ومراجعة الأعرابي, فطفق الأعرابي يقول: هلم شهيداً يشهد أني قد بايعتك, فقال خزيمة بن ثابت: أنا أشهد أنك قد بايعته.

فأقبل النبي صلى الله عليه وسلم على خزيمة فقال: «بم تشهد؟» فقال: بتصديقك يا رسول الله, فجعل النبي صلى الله عليه وسلم شهادة خزيمة بن ثابت بشهادة رجلين.


#33#

حدث به أبو داود عن الذهلي بنحوه, ورواه أحمد بن حنبل في "مسنده" عن أبي اليمان.

وحدث به أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم" عن ابن أبي عاصم, حدثنا عبيد الله بن فضالة, حدثنا الحكم بن نافع... فذكره بنحوه.

وهو عند النسائي من حديث الزبيدي, عن الزهري, وهو حديث صحيح فعمارة بن خزيمة بن ثابت الأنصاري المدني التابعي أخرج له الأئمة الأربعة وقد وثقه النسائي وابن حبان والعجلي, مات سنة خمس ومائة.

وروي الحديث الواقدي عن الزهري مطولاً, وقال: لم يسم لنا أخو خزيمة بن ثابت الذي روى هذا الحديث, وكان له أخوان أحدهما وحوح ولا عقب له, والآخر عبد الله وله عقب, وأمهما أم خزيمة كبيشة بنت أوس بن عدي بن أمية الخطمي.

وفي بعض طرقه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لخزيمة: «فكيف شهدت


#34#

بذلك؟» فقال خزيمة: بأبي أنت وأمي يا رسول الله أصدقك على أخبار السماء وما يكون في غد, ولا أصدقك في ابتياعك هذا الفرس, فقال صلى الله عليه وسلم: «إنك لذو الشهادتين يا خزيمة».

وفي طريق أخري خرجها الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" أن النبي صلى الله عليه وسلم رد الفرس إلي الأعرابي وقال: «لا بارك الله لك فيها» فأصبحت الفرس شائلة برجلها, أي ميتة

ومن الغرائب ما قال أبو علي الحسن بن حبيب بن عبد الملك الحصري في كتاب "الزهد والرقائق": أخبرنا علي بن المغيرة المخزومي, حدثنا سعيد بن منصور, أخبرنا إبراهيم بن إسماعيل, حدثني داود بن الحصين: أن أعرابيا باع النبي صلى الله عليه وسلم جملاً فأعطاه


#35#

رسول الله صلى الله عليه وسلم الثمن فجحده الأعرابي فقال خزيمة بن معمر الخطمي: أشهد أنه أعطاك حقك, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «وما يدريك؟» قال [له] خزيمة: أشهد أنك رسول الله ولا أشهد أنك قضيته! فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم شهادته شهادة رجلين.

وبعضهم جعل المرتجز والسكب واحداً, والمشهور أنهما فرسان كما ذكرناه, والله أعلم.

ومنها اللزاز, كذا وجدته مقيداً بخط الحافظ أبي الحجاج المزي في كتابه "التهذيب" وهو المشهور.

ووجدته مضبوطاً بخط من يعتمد عليه ولكنه دون المزي في الإتقان: بالفتح والتشديد.

وسمي بذلك لسرعة لزوقه بالمطلوب, وقيل: لشدة اكتناز أعضائه وتلززها.


#36#

وقال القاسم بن ثابت في "الدلائل": فأما لزاز فمن اللز وهو لزوم الشيء بالشيء وقال: وفلان لزاز خصم أي شديد الخصومة وأنشد:

وكنت لزاز خصمك لم أعرد  ...  وقد سلكوك في يوم عصيب.

وهذا الفرس كان من جملة هدية جريج المقوقس.

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني أبي ابن عباس بن سهل, عن أبيه, عن جده, قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم عندي ثلاثة أفراس: لزاز, والظرب, واللحيف, فأما لزاز: فأهداه المقوقس, وأما اللحيف: فأهداه له ربيعة بن أبي البراء فأثابه صلى الله عليه وسلم عليه فرائض من نعم بني كلاب, وأما الظرب: فأهداه له فروة بن عمرو الجذامي.

ومنها الظرب, ووجدته بخط أبي زكريا النووي بالضاد.


#37#

وهذا الفرس أهداه له كما تقدم فروة بن عمرو بن النافرة الجذامي, ثم النفاثي.

ونفاثه بطن من جذام وكان عاملاً للروم على من يليهم من العرب, وكانت منزلته معان وما حولها من أرض الشام فأسلم, فلما بلغ الروم إسلامه طلبوه حتى أخذوه فحبسوه ثم ضربوا عنقه وصلبوه.

وهذا الفرس سمي بالظرب تشبيهاً بالجُبيل الصغير لقوته أو لصلابته أو لكبره وسمنه, وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم أبا أسيد الساعدي.

قال الذهبي: وقاله الواقدي بطاء مهملة وسمي الطرب لتشوقه وحسن صهيله, قاله في "تاريخ الإسلام".

ومنها الورد: أهداه له تميم الداري, وهو الذي أعطاه النبي صلى الله عليه وسلم


#38#

عمر [بن الخطاب] رضي الله عنه فحمل عليه فوجده يباع فأراد أن يشتريه, فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تشتره, وإن أعطاكه بدرهم»الحديث.

وسمي هذا الفرس بالورد لكونه يعلوه حمرة إلى الشقرة الحلوقية, وجلده وأصول شعره سود, وقيل: سمي بالورد الذي يشم وهو بين الكميت الأحمر والأشقر.

ومنها سبحة, من قولهم: فرس سابح إذا كان حسن مد اليدين في الجري.

وهو فرس شقراء ابتاعها من أعرابي من جهينة بعشر من الإبل وسابق عليها.

حدث ابن سعد في "الطبقات" عن سليمان بن حرب, أخبرنا سعيد ابن زيد, عن الزبير بن الخريت, عن أبي لبيد, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: راهن رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس يقال لها سبحة, فجاءت سابقة فهش لذلك وأعجبه.

ورواه مسلم بن إبراهيم, عن سعيد بن زيد, عن الزبير بن الخريت,


#39#

عن أبي لبيد قال: أرسلت الخيل زمان الحكم بن أيوب فلما رجعنا قلنا لو مررنا بأنس بن مالك فسألناه, فأتيناه فقلنا: يا أبا حمزة هل كنتم تراهنون على عهد النبي صلى الله عليه وسلم؟ فقال: نعم, لقد سابق رسول الله صلى الله عليه وسلم على فرس له يقال لها سبحة فجاءت سابقة فهش لذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم وأعجبه.

وقال الحسين بن إسماعيل المحاملي: أخبرنا يعقوب بن إبراهيم حدثنا يزيد, عن الزبير بن خريت, عن أبي لبيد قال: أرسلت الخيل والحكم بن أيوب أميراً على البصرة, فلما جاءت الخيل قالوا: لو دخلنا على أنس, فملنا إليه في قصره في زاوية, فقلنا له: يا أبا حمزة كنتم تراهنون على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يراهن؟ قال: نعم والله لراهن على فرس له يقال لها سبحة, فجاءت سابقة فهش لذلك.

وله شاهد من حديث واصل مولي أبي عيينة, عن موسي بن عبيد, عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: لقد راهن – يعني رسول الله صلى الله عليه وسلم – على فرس له يقال لها سبحة, فجاءت سابقة فهش لذلك وأعجبه.


#40#

واللام في قوله: "فلهش" يعني فلقد هش أي استبشر بذلك.

وقد جوز بعضهم أن تكون فرس جعفر التي تسمى سبحة وعرقبها في غزوة مؤتة, وهي أول فرس عرقبت في الإسلام: أنها هي سبحة فرس النبي صلى الله عليه وسلم يكون أعطاه إياها.

ومنها اللحيف بالمهملة وزان كريم, وقيل: بضم اللام مصغراً, وقيل: بالتصغير مع الخاء المعجمة, وقيل: النحيف بالنون. وقال بعضهم: اللجيف بالجيم وهو أغربها, وليس بشيء كالذي قبله بالنون, والأول هو المعروف.

وسمي بذلك, لطول ذنبه كأنه يلحف الأرض بذنبه أي يغطيها به, وهو فعيل بمعنى فاعل.


#41#

وقال قاسم بن ثابت في "الدلائل": وهو مأخوذ من لحفته وألحفته أي جللته لحافاً وذلك بعد أن أخرج الحديث الذي صح عن سهل بن سعد رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم في حائطنا فرس يقال له اللحيف.

وقال أبو القاسم الطبراني في "معجمه": حدثنا أحمد بن زهير


#42#

التستري, حدثنا أبو الربيع الحارثي, حدثنا ابن أبي فديك, عن عبد المهيمن بن عباس بن سهل بن سعد, عن أبيه, عن جده رضي الله عنه قال: كان للنبي صلى الله عليه وسلم عند أبي سعد رضي الله عنه ثلاثة أفراس يعلفهن, قال: وسمعت أبي رضي الله عنه يقول: يسميهن: اللزاز, واللحيف, والظرب.

واللحيف المذكور أهداه للنبي صلى الله عليه وسلم ملاعب الأسنة, فأثابه عليه فرائض من نعم بني كلاب.

وقيل: أهداه له فروة بن عمرو.

وهذه السبعة التي ذكرناها ذكرها الحافظ أبو محمد الدمياطي فيما أنبئونا عنه, وقال: "فهذه سبعة أفراس متفق عليها", وكذلك ذكر غيره الاتفاق عليها.

وذكر الإمام أبو عمر عبد العزيز ابن قاضي القضاة أبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن جماعة في كتابه "مختصر السيرة": أن أباه جمع هذه


#43#

السبعة في بيت واحد فقال:

والخيل سكب لحيف سبحة ظرب  ...  لزاز مرتجز ورد لها أسرار.

وسمعه من ناظمه الإمام مغلطاي حسبما ذكره في الجزء المسمى بالنحلة فيما وجدته بخطه.

وقد نظمت السبعة في بيت واحد منسوبة إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأشرت إلى الاتفاق عليها فقلت:

خيل النبي اتفاقاً سبحة ظرب  ...  سكب لحيف لزاز ورد مرتجز.

ومما عد في خيوله صلى الله عليه وسلم أيضاً: ذو اللمة, ذكره محمد بن حبيب وغيره.

ومنها: السرحان والمرتجل بكسر الجيم, يقال: ارتجل الفرس ارتجالاً إذا خلط العنق بشيء من الهملجة, وهي حسن السير, ويقال للذكر والأنثى: هملاج.


#44#

ومنها الأدهم.

وهذه الثلاث ذكرهن ابن خالويه.

وروينا من حديث أبي عون بشر بن عون القرشي الدمشقي قال: حدثنا بكار بن تميم, عن مكحول, عن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: أجرى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرسه الأدهم في خيول المسلمين في المحصب بمكة, فجاء فرسه سابقاً, فجثا رسول الله صلى الله عليه وسلم على ركبتيه حتى إذا مر به قال: «إنه البحر», فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كذب الحطيئة في قوله, لو كان صابراً أحد عن الخيل لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أولى الناس بذلك – حين يقول:

وإن جياد الخيل لا تستفزني  ...  ولا جاعلات العاج فوق المعاصم


#45#

ومنها: ملاوح ذكره سليمان بن بنين النحوي المصري.

وقال شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني: وقد عده جماعة من أفراس النبي صلى الله عليه وسلم.

ذكره في كتابه "قطر السيل في أمر الخيل".

ومنهم من عد في خيله صلى الله عليه وسلم: ذو العقال, والعقال: ضلع يأخذ في قوائم الدابة, قاله الجوهري, وهو بتشديد القاف, وخففها بعضهم أيضاً.

وعد بعضهم [أيضاً] فرسا يقال له: الأبلق, حمل عليه بعض أصحابه.

وكذلك عدوا: اليعسوب, وذكره أبو الطليق معتوق بن أبي بكر الخزاعي الموصلي في أرجوزته التي نظمها في خيول العرب.

واليعسوب أمير النحل وذكرها ثم كثر حتى سموا كل رئيس يعسوباً, قاله ابن سيده في "المحكم", وقال: وقيل: اليعسوب طائر أصغر من الجرادة, عن أبي عبيد, وقيل: أعظم من الجرادة, طويل الذنب يشبه به الخيل.

وقال قاسم بن ثابت في "الدلائل" لكنه زاد: تشبه به الخيل


#46#

والكلاب في الضمر, وليس بيعسوب النحل يعني تسمية الفرس بهذا لا بيعسوب النحل.

وقال ابن سيده أيضاً: واليعسوب غرة في وجه الفرس مستطيلة تنقطع قبل أن تساوي أعلى المنخرين, فإذا أرتفع أيضاً على قصبة الأنف وعرض وأعتدل حتى يبلغ أسفل الخليقاء فهو يعسوب أيضاً قل أو كثر ما لم يبلغ العينين, واليعسوب دائرة في مركض الفرس. انتهى.

وذكر أبو الطليق الموصلي أيضاً في أرجوزته بعد اليعسوب المندوب فقال:

وكان من خيوله المندوب  ...  سماه بحراً وهو اليعبوب.

ذكر أبو عبيد في كتابه "غريب المصنف": اليعبوب: الجواد السهل في عدوه, وقيل: السريع الطويل.

وهو أيضاً البعيد العدو في الجري.

ذكره صاحب "المحكم".


#47#

وأبو الطليق وهم – والله أعلم – في المندوب, وإنما المندوب الذي سماه النبي صلى الله عليه وسلم بحراً فرس لأبي طلحة استعاره النبي صلى الله عليه وسلم فركبه كما صح عن قتادة, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: كان فزع بالمدينة فاستعار النبي صلى الله عليه وسلم فرساً لنا يقال له: مندوب, فقال: «ما رأينا من شيء وإن وجدناه لبحراً», وله طرق.

نعم قال الطبراني في "معجمه الكبير": حدثنا إبراهيم بن متويه الأصبهاني, حدثنا أحمد بن منبه بن عثمان, حدثنا [أبي], عن مروان بن سالم, عن الأعمش, عن زيد بن وهب, عن عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرس يسيح به سيحاً فأعجبه فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنما فرسي هذا بحر».

ويحتمل أن يكون هذا الفرس هو الأدهم المذكور في حديث واثلة بن الأسقع, وقد تقدم والله أعلم.

وأول من وصف الفرس بالبحر فيما ذكره بعضهم: النبي صلى الله عليه وسلم.

وقد جاء أن اليعبوب كان لقباً لليعسوب المذكور قبل.

قال القاسم بن ثابت في "الدلائل" عقب ذكر اليعسوب قال: وروى بعضهم أنه كان يدعى اليعبوب قال: واليعبوب من صفة الفرس, وقد ذكر


#48#

أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم غير ما ذكرنا سبعة أفراس أخر منها: البحر, وتقدم ما يشعر به, ومنها: السجل بكسر السين المهملة بعدها جيم ساكنة, ومنها السحاء بالمهملتين فيما ذكره بعضهم.

وقيده شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني في كتابه "قطر السيل" بفتح الشين المعجمة والحاء المهملة, وجعله من قولهم: فرس بعيد الشحوة: أي بعيد الخطوة.

ومنها: المرواح بكسر الميم وآخره حاء مهملة.

قال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا محمد بن عمر, حدثني أسامة بن زيد, عن زيد بن طلحة التيمي قال: قدم خمسة عشر رجلاً من الرهاويين وهم حي من مذحج على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر, فنزلوا دار رملة بنت الحارث, فأتاهم رسول الله صلى الله عليه وسلم, فتحدث عندهم طويلاً, وأهدوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم هدايا منها فرس يقال له المرواح فأمر صلى الله عليه وسلم به فشور بين يديه فأعجبه, فأسلموا وتعلموا القرآن والفرائض وأجازهم كما كان يجيز الوفد ... وذكر بقيته.

وما ذكر بعد اللحيف من الأفراس مختلف فيها, والمتفق عليه من


#49#

أفراس النبي صلى الله عليه وسلم السبعة التي نظمناها في البيت المذكور قبل, وقد قرنت به بيتين جمعت فيهما أسماء الخيل المختلف فيها فصار ذلك في ثلاثة أبيات وهي:

خيل النبي اتفاقاً سبحة ظرب  ...  سكب لحيف لزاز ورد مرتجز

خلف بيعسوب ذي العقال مرتجل  ...  بحر ملاوح سجل أدهم برزوا

سرحان ذي اللمة السحاء أبلقهم  ...  يعبوب مندوب مرواح بذا حرزوا.

وقد عد بعضهم مع خيل النبي صلى الله عليه وسلم: البراق, وظاهر كلام أبي زكريا النووي رحمه الله الذي تقدم في قصة المعراج عند ذكر البراق يفهم منه اختصاص نبينا صلى الله عليه وسلم بركوب البراق فتعد في مراكبه, ولهذا المعني والله أعلم ذكره شيخنا شيخ الإسلام أبو حفص البلقيني في كتابه "قطر السيل في أمر الخيل" فقال: وأشرف مراكبه صلى الله عليه وسلم البراق وهو الذي ركبه ليلة الإسراء وذكر صفته المشهورة.

ثم قال: وفي رواية وهمية في قصص الأنبياء وجهه كوجه الإنسان, وعرفه كعرف الفرس, وقوائمه كقوائم الإبل, وأظلافه البقر, صدره كأنه ياقوتة حمراء, وظهره كأنه بيضاء, وعليه رحل من رحال الجنة. انتهى.

وهذا من تلفيق القصاص وأغرابهم.

وقال أبو بكر بن أبي عاصم: حدثنا أيوب الوزان, حدثنا زيد بن الحباب, حدثنا عقبة بن عبد الله الرفاعي الأصم, عن عبد الله بن


#50#

بريدة, حدثني عم عامر بن الطفيل: أن عامر بن الطفيل أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً, وكتب إليه عامر أنه قد ظهرت به دبيلة فابعث إلي بدواء من عندك, قال: فرد رسول الله صلى الله عليه وسلم الفرس؛ لأنه لم يكن أسلم, وأهدى إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم عكة من عسل, وقال: «تداووا بهذا».

ورواه الحافظ أبو موسي المديني في كتابه "المستفاد" من طريق ابن منيع, حدثنا شيبان, حدثنا عقبة بن عبد الله .... فذكره.

والرفاعي هذا تالف وحديثه هذا منكر, وعم عامر بن الطفيل هو عامر بن مالك بن جعفر بن كلاب العامري الكلابي أبو براء ملاعب الأسنة, والصحيح أنه لم يسلم فضلاً عن أن يكون له رواية.

والمعروف في هذه القصة ما رواه أبو الحسن محمد بن مقاتل المروزي, عن ابن المبارك, عن معمر, عن الزهري, عن عبد الرحمن ابن كعب بن مالك, عن أبيه رضي الله عنه في رجال من أهل العلم حدثوه: أن عامر بن مالك الذي يقال له ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو بتبوك, فعرض عليه الإسلام فأبى فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنا لا نقبل هدية مشرك» .... وذكر الحديث.


#51#

وقد جاء فيما رواه ابن سعد في "الطبقات" من حديث عبيد الله بن عبد الله بن عتبة وغيره: أن وفد الداريين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من تبوك وهم عشرة نفر فيهم هانئ بن حبيب فأهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم أفراساً وقباء مخوصاً بالذهب, فقبل الأفراس والقباء وأعطاه العباس بن عبد المطلب, فقال: ما أصنع به؟ قال: «تنزع الذهب فتحليه نساءك أو تستنفقه ثم تبيع الديباج فتأخذ ثمنه», فباعه العباس رضي الله عنه من رجل من يهود بثمانية آلاف درهم.


#52#

وقال الطبراني في "معجمه الأوسط": حدثنا أحمد بن إبراهيم, حدثنا سليمان بن عبد الرحمن, حدثنا الصلت, حدثنا سفيان الثوري, عن ابن عون, عن الحسن, عن عمران بن الحصين: أن عياض بن حمار النهشلي أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً فقال: «إني أكره زبد المشركين».

ذكر الطبراني أنه لم يروه عن سفيان إلا الصلت, تفرد به سليمان بن عبد الرحمن.

وخرجه أيضاً في "معجمه الصغير".

وخرج أبو داود في "سننه" من حديث قتادة, عن يزيد بن عبد الله ابن الشخير, عن عياض بن حمار قال: أهديت للنبي صلى الله عليه وسلم ناقة فقال «أسلمت؟» قلت: لا.

فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني نهيت عن زبد المشركين».

وخرجه الترمذي وقال: حسن صحيح.

وخرجه أبو محمد عبد الله بن علي بن الجارود في كتابه "المنتقى في الأحكام" فقال: حدثنا محمد بن يحيى, حدثنا عمرو بن مرزوق,


#53#

أخبرنا عمران, عن قتادة, عن يزيد بن عبد الله بن الشخير, عن عياض ابن حمار المجاشعي [أنه] أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم ناقة أو قال هدية فقال له: أسلمت؟) فقال: لا.

قال: «إني نهيت عن زبد المشركين».

تابعه إبراهيم الحربي في كتابه "الهدايا" وأبو بكر بن أبي خيثمة في "تاريخه" عن عمرو بن مرزوق.

وقال إبراهيم الحربي في كتاب "الهدايا": حدثنا عبد الله, حدثنا حماد, حدثنا أبو التياح, عن الحسن: أن عياض بن حمار أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم [هدية وكان حرمي رسول الله صلى الله عليه وسلم] في الجاهلية, فردها عليه, وقال: «إنا لا نقبل زبد المشركين» الحرمي النذيل.

وقال أيضاً: حدثنا علي بن مسلم, حدثنا عبد الصمد, عن أبيه, حدثنا أبو التباح, عن الحسن: أن عياضاً كان حرمي رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجاهلية, فلما بعث أتاه بناقة يهديها إليه, فقال: «ما هذا؟» قال:


#54#

أهديتها لك, قال: «أهل أسلمت؟» قال: لا, قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إنه حرم علينا زبد المشركين».

وقال أيضاً: وحدثنا عبد الله, حدثنا يزيد, عن ابن عون, عن الحسن قال: كان رجل يقال له عياض يخالط النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يبعث, فلما بعث أتاه بهدية فقال: «أسلمت؟» أو «هل كنت أسلمت؟» قال: لا, قال: «إنه لا يجل لنا زبد المشركين» قلت للحسن: ما الزبد؟ قال: الرفد.

وقال: حدثنا سعيد بن سليمان, حدثنا هشيم, عن منصور, عن ابن عون, عن الحسن: أن عياض بن حمار كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة قبل أن يبعث, فلما بعث أهدى إليه هدية فلم يقبلها وقال: «إنا لا نقبل زبد المشركين».

وقال ابن سعد في "الطبقات" في ترجمة عياض هذا: وفد على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم ومعه نجيبة يهديها له فقال: «أسلمت؟» قال: لا, قال: «فإن الله نهانا أن نقبل زبد المشركين» قال: فأسلم فقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه.

وما ذكر ابن سعد ذكره ابن الكلبي في "الجمهرة": أن عياض بن حمار وفد على النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يسلم ومعه نجيبة يهديها له, فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أسلمت؟» قال: لا.

قال: «فإن الله نهاني أن أقبل زبداً من المشركين» والزبد: الهدية, فأسلم فقبلها منه.


#55#

وفي "الجمهرة" أيضاً أن مرادس بن مويلك بن مالك بن رباح بن ثعلبة الغنوي وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم وأهدى له فرساً.

وقال ابن سعد في "الطبقات": أخبرنا عبد الله بن محمد بن أبي شيبة, حدثنا عيسي بن يونس, عن أبيه, عن جده, عن ذي الجوشن الضبابي قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ من بدر فقلت: إني أتيتك بابن القرحاء فخذه, وكان يومئذ مشركاً, فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا, وإن شئت أن أقيضك به المختار من دروع بدر فعلت» فقلت: ما كنت لأقضيك اليوم فرساً بدرع.

قال ابن سعد: قال محمد بن عمرو: أسلم بعد ذلك وتحول إلى الكوفة فنزلها وهو أبو شمر بن ذي الجوشن الذي شهد قتل الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه.

والحديث في "سنن أبي داود" عن مسدد, عن عيسي بن يونس به, ولفظه: عن ذي الجوشن رجل من الضباب قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن فرغ من أهل بدر بابن فرس يقال لها: القرحاء, فقلت: يا محمد, إني قد جئتك بابن القرحاء لتتخذه فقال: «لا حاجة لي فيه, فإن شئت أقيضك به المختارة من دروع بدر فعلت».


#56#

قلت: ما كنت لأقيضه اليوم بغرة. قال: «فلا حاجة لي فيه».

وحدث به إبراهيم الحربي في كتاب "الهدايا" فقال: حدثنا الحكم بن موسي, حدثنا عيسي بن يونس, قال أبي: أخبرني عن أبيه, عن ذي الجوشن الضبابي ... فذكره.


#57#

&[بغاله صلى الله عليه وسلم]&

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم بغلتان على المشهور: إحداهما: البيضاء وتدعى فضة، أهداها له فروة بن عمرو الجذامي، [ووهبها لأبي بكر رضي الله عنه.

ذكره الواقدي] عن أبي بن بكر بن عبدالله بن أبي سبرة، عن زامل ابن عمرو الجذامي.

[وروى ابن سعد عن الواقدي]، حدثني معمر، عن الزهري قال: دلدل أهداها له فروة بن عَمْرو الجذامي.

تابعه هارون بن مسلم عن الواقدي نحوه، وزاد في آخره: وحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها القتال يوم حنين.

وقال أبو الحسين عبد الوهاب بن الحسن الكلابي: حدثنا عبد الرحمن – يعني ابن إسماعيل الكوفي – حدثنا علي بن سهل، حدثنا مؤمل بن إسماعيل، حدثنا عمارة بن زاذان، عن ثابت، عن أنس


#58#

رضي الله عنه قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين على بغلة بيضاء يقال لها: دلدل، فلما انهزم المسلمون قال النبي صلى الله عليه وسلم لبغلته: «البدي دلدل» فوضعت بطنها على الأرض، فأخذ كفا من تراب فرمى به في وجوههم وقال: «حم لا ينصرون» فولى القوم وما ضرب بسيف، ولا طعن برمح، ولا رمى بسهم.

وخرج مسلم في "صحيحه" من حديث كثير بن عباس بن عبد المطلب قال: قال عباس:: شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين فلزمت أنا وأبو سفيان بن الحارث رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم نفارقه، ورسول الله صلى الله عليه وسلم على بغلة له بيضاء أهداها له فروة بن نفاثة الجذامي ... الحديث.

وفروة مختلف في اسم أبيه، وقد تقدم عَمْرو، وجاء هنا نفاثة، [وقيل


#59#

فيه: ثباتة، وقيل: نعامة.

وقال أبو الفتح الأزدي في كتاب "الأسماء المفردة" في حرف القاف: قردة ابن نفاثة] السكوني، وهكذا أورده ابن شاهين في الصحابة في حرف القاف أيضا.

قال أبو موسى المديني: وهو تصحيف، وإنما هو فروة بالفاء. انتهى.

وقال أبو عبيد الله المرزباني في "معجم الشعراء" قرة بن النافرة الجذامي وهي أمه.

كذا ذكره في حرف القاف من المعجم، والصواب: فروة كما تقدم، والله [تعالى] أعلم.

والبغلة الأخري أهداها له المقوقس، قال إبراهيم الحربي في كتاب "الهدايا": حدثنا أبو بكر، حدثنا وكيع وعلي بن مسلم، حدثنا عبيد الله، عن موسى بن عبيدة، عن سعد بن إبراهيم: أن المقوقس


#60#

أهدى لرسول الله صلى الله عليه وسلم جارية وبغلة وحلة من حرير، وهو عظيم الإسكندرية.

وقال أيضا: حدثنا خالد بن خداش، حدثنا حاتم بن إسماعيل، حدثني بشير بن مهاجر، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه أن أمير القبط أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم جاريتين أختين وبغلة، فكان يركب البغلة وأعد إحدى الجاريتين لنفسه، ووهب الأخرى لحسان.

قيل: هذه البغلة التي كانت تسمى الدلدل بالمهملتين، ويقال أيضا بالمعجمتين والأول المشهور.

قال قاسم بن ثابت في "الدلائل": وأسمى صلى الله عليه وسلم بغلته بالدلدل، وهو شيء أعظم من القنفذ ذو شوك طوال، فإن كان أسماها به لمعنى أشبهه به وإلا فإنما أسماها دلدلا لتدلدلها في السير، ويقال: جاء القوم دلدلا: أي يتدلدلون بين الركبان، لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء، فإن كان مأخوذا من هذا فإنه من التدلدل في السير، وهو النهوض والاضطراب.


#61#

قال أبو معدان الباهلي:

جاء الحزائم والزبائن دلدلا  ...  لا سابقين ولا مع الركبان

فعجبت من عوف وماذا كلفت  ...  وتجيء عوف آخر الفرسان

وهي أول بغلة رؤيت في الإسلام، وكانت شهباء، وكان يركبها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأسفار، وبقيت بعده إلى زمن معاوية رضي الله عنه حتى زالت أضراسها، فكان يجش لها الشعير ووقعت في قفيز بينبع فماتت.

ذكره بنحوه سُلَيْمان بن بلال، عن علقمة بن أبي علقمة من بلاغاته.

وقال يحيى بن آدم: حدثنا يونس، عن محمد بن إسحاق، عن رجل قال: رأيت بغلة النبي صلى الله عليه وسلم في منزل عبد الله بن جعفر يجش أو يدق لها الشعير، وقد ذهبت أسنانها.

وقال هارون بن مسلم: حدثنا محمد بن عمر، حدثني موسى بن


#62#

محمد بن إبراهيم التيمي، عن أبيه قال: [كانت] دلدل بغلة رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حياة أبي بكر وعمر وعثمان حتى كان زمن معاوية وكانت مع علي رضي الله عنه وشهد عليها القتال يوم النهروان حيث قاتل الخوارج.

وقال الحجاج بن دينار: حدثنا أبو هاشم صاحب الرمان، عن سالم بن أبي الجعد، عن الأصبغ بن نباتة قال: لما قتل علي رضي الله عنه أهل النهروان ركب بغلة النبي صلى الله عليه وسلم الشهباء.

وقال حماد بن إسحاق: حدثنا حيان بن بشر، حدثنا يحيى بن آدم، عن معاوية، عن الأعمش، عن زيد بن وهب قال: لما لقي علي الخوارج يوم النهروان جاء على بغلة النبي صلى الله عليه وسلم البيضاء.

ورواه يحيى بن آدم أيضا [عن فطر]، عن أبي القعقاع قال: رأيت عليا على بغلة النبي صلى الله عليه وسلم الشهباء يطوف بين القتلى، ثم ردت البغلة بعد علي إلى المدينة.

وجاء أن هذه البغلة ركبها بعد علي ابنه الحسن، ثم الحسين، ثم محمد ابن الحنفية فكبرت وعميت فدخلت مبطخة فرماها رجل بسهم فقتلها.


#63#

حكاه أبو الحسن علي بن الأثير.

المبطخة بفتح الميم وسكون الموحدة وفتح الطاء المهملة والخاء المعجمة موضع البطيخ، وحكي بضم الميم.

وقال إبراهيم الحربي في كتاب "الهدايا": حدثنا عبيد الله، حدثنا يزيد بن زريع، حدثنا محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عبد العزيز بن الصعبة، عن أبي أفلح الهمداني، عن عبد الله بن زرير الغافقي سمعت عليا يقول: أهدى يوحنا بن روزنة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلته البيضاء.

وروي أن صاحب دومة الجندل أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء وجبة سندس.


#64#

رواه ابن سعد في "الطبقات" عن عَمْرو عن عاصم، عن سُلَيْمان بن المغيرة، عن حميد بن هلال من قوله.

وقال أبو الشيخ ابن حبان الأصبهاني في كتابه "أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم": حدثنا إبراهيم بن علي، حدثنا محمد بن زياد الزيادي، حدثنا سفيان، عن الزهري، عن [عبيد الله بن] عبد الله، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال أهدى النجاشي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة [فكان يركبها، وبعث إليه بقدح فكان يشرب فيه.

وأهدى ابن العلماء صاحب أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة] في غزاة تبوك فيما ثبت في "صحيح مسلم" من حديث أبي حميد الساعدي رضي الله عنه.


#65#

وهو في "صحيح البخاري" غير مسمى ولفظه: أهدى ملك أيلة للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة بيضاء. الحديث.

ذكر أبو الحسن بن الأثير أنه يقال لها الأيلية وكانت محذوفة طويلة فكانت تعجبه.

ويروى أن كسرى أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم بغلة:

قال أحمد بن شيبان الرملي: حدثنا عبد الله بن ميمون القداح، عن شهاب بن خراش، عن عبد الملك بن عمير، عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال: أهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة أهداها كسرى فركبها بجل من شعر، ثم أردفني خلفه، ثم سار بي مليا، ثم التفت إلي فقال:

«يا غلام» قلت: لبيك يا رسول الله قال: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده أمامك ..»  الحديث.

خرجه الحاكم أبو عبد الله في "مستدركه" وقال: وهذا حديث كبير عال من حديث عبد الملك بن عمير، عن ابن عباس، إلا أن الشيخين لم يخرجا شهاب بن خراش ولا القداح في "الصحيحين".

قال الذهبي في "اختصار المستدرك": قلت: لأن القداح قال أبو حاتم: متروك، والآخر مختلف فيه، وعبد الملك لم يسمع من ابن عباس فيما أرى انتهى.


#66#

قلت: لم يذكر البخاري في "تاريخه الكبير" في شهاب بن خراش بن حوشب هذا جرحا، وقال عن القداح: ذاهب الحديث.

وقد جاء الحديث من طريق أخرى إلى ابن عباس رضي الله عنهما حدث به ابن سعد في "الطبقات" عن علي بن يزيد الصدائي، عن عبد القدوس، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم بغلة شهباء، فهي أول شهباء كانت في الإسلام، فبعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى زوجته أم سلمة، فأتيته بصوف وليف، ثم فتلت أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم رسنا وعذارا ثم دخل البيت فأخرج عباءة مطرفة فثناها، ثم ربعها على ظهرها، ثم سمى وركب، ثم أردفني خلفه.

فعلى ما ذكرناه تكون بغال النبي صلى الله عليه وسلم خمسا.

وقال ابن القيم في كتابه "الهدي": وأما البغال فالمعروف أنه كان عنده منها بغلة واحدة،  وذكر في موضع آ خر من الكتاب نحوا من خمس.


#67#

وقال أبو عَمْرو عثمان بن أحمد بن السماك: أخبرنا يونس، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب: أن عامر بن مالك ملاعب الأسنة قدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشرك فعرض عليه أن يسلم فأبى وأهدى إليه بغلة فردها وقال: «لا أقبل هدية مشرك».

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا يزيد، أخبرنا إسرائيل، عن ثوير بن أبي فاختة، عن أبيه، عن علي رضي الله عنه قال: أهدى كسرى لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقبل منه، وأهدى له قيصر فقبل منه، وأهدت له الملوك فقبل منها.


#68#

&[ما ورد في حمره صلى الله عليه وسلم]&

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم حمار يقال له: عفير، ويقال: يعفور.

وقيل هما اثنان على ما سيأتي إن شاء الله تعالى.

وهو مأخوذ من الصفرة في اللون، وهو أن يضرب في غبرة إلى حمرة كلون الظبي الأعفر الذي يألف الرمل.

وقيل: سمي بذلك تشبيها في عدوه باليعفور وهو الظبي، وقيل الخشف، وذكر بعضهم أن عفيرا كان أخضر.


#69#

وحدث ابن سعد عن الواقدي، حدثنا موسى بن محمد بن إبراهيم، عن أبيه قال: كانت دلدل بغلة النبي صلى الله عليه وسلم أول بغلة رؤيت في الإسلام أهداها له المقوقس وأهدى معها حمارا يقال له عفير، وكانت البغلة قد بقيت حتى كان زمن معاوية رضي الله عنه.

تابعه هارون بن مسلم عن الواقدي.

وحدث ابن سعد أيضا عن يعقوب بن إسحاق الحضرمي، حدثني يزيد بن عطاء البزار، أخبرنا أبو إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد الله بن مسعود، عن أبيه قال: كانت الأنبياء عليهم الصلاة والسلام يلبسون الصوف ويحلبون الشاة ويركبون الحمار، وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم حمار يقال له: عفير.

خالفه علي بن عابس فرواه عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد الله مرفوعا قال: «كانت الأنبياء عليهم السلام يلبسون الصوف ويحلبون الشاة ويركبون الحمار»، ولم يذكر ما بعده؛ لأن يزيد بن عطاء تفرد بذلك، لم يتابع عليه فيما ذكره الدارقطني في كتابة "العلل".


#70#

وقال أحمد في "مسنده": حدثنا إسحاق بن إبراهيم الرازي، حدثنا سلمة بن الفضل، حدثني محمد بن إسحاق، عن يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله اليزني، عن عبد الله بن زرير الغافقي، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يركب حمارا اسمه عفير.

وحدث ابن سعد عن الواقدي، عن أبي بكر بن عبد الله بن أبي سبرة، عن زامل بن عَمْرو قال: أهدى فروة بن عَمْرو إلى النبي صلى الله عليه وسلم بغلة يقال لها: "فضة" فوهبها لأبي بكر وحماره يعفور، فنفق منصرفه من حجة الوداع.

تابعة هارون بن مسلم عن الواقدي.

فعلى هذا كان له حماران: "عفير" أهداه له المقوقس، و"يعفور" أهداه له فروة الجذامي، و قيل فيهما بالعكس.

وذكر القاضي عياض رحمه الله في كتابه "الشفا" أن النبي صلى الله عليه وسلم أصاب حمارا بخيبر وقال له: اسمي يزيد بن شهاب، فسماه النبي صلى الله عليه وسلم يعفورا، وأنه كان يوجهه إلى دور أصحابه فيضرب عليهم الباب برأسه ويستدعيهم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم لما مات تردى في بئر جزعا وحزنا فمات.


#71#

وهذا الحديث الذي ذكره القاضي عياض مختصرا رواه أبو طاهر المخلص فقال: حدثني أبو الحسن الأسدي ابن عم بشر بن موسى، حدثنا أبو جعفر محمد بن مزيد، حدثنا عبد الله بن محمد بن عبيد ابن أبي الصهباء، حدثنا أبو حذيفة موسى بن مسعود، عن عبد الله بن حبيب الهذلي، عن أبي عبد الله السلمي، عن أبي منظور؛ قال: لما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم خيبر أصابه من سهمه أربعة أزواج نعال، وأربعة أزواج خفاف، وعشر أواقي ذهب وفضة، وحمار أسود مكتل، قال: فكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمار فكلمه الحمار فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما اسمك؟» قال يزيد بن شهاب، أخرج الله عز وجل من نسل جدي ستين حمارا كلهم لم يركبهم إلا نبي، قد كنت أتوقعك أن تركبني، لم يبق من نسل جدي غيري، ولا من الأنبياء غيرك، قد كنت قبلك لرجل يهودي، وكنت أتعثر به عمدا، وكان يجيع بطني ويضرب ظهري، قال:


#72#

فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: «فأنت يعفور، يا يعفور» قال: لبيك، قال: «أتشتهي الإناث؟» قال لا: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يركبه في حاجته وإذا نزل عنه بعث به إلى باب الرجل فيأتي الباب فيقرعه برأسه، فإذا خرج إليه صاحب الدار أومأ إليه أن أجب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاء إلى بئر كانت لأبي الهيثم بن التيهان فتردى فيها جزعا [منه] على رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت قبره.

هذا حديث غريب متنا مجهول إسنادا أدخله ابن الجوزي في كتابه في "الموضوعات" وصرح بوضعه.

وخرج أبو داود في "سننه" من حديث الوليد بن مسلم، حدثنا الأوزاعي سمعت يحيى بن أبي كثير، حدثني محمد بن عبد الرحمن بن أسعد بن زرارة، عن قيس بن سعد قال: زارنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في منزلنا فقال: «السلام عليكم ورحمة الله» فرد سعد ردا خفيا، قال قيس: فقلت: ألا تأذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذره يكثر علينا من السلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السلام عليكم ورحمة الله» فرد سعد ردا خفيا، ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «السلام عليكم ورحمة الله».

ثم رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم واتبعه سعد فقال: يا رسول الله، إني كنت


#73#

أسمع تسليمك وأرد عليك ردا خفيا لتكثر علينا من السلام، قال: فانصرف مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمر له سعد بغسل فاغتسل، ثم ناوله ملحفة مصبوغة بزعفران أو ورس فاشتمل بها، ثم رفع رسول الله صلى الله عليه وسلم يديه وهو يقول: «اللهم اجعل صلواتك ورحمتك على آل سعد بن عبادة» قال: ثم أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطعام، فلما أراد الانصراف قرب له سعد حمارا قد وطأ عليه بقطيفة فركب رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال سعد: يا قيس، اصحب رسول الله صلى الله عليه وسلم قال قيس: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «اركب» فأبيت ثم قال: «إما أن تركب وإما أن تنصرف».

وفي رواية غير أبي داود: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد الانصراف أتي بحمار عليه قطيفة فأرسل معه ابنه - يعني قيسا ليرد الحمار: «احمله بين يدي» فقال سعد: سبحان الله! قال: «نعم، هو أحق بصدر حماره» قال: هو لك يا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «فاحمله إذن خلفي».

وقال عبد الله بن وهب: أخبرني حيوة بن شريح، عن عبد العزيز بن مليل، عن عبد الرحمن بن أبي أمية: أن حبيب بن سلمة أتى قيس بن سعد بن عبادة رضي الله عنهما في الفتنة الأولى وهو على فرس، فتأخر له عن السرج، فقال له «اركب» وأبى أن يركب، فقال قيس: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «صاحب الدابة أحق بصدرها».


#74#

وقال الحسين بن واقد: حدثني عبد الله بن بريدة سمعت أبي بريدة يقول: بينا النبي صلى الله عليه وسلم [يمشي إذا جاء ومعه حمار فقال: يا رسول اركب، وتأخر الرجل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم]: «أنت أحق بصدر دابتك إلا أن تجعله لي» قال جعلته لك، قال: فركب.

خرجه أبو داود والترمذي، وقال: هذا حديث حسن غريب من هذا الوجه.

فعلى ما ذكرناه إن جعلنا ضمير "تجعله لي" عائدا إلى الحمار يكون قد دخل في ملك النبي صلى الله عليه وسلم خمس من الحمر، والله أعلم.

وقال أبو سعيد الخليل بن أحمد السجزي في كتابه "الآداب والمواعظ": أخبرنا ابن صاعد، وهو أبو محمد يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا الحسن بن عبد الرحمن، حدثنا معاذ بن العنبري، عن حبيب بن الشهيد، عن عبد الله بن بريدة، عن أبيه، عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وسلم بدابة ليركبها، فقال: «يا معاذ صاحب


#75#

الدابة أحق بصدرها» قال فقلت: هي لك يا رسول الله قال: فركب وأردفني صلى الله عليه وسلم.


#76#

&[ما ورد في إبله صلى الله عليه وسلم]&

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم من الإبل ناقته "القصواء" التي أخذها من أبي بكر رضي الله عنه بأربعمائة درهم.

وهي بفتح القاف مع المد، وجماعة من أهل الحديث يقولون: "القصوى" بضم القاف مع القصر، فيما ذكره الحافظ أبو موسى المديني.

حدث محمد بن سعد، عن محمد بن عمر – هو الواقدي – حدثني موسى (ابن محمد بن إبراهيم) التيمي، عن أبيه قال: كانت القصواء من نعم بني الخريش ابتاعها أبو بكر وأخرى معها بثمانمائة درهم فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم منه بأربعمائة درهم، فكانت عنده حتى نفقت، وهي التي هاجر عليها، وكانت حين قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم رباعية، وكان اسمها القصواء والجدعاء والعضباء.

حدث به ابن سعد في "الطبقات".


#77#

وهذا هو المشهور.


#78#

وقال أبو محمد بن قتيبة: كانت للنبي صلى الله عليه وسلم نوق: القصواء والجدعاء والعضباء.

وخالفه الجمهور منهم أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب فقال: هذه أسماء لناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم تكن جدعاء ولا مقصوة.

وممن قال ذلك من المتقدمين محمد بن إبراهيم التيمي أحد التابعين الأئمة: أن العضباء والقصواء والجدعاء اسم لناقة واحدة كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدمت الرواية عنه بذلك.

وقيل: لقبت بالعضباء لنجابتها.

وقد جاء لها صفات أخر منها ما روي في بعض طرق حجة الوداع في خطبته صلى الله عليه وسلم يوم النحر أنه خطب على ناقة خرماء.

وفي رواية: على ناقة مخضرمة.

والعضب والجدع والخرم والقصو والخضرمة في الأذن قاله


#79#

الحربي. والقصواء التي قطع طرف أذنها والجدع أكثر منه، قاله ابن الأعرابي.

والعضباء المشقوقة الأذن، وقيل: المثقوبة الأذن.

وقال الزمخشري: هو منقول من قولهم: ناقة عضباء وهي قصيرة اليد انتهى.

والخرم يكون في الأذن ويكون في الأنف وأصله الثقب والشق.

وقال الزبيدي في "مختصر العين" وناقة مخضرمة مقطوعة إحدى الأذنين.

وروي عن ابن أبي ذئب، عن يحيى بن يعلى، عن سعيد بن المسيب قال: كان اسمها العضباء، وكان في طرف أذنها جدع.

رواه ابن سعد عن الواقدي، عن ابن أبي ذئب.

وثبت في "صحيح مسلم" من حديث أيوب [هو] السختياني، عن أبي قلابة، عن أبي المهلب، عن عمران بن حصين رضي الله عنهما قال: كانت ثقيف حلفاء لبني عقيل، فأسرت ثقيف رجلين من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأسر أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا من بني عقيل وأصابوا معه


#80#

العضباء، فأتى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في الوثاق، فقال: يا محمد، فأتاه، فقال: «ما شأنك؟» فقال: بم أخذتني، وبم أخذت سابقة الحاج؟ قال: إعظاما، لذلك: «أخذتك بجريرة حلفائك ثقيف» ثم انصرف عنه، فناداه فقال: يا محمد، يا محمد، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم رحيما رقيقا فرجع إليه فقال: «ما شأنك؟» قال: إني مسلم، قال: «لو قلتها وأنت تملك أمرك أفلحت كل الفلاح» ثم انصرف، فناداه فقال: يا محمد، يا محمد، فأتاه فقال: «ما شأنك؟» قال: إني جائع فأطعمني، وظمآن فاسقني قال: «هذه حاجتك» ففدي بالرجلين، قال: وأسرت امرأة من الأنصار وأصيبت العضباء فكانت المرأة في الوثاق، وكان القوم يريحون نعمهم بين يدي بيوتهم، فانفلتت ذات ليلة من الوثاق فأتت الإبل فجعلت إذا دنت من البعير رغا فتتركه حتى تنتهي إلى العضباء فلم ترغ، قال: وناقة منوقة فقعدت في عجزها ثم زجرتها فانطلقت ونذروا بها فطلبوها فأعجزتهم، قال: ونذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها، فلما قدمت المدينة رآها الناس فقالوا: العضباء، ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إنها نذرت إن نجاها الله عليها لتنحرنها فأتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له فقال: «سبحان الله، بئسما جزتها نذرت لله إن نجاها الله عليها لتنحرنها، لا وفاء لنذر في معصية ولا فيما لا يملك العبد».


#81#

رواه عن أيوب جماعة منهم إسماعيل بن علية وهذا لفظه، وحماد بن زيد وعبد الوهاب الثقفي.

وهذه الناقة كانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود فسبقها، كما صح من حديث حميد، عن أنس قال: كانت ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم تسمى العضباء وكانت لا تسبق فجاء أعرابي على قعود له فسبقها، فاشتد ذلك على المسلمين وقالوا: سبقت العضباء، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن حقا على الله عز وجل أن لا يرفع شيئا من الدنيا إلا وضعه».

والحديث له طرق منها ما قال إبراهيم بن المنذر الحزامي: حدثني معن بن عيسى حدثنا مالك بن أنس، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيب، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن القصواء ناقة رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت لا تدفع في شيء إلا سبقت، فدفعت يوما فسبقت، وكانت على المسلمين كآبة أن سبقت فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الناس إذا رفعوا أو أرادوا رفع شيء وضعه الله».

تابعه جماعة منهم علي بن المديني عن معن مثله موصولا.

ورواه ابن القاسم وسعيد بن داود الزنبري وسويد الأنباري وغيرهم عن مالك، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب مرسلا.

قال القاضي عياض في "الشفا": وقد روي في قصة العضباء


#82#

وكلامها للنبي صلى الله عليه وسلم وتعريفها له بنفسها، ومبادرة العشب إليها في الرعي، وتجنب الوحوش عنها وندائهم لها: إنك لمحمد صلى الله عليه وسلم، وأنها لم تأكل ولم تشرب بعد موته صلى الله عليه وسلم حتى ماتت، ذكره الإسفراييني. انتهى.

وروي عن قدامة بن عبد الله رضي الله عنه قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يرمي على ناقته صهباء.

الصهباء: الشقراء.

وكان له صلى الله عليه وسلم جمل يقال له الثعلب، ذكر أبو إسحاق أحمد بن محمد بن إبراهيم الثعلبي في "تفسيره": أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث يوم الحديبية خراش بن أمية بن الفضل الخزاعي قبل عثمان إلى قريش بمكة وحمله على جمل له يقال له: الثعلب ليبلغ أشرافهم عنه ما جاء له، فعقروا جمل رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرادوا قتله، فمنعته الأحابيش، فخلوا سبيله، وهو الذي حلق رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية.

وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم غنم في بدر جمل أبي جهل بن هشام في أنفه برة من فضة وكان مهريا يغزو عليه ويضرب في لقاحه، وكان في جملة هديه عام الحديبية، ليغيظ بذلك المشركين.


#83#

رواه مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنهما.

وجاء عن عمر بن هارون المخزومي، عن كثير بن هشام، عن عبد الملك بن عمير: أنه كان للنبي صلى الله عليه وسلم جمل اسمه عسكر.


#84#

&[لقائحه صلى الله عليه وسلم من الإبل]&

وكان للنبي صلى الله عليه وسلم عشرون لقحة بالغابة، وهي على بريد من المدينة على طريق الشام:

قال هارون بن مسلم: حدثنا محمد بن عمر قال: وحدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله بن أبي رافع قال: وكانت لقائح رسول الله صلى الله عليه وسلم التي أغار عليها القوم بالغابة قد بلغت عشرين لقحة، وكانت التي يعيش بها آل محمد صلى الله عليه وسلم يراح إليهم كل ليلة بقربتين عظيمتين من لبن، وكان فيها لقاح غزر: الحناء والسمراء والعريسس والسعدية والبغوم واليسيرة.

تابعه ابن سعد في "الطبقات" عن محمد بن عمر بنحوه وزاد في آخره بعد اليسيرة فقال: والريا، وكان صلى الله عليه وسلم فرقها على نسائه.

وحدث هارون بن مسلم، عن محمد بن عمر – هو الواقدي – حدثني هارون بن محمد بن سالم مولى حويطب، عن أبيه، عن نبهان


#85#

مولى أم سلمة سمعت أم سلمة تقول: كان عيشنا – مع رسول الله صلى الله عليه وسلم اللبن - أو أكثر عيشنا كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقائح بالغابة فكان قد فرقها على نسائه فكانت لي لقحة [تحلب] غزيرة يقال لها: "العريس" وكنا منها فيما شئنا من اللبن، وكانت لعائشة لقحة تدعى: "السمراء" ولم تكن كلقحتي فكانا تحلبان فتوجد لقحتي أغزر منها بمثل لبنها وثلثه.

تابعه محمد بن سعد عن محمد بن عمر بنحوه.

وهذه اللقاح (التي كانت بالغابة هي) التي أغار عليها عيينة بن حصن فيما قيل في أربعين فارسا، فاستاقوها، وقتلوا ابن أبي


#86#

دريم، ركب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حتى انتهوا إلى ذي قرد، وهو ماء على نحو يوم من المدينة مما يلي بلاد غطفان فاستنقذوا منها عشرا وأفلت القوم بما بقي.

وقيل: بل استنقذها كلها منهم سلمة بن الأكوع رضي الله عنه حين يقول: ما خلق الله شيئا من ظهر النبي صلى الله عليه وسلم إلا خلفتها وراء ظهري واستنفذتها منهم، وذلك في ربيع الأول سنة ست.

وقال هارون بن مسلم: حدثني محمد بن عمر، حدثني عبد السلام ابن موسى بن جبير، عن أبيه قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم [سبع] لقائح تكون بذي الجدر، ولقائح تكون بالجماء، وكان كرز بن جابر أغار عليها


#87#

من الجماء، وكن يومئذ ثلاث لقائح مع سرح لقحة من اللقائح التي بذي الجدر تدعى "مهرة"، ولقحة تدعى: "الشقراء"، ولقحة تدعى: "الريا"، وكانت مهرة أرسل بها سعد بن عبادة من نعم بني عقيل وكانت غزيرة، وكانت الشقراء والريا ابتاعها بسوق النبط من المدينة من بني عامر، وكن يحتلبن ويسرح إليه بألبانها كل ليلة فيشربه أهله وأضيافه، فلما كانت اللقاح بذي الجدر أغار عليها العرنيون سبع لقاح فيها غلام للنبي صلى الله عليه وسلم يقال له يسار الذي أصابه في بني عبد بن ثعلبة فأعتقه، وهو نوبي فقتلوه يومئذ.

وذو الجدر المذكور بناحية قباء قريب من عير على ستة أميال من المدينة.

وقال هارون بن مسلم: حدثنا محمد بن عمر, حدثني سُلَيْمان بن بلال, عن يحيى بن سعيد, عن سعيد بن المسيب قال: لما أمسى رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يأته لبن لقاحه قال: «عطش الله من عطش آل محمد الليلة».


#88#

تابعه ابن سعد, عن محمد بن عمر.

وكان لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقحة تدعى بردة تحلب ما تحلب لقحتان غزيرتان أهداها له الضحاك بن سفيان الكلابي.

قال ابن سعد: أخبرنا محمد بن عمر قال: حدثني موسى بن عبيدة, عن ثابت مولى أم سلمة, عن أم سلمة قالت: أهدى الضحاك ابن سفيان الكلابي لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقحة تدعى: "بردة" لم أر من الإبل شيئاً أحسن منها وتحلب ما تحلب لقحتان غزيرتان وكانت تروح على أبياتنا ترعاها هند وأسماء يعتقبانها بأحد مرة وبالجماء مرة, ثم يأوي بهما إلي منزلنا ومعه ملء ثوبه مما يسقط من الشجر, وما يهش من الشجر, فتبيت في علف حتى الصباح, فربما حلبت على أضيافه فيشربون حتى ينهلوا غبوقاً ويفرق علينا بعد ما فضل وحلابها صبوحاً حسن.

ورواه هارون بن مسلم بنحوه, عن الواقدي.

وقيل: كان له صلى الله عليه وسلم أيضاً لقحة تسمى: الحفدة, ولقحة تسمى: مروة.


#89#

&[منائحه صلى الله عليه وسلم من الضأن والمعز]&

وكانت منائح رسول الله صلى الله عليه وسلم من الغنم سبعاً:

قال هارون بن مسلم: حدثنا محمد بن عمر قال: قال عبد الملك بن سُلَيْمان بن أبي المغيرة, عن محمد بن عبد الله بن الحصين قال: كانت منائح رسول الله صلى الله عليه وسلم ترعى بأحد وتروح كل ليلة على بيته في البيت الذي يدور فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وحدث به ابن سعد عن محمد بن عمر.

وحدث عنه أيضاً قال: حدثني زكريا بن يحيى, عن إبراهيم بن عبد الله ابن ولد عتبة بن غزوان قال: كانت منائح رسول الله صلى الله عليه وسلم سبعاً: عجوة وزمزم وسقيا وبركة وورسة وأطلال وأطراف.

وكان له صلى الله عليه وسلم فيما قيل شاة تدعى: غوثه وقيل: غيثة, كان صلى الله عليه وسلم يختص بشرب لبنها, وشاة أخرى تسمى: قمر.

قال ابن سعد: حدثنا الأسود بن عامر والهيثم بن خارجة, قالا:


#90#

حدثنا يحيى بن حمزة, عن زيد بن واقد والنعيمان, عن مكحول أنه سئل عن جلد الميتة قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم شاة تسمى: قمر, ففقدها يوماً فقال: «ما فعلت قمر؟» قالوا: ماتت يا رسول الله [قال]: «فما فعلتم بإهابها؟» قالوا: ميتة فقال: «دباغها طهورها» لم يذكر الهيثم في حديثه النعمان وقال في حديثه: عن زيد, عن مكحول.

وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم عنز تدعى: اليمن.

وقال هارون بن مسلم: حدثنا محمد بن عمر, حدثني أبو إسحاق إبراهيم بن سويد الأسلمي, عن عباد بن منصور, عن عكرمة, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: كانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم سبعة أعنز ترعاهن أم أيمن.

تابعه ابن سعد عن محمد بن عمر.

وحدث عنه أيضاً قال: حدثني أبو بكر بن عبد الله بن أبي سبرة, عن مسلم بن يسار, عن وجيهة مولاة أم سلمة قالت: سألت أم سلمة رضي الله عنها هل كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [يبدو؟ قالت: لا والله ما علمته, كانت لنا أعنز سبع, فكان الراعي يبلغ بهن مرة الجماء ومرة أحداً ويروح بهن علينا, وكانت لرسول الله صلى الله عليه وسلم] لقاح بذي الجدر فتئوب إلينا ألبانها بالليل وتكون بالغابة فتئوب إلينا ألبانها بالليل, وكان


#91#

أكثر عيشنا من الإبل والغنم.

وجاء أنه صلى الله عليه وسلم كان له مائة من الغنم فيها منائح وغير منائح, وكان صلى الله عليه وسلم لا يريد أن تزيد, كلما ولد الراعي بهمة ذبح مكانها شاة.

قال أبو داود في "سننه": حدثنا قتيبة بن سعيد في آخرين قالوا: حدثنا يحيى بن سليم, عن إسماعيل بن كثير, عن عاصم بن لقيط بن صبرة, عن أبيه لقيط بن صبرة رضي الله عنه قال: كنت وافد بني المنتفق أو في وفد بني المنتفق إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم] فلم نصادفه في منزله, وصادفنا عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها فأمرت لنا بخزيرة فصنعت لنا, قال: وأتينا بقناع, ولم يقل قتيبة القناع, والقناع: الطبق فيه تمر, ثم جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «هل أصبتم شيئاً أو أمر لكم بشيء؟» قال: قلنا: نعم يا رسول الله.

قال: فبينا نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم جلوس إذ دفع الراعي غنمه إلى المراح ومعه سخلة تيعر قال: «ما ولدت يا فلان؟» قال: بهمة قال: «فاذبح لنا مكانها شاة» ثم قال: «لا تحسبن» ولم يقل: لا تحسبن «أنا من أجلك ذبحناها, لنا غنم مائة, لا نريد أن تزيد, فإذا ولد الراعي بهمة ذبحنا مكانها شاة) ... وذكر الحديث.


#92#

وخرجه ابن حبان في "صحيحه" فقال: أخبرنا عبد الله بن محمد الأزدي, حدثنا إسحاق بن إبراهيم, حدثنا يحيى بن سليم الطائفي ... فذكره بنحوه.

وكان له صلى الله عليه وسلم فيما قيل ديك أبيض.

فهذا جميع ما كان للنبي صلى الله عليه وسلم واقتناه حسبما وقع لنا, ورويناه وأدخلناه في كتابنا هذا, وخرجناه.

قال حماد بن إسحاق بن إسماعيل بن حماد بن زيد في كتابه "تركة النبي صلى الله عليه وسلم" حين ذكر بعض ما ذكرناه: ووقفت هذه الأشياء التي ذكرناه من الأموال التي أفاءها الله عليه صلى الله عليه وسلم, والكسوة والخيل والبغلة والحربة, وما ذكرنا مع ذلك بعد وفاته صلى الله عليه وسلم على أن ذلك كله صدقة [بقوله] صلى الله عليه وسلم: «ما تركنا فهو صدقة» وكانت غلات الضياع تقسم في سبل الخير على ما كان يقسمها صلى الله عليه وسلم في حياته, وأما ما سوى ذلك مثل البغلة والحرية والكسوة والسلاح والسرير فوقف أيضاً يتجمل به الأئمة والمسلمون بعده صلى الله عليه وسلم ويتبركون به كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتجمل به, وكان ذلك في أيدي الأئمة واحداً بعد واحد.

ومما يدل على أنه صلى الله عليه وسلم جعل ما خلف بعده من ذلك صدقات موقوفات


#93#

الأصول غير مقسومة أصوله من الرواية ما جاء في حديث مالك بن أنس,  عن أبي الزناد, عن الأعرج, عن أبي هريرة رضي الله عنه الذي ذكرنا في هذا الكتاب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تقتسم ورثتي ديناراً ما تركت بعد نفقة عيالي ومؤنة عاملي فهو صدقة» فدل ذلك على أنها صدقات موقوفات الأصول إذ كان يخرج منها في كل عام ووقت نفقة نسائه صلى الله عليه وسلم ومؤنة عامله, كما جرى الأمر في حياته صلى الله عليه وسلم وبعد وفاته أنها موقوفة محبسة لا تقسم أصولها.

وحديث ابن شهاب عن مالك بن أوس بن الحدثان الذي ذكرناه أيضاً أنه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول فيما كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم من المال قال: فوالله ما استأثر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا أخذها دونكم, فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يأخذ منها نفقته ونفقة أهله ويجعل ما بقي أسوة المال, فدل هذان الحديثان على أنها موقوفات الأصول. انتهى.

وهذا من إكرام الله تعالي إياه, أن جميع ما خلفه بعد الوفاة الشريفة صار موقوفاً [صدقة] لله وهو من خصائص الأنبياء المحققة لقوله صلى الله عليه وسلم: «إنا معاشر الأنبياء لا نورث ما تركنا فهو صدقة».

لكن لنبينا صلى الله عليه وسلم من الخصائص التي انفرد بها ما لا يحصى, ومن الكرامات التي أختص بها ما لا يستقصى.


#94#

&[ذكر خصائص النبي صلى الله عليه وسلم]&

*ومن إكرام الله تعالي إياه وبره أنه صلى الله عليه وسلم لما صار في قبره ينزل إليه سبعون ألف ملك كل يوم في فجره يحفون بتربته الشريفة الزاكية الثناء ويصلون عليه إلى المساء.

خرج الحافظ أبو نعيم في "كتاب الحلية" من حديث قتيبة بن سعيد, حدثنا الليث, عن خالد يعني ابن يزيد, عن سعيد هو ابن أبي هلال, عن نبيه ابن وهب: أن كعب الأحبار رضي الله عنه قال: ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفاً من الملائكة حتى يحفوا بالقبر الشريف يضربون بأجنحتهم ويصلون على رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط مثلهم وصنعوا مثل ذلك, حتى إذا انشقت الأرض خرج صلى الله عليه وسلم في سبعين ألفاً من الملائكة يوقرونه صلى الله عليه وسلم.

ورواه ابن المبارك في كتابه "الزهد" فقال: أخبرنا ابن لهيعة, عن خالد بن يزيد, عن سعيد بن أبي هلال, عن نبيه بن وهب, عن كعب الأحبار قال: ذكروا النبي صلى الله عليه وسلم عند عائشة رضي الله عنها فقال كعب: ما من فجر يطلع إلا هبط سبعون ألف ملك يضربون القبر الشريف بأجنحتهم ويحفون [به] ويستغفرون له – أحسبه قال: ويصلون عليه صلى الله عليه وسلم – حتى يمسوا, فإذا أمسوا عرجوا وهبط سبعون ألف ملك يضربون


#95#

القبر بأجنحتهم ويحفون [به] ويستغفرون له – وأحسبه قال: ويصلون عليه صلى الله عليه وسلم – حتى يصبحوا, فكذلك حتى تقوم الساعة, فإذا كان يوم القيامة خرج النبي صلى الله عليه وسلم في سبعين ألف ملك.

حدث به كذلك الحسين بن الحسن المروزي, عن ابن المبارك.

وخرجه القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتابه "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم": من حديث معاذ بن أسد, حدثنا ابن المبارك, أخبرنا ابن لهيعة, حدثني خالد بن يزيد, عن سعيد بن أبي هلال, عن نبيه بن وهب: أن كعباً دخل على عائشة رضي الله عنها فذكروا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال كعب: ما من فجر يطلع إلا نزل سبعون ألفاً من الملائكة يحفون بقبر النبي صلى الله عليه وسلم يضربون بأجنحتهم فيصلون على النبي صلى الله عليه وسلم [حتى إذا أمسوا عرجوا وهبط] سبعون ألفاً [حتى يحفوا بالقبر الشريف يضربون بأجنحتهم ويصلون على النبي صلى الله عليه وسلم] بالليل وسبعون ألفاً بالنهار حتى إذا انشقت عنه الأرض خرج في سبعين ألفا من الملائكة يزفونه صلى الله عليه وسلم.

وقال أبو الوليد الأزرقي فيما خرجه الحسن بن محمد الخلال في كتابه "اشتقاق الأسماء" من طريقه: حدثني جدي, حدثنا سعيد بن سالم, عن عثمان بن ساج, أخبرني أبو سعيد, عن مقاتل رفع الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم في حديث حدث به قال: سمي البيت المعمور أنه يصلي فيه كل يوم سبعون ألف ملك, ثم ينزلون إذا أمسوا فيطوفون بالكعبة, ثم يسلمون على النبي صلى الله عليه وسلم.


#96#

وقد جاءت له صلى الله عليه وسلم خصائص أخر متعلقة بقبره الكريم أشرف الحفر.

منها: ما قال القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتابه "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم": حدثنا سُلَيْمان بن حرب, حدثنا حماد بن زيد, حدثنا غالب القطان, عن بكر بن عبد الله المزني قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم, فإذا أنا مت كانت وفاتي خيراً لكم؛ تعرض علي أعمالكم, فإن رأيت خيراً حمدت الله, وإن رأيت غير ذلك استغفرت الله لكم».

تابعه يونس بن محمد المؤدب فيما حدث به ابن سعد عنه عن حماد.

وحدث به القاضي إسماعيل أيضاً عن حجاج بن المنهال, عن حماد بن سلمة, عن كثير أبي الفضل, عن بكر بنحوه مرسلاً.

وقال أبو الحسن علي بن الخضر بن سُلَيْمان بن سعد في كتابه "شرف النبي صلى الله عليه وسلم": أخبرنا أبو الحسن فائك بن محمد المراحمي فيما كتب به إلي – رحمه الله – من صور, حدثنا إبراهيم بن عبد الله الأنطاكي, حدثنا لوين, حدثنا سويد بن عبد العزيز, عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول


#97#

الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعمالكم تعرض علي كل عشية اثنتين وخمسين, فما كان حسناً حمدت الله وما كان سيئاً استغفرت الله لكم».

وأخبرنا الشهاب عبد الرحمن بن محمد بن الشهاب الفارقي, حدثنا القاسم بن محمد الأشبيلي الحافظ من لفظه, أخبرنا إبراهيم بن علي الواسطي وعبد الرحمن بن أحمد المقدسي ومحمد بن عبد المؤمن, قالوا: أخبرنا داود بن أحمد الوكيل, أخبرنا محمد بن عبيد الله الكرخي: ح, وقال الواسطي والمقدسي أيضاً: أخبرنا الحسن بن إسحاق الجواليقي: ح. وأخبرنا أبو هريرة, أخبرنا القاسم بن المظفر الدمشقي, أخبرنا علي بن أبي عبد الله النجار ومحمد بن أحمد القطيعي ومحمد بن المتوكل – قراءة على الأول وأنا حاضر وإجازة من الآخرين – قالوا: والجواليقي [أخبر محمد بن عبيد الله بن الراغوني قال ابن النجار والقطيعي وابن المتوكل إجازة وقال الجواليقي] سماعا. زاد ابن النجار فقال: وأنبأنا نصر بن نصر العكبري قال: هو والكرخي وابن الراغوني: أخبرنا علي بن أحمد أبو القاسم – قراءة عليه ونحن نسمع, أخبرنا أبو طاهر محمد بن عبد الرحمن المخلص, حدثنا يحيى – يعني ابن صاعد – حدثنا يحيى بن خدام في مسجد الجامع بالبصرة سنة خمسين ومائتين, حدثنا محمد بن عبد الله بن


#98#

زياد أبو سلمة الأنصاري, حدثنا مالك بن دينار [عن أنس بن مالك بن دينار], عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حياتي خير لكم» ثلاث مرات, «ووفاتي خير لكم» ثلاث مرات, فسكت القوم فقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بأبي أنت وأمي كيف يكون هذا قلت: حياتي خير لكم ثلاث مرات, ثم قلت: موتي خير لكم ثلاث مرات؟! قال صلى الله عليه وسلم: «حياتي [خير] لكم ينزل علي الوحي من السماء فأخبركم بما يحل لكم وما يحرم عليكم, وموتي خير لكم تعرض علي أعمالكم كل خميس, فما كان من حسن حمدت الله عز وجل [عليه] وما كان من ذنب استوهبت لكم ذنوبكم».

وحدث عبد المجيد بن عبد العزيز بن أبي رواد, عن سفيان, عن عبد الله بن السائب, عن زاذان, عن عبد الله رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم [قال:


#99#

«إن لله عز وجل ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي السلام».

قال: وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم]: «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم, ووفاتي خير لكم تعرض علي أعمالكم, فما رأيت من خير حمدت الله عليه, وما رأيت من شر استغفرت الله لكم».

خرجه البزار في "مسنده" فقال: حدثنا يوسف بن موسي, حدثنا عبد المجيد .... فذكره, وقال: لا نعلمه يروى عن عبد الله إلا بهذا الإسناد.

وخرج القاضي إسماعيل بن إسحاق في كتابه "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" فقال: حدثنا سُلَيْمان بن حرب, حدثنا حماد بن زيد, حدثنا غالب القطان, عن بكر بن عبد الله المزني, قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حياتي خير لكم تحدثون ويحدث لكم, فإذا أنا مت كانت وفاتي خيراً لكم تعرض علي أعمالكم, فإن رأيت خيراً حمدت الله وإن رأيت غير ذلك استغفرت الله لكم».

وحدث به عن حجاج بن المنهال, عن حماد بن سلمة, عن كثير أبي الفضل, عن بكر مرسلاً أيضاً.

وجاء أن الأعمال تعرض على النبي صلى الله عليه وسلم في كل يوم جمعة, لكنه بإسناد لا يساوي شيئاً, وهو ما حدث به محمد بن مصفى الحمصي –


#100#

وهو ثقة مشهور, لكنه حدث مناكير وهذا منها – عن بقية, حدثنا عباد بن كثير, عن عمران, عن أنس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أعمال أمتي تعرض علي في كل جمعة, واشتد غضب الله على الزناة».


#101#

&[مطلب عظيم في الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم]&

ومنها ما خرجه أبو بكر بن [أبي] عاصم في كتاب "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: حدثنا حجاج بن يوسف أبو محمد الشاعر, حدثنا أبو أحمد الزبيري, حدثنا نعيم بن ضمضم, أخبرنا عمران بن حميري, قال: قال لي عمار بن ياسر رضي الله عنهما: ألا أحدثك حديثاً حدثنيه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله عز وجل أعطى ملكاً من الملائكة أسماع الخلائق فهو قائم على قبري حتى تقوم الساعة فليس أحد من أمتي يصلي علي صلاة إلا قال: يا أحمد فلان ابن فلان باسمه واسم أبيه صلى عليك بكذا وكذا وضمن لي الرب عز وجل [أنه] من صلى عليك صلاة صلى الله عليه عشراً, وإن زاد زاده الله عز وجل».

وخرجه البزار في "مسنده" بنحوه.

وذكره البخاري في "تاريخه الكبير" وقال: قال أبو أحمد الزبيري:


#102#

حدثنا نعيم بن جهضم, عن عمران لا يتابع عليه.

وخرجه أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه "ثواب الأعمال" فقال: أخبرنا إسحاق بن أحمد الفارسي, حدثنا أبو كريب محمد بن العلاء, حدثنا قبيصة, عن نعيم بن ضمضم, قال: قال لي عمران بن حميري: ألا أحدثك عن خليلي عمار بن ياسر رضي الله عنهما؟ قلت: بلي, قال: [قال] رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تبارك وتعالى ملكاً أعطاه أسماع الخلائق كلهم, فهو قائم على قبري إذا مت, فليس أحد يصلي علي صلاة إلا قال: يا محمد صلى عليك فلان ابن فلان, قال: فيصلي الرب تبارك وتعالي على ذلك الرجل بكل واحدة عشراً».

وحدث به أبو الشيخ [أنها] كذلك في كتاب "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم". ورواه أبو يحيى إسماعيل بن إبراهيم التيمي الكوفي, عن نعيم.

وحدث به الروياني [في] "مسنده" عن أبي كريب, عن قبيصة.


#103#

[وخرجه الطبراني في "معجمه" فقال: حدثنا محمد بن عثمان بن أبي شيبة حدثنا أبو كريب حدثنا قبيصة] بن عقبة .... فذكره بنحوه.

وقال أيضاً: حدثنا أحمد بن داود المكي, حدثنا عبد الرحمن بن صالح الكوفي, حدثنا نعيم بن ضمضم, عن خال له يقال له عمران بن الحميري, سمعت عمار بن ياسر, سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لله عز وجل ملكاً أعطاه سمع العباد, فليس من أحد يصلي علي صلاة إلا أبلغنيها وإني سألت ربي عز وجل أن لا يصلي علي عبد صلاة إلا صلى الله عليه عشر أمثالها».

ورواه أبو يحيى إسماعيل, قال الذهبي في "الميزان": تفرد به إسماعيل إسناداً ومتناً.

وليس كما قاله, بل تابعه أبو أحمد الزبيري وقبيصة كما تقدم وغيرهما عن نعيم.

وكأن الذهبي – رحمه الله – قلد أبا سعيد محمد بن علي النقاش فإنه رواه في "أماليه" من طريق محمد بن عمر بن هياج, حدثنا يحيى بن عبد الرحمن, حدثنا إسماعيل بن إبراهيم التيمي, حدثني نعيم بن ضمضم, عن عمران الحميري, عن عمار بن ياسر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إن لله عز وجل ملكاً أعطاه سمع العباد كلهم, وإنه ليس من أحد


#104#

يصلي علي صلاة إلا بلغنيها, وإني سألت ربي أن لا يصلي علي أحد إلا صلى الله عليه عشر أمثالها, وإن الله أعطاني ذلك».

لا أعلم أحداً رواه عن [عمار غير] عمران, تفرد به إسماعيل, عن نعيم عنه, قاله أبو سعيد النقاش.

وله شاهد من حديث أنس بن مالك وغيره.

وقال بقي بن مخلد: حدثنا ابن أبي شيبة, حدثنا هشيم, أخبرنا حصين, عن يزيد الرقاشي وهو ابن أبان القاص العابد, عن أنس رضي الله عنه قال: إن ملكاً موكل بمن صلى على النبي صلى الله عليه وسلم أن يبلغ عنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم: إن فلاناً من أمتك صلى عليك.

$ومن ذلك أن الملائكة الكاتبين الكرام يأتون إلى قبره صلى الله عليه وسلم يبلغونه عن أمته السلام.$

روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشر صلوات, واستبق ملكان أيهما يبلغ روحي منه السلام».


#105#

وفي لفظ عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «حيثما كنتم فصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني». خرجه أبو بكر بن أبي عاصم في كتاب "الصلاة".

وخرجه أيضاً من طريق أخرى عن علي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «صلوا علي فإن صلاتكم وتسليمكم تبلغني حيثما كنتم».

وخرجه أبو بكر بن أبي شيبة في "مصنفه".

وخرج الطبراني في "معجمه الكبير" من حديث محمد بن عبيد, حدثنا موسى بن عمير, عن مكحول, عن أبي أمامة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي صلى الله عليه [بها] عشراً, بها ملك موكل حتى يبلغنيها».

وروى الطبراني من طريق عن الحسن بن علي رضي الله عنهما قال: قالوا: يا رسول الله, أرأيت قول الله عز وجل: {إن الله وملائكته يصلون على النبي} فقال: «إن هذا من المكتوم, ولولا أنكم سألتموني عنه ما أخبرتكم, إن الله وكل بي ملكين لا أذكر عند رجل مسلم فيصلي


#106#

علي إلا قال ذانك الملكان: غفر الله لك, وقال الله وملائكته جواباً لذينك الملكين: آمين».

وقال أبو أحمد الزبيري: حدثنا إسرائيل, عن أبي يحيى, عن مجاهد, عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: ليس أحد من أمة محمد صلى الله عليه وسلم يصلي عليه صلاة إلا وهي تبلغه يقول له الملك: فلان يصلي عليك كذا وكذا صلاة.

وروى مسلم بن عَمْرو بن مسلم أبو عَمْرو الحذاء, عن عبد الله بن نافع هو الصائغ عن ابن أبي ذئب, عن سعيد بن [أبي سعيد, عن] أبي هريرة رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا تجعلوا بيوتكم قبوراً, ولا تجعلوا قبري عيداً, وصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم».

خالفه أبو بكر الحنفي الصغير عبد الكبير بن عبد المجيد, فقال أبو يعلى الموصلي في "مسنده": حدثنا موسي بن محمد بن حبان, حدثنا


#107#

أبو بكر الحنفي, حدثنا عبد الله بن نافع, أخبرنا العلاء بن عبد الرحمن سمعت الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «صلوا في بيوتكم ولا تتخذوها قبوراً, ولا تتخذوا بيتي عيداً, وصلوا علي وسلموا فإن صلاتكم وسلامكم تبلغني أينما كنتم».

وخرجه الطبراني في "معجمه" فقال: حدثنا أحمد بن رشدين المصري, حدثنا سعيد [بن أبي مريم], حدثنا محمد بن جعفر, أخبرنا حميد بن أبي زينب, عن حسن بن حسن بن علي بن أبي طالب [عن أبيه] رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «حيثما كنتم فصلوا علي فإن صلاتكم تبلغني».


#108#

وقال يعقوب بن شيبة في "مسنده": حدثنا خلف بن هشام, حدثنا عبد العزيز بن محمد, عن سهيل قال: وقفت على قبر النبي صلى الله عليه وسلم فرآني الحسن ابن الحسن بن علي بن أبي طالب وهو يتعشى في بيت فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي: هلم العشاء, قلت: لا أريده, فقال: أما إني رأيتك وقفت على قبر النبي صلى الله عليه وسلم, قال: قلت: سلمت على النبي صلى الله عليه وسلم, قال: إذا دخلت إلى المسجد فسلم, إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتخذوا بيتي عيداً, ولا تتخذوا بيوتكم مقابر, وصلوا علي, فإن صلاتكم تبلغني حيثما كنتم, لعن الله يهود اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد» ما أنت ومن بالأندلس إلا بمنزلة سواء.

هذا مرسل, وسهيل هو ابن أبي سهل, قاله يعقوب.

خالفه سويد بن سعيد فرواه عن الدراوردي, حدثني سهل بن أبي سهل.

قال يعقوب: والخطأ في اسم سهيل من قبل سويد. انتهى.

تابعه إسماعيل بن جعفر, عن سهيل فأرسله بنحوه.

ورواه محمد بن عجلان, عن سهيل, عن حسن بن حسن, فأرسله مختصراُ دون القصة.

وروى زيد بن الحباب, حدثنا جعفر بن إبراهيم من ولد ذي


#109#

الجناحين, حدثني علي بن عمر, عن أبيه, عن علي بن حسين؛ أنه رأى رجلاً نحا إلي فرجة كانت عند قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيدخل فيها فيدعو فدعاه فقال: ألا أحدثك حديثاً سمعته من أبي, عن جدي, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تتخذوا قبري عيداً ولا بيوتكم قبوراً, وصلوا علي فإن صلاتكم وتسليمكم يبلغني حيث ما كنتم».

علي هذا هو علي بن عمر بن علي بن حسين بن علي بن أبي طالب, وجعفر هذا هو بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب فيما ظنه يعقوب بن شيبة [في] مسنده.

وروي هذا الحديث عن عبد الله بن محمد, عن زيد بن الحباب قال يعقوب: ولسنا نعرف من ولد عبد الله بن جعفر أحدا روى عنه يقال له إبراهيم [إلا إبراهيم] بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر.

قال: فإن كان جعفر بن إبراهيم ابن هذا الذي ذكرنا وإلا فإني لا أعرف سواه؛ لأن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب ممن يعدله العقب من ولد أبيه وهم أربعة لهم العقب: لعلي الذي سمينا ومعاوية وإسحاق وإسماعيل وليس لسائر ولد عبد الله بن جعفر عقب. انتهى.

وما ظنه الإمام أبو يوسف يعقوب بن شيبة رحمه الله صرح به إسماعيل ابن أبي أويس فقال القاضي إسماعيل بن إسحاق: حدثنا إسماعيل بن


#110#

أبي أويس, حدثنا جعفر بن إبراهيم بن محمد بن علي بن عبد الله بن جعفر بن أبي طالب, عمن أخبره من أهل بيته, عن علي بن حسين بن علي: أن رجلاً كان يأتي كل غداة فيزور قبر النبي صلى الله عليه وسلم ويصلي عليه ... وذكر الحديث بنحوه.

وقوله في رواية الدراوردي: "ما أنت ومن بالأندلس إلا بمنزلة سواء".

$وردت أحاديث كثيرة مصرحة بفضيلة الصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم عند قبره الشريف:$

منها: ما قال أبو محمد ابن حيان في كتابه "ثواب الأعمال" وكتابه في "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم": حدثنا عبد الرحمن ابن أحمد الأعرج, حدثنا الحسن بن الصباح, حدثنا أبو معاوية, حدثنا الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي عند قبري سمعته ومن صلى من بعيد أعلمته».

وخرجه أبو نعيم.

ورواه العلاء بن عَمْرو الحنفي قال: حدثنا محمد بن مروان عن الأعمش ولفظه: «من صلى علي عند قبري سمعته, ومن صلى علي


#111#

نائياً عن قبري أبلغته».

محمد بن مروان هو السدي.

وجاء عنه بلفظ غير هذا, وذلك فيما قال أبو الحسين محمد بن أحمد بن سمعون في "أماليه": حدثنا عثمان [بن أحمد] بن يزيد, حدثنا محمد بن موسي, حدثنا عبد الملك بن قريب الأصمعي, حدثنا محمد بن مروان السدي, عن الأعمش, عن أبي صالح, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من صلى علي عند قبري وكل بها ملك يبلغني وكفي أمر دنياه وآخرته, وكنت له يوم القيامة شهيداً أو شفيعاً».

محمد بن موسي هو الكديمي نسب إلى جده فهو محمد بن يونس بن موسي أبو العباس القرشي الشامي البصري الحافظ الواهي.

وقال أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي الدنيا: حدثنا سويد بن سعيد, حدثنا ابن أبي الرجال, عن سُلَيْمان بن سحيم قال: رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فقلت: يا رسول الله, هؤلاء الذين يأتونك فيسلمون عليك أتفقه


#112#

سلامهم؟ قال: «نعم وأرد عليهم».

وقال ابن وضاح: بلغني أنه من قال عشية خميس بعد العصر: اللهم رب الشهر الحرام والمشعر الحرام والركن والمقام ورب الحل والإحرام أقرئ محمداً مني السلام, فإنه يبعث الله ملكاً يبلغه عنه يقول: إن فلاناً من أمتك يقرئك السلام.

وخرج الطبراني في "معجمه الأوسط" من حديث أبي مودود عبد العزيز بن أبي سُلَيْمان المدني, عن محمد بن كعب القرظي, عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا الصلاة علي في الليلة الزهراء واليوم الأزهر, فإن صلاتكم تعرض علي».

تفرد به أبو مودود فيما ذكره الطبراني.

وله شاهد من حديث [أبي] أمامة الباهلي وأنس بن مالك وغيرهما.

وخرج الإمام أحمد في "مسنده" عن الحسين بن علي – هو أبو عبد الله الجعفي الكوفي عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر, عن أبي الأشعث, عن أوس بن أوس الثقفي رضي الله عنه, عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أفضل أيامكم يوم الجمعة, فيه خلق آدم عليه السلام, وفيه قبض, وفيه النفخة, وفيه الصعقة,


#113#

فأكثروا علي الصلاة فيه فإن صلاتكم تعرض علي» قالوا: يا رسول الله, كيف تعرض صلاتنا عليك وقد أرمت؟ - يقول: بليت – قال: «إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء» صلى الله عليهم وسلم أجمعين.

وحدث به أبو بكر عبد الله بن محمد بن أبي شيبة في "مصنفه" عن حسين بن علي هذا مختصراً.

وخرجه كاملاً الإمام أحمد في "مسنده" وأبو داود والنسائي وابن ماجه في سننهم وابن حبان, والحاكم في صحيحيهما وأبو نعيم الأصفهاني في كتابه "معرفة الصحابة".

ورواه غير واحد, لكن ذكر له علة, قيل: إنه عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم الضعيف, لا عن ابن جابر الثقة, غلط في نسبته حسين


#114#

الجعفي.

قال عبد الرحمن بن أبي حاتم: سألت أبي عن عبد الرحمن بن يزيد بن تميم فقال: عنده مناكير, ويقال هو الذي روى عنه أبو أسامة وحسين, وقالا: هو ابن يزيد بن جابر وغلطا في نسبه وابن يزيد بن تميم أصح.

وقال أبو حاتم مرة: والذي عندي أن الذي يروي عنه أبو أسامة


#115#

وحسين الجعفي واحد وهو عبد الرحمن بن يزيد بن تميم.

وقال الطبراني: حدثنا يحيى بن أيوب العلاف, حدثنا سعيد بن أبي مريم, حدثنا يحيى بن أيوب, عن خالد بن يزيد, عن سعيد بن أبي هلال, عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود تشهده الملائكة, ليس من عبد يصلي علي إلا بلغني صوته حيث كان» قلنا: وبعد وفاتك؟ قال: «وبعد وفاتي إن الله عز وجل حرم على الأرض أن تأكل أجساد الأنبياء».


#116#

ورويناه من حديث أبي العباس محمد بن الحسن بن قتيبة العسقلاني, حدثنا حرملة, حدثنا ابن وهب. ح.

وفي "سنن ابن ماجه" قال – واللفظ له –: أخبرنا عَمْرو بن سواد المصري قال: أخبرنا عبد الله بن وهب, عن عَمْرو بن الحارث, عن سعيد بن أبي هلال, عن زيد بن أيمن, عن عبادة بن نسي, عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا الصلاة علي يوم الجمعة فإنه يوم مشهود وتشهده الملائكة, وإن أحداً لن يصلي علي إلا عرضت علي صلاته حين يفرغ منها» قال: قلت: وبعد الموت قال: «وبعد الموت إن الله – عز وجل – حرم على الأرض أجساد الأنبياء عليهم السلام فنبي الله حي يرزق».

فيه انقطاع بين زيد وعبادة.

قال البخاري في "تاريخه الكبير": زيد بن أيمن عن عبادة بن نسي: مرسل, روى عنه سعيد بن أبي هلال.

وقال أحمد بن عبيدالله الصفار: حدثنا الحسن بن سعيد, حدثنا إبراهيم بن الحجاج, حدثنا حماد بن سلمة, عن برد بن سنان, عن


#117#

مكحول الشامي, عن أبي أمامة, قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا علي من الصلاة في كل يوم جمعة فإن صلاة أمتي تعرض علي في كل يوم جمعة, فمن كان أكثرهم علي صلاة كان أقربهم مني منزلة».

ذكر أبو حاتم أن مكحولاً لم ير أبا أمامة, والله أعلم.

وخرج الحاكم في "مستدركه" عن أبي مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثروا علي من الصلاة في يوم الجمعة فإنه ليس يصلي علي أحد يوم الجمعة إلا عرضت علي صلاته».

صحيح الإسناد, قاله الحاكم.

وقال البيهقي: أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن علي السقاء الاسفرائيني, حدثني والدي أبو علي محمد بن علي, حدثنا أبو رافع أسامة بن علي بن سعيد الرازي بمصر, حدثنا محمد بن إسماعيل بن سالم الصائغ, حدثتني حكامة بنت عثمان بن دينار أخي مالك بن دينار


#118#

قالت: حدثني أبي عثمان بن دينار, عن أخيه مالك بن دينار, عن أنس بن مالك خادم النبي صلى الله عليه وسلم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن أقربكم مني منزلة يوم القيامة في كل موطن أكثركم علي صلاة في الدنيا, من يصلي علي يوم الجمعة وليلة الجمعة مائة مرة قضى الله له مائة حاجة, سبعين حاجة من حوائج الآخرة, وثلاثين من حوائج الدنيا, ثم يوكل الله تعالي بذلك ملكاً يدخله في قبري كما تدخل عليكم الهدايا فيخبرني بمن صلى علي باسمه ونسبه إلى عشيرته فأثبته عندي في صحيفة بيضاء».

وهذا حديث آثار الوضع عليه لائحة, بل هي بينة واضحة, وفي غيره غنية عنه وعن أمثاله.

وجاء عن الزهري بلغنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أكثروا من الصلاة علي في الليلة الزهراء واليوم الأزهر فإنهما يؤديان عنكم, وإن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء, وما من مسلم يصلي علي إلا حملها ملك يؤديها إلي ويسميه حتى إنه ليقول: إن فلاناً يقول كذا وكذا».

وروى عبد الرزاق بن همام في "جامعه" عن أبي طلحة رضي الله عنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم يوماً فوجدته مسروراً فقلت: يا رسول الله ما أدري متى رأيتك أحسن بشراً أو أطيب نفساً من اليوم فقال: «[و] ما


#119#

يمنعني وجبريل – عليه السلام – خرج من عندي الساعة فبشرني أن لكل عبد يصلي علي صلاة تكتب له بها عشر حسنات ويمحى عنه عشر سيئات وترفع له عشر درجات وتعرض علي كما قالها ويرد عليه بمثل ما دعا».

خرجه النسائي بنحوه.

وخرجه أبو بكر بن أبي عاصم في كتابه "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم" ولفظه عن أبي طلحة رضي الله عنه قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يتهلل وجهه مستنيراً, فقلت: يا رسول الله إنك لعلى حال ما رأيتك على مثلها فقال: «وما يمنعني وقد أتاني جبريل – عليه السلام- آنفاً فقال: بشر أمتك أنه من صلى عليك كتب الله له بها عشر حسنات [ورفع له بها عشر درجات ورد الله – عز وجل- عليه مثل قوله وعرضت علي يوم القيامة».

رواه عن أبي طلحة من الصحابة: أنس بن مالك وسهل بن سعد رضي الله عنهم.

وللحديث طرق منها ما رواه الحافظ أبو بكر الخطيب – إملاء بجامع دمشق في سلخ ذي الحجة سنة اثنين وستين وأربعمائة – من حديث إبراهيم بن الوليد بن سلمة القرشي, حدثنا أبي, حدثنا عبد العزيز بن أبي


#120#

سلمة, عن الزهري, عن أنس بن مالك, عن أبي طلحة رضي الله عنهما قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وأسارير وجهه تبرق فقلت: يا رسول الله ما رأيتك أطيب نفساً ولا أظهر بشرا منك يومنا هذا فقال: «وما لي لا تطيب نفسي ولا أظهر بشري وإنما فارقني جبريل الساعة فقال: يا محمد، من صلى عليك من أمتك صلاة كتب الله له بها عشر حسنات] ومحا عنه عشر سيئات ورفعه عشر درجات وقال له الملك مثل ما قال لك، قلت: يا جبريل وما ذاك الملك؟ قال: إن الله عز وجل وكل بك ملكا من لدن خلقك إلى أن يبعثك لا يصلي أحد إلا قال: وأنت صلى الله عليك».

وقال أبو نعيم في "الحلية": حدثنا حبيب بن الحسن، حدثنا عمر بن حفص السدوسي، حدثنا عاصم بن علي، حدثنا المسعودي، عن عون بن عبد الله، عن أبي فاختة، عن الأسود، عن عبد الله رضي الله عنه أنه قال: إذا صليتم على النبي صلى الله عليه وسلم فأحسنوا الصلاة عليه فإنكم لا تدرون لعل ذلك يعرض عليه، قالوا: فعلمنا قال: قولوا: اللهم اجعل صلواتك ورحمتك وبركاتك على سيد المرسلين وإمام المتقين وخاتم النبيين محمد عبدك ورسولك، اللهم ابعثه مقاما محمودا يغبطه الأولون والآخرون، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد


#121#

وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

ورواه مسعود[1] عن عون بن عبد الله قال: أحسنوا الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنها تعرض عليه وذكر بقيته، فلم يذكر فيه أبا فاختة.

وقال الإمام أحمد في "مسنده": حدثنا ابن نمير، أخبرنا سفيان، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، قال: قال عبد الله رضي الله عنه: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله عز وجل في الأرض ملائكة سياحين يبلغوني عن أمتي


#122#

السلام».

ورواه؟ أيضا عن وكيع و[عبد الرحمن – يعني أبن مهدي - ومعاذ ابن معاذ.

وسفيان هو الثوري.

ورواه حبان بن موسى، أخبرنا] عبد الله، عن سفيان به.

وخرجه النسائي بنحوه، وأبو حاتم ابن حبان في كتابه "وصف الصلاة بالسنة" وفي "صحيحة"، والبزار في "مسنده"، وقد تقدم.

وقال سهل بن عمار: حدثنا محمد بن الحسن أبو جعفر الأسدي – يعني التل، حدثنا هو الثوري، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن علي رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن لله تعالى ملائكة يسيحون في الأرض يبلغوني صلاة من صلى علي من أمتي».

قال سهل: كذا وجدته عن علي، المحفوظ عن زاذان، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: «يبلغوني عن أمتي السلام».


#123#

قلت: نسب الدارقطني الوهم فيه إلى أبي جعفر التل ذكره في كتابه "العلل".

ورواه الأعمش، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود كرواية الثوري المحفوظة فيما خرجه الطبراني في "معجمه الكبير" من حديثهما.

ورواه حسين الخلقاني متابعة للأعمش.

ورواته عن الثوري كعبد الرحمن بن مهدي، ووكيع، وعبد الله ابن المبارك في كتابه "الزهد"، وفضيل بن عياض، ويحيى بن سعيد القطان، وابن نمير، وعبيد الله بن موسى، وأبي نعيم الفضل بن


#124#

دكين، وعلي بن قادم، وأبي أحمد الزبيري محمد بن عبد الله الأسدي، ومعاذ بن معاذ وغيرهم.

خالفهم: أبو جعفر محمد بن الحسن بن الزبيري الأسدي التل؛ لأنهم رووه عن الثوري، عن عبد الله بن السائب، عن زاذان، عن ابن مسعود رضي الله عنه مرفوعا به.

ويروى عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه السلام».

حدث به أحمد في "مسنده" عن عبد الله بن يزيد هو أبو عبد الرحمن المقرئ، حدثنا حيوة هو ابن شريح، حدثني أبو صخر المدني: أن يزيد بن عبد الله بن قسيط، عن أبي هريرة رضي الله عنه.

إسناده جيد.


#125#

تفرد به أبو صخر حميد بن أبي المخارق زياد المدني نزيل مصر.

والحديث خرجه الحارث بن أبي أسامة في "مسنده" عن أبي عبد الرحمن هو المقرئ.

وخرجه أبو داود وابن السكن في سننهما.

وحدث به الطبراني في "معجمه الأوسط" عن هارون بن ملول المصري، حدثنا عبد الله بن يزيد أبو عبد الرحمن المقري، حدثنا حيوة بن شريح، عن أبي صخر، عن يزيد بن عبدالله بن قسيط، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «ما من مسلم يسلم علي إلا رد الله إلي روحي حتى أرد عليه».

فأسقط أبا صالح بن ابن قسيط وأبي هريرة.


#126#

وقال ابن المبارك في كتابه "الزهد": أخبرنا حماد بن سلمة، عن حماد الكوفي قال: إن العبد إذا صلى على النبي صلى الله عليه وسلم عرض عليه باسمه.

وقال أبو مصعب: حدثنا مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من مسلم سلم علي في شرق ولا غرب إلا وأنا وملائكة ربي نرد عليه السلام» فقال له قائل: يا رسول الله فما بال أهل المدينة، قال: «وما فعال الكريم في جيرته وجيرانه إنه مما أمر الله تعالى به من حفظ الجوار وحفظ الجيران».

رواه أبو نعيم عن الطبراني، حدثنا عبيد الله بن محمد العمري حدثنا أبو مصعب فذكره، والآفة فيه من العمري، والله أعلم.

وقال أبو الشيخ الأصبهاني في كتابه في "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم":


#127#

حدثنا إسحاق بن إسماعيل الرملي، حدثنا آدم بن أبي إياس، حدثنا محمد ابن نشر، حدثنا محمد بن عامر قال أبو قرصافة رضي الله عنه سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من آوى إلى فراشه ثم قرأ: {تبارك الذي بيده الملك} ثم قال: اللهم رب الحل والحرام، ورب البلد الحرام، ورب الركن والمقام، ورب المشعر الحرام، بحق كل آية أنزلتها في شهر رمضان بلغ روح محمد صلى الله عليه وسلم مني تحية وسلاما أربع مرات، وكل الله بها الملكين حتى يأتيا محمدا صلى الله عليه وسلم (فيقولان له: يا محمد إن فلان ابن فلان يقرأ عليك السلام ورحمة الله، فيقول صلى الله عليه وسلم): وعلى فلان مني ورحمة الله وبركاته».

إسحاق الرملي حدث من حفظه فأخطأ في أحاديث، قاله أبو نعيم الأصبهاني، ولعل هذا الحديث مما أخطأ فيه، فإنه جاء عن أبي جعفر محمد بن علي الباقر من قوله، والله أعلم.


#128#

$ومن خصائص النبي صلى الله عليه وسلم المتعلقة بقبره الشريف:$

ما روى عن أبي إسماعيل محمد بن إسماعيل بن أبي الفديك قال سمعت بعض من أدركت يقول: بلغنا أنه من وقف عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم فتلا هذه الآية: {إن الله وملائكة يصلون على النبي} صلى الله عليه وسلم ثم قال: صلى الله عليك يا محمد يقولها سبعين مرة ناداه ملك: صلى الله عليك يا فلان، لم تسقط لك حاجة.

والأحاديث والآثار في فضل الصلاة والسلام على سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم كثيرة جدا، اقتصرنا من بعضها على المتعلقة بالقبر الشريف فقط، ولو ذكرنا الأحاديث المطلقة والآثار المرسلة في ذلك لخرج بنا عن الاكتفاء باليسير ودخل بنا في التنفير بالتكثير، وعلى كل تقدير فالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم من أفضل القربات، وأزكى الطاعات، وأعظم الحسنات.

قال بقي بن مخلد: حدثنا هانئ بن المتوكل، عن معاوية بن صالح، عن رجل، عن مجاهد، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لولا أن أخاف [أن] أنسى ذكر الله ما تقربت إلى الله تعالى إلا بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، قال: وذلك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «قال جبريل عليه السلام: يا محمد، إن الله تعالى يقول لك: من صلى عليك عشر مرات استوجب الأمان من سخطي».


#129#

$ومن الخصائص المتعلقة بقبره الشريف:$

ما قال أبو الحسن الدارقطني في "السنن": حدثنا أبو عبيد والقاضي أبو عبد الله وابن مخلد: قالوا: حدثنا محمد بن الوليد البسري، حدثنا وكيع، حدثنا خالد بن أبي خالد وأبو عون، عن الشعبي والأسود بن ميمون، عن هارون أبي قزعة، عن رجل من آل حاطب، عن حاطب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من زارني بعد موتى فكأنما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة».

ورواه أبو الحسين عبد الباقي بن قانع القاضي عن محمد بن أحمد بن يونس البزار، حدثنا محمد بن الوليد ... فذكره.

تابعهم زكريا بن يحيى الساجي، عن ابن الوليد وقال: عن هارون أبي قزعة، وفي سنده اضطراب، فروي عن هارون بن أبي قزعة، عن حاطب، وهو وهم.


#130#

ومنه ما قال البخاري في "تاريخه": هارون أبي قزعة، عن رجل من ولد حاطب عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات في أحد الحرمين» روى عنه ميمون ابن سوار لا يتابع عليه.

وروى آدم بن موسى عن البخاري قال: هارون بن فزعة مديني لا يتابع على حديثه.

ومن ما قال أحمد بن الحسين الترمذي: حدثنا عبد الملك بن إبراهيم الجدي، حدثنا شعبة، عن سوار بن ميمون، عن هارون بن قزعة، عن رجل من آل خطاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من زارني متعمدا كان في جواري يوم القيامة، ومات في أحد الحرمين بعثه الله يوم القيامة في الآمنين».

وقال أبو داود سُلَيْمان بن داود الطيالسي في "مسنده": حدثنا سوار بن ميمون أبو الجراح العبدي، حدثني رجل من آل عمر، عن عمر رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من زار قبري – أو قال زارني – كنت له شفيعا أو شهيدا، ومن مات في أحد الحرمين بعثه


#131#

الله في الآمنين يوم القيامة».

قال الذهبي فيما وجدته بخطه في كتابه "الزيارة النبوية" وهو جزء لطيف:

وقد روي حديث الطيالسي عن سوار، قال: سوار هذا لم يذكره ابن أبي حاتم في كتابه "الجرح والتعديل" ولا أبو أحمد الحاكم في "كتاب الكنى" ولا ذكر في الضعفاء وهو من شيوخ شعبة، فهو صدوق. انتهى.

وقال الحاكم أبو عبد الله: حدثنا علي بن عيسى، حدثنا أحمد بن عبدوس بن حمدويه الصفار، حدثنا أيوب بن الحسن، حدثنا ابن أبي فديك، حدثنا سُلَيْمان بن يزيد الكعبي، عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من مات في أحد الحرمين بعث من الآمنين يوم القيامة، ومن زارني محتسبا إلى المدينة كان في جواري يوم القيامة».

تابعه عباد بن موسى الختلي وسعيد بن عثمان، عن ابن أبي فديك.

قال الذهبي عن رواته الثلاثة أيوب، وعباد، وسعيد: ما علمت في


#132#

هؤلاء الثلاثة جرحا، فهو محفوظ عن ابن أبي فديك، تفرد به عن سُلَيْمان الكعبي أحد الضعفاء الذين حديثهم في الترمذي وابن ماجه، وقد وثقه ابن حبان انتهى.

قلت: ذكره البخاري في "تاريخه" ولم يضعفه.

وذكر أن ابن أبي الفديك سمع منه وعن يحيى أنه كان جليس مالك وأن مالكا روى عنه.

وأخبرنا عبد الرحمن ابن الحافظ أبي عبد الله محمد [بن] أحمد بن الذهبي، أخبرنا يحيى بن محمد بن سعد – قراءة عليه وأنا أسمع - وأبو الفضل سُلَيْمان بن حمزة – إجازة - قالا: أنبأنا أبو صادق الحسن بن الصباح، زاد أبو الفضل فقال: وأنبأنا أبو عبد الله محمد بن علي بن عمار الحراني قالا: أخبرنا الإمام أبو محمد عبد الله بن رفاعة بن غدير السعدي – سماعا، أخبرنا أبو الحسن علي بن [الحسن الخلعي، أخبرنا أبو النعمان تراب بن عمر بن عبيد بن محمد بن عباس العسقلاني – قراءة عليه وأنا أسمع - حدثنا أبو الحسن علي بن] عمر


#133#

ابن أحمد بن مهدي الدارقطني - إملاء بمصر – حدثنا يحيى بن محمد بن صاعد، حدثنا أبو محمد عبد الله بن محمد العبادي من بني عباد بن ربيعة في بني مرة بالبصرة، حدثنا سلمة بن سالم الجهني إمام مسجد بني حرام ومؤذنهم، حدثنا عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن سالم، عن أبيه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من جاءني زائرا لم ينزعه حاجه إلا زيارتي كان حقا علي أن أكون له شفيعا يوم القيامة».

خرجه الدارقطني في "سننه" كما رويناه. وخرجه أبو علي بن السكن في "صحيحه"، والطبراني في "معجمه الكبير"، وقد خرجه الحافظ ضياء الدين أبو عبد الله محمد بن عبد الواحد المقدسي في كتابه "الأحاديث المختارة مما ليس في البخاري ومسلم".

وهذا مشعر بتصحيح الحديث، وليس في إسناده مجروح بناء على أن راويه [عن] نافع: عبيد الله بن عمر كما سقناه، واشتهر بأخيه عبد الله ابن عمر.

كما حدث به أبو الشيخ الأصبهاني، عن محمد بن أحمد بن سُلَيْمان الهروي، حدثنا مسلم بن حاتم الأنصاري، حد ثنا مسلمة بن سالم.


#134#

فذكره.

أخبرنا أبو بكر بن إبراهيم بن العز – بقراءتي عليه في سنة ثمان وتسعين وسبعمائة - أخبرك عبد الله بن الحسين الأنصاري، أخبرنا محمد بن أبي بكر بن النور، أنبأنا أبو طاهر أحمد بن محمد الحافظ: ح.

وقلت له أيضا: أخبرك أبو بكر بن محمد وزينب بنت يحيى السلميان، قالا: أنبانا عبد الرحمن بن مكي، أخبرنا أبو طاهر الحافظ - سماعا - أخبرنا أبو سعد أحمد بن الحسن الجرباذقاني – بها في رمضان سنة ثلاث وتسعين وأربعمائة – أخبرنا أبو بكر أحمد بن الفضل – بن محمد المقرئ إمام الجامع بأصبهان، حدثنا أبو بكر محمد ابن الحسن بن يوسف بن يعقوب الإمام، حدثنا عبيد الله بن محمد ابن عبد الكريم الرازي، حدثنا موسى بن هلال العبدي، عن عبد الله ابن عمر العمري، عن نافع، عن ابن رضي الله عنهما قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من زار قبري وجبت له شفاعتي».

وبإسنادنا المتقدم قبل إلى الدارقطني قال: حدثنا أبو عبد الله الحسين بن إسماعيل، حدثنا عبيد بن محمد الوراق، حدثنا موسى بن هلال العبدي، عن عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من زار قبري وجبت له شفاعتي».


#135#

خرجه الدارقطني في "سننه" هكذا.

تابعه ابن ناجية، عن عبيد الوراق مثله.

وقال أبو بكر بن أبي الدنيا في كتابه "زيادة القبور" باب في زيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم: حدثنا الفضل بن سهل، حدثنا موسى بن هلال، حدثنا عبد الله ابن عمر هو العمري، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من زار قبري وجبت له شفاعتي».

قلت: تابعهما محمد بن إسماعيل بن سمرة الأحمسي والنضر بن سلمة عن عروة النيسابوري، وجعفر بن محمد البزوري عن موسى بن هلال. إلا أن في رواية عبيد الوراق: عن موسى، عن عبيد الله [بن عمر.

وكذلك رواه مطين، عن جعفر بن محمد البزوري، حدثنا موسى


#136#

بن هلال، عن عبيد الله] وهو وهم، الله أعلم.

فهؤلاء خمسة لم أعلم في أحد منهم قدحا، رووه عن موسى بن هلال العبدي، قال ابن عدي: أرجو أنه لا بأس به، وقال الذهبي: هو صالح الحديث، وقال مرة: شيخ صدوق.

وأما عبد الله بن عمر فهو ابن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطاب العمري المدني أخو عبيد الله فهو صدوق، لكن في حفظه شيء لغلبة الصلاح والعبادة عليه، روى له مسلم في "صحيحه" متابعة، وروى له الأربعة، وروايته عن نافع جيدة.

قال الدارمي: قلت لابن معين: كيف حاله في نافع؟ قال: صالح ثقة.

وهذا الحديث من روايته عن نافع، وهو صحيح إن شاء الله تعالى ولهذا أخرجه الإمام أبو بكر بن خزيمة في "مختصر المختصر" فحدث به عن محمد بن إسماعيل الأحمسي، عن موسى بن هلال .. وذكره.


#137#

تابعه أبو محمد عبد الرحمن بن أبي حاتم ومحمد بن موسى الحلواني.

وهذا الحديث أمتن ما روي في هذا الباب وأجوده، خلافا للذهبي فإنه ذكر في "تاريخ الإسلام" أن حديث حاطب الذي تقدم من رواية وكيع أجودها إسنادا، وقال: وفي الباب الأخبار اللينة مما يقوي بعضه بعضا؛ لأن ما في رواتها متهم بالكذب وقد وردت من طرق منها: ما قال البزار في "مسنده": حدثنا قتيبة هو ابن المرزبان: حدثنا عبد الله بن إبراهيم - يعني ابن أبي عمرة الغفاري، حدثنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من زار قبري حلت له شفاعتي».

قال: وعبد الله بن إبراهيم حدث بأحاديث لا يتابع عليها.

وقال الدارقطني في "السنن" حدثنا عبد الله بن محمد بن عبد العزيز،


#138#

حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حفص بن أبي داود، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي».

وخرجه أبو القاسم الطبراني في "معجمه الكبير" فقال: حدثنا الحسين بن إسحاق التستري، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حفص بن أبي داود.. فذكره.

تابعه عبد الله بن محمد العزيز البغوي، حدثنا أبو الربيع الزهراني.. فذكره.

وخرجه المفضل بن محمد الجندي في كتابه "فضائل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم" فقال: حدثنا سلمة، حدثنا عبد الرزاق، حدثنا أبو عمر حفص بن سُلَيْمان، عن ليث. فذكره بنحوه.

وخرجه الطبراني أيضا في "معجمه الأوسط" فقال: حدثنا جعفر بن يحيى، حدثنا محمد بن بكار بن الريان، حدثنا حفص بن سُلَيْمان، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حج فزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي».

تابعهما سعيد بن منصور: حدثنا حفص ابن سُلَيْمان.


#139#

خرجه البخاري تعليقا لسعيد في كتابه "الضعفاء" في ترجمة حفص، وهو حفص بن أبي داود سُلَيْمان أبو عمر الكوفي الغاضري صاحب القراءة وابن امرأة عاصم.

ورواه الحسن بن الطيب، حدثنا علي بن حُجْر، حدثنا حفص بن سُلَيْمان، عن ليث به، لكنه زاد في آخره: «كان كمن زارني وصحبني».

وهذه الزيادة منكرة، تفرد بها الحسن بن الطيب، عن علي بن حُجْر [لأن الرواة عن علي بن حجر]، كالحسين بن إدريس والحسن بن سفيان، وغيرهما من الثقات لم يذكروا هذه اللفظة، وجميع الرواة لهذا الحديث عن حفص لم يذكروها، وإنما تفرد بها الحسن بن الطيب، وهو المتهم بها، والله أعلم.

وأما ما رواه أبو يعلى الموصلي حدثنا يحيى بن أيوب، [حدثنا حسان بن إبراهيم،] حدثنا حفص بن سُلَيْمان، عن كثير بن شنظير عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد وذكر الحديث.

فقد تفرد بذكر كثير بن شنظير: حسان بن إبراهيم.

وأبو الربيع الزاهراني وعبد الرزاق ومحمد بن بكار [بن الرمان] وسعيد ابن منصور وعلي بن حجر، كلهم رووه كما تقدم عن حفص، عن ليث نفسه.

والحديث في "المعجم الكبير" و "الأوسط" للطبراني من حديث علي ابن الحسن بن مروان الأنصاري، وتفرد به عن الليث ابن ابنة الليث بن أبي


#140#

سليم، حدثتني عائشة بنت يونس - امرأة الليث بن أبي سليم، عن ليث عن أبي سليم، عن مجاهد، عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من زار قبري بعد موتى كان كمن زارني في حياتي».

وأما ما رواه أبو حاتم ابن حبان فقال: حدثنا أحمد بن عبيد، حدثنا محمد بن محمد بن النعمان بن شبل، حدثنا جدي، عن مالك، عن نافع، عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله: «من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني» فهذا حديث اتهم به حفيد النعمان.

وقال الدارقطني: الطعن في هذا الحديث من محمد بن محمد، لا من نعمان.

وقال ابن حبان: النعمان يأتي عن الثقات بالطامات.


#141#

وجاء عن عبد الملك بن هارون بن عنترة، عن أبيه، عن جده، عن علي رضي الله عنه قال: من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم كان في جوار رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم القيامة.

وفيما قدمنا الترغيب في فضل الزيارة التي أقامت بها الأمة للدين شعاره، فزيارة قبر النبي عليه أفضل الصلاة والسلام سنة من سنن أهل الإسلام، وهي قربة مجمع عليها، وفضيلة مرغب فيها، مندوب إليها، وأحاديثها متلقاة بالقبول والامتثال، وإن كان في بعض إسنادها مقال، ولا يتكلم فيها بما يردها إلا كل مخذول، ولا يطعن فيها بالوضع إلا كل مرتاب جهول، نعوذ بالله من الخذلان والشقاوة والحرمان

قال الإمام أبو عبد الله محمد بن محمد [بن محمد] عبد الله بن إسماعيل بن الحاج العبدري الفاسي في كتابه "المدخل إلى تنمية الأعمال بتحسين النيات" ونقل عبد الحق في "تهذيب الطالب" عن أبي عمران الفارسي أن زيارة النبي صلى الله عليه وسلم واجبة، قال عبد الحق: يريد وجوب السنن المؤكدة. انتهى

وأول من زار قبر النبي صلى الله عليه وسلم - فيما أعلم – ابنته فاطمة عليهما السلام


#142#

فقد قدمنا من طريق جعفر بن محمد، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: لما رمس النبي صلى الله عليه وسلم جاءت فاطمة عليها السلام فأخذت قبضة من تراب القبر فوضعته على عينها وبكت وأنشأت تقول:

ماذا على من شم تربة أحمد  ...  أن لا يشمَّ مدى الزمان غواليا

صبت علي مصائب لو أنها  ...  صُبَّتْ على الأيام عُدْن لياليا.

وربما يُفهَم من هذا أن فاطمة عليها السلام أول من رثا النبي صلى الله عليه وسلم عند قبره الشريف.

وقال الحافظ أبو سعْد أحمد بن أبي الفضل محمد بن أحمد بن أبي الحسن البغدادي الأصبهاني: أنشدنا والدي عند قبر النبي صلى الله عليه وسلم:

أتيتك زائرًا وودت أني  ...  جعلت سواد عيني أمتطيه

ومالي لا أسير على المآقي  ...  إلى قبرٍ رسولُ الله فيه

قال الإمام الزاهد أبو الفتح نصر بن إبراهيم بن نصر المقدسي – رحمة الله عليه -: حدثنا أبو العباس أحمد بن علي بن محمد، حدثنا أبو بكر محمد بن زهير النيسابوري، أخبرنا أبو الحسن علي بن أحمد بن مرزبان، حدثنا أبو محمد الحسن بن محمد النحوي الأصبهاني، أخبرنا ابن فضيل النحوي، أخبرنا عبد الكريم بن علي، أخبرنا محمد بن محمد


#143#

ابن النعمان، حدثنا محمد بن روح، عن الهلالي محمد بن حرب قال:

دخلت المدينة فأتيت قبر النبي صلى الله عليه وسلم فزرته وجلست حذاءه فجاء أعرابي فزاره، ثم قال: يا خير الرسل، إن الله عز وجل أنزل عليك كتابًا صادقًا قال فيه: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً} وإني جئتك مستغفرًا ربك من ذنوبي مستشفعا بك فيها، ثم بكي وأنشأ [يقول]:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه  ...  فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه  ...  فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم استغفر وانصرف، فرقدت، فرأيت النبي صلى الله عليه وسلم في نومي وهو يقول «الحق الرجل فبشره بأن الله عز وجل قد غفر له بشفاعتي» فاستيقظت فخرجت أطلبه فلم أجده.

ورواه الإمام أبو عبد الله الحُسين بن الحَسن الحَليمي فقال: أخبرنا أبو الفضْل محمد بن يوسف بن ريحان، حدثنا الحَسن بن يزيد، حدثنا الحَسن بن سهْل الواسطي، حدثنا محمد بن روح الرقاشي: حدثنا محمد بن حرب الهلالي قال: كنت بالمدينة فدخلت إلى قبر النبي صلى الله عليه وسلم فإذا رجل يوضع على بعيره، حتى أناخه وعقله، ثم دخل المسجد، فسلم سلاما حسنا ودعا دعاء جميلا، ثم قال: بأبي أنت وأمي يا


#144#

رسول الله، إن شاء الله تعالى خصك بوحيه وأنزل عليك كتابا، جمع لك فيه ذكر الأولين والآخرين، فقال في كتابه وقوله الحق: {وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُواْ أَنفُسَهُمْ جَآؤُوكَ فَاسْتَغْفَرُواْ اللّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُواْ اللّهَ تَوَّاباً رَّحِيماً} وقد أتينك مقرا بالذنوب، مستشفعا بك إلى ربك وهو منجز ما وعدك، ثم التفت إلى القبر فقال:

يا خير من دفنت بالقاع أعظمه  ...  فطاب من طيبهن القاع والأكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه  ...  فيه العفاف وفيه الجود والكرم


#145#

&[ما روي في رثاء النبي صلى الله عليه وسلم]&

وقد رثى النبي صلى الله عليه وسلم جماعة من أصحابه لما حلَّ بهم من عظيم مصابه، حُفظ ذلك منهم، وتُلقي وأُخذ عنهم، حتى اتصلت به الرواية، وحصلت به الدراية.

فممن رثاه وبشعر بكاه أبو بكر الصديق رضي الله عنه وأرضاه فقال:

أجدّك ما لعينك لا تنامُ  ...  كأنَّ جفونها فيها كلامُ

لأمر مصيبة عظمت وجلت  ...  فدمع العين أهونه السجام

فجعنا بالنبي وكان فينا  ...  إمام كرامة نعم الإمام

وكان قوامنا والرأس منا  ...  فنحن اليوم ليس لنا قوام

نموج ونشتكي ما قد لقينا  ...  ويشكو فقده البلد الحرام

كأن أنوفنا لاقين جدعا  ...  لفقد محمد فيها اصطلام


#146#

لفقد أغر أبيض هاشمي  ...  تمام نبوة وبه الختام

أمين مصطفي للخير يدعو  ...  كضوء البدر زايله الظلام

سأتبع هديه ما دمت حيا  ...  طوال الدهر ما سجع الحمام

أدين بدينه ولكل قوم  ...  قديم من ذؤابتهم نظام

فلا تبعد فكل كريم قوم  ...  سيدركه ولو كره الحمام

كأن الأرض بعدك طار فيها  ...  فأشعلها بساكنها ضرام

فقدنا الوحي إذا وليت عنا  ...  فودعنا من الله الكلام

سوى ما قد تركت لنا رهينا  ...  توارثه القراطيس الكرام

فقد أورثتنا ميراث صدق  ...  عليك به التحية والسلام

من الرحمن في أعلى جنان  ...  من الفردوس طاب بها المقام


#147#

رفيق أبيك إبراهيم فيها  ...  وما في مثل صحبته ندام

وإسحاق وإسماعيل فيها  ...  بها صلوا لربهم وصاموا

وقال أيضا رضي الله عنه:

لما رأيت نبينا متحملا  ...  ضاقت علي بعرضهن الدور

وارتاع قلبي عند ذاك لهلكه  ...  والعظم مني ما حييت كسير

أأعيش ويحك إن حبي قد ثوى  ...  فأبوك مهضوض الجناح ضرير

يا ليتني من قبل مهلك صاحبي  ...  غيبت في جدث علي صخور

فلتحدثن بدائع من بعده  ...  يعيا بهن جوانح وصدور

وقال أيضا رضي الله عنه:

أيا عين بكي ولا تسأمي  ...  وحق البكاء على السيد

على ذي الفواضل والمكرمات  ...  ومحض الضريبة والمحتد


#148#

على خير خندق عند البلاء  ...  أمسى يغيب في الملحد

فصلى المليك ولي العباد  ...  ورب البلاد على أحمد

فكيف الإقامة بعد الحبيب  ...  وزين المحافل والمشهد

فليت الممات لنا كلنا  ...  وكنا جميعا مع المهتدي

وقال عمر بن الخطاب الملهم يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم ويذكر مصابه الأعظم الذي هد ركنه، ولم يحزن عليه أحد حزنه:

ما زلت مذ وضع الفراش لحينه  ...  وثوى مريضا خائفا أتوقع

شفقا عليه أن يزول مكانه  ...  عنا فنبقي بعده نتفجع

نفسي فداؤك من لنا في أمرنا  ...  أم من نشاورة إذا نتوجع

وإذا تحل بنا الحوادث من لنا  ...  بالوحي من رب عظيم نسمع


#149#

ليت السماء تفطرت أكمامها  ...  وتناثرت منها نجوم نزع

لما رأيت الناس هد جميعهم  ...  صوت ينادي بالنعي المسمع

والناس حول نبيهم يدعونه  ...  يبكون أعينهم بماء تدمع

وسمعت صوتا قبل ذلك هدنى  ...  عباس ينعاه وصوت مفظع

فليبكه أهل المدينة كلهم  ...  والمسلمون بكل أرض تجزع

ولم أجد لعثمان رضي الله عنه شيئا في المعنى مع أنه كان من أشدهم غما وحزنا، وله الشعر المحكم، والنظم المنسجم المعلم، ومنه قوله:

غنى النفس يكفي النفس حتى يكفها  ...  وإن مسها حتى يضر بها الفقر

وما عشرة فاصبر لها إن لقيتها  ...  بكائنه إلا سيتبعها يسر

وكان رضي الله عنه يقول إذا جاءه الإذن بالصلاة:

مرحبا بالقائلين عدلا  ...  وبالصلاة مرحبا وأهلا


#150#

وما صرفه فيما أظن عن المرثية مع قوة النفس إلا ما شغله من الخرس، وقيد لسانه عن المنطق وحبس، فلم ينطق بالمرثية لسانه، لما لقي من شدة المصيبة جنانه.

وقد قال علي رضي الله عنه في معناه ـ وقد عظمت بفقد النبي صلى الله عليه وسلم بلواه:

ألا طرق الداعي بليل فراعني  ...  فأرقني لما استقل مناديا

فقلت له لما رأيت الذي أتى  ...  أغير رسول الله إن كنت ناعيا

فحقق ما أشفقت منه ولم يئل  ...  وكان خليلي عزتي وحماليا

فو الله لا أنساك أحمد ما مشت  ...  بي العيس في أرض وجاوزت واديا

في أبيات أخر ذكرها علماء السير.

وقال أيضا رضي الله عنه

أمن بعد تكفين النبي ودفنه  ...  بأثوابه آسى على هالك ثوى

لقد غاب في وقت الظلام لدفنه  ...  عن الناس منه خير من وطىء الحصا


#151#

رزئنا رسول الله فينا ووحيه  ...  فخير خيار ما رزئنا وما ثوى

وكان لنا كالحصن من دون أهله  ...  لهم معقل فيهم حرين من الفدا

وكنا برؤياه نرى النور والهدى  ...  صباح مساء راح فينا أو اغتدى

فقد غشيتنا ظلمة بعد موته  ...  نهارا وقد زادت على ظلمة الدجى

وكنا به شم الأنوف بنخوة  ...  على موضع لا نستطاع ولا نرى

فيا خير من ضم الجوانح والحشا  ...  ويا خير ميت ضمه الترب والثرى

كأن أمور الناس بعدك ضمنت  ...  سفينة موج البحر والبحر قد سما

وهم كالسكارى من توقع محنة  ...  من الشر ينجو من رحاه على شفا

وضاق فضاء الأرض عنهم برحبه  ...  لفقد رسول الله إذ قيل قد قضى

فقد نزلت بالمسلمين مصيبة  ...  كما بثمود أنزلتها من السما


#152#

فيا حزني إنا رزئنا نبينا  ...  على حين تم الدين واشتدت القوى

فلن يستقل الناس تلك مصيبة  ...  ولن يجبر العظم الذي منهم وها

كأن الألى في مشهد سفر ليلة  ...  أضلوا الهدى لا نجم فيها ولا ضوا

فيا من لأمر اعترانا بظلمة  ...  وكنت لنا النور المبين إذا اعترى

فتجلو العمى عنا فيصبح مسفرا  ...  لنا الحق من بعد الدجى مشرق النوى

وتجلو بنور الله عنا ووحيه  ...  عمى الشرك حتى يذهب الشك والعما

تطاول ليلي أنني لا أرى له  ...  شبيها ولم يدرك له الخلق منتهى

وفي كل وقت للصلاة يهيجه  ...  بلال ويدعو باسمه كلما دعا

فولى أبا بكر إمام صلاتنا  ...  وكان الرضا منا له حين يحتبى

أبي الصبر إلا أن يقوم مقامه  ...  وخاف بأن لا يقلب الصبر والعزا


#153#

سينهض قوم بعد قوم (لحادث  ...  يميز) أهل الصدق والحق والهدى

وتطلب أقوام مواريث هالك  ...  ولله ميراث النبوة والهدى

وقال ابن عمه أبو سفيان بن الحارث يذكر الحادث الذي هو أجل الحوادث:

أرقت فبات ليلي لا يزول  ...  وليل أخي المصيبة فيه طول

وأسعدني البكاء وذاك فيما  ...  أصيب المسلمون به قليل

فقد عظمت مصيبتنا وجلت  ... عشية قيل قد قبض الرسول

فظل الناس منقطعين فيها  ...  كأن الناس ليس لهم حويل

كأن الناس إذ فقدوه عمي  ...  أضر بلب حازمهم غليل


#154#

وحق لتلك مرزية عليها  ...  وحق لها تطير لها العقول

وتصبح أرضنا مما عراها  ...  تكاد بنا جوانبها تميل

فقدنا الوحي والتنزيل فينا  ...  يروح به ويغدو جبرئيل

وذاك أحق ما سالت عليه  ...  نفوس الناس أو كربت تسيل

أصبنا بالنبي وقد رزئنا  ...  مصيبتنا فمحملها ثقيل

نبي كان يجلو الشك عنا  ...  بما يوحى إليه وما يقول

ويهدينا فلا نخشى ضلالا  ...  علينا والرسول لنا دليل

يخبرنا بظهر الغيب عما  ...  يكون فلا يخون ولا يحول

فلم نر مثله في الناس حيا  ...  وليس له من الموتى عديل

أفاطم إن جزعت فذاك عذر  ...  وإن لم تجزعي فهو السبيل


#155#

فعوذي بالعزاء فإن فيه  ...  ثواب الله والفضل الجزيل

وقولي في أبيك ولا تملي  ...  وهل يجزي بفعل أبيك قيل

فقبر أبيك سيد كل قبر  ...  وفيه سيد الناس الرسول

وقال حسان بن ثابت الأنصاري شاعر الإسلام يبكي سيد الأنام عليه [أفضل الصلاة و] السلام:

ما بال عينك لا تنام كأنما  ...  كحلت مآقيها بكحل الأرمد

جزعا على المهدي أصبح ثاويا  ...  يا خير من وطىء الحصا لا تبعد

يا ويح أنصار النبي ونسلهم  ...  بعد المغيب في سواء المسجد

جنبي يقيك الترب لهفي ليتني  ...  غيبت قبلك في بقيع الغرقد

أأقيم بعدك بالمدينة بينهم  ...  يا لهف نفسي ليتني لم أولد


#156#

بأبي وأمي من شهدت وفاته  ...  في يوم الاثنين النبي المهتدي

وظللت بعد وفاته متبلدا  ...  يا ليتني صبحت سم الأسود

أو حل أمر الله فينا عاجلا  ...  من يومنا في روحة أو في غد

فتقوم ساعتنا فنلقى طيبا  ...  محضا ضرائبه كريم المحتد

يا بكر آمنة المبارك بكرها  ...  ولدته محصنة بسعد الأسعد

نورا أضاء على البرية كلها  ...  من يهد للنور المبارك يهتدي

يا رب فاجمعنا معا ونبينا  ...  في جنة تنبي عيون الحسد

في جنة الفردوس فاكتبها لنا  ...  يا ذا الجلال وذا العلا والسؤدد

والله أسمع ما بقيت بهالك  ...  إلا بكيت على النبي محمد

[ومنها:]


#157#

والله أهداه لنا وهدى به  ...  أنصاره في كل ساعة مشهد

صلى الإله ومن يحف بعرشه  ...  والصالحون على المبارك أحمد

وقال [أيضا] رضي الله عنه من قصيدة ذكر فيها التربة الزاكية الحميدة:

خليلي من أهل المدينة يامنا  ...  بنا عن حمى فيه إلى قبر أحمد

وزورا بها خير البرية كلها  ...  بطيبة في منجوفة لم يوسد

فيا أسفا ما وارت الأرض واستوت  ...  عليه وما تحت السلام المنضد

إمام الهدى والقائل المقتدى به  ...  وصاحب جبريل الأمين المؤيد

لقد غيبوا برا وحكما ورأفة  ...  وعدلا ومأوى العائل المتبلد

[ومنها]:

به يقبل الله الصلاة وباسمه  ...  ينادي منادي الخير في [كل] مسجد


#158#

به يعرف المعروف فينا ومن يكن  ...  به يقتدى في كل أمر يسدد

فأبرح بيوم جاء فيه فراقه  ...  وأيئس به يوما علينا وأنكد

وأعظم به رزءا على كل مؤمن  ...  وذي ذمة منها بجبلين ملكد

فصلى عليه الله والملأ الذي  ...  لديه ومن في الأرض من متعبد

وعنا جزاه الله خيرا وباركت  ...  يد الله فيه من إمام مسدد

ومما قاله حسان من المراثي النبوية الحسان قوله:

بطيبة رسم للرسول ومعهد  ...  منير وقد تعفو الرسوم وتهمد

ولا تمتحى الآيات من دار حرمة  ...  بها منبر الهادي الذي كان يصعد

وأوضح آثار وباقي معالم  ...  وربع له فيه مصلى ومسجد

بها حجرات كان ينزل وسطها  ...  من الله نور يستضاء ويوقد


#159#

معارف لم تطمس على العهد آيه  ...  أتاها البلا فالآي منها تجدد

عرفت بها رسم الرسول وعهده  ...  و قبرا بها واراه في الترب ملحد

ظللت بها أبكي الرسول فأسعدت  ...  عيون ومثلاها من الجفن تسعد

يذكرن آلاء الرسول وما أرى  ...  لها محصيا نفسي فنفسي تبلد

منجعة قد شفها فقد أحمد  ...  فظلت لآلاء الرسول تعدد

وما بلغت من كل أمر عشيره  ...  ولكن لنفسي بعد ما قد توجد

أطالت وقوفا تذرف العين جهدها  ...  على طلل القبر الذي فيه أحمد

فبوركت يا قبر الرسول وبوركت  ...  بلاد ثوى فيها الرشيد المسدد

وبورك لحد منك ضمن طيبا  ...  عليه بناء من صفيح منضد

تهيل عليه الترب أيد وأعين  ...  عليه وقد غارت بذلك أسعد


#160#

لقد غيبوا حلما وعلما ورحمة  ...  عشية علوه الثرى لا يوسد

وراحوا بحزن ليس فيهم نبيهم  ...  وقد وهنت منهم ظهور وأعضد

يبكون من تبكي السموات يومه  ...  ومن قد بكته الأرض فالناس أكمد

وهل عدلت يوما رزية هالك  ...  رزية يوم مات فيه محمد

ومنها:

فبكي رسول الله يا عين عبرة  ...  ولا أعرفنك الدهر دمعك يجمد

وما لك لا تبكين ذا النعمة التي  ...  على الناس منها سائغ يتغمد

فجودي عليه بالدموع وأعولي  ...  لفقد الذي لا مثله الدهر يوجد

وما فقد الماضون مثل محمد  ...  ولا مثله حتى القيامة يفقد

وقد تسب إلى حسان رضي الله عنه مما قاله في المصاب العظيم الذي شغل باله قوله:


#161#

نب المساكين أن الخير فارقهم  ...  مع الرسول تولى عنهم سحرا

من ذا الذي عنده رحلي وراحلتي  ...  ورزق أهلي إذا لم يؤنسوا المطرا

ذاك الذي ليس يخشاه مجالسه  ...  إذا الجليس سطا في القول أو عثرا

كان الضياء وكان النور نتبعه  ...  وكان بعد الإله السمع والبصرا

فليتنا يوم واروه بملحده  ...  وغيبوه وألقوا فوقه المدرا

لم يترك الله خلقا من بريته  ...  ولم يعش بعده أنثى ولا ذكرا

ذلت رقاب بني النجار كلهم  ...  وكان أمرا من الرحمن قد قدروا

وقال أبو عبد الله محمد بن محمد بن الحاج العبدري في "مدخله": ولقد أحسن حسان حين رثاه [عليه الصلاة والسلام]:


#162#

كنت السواد لناظري  ...  فعمي عليك الناظر

من شاء بعدك فليمت  ...  فعليك كنت أحاذر

ومما قاله عبد الله بن أنيس في المعني، وقد لقي من مصاب النبي صلى الله عليه وسلم كمدا وحزنا:

تطاول ليلي واعترتني القوارع  ...  وخطب جليل للبرية جامع

غداة نعى الناعي إلينا محمدا  ...  وتلك التي تستك منها المسامع

فلو رد ميتا قتل نفسي قتلتها  ...  ولكنه لا يدفع الموت دافع

فآليت لا آسى على هلك هالك  ...  من الناس ما أوفى ثبير وفارع

ولكنني باك عليه ومتبع  ...  مصيبته إني إلى الله راجع

وقد قبض الله النبيين قبله  ...  وعادت مصيبات الردى والتتابع


#163#

[وهكذا أنشد هذه الأبيات ابن سعد في "الطبقات" فقال: أنشدنا هشام بن محمد الكلبي، عن عثمان بن عبد الملك بن عمران بن بلال بن عبد الله بن أنيس قال: سمعتها من مشيختنا قالوا: قال عبد الله بن أنيس يرثي رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الأبيات وزاد أبياتا أخر.

ورواها ابن أبي الدنيا في كتاب "العزاء" مع قصة فقال: حدثني أبو سعيد المديني، حدثني أبو بكر بن شيبة الحزامي، حدثني عمر بن أبي بكر العدوي، حدثني الحسن بن عطية الجهني، عن أبيه، عن عبد الله بن أنيس رضي الله عنه قال: كنت منتحيا في جبل جهينة، فنزل بي ركب من أهل المدينة فنعوا إلي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأظلمت علي الأرض وذهب عقلي والله لو أن ميتا رده قتل حي نفسه لقتلت نفسي، فلما رجع إلي عقلي استرجعت واحتسبت.

ثم قلت لهم: هل استخلف رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا على أمته؟

قالوا: لا.

قلت: فالحمد لله لو أنه استخلف هلك من عصاه.

قلت: فهل اجتمع الناس على رجل؟

قالوا: أمر النبي صلى الله عليه وسلم أبا بكر الصديق رضي الله عنه أن يصلي بالناس.

(قلت: هو والله الإمام، وهل من أمرهم شيء أعظم عند الله عز وجل وعند رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصلاة).

قلت: بيتوا عندي الليلة فإني أراني لما بي أنا ميت حتى تبلغوا عني


#164#

كتابي قريشا، فباتوا.

فقلت شعرا، وبعثت به إلى إخواني من المهاجرين، قلت في ليلتي تلك:

نفى النوم ما لا تعتليه الأضالع  ... وخطب جليل للخلائق جامع

غداة نعي الناعي إلينا محمدا  ...  وتلك التي تستك منها المسامع

فلو رد ميتا قتل نفسي قتلتها  ...  ولكنه لا يدفع الموت دافع

فوالله لا آسى على هلك هالك  ...  من الناس ما أرسى ثبير وفارع

ولكنني باك عليه ومتبع  ...  مصبيته إني إلى الله راجع]

فإن مات فالإسلام حي وربنا  ...  لذا الدين ممن كاده اليوم مانع

وممن رثى النبي صلى الله عليه وسلم ممن كان صاحبا عَمْرو بن العاص رضي الله عنه وكان عن هذه المصيبة غائبا فقال حين بلغته باكيا نادبا:


#165#

أتاني ورحلي في عمان مصيبة  ...  فبت بعين طرفها طرف أرمد

غداة نعى الناعي النبي محمدا  ...  وأعزز علينا بالنبي محمد

فقدنا له وحي السماء ونعمة  ...  تروح علينا بالمراد وتغتدي

وأوحش منه منبر كان زينة  ...  ومسجده وحشا فيا خير مسجد

فلو كنت يوما شاهدا لوفاته  ...  لمست ترابا من ضريحته يدي

بإذن يراه أهله ومكيدة  ...  أسود بها ما عشت يومي وفي غد

كما نالها منه المغيرة خدعة  ...  ومن أنا دون الطائفين الحفيد

وقال كعب بن مالك، وقد ضاقت عليه من الحزن المسالك:

وباكية حراء تحرق بالبكا  ...  وتلطم منها خدها والمقلدا

على هالك بعد النبي محمد  ...  ولو علمت لم تبك إلا محمد

فجعنا بخير الناس حيا وميتا  ...  وأدناه من رب البرية مقعدا


#166#

وأفظعهم فقدا على كل مسلم  ...  وأعظمهم في الناس كلهم يدا

لقد ورثت أخلاقه المجد والتقى  ...  فلم تلقه إلا رشيد ومرشدا

وقال أبو الهيثم بن التيهان وقد ترادفت عليه الأحزان:

ألا قد أرى أن المنى لم تخلد  ...  لأن المنايا للنفوس بمرصد

لقد جدعت آذاننا وأنوفنا  ...  غداة فجعنا بالنبي محمد

تكلم أهل الشرك من بعد غلظة  ...  لغيبة هاد كان فينا ومهتدي

ثلاثة أصناف من الناس كلهم  ...  يروح علينا بالشنار ويغتدي

نصارى يقولون الفرا ومنافق  ...  شبيه بذاك الشامت المتهود

وأوعد كذاب اليمامة جهده  ...  فأجلب عدوا باللسان وباليد

فإن يك هذا اليوم منهم شماتة  ...  فلا تأمنوا ما يحدث الله في غد

وما نحن إن لم يجمع الله أمرنا  ...  بخير قريش كلها بعد أحمد


#167#

بأضيع من شاة بقفر مطيرة  ...  بقاعة قاع أو ضباب بفدفد

وإني لأرجو أن يقوم بأمرنا  ...  علي أو الصديق والمرء من غد

أولاك خيار الحي يا أم مالك  ...  وأنصار هذا الدين من كل معتد

وقال عَمْرو بن سالم [بن] حصيرة وأحزانه لهذه المصيبة الخطيرة:

لعمري لئن جادت لك العين بالبكا  ...  لمحقوقة أن تستهل وتدمعا

أبا حفص إن الأمر جل عن البكا  ...  غداة نعي الناعي النبي وأسمعا

فلم أر يوما كان أعظم حادثا  ...  ولم أر يوما كان أكثر موجعا

إذا ذكرت نفسي فراق محمد  ...  تهيج حزني عند ذلك أجمعا

فوالله لا أنساك ما دمت ذاكرا  ...  لشيء وما قلبت كفا وأصبعا


#168#

وقال سواد بن قارب يذكر أجل المصائب:

جلت مصيبتك الغداة سواد  ...  وأرى المصيبة بعدها تزداد

أبقى لنا فقد النبي محمد  ...  صلى الإله عليه ما يعتاد

حزنا لعمري في الفؤاد مخامرا  ...  أو هل لمن فقد النبي فؤاد

كنا نحل به جنابا ممرعا  ...  جف الجناب فأجدب الرواد

فبكت عليه أرضنا وسماؤنا  ...  وتصدعت وجدا به الأكباد

لو قيل تفدون النبي محمدا  ...  بذلت له الأموال والأولاد

وتسارعت فيه النفوس لبذلها  ...  هذا له الأغياب والأشهاد

هذا وهذا لا يرد نبينا  ...  لو كان يفديه فداه سواد

وقال بعض بني الحارث بن كعب [يذكر هذا المصاب الصعب]:

لعمري لئن كان النبي محمد  ...  عليه سلام الله أودى به القدر


#169#

لقد كسفت شمس النهار لفقده  ...  وبكت عليه الأرض وانكسف القمر

وبكته آفاق السماء وما لها  ...  وللأرض شجو غير ذاك ولا عبر

ولو قيل تفدون النبي محمدا  ...  لقلنا نعم بالنفس والسمع والبصر

وقل له منا الفداء وهذه  ...  وإن بذلت لا يسترد بها بشر

وإن يكن وافاه الحمام فدينه  ...  على كل دين خالف الحق قد ظهر

ونحن بحمد الله هامة مذحج  ...  بنو الحارث الخير الذين هم الغرر

بنجران نعطي من سعى صدقاتنا  ...  موفرة ما في الخدود لها صعر

ونحن على دين النبي نرى الذي  ...  نهانا حراما منه والأمر ما أمر

أحاذر إن لم يدفع الله حوله  ...  بمجموعة يبيض من هولها الشعر

يحين فيها الله من خف حلمه  ...  ويسعد فيها ذو الأناة بما صبر

نطيع قريشا ما أطاعوا فإن عصوا  ...  دنينا ولم نشر السلامة بالغرر


#170#

وكان بهذا الأمر منهم ثلاثة  ...  علي أو الصديق أو ثالث عمر

فلم يخطئوا إذ سددوها ببعضهم  ...  هم ما هم لإرعاده مطر

وممن بكى رسول الله صلى الله عليه أبو ذؤيب خويلد بن خالد بن الحارث الشاعر، ولا رؤية له بل أدرك وأسلم، ووجد لفقد النبي صلى الله عليه وسلم ألما وغصة، وله في ذلك قصة وهي ما روينا عن الهرماس بن صعصعة الهذلي، عن أبيه أن أبا ذؤيب الشاعر رضي الله عنه حدثه قال: بلغنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عليل فاستشعرت حزنا وبت بأطول ليلة لا ينجاب ديجورها ولا يطلع فظللت أقاسي طولها حتى إذا قرب السحر غفيت فهتف بي هاتف وهو يقول:

خطب أجل أناخ بالإسلام  ...  بين النخيل ومقعد الآطام

قبض النبي محمد فعيوننا  ...  تذري الدموع عليه بالتسحام

قال أبو ذؤيب: فوثبت من نومي فزعا، فنظرت إلى السماء، فلم أر إلا سعد الذابح فتفاءلت به ذبحا يقع في العرب، وعلمت أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض أو هو ميت من علته فركبت ناقتى وسرت.

فلما أصبحت طلبت شيئا أزجر به فعن لي شيهم قد قبض على صل – يعني: الحية، فهي تلتوي عليه والشيهم يقضمها حتى أكلها، فزجرت ذلك


#171#

وقلت: شيهم شيء مهم، والتواء الصل التواء الناس عن الحق على القائم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أكل الشيهم إياها غلبة القائم بعده على الأمر فحثثت ناقتي حتى إذا كنت بالغابة زجرت الطائر فأخبرني بوفاته صلى الله عليه وسلم ونعب عزاب سانح فنطق بمثل ذلك، فتعوذت بالله من شر ما عن لي في طريقي.

وقدمت المدينة ولها ضجيج بالبكاء كضجيج الحجيج إذا أهلوا بالإحرام، فقلت: مه، فقالوا: قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فجئت المسجد فوجدته خاليا فأتيت بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدت بابه مرتجا، وقيل: هو مسجى، وقد خلا به أهله، فقلت: أين الناس؟ فقيل في سقيفة بني ساعدة، وذكر قصة المبايعة لأبي بكر رضي الله عنه ثم قال: فشهدت الصلاة على محمد وشهدت دفنه، ثم أنشد أبو ذؤيب يبكي رسول الله صلى الله عليه وسلم:

لما رأيت الناس في عسلانهم  ...  ما بين ملحود له ومضرح

متبادرين لشرجع بأكفهم  ...  فوق الرقاب لفقد أبيض أروح

فهناك صرت إلى الهموم ومن يبت  ...  جار الهموم يبيت غير مروح

كسفت لمصرعه النجوم وبدرها  ...  وتزعزعت آكام بطن الأبطح

وتزعزعت أجبال يثرب كلها  ...  ونخليها بحلول بطن مفدح


#172#

ولقد زجرت الطير قبل وفاته  ...  بمصابه وزجرت سعد الأذبح

وفي غبر هذه الرواية

ولقد زجرت الطير قبل وفاته  ...  يوم الرويشة بالفجاج الأفيح

لما رأيت مكا البريح ونازعت  ...  فنن الصدوح ولاح بعض الأشيح

نعب المشحشح سانحا لفراقه  ...  والعيش عابته بقاع الأطلح

لما تصلصلت المساحي بيننا  ...  سالت دموع العين سيل المسيح

وقالت أخت مسطح هند الصحابية تذكر هذا المصاب الذي طم على كل رزية:

أشاب ذؤابتي وأدل كيني  ...  بكاؤك فاطم الميت الفقيدا

فأعطيت البكاء فلم يكدر  ...  وأخدمت الولائد والعبيدا

وكنت ملاذنا في كل لزب  ...  إذا هبت بشامية برودا


#173#

وإنك خير من ركب المطايا  ...  وأكرمهم إذا نسبوا جدودا

رسول الله فارقنا فكنا  ...  نرجي أن يكون لنا خلودا

أفاطم فاصبري فلقد أصابت  ...  رزيتك التهائم والنجودا

وأهل البر والأبحار طرا  ...  لم تخطئ مصيبته وحيدا

وكان الخير يصبح في ذراه  ...  سعيد الجد قد ولد السعودا

وقالت أم أيمن ترثيه [وقد عظم حزنها عليه ووجدها فيه] صلى الله عليه وسلم [وشرف وكرم].

عين جودي فإن بذلك للدمع  ...  شفاء فأكثري من بكاء

حيت قالوا أمسى الرسول فقيدا  ...  ميتا كان ذلك كل البكاء

وابكيا خير من رزئناه في الدنيا  ...  ومن خصه بوحي السماء

بدموع غزيرة منك حتى  ...  يقضي الله فيك خبر القضاء


#174#

فلقد كان ما علمت وصولا  ...  ولقد جاء رحمة بالضياء

ولقد كان بعد ذلك نورا  ...  وسراجا يضيء في الظلماء

طيب العود والضريبة المعدن  ...  والخيم خاتم الأنبياء

وقال عاتكة بنت زيد أخت سعيد ترثي رسول الله صلى الله عليه وسلم [فعن القصيد]:

أمست منابره أوحشت  ...  وقد كان يركبها زينها

وليست تبكي على سيد  ...  تردد عبرتها عينها

وأمست نساؤك ما تستفيق  ...  من الحزن يعتادها دينها

وأمست شواحب مثل الفصال  ...  قد عطلت وكبا لونها

يعالجن حزنا يعيد الذهاب  ...  وفي الصدر مكتنع حينها

يضربن بالكف حر الوجوه  ...  على مثله جادها شونها

هو السيد الفاضل المصطفى  ...  على الحق مجتمع دينها


#175#

فكيف حياتي بعد الرسول  ...  وقد حان من ميتة حينها

وقد جاء أن صفية وعاتكة وأروى على ما ذكره الواقدي وقوى رثت النبي صلى الله عليه وسلم [كل منهن] بأبيات، وفي ذلك دليل على أنها مسلمات.

فقالت أروى هذه الأبيات التي تروى:

ألا يا عين ويحك أسعديني  ...  بدمعك ما بقيت وطاوعبني

ألا يا عين ويحك واستهلي  ...  على نور البلاد وأسعديني

فإن عذلتك عاذلة فقولي  ...  علام وفيم ويحك تعذليني

على نور البلاد معا جميعا  ...  رسول الله دوما فاتركيني

فإلا تقصري بالعذل عني  ...  فلومي ما بدا لك أو دعيني

لأمر هدني وأذل ركني  ...  وشيب بعد جدتها قروني

وقالت عاتكة وهي من الأحزان هالكة:

أعيني جودا بالدموع السواجم  ...  على المصطفي بالنور من آل هاشم


#176#

على المصطفي بالنور والحق والهدى  ...  وبالرشد بعد المنديات العظائم

وسحا عليه وابكيا ما بقيتما  ...  على المرتضى للمحكمات العزائم

على المرتضى للبر والعدل والتقى  ...  وللدين والإسلام بعد المظالم

على الطاهر الميمون ذي الحلم والندى  ...  وذي الفضل والداعي لخير التراحم

أعيني ماذا بعدما قد فجعتما  ...  به تبكيان الدهر من ولد آدم

وقالت عاتكة أيضا:

يا عين جودي ما بقيت بعبرة  ...  سحا على خير البرية أحمد

يا عين واحتفلي وسحي واسجمي  ...  وابكي على نور البلاد محمد

أنى لك الويلات مثل محمد  ...  في كل نائبة تنوب ومشهد

فابكي المبارك والموفق ذا التقى  ...  حامي الحقيقة ذا الرشاد المرشد

من ذا يفك عن المغلل غلة  ...  بعد المغيب في الضريح الملحد


#177#

أم من لكل مدفع ذي حاجة  ...  ومسلسل يشكو الحديد مقيد

أم من لوحي الله ينزل بيننا  ...  في كل ممسى ليلة أو في غد

فعليك رحمة ربنا وسلامه  ...  يا ذا الفواضل والندا والسؤدد

وقالت عاتكة أيضا:

عيني جودا طوال الليل وانهمرا  ...  سكبا وسحا بدمع غير تغذير

يا عين واسحنفري بالدمع واحتفلي  ...  حتى الممات بسجل غير منذور

يا عين وانهملي بالدمع واجتهدي  ...  للمصطفى دون خلق الله بالنور

بمستهل من الشربوب ذي سبل  ...  فقد رزئب نبي العدل والخير

وكنت من حذر للموت مشفقة  ...  وللذي خط من تلك المقادير

من فقد أزهر صافي الخلق ذي فخر  ...  صاف من العيب والعاهات والزور

فاذهب حميدا جزاك الله مغفرة  ...  يوم القيامة عند النفخ في الصور


#178#

وقال صفية وقد عظمت لديها البلية:

أرقت فبت ليلي كالسليب  ...  لوجد في الجوانح ذي دبيب

فشيبني وما شابت لداتي  ...  فأمسى الرأس مني كالعسيب

لفقد المصطفي بالنور حقا  ...  رسول الله ما لك من ضريب

كريم الخيم أروع مصرحي  ...  طويل الباع منتحب نجيب

ثمال المعدمين وكل جار  ...   ومأوى كل مضطهد غريب

فإما تسمي في جدث مقيما  ...  فقدما عشت ذا كرم وطيب

وكنت موفقا في كل أمر  ...  وفيما ناب من حدث الخطوب

وقالت صفية [بنت عبد المطلب رضي الله عنها أيضا]:

عين جودي يدمعه وسهود  ...  واندبي خير هالك مفقود

واندبي المصطفي بحزن شديد  ...  خالط القلب فهو كالمعمود


#179#

كدت أقضي الحياة لما أتاه  ...  قدر خط في كتاب مجيد

فلقد كان بالعباد رؤوفا  ...  ولهم رحمة و[خير رشيد]

رضي الله عنه حيا وميتا  ...  وجزاه الجنان يوم الخلود

وقالت صفية رضي الله عنها [أيضا]:

يا عين جودي بدمع منك منحدر  ...  ولا تملي وبكي سيد البشر

ابكي الرسول فقد هدت مصيبته  ...  جميع قومي وأهل البدو والحضر

ولا تملي بكاك الدهر معولة  ...  عليه ما غرد القمري بالسحر

وقالت صفية أيضا [رضي الله عنها]:

عين جودي بعبرة وانتحاب  ...  للنبي المطهر الأثواب

واندبي المصطفي وسحي وجمي  ...  بدموع غزيرة الأسراب

عين من تندبين بعد رسول الله  ...  قد خصه بأم الكتاب


#180#

واجتباه بعلمه وارتضاه  ...  وهداه بعد العمى للصواب

فاتح خاتم رؤوف رحيم  ...  صادق القيل طيب الأثواب

مشفق ناصح حريص علينا  ...  رحمة من إلهنا الوهاب

رحمة الله والسلام عليه  ...  وجزاه المليك خير الثواب

وقال صفية أيضا - رضي الله عنها - وقيل - فيما يروى - إنها لأختها أروى:

ألا يا رسول الله كنت رجاءنا  ...  وكنت بنا برا ولم تك جافيا

وكنت بنا رؤوفا رحيما نبيا  ...  ليبك عليك اليوم من كان باكيا

لعمرك ما أبكي النبي لموته  ...  ولكن لهرج كان بعدك آتيا


#181#

كأن على قلبي لذكرى محمد  ...  وما خفت من بعد النبي المكاويا

أفاطم صلى الله رب محمد  ...  على جدث أمسى بيثرب ثاويا

أرى حسنا أيتمته وتركته  ...  يبكي ويدعو جده اليوم نائيا

فدى لرسول الله أمي وخالتي  ...  وعمي ونفسي قصرة ثم خاليا

صبرت وبلغت الرسالة صادقًا  ...  وقومت صلب الدين أبلج صافيا

فلو أن رب العرش أبقى نبينا  ...  سعدنا ولكن أمره كان ماضيا

عليك من الله السلام تحية  ...  وأُدْخِلْتَ جناتٍ من العدن راضيا

فهذا ولله المحامد الكثيرة، والمنن الخطيرة، خاتمة ما فتح الله به من هذه السيرة فله سبحانه الحمد بدءا وعودا على إنعامه الجزيل، وإفضاله الجليل، وإحسانه الجميل، ونسأله سبحانه آخرًا كما سألناه أولاً فهو ذو الفضل العظيم أن ينفع به ويجعله خالصًا لوجهه الكريم، وأن يدخره لنا وقاية من النار وجنة، وأن يدخلنا برحمته أول وهلة الجنة، فهو المجيب لمن سأله والمجيز، وما ذلك على الله بعزيز.


#182#

وصلى الله وسلم على سيدنا محمد خاتم النبيين والمرسلين، وأكرم الأولين والآخرين، أشرف الصلوات وأزكاها، وأكثرها وأطيبها وأنماها.

وعلى آله الطيبين الطاهرين، وأصحابه الكرام المنتخبين، وتابعيهم بإحسان إلى يوم القيامة، وسلم تسليما كثيرا، وحسبنا الله ونعم الوكيل.

آخر "جامع الآثار في مولد المختار"

صلى الله عليه وسلم

وشرف وكرم وعظم


#183#

[ختام النسخ الخطية]

(الظاهرية) وكان الفراغ من تعليقه فقير ربه والجواد المنان الفقير إلى رحمة ربه السيد رمضان بن مصطفي غفر الله له ولوالديه ولجميع المسلمين، وذلك في نهار السبت المبارك نصف شهر جماد الثاني 1096وذلك برسم مفخر العلماء والمدرسين مولانا محمد أفندي البقجي زيد نعمة الله عليه، صلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.

(دار الكتب المصرية) على يد العبد الفقير، المعترف بالذنب والتقصير، راجي عفو ربه المنان، يوسف بن سُلَيْمان النقاش الحنفي مذهبا، الخلوتي طريقة، الشامي بلدا ومسكنا

غفر الله له ولوالديه ولمن دعا لهم بخير في نهار الثلاثاء سابع عشر شهر ذي القعدة الحرام من شهور سنة 1073.

نقلت هذه النسخة المباركة من نسخة نقلت عن نسخة مؤلفة بخط الشيخ الإمام الحافظ العلامة شمس الدين محمد بن أبي بكر عبدالله ابن محمد بن أحمد الشهير بابن ناصر الدين رحمه الله تعالى رحمة واسعة تاريخها: محرم الحرام سنة ست وخمسين وألف.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله أجمعين.



[1] كذا في (ظ)، وفي (د): مسعر. والصواب: المسعودي.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

اندكس سليم

 اضغط الرابط